الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

بيت حانون "حقائق وعبر" بقلم الدكتور علي خشان

نشر بتاريخ: 10/11/2006 ( آخر تحديث: 10/11/2006 الساعة: 21:58 )
تقول إسرائيل بأنها لم تقصد قتل المدنيين الفلسطينيين الأبرياء في بيت حانون الجريحة المنكوبة،وأن هذا الأمر لا يعدو كونه خطأ بشرياً قد يكون إقترفه أصغر جندي في قوات النخبه البرية التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي صاحب الجولات والصولات في الحروب والمعارك!
أو أنه على أبعد الحدود لم يحسن تقدير الأمور أو فهم طبيعة الأوامر أو حقيقة الأهداف التي يتعامل معها، هذا كله طبعا في ظل التكنولوجيا الحديثة حيث تتراجع الأخطاء البشرية الى نقطة الصفر، وفي مقابل ذلك توجد العديد من الإحتمالات التي يجب التعامل مع كل منها بجدية ولن تخرج تلك الإحتمالات عن الأمورالتالية:

1- قيام القيادة السياسية وبالذات قمة الهرم السياسي في إسرائيل بالتخطيط للعملية أو إصدار الأوامر بذلك.
2- معرفة القيادة الإسرائيلية بالإطار العام للعملية ومباركتها دون الدخول في التفاصيل.
3- قيام القيادة العسكرية العليا بالتخطيط للعملية وتنفيذها دون معرفة القيادة السياسية بذلك.
4- عدم قيام القيادة العسكرية العليابالتخطيط أو التنفيذ للعملية مع معرفتها بذلك.
5- عدم معرفة القيادة العسكرية العليا بالعملية وتفصيلاتها وبقاء ذلك ضمن الأعمال التي تقوم بها الوحدات المقاتلة وقيامها بالتصرف وفق مقتضيات المعركة والدفاع عن النفس.
6- قيام قائد الوحدة العسكرية المكلف بقيادة العمليات بإصدار الأوامر بشكل شخصي.
7- قيام جنود المدفعية بالتصرف خلافا للأوامر.
8- الخطأ في تحديد الأهداف وهل هي عسكرية أو مدنية.

وبنظرة سريعة الى مجموع تلك الإحتمالات يتبين لنا أن إسرائيل ستنفي نفياً تاما معرفة القيادات السياسية بالأمر وهذا أمر يتعارض مع ما هو معروف عن كيفية إدارة الأمور في إسرائيل حيث أن إسرائيل لا تترك للأمور أن تسير على عواهنها دون معرفة القيادات السياسية بكل التفاصيل وبشكل دقيق، كما أن توسيع أو تضييق أي عملية عسكرية تتم دوما ببحث أو تغطية سياسية،ونجد أن مجلس الوزراء يناقش دوما تلك العمليات أو على أقل تقدير في المجلس المصغر في الحد الأدنى للنقاش وتشترك القيادات العسكرية والسياسية في إتخاذ القرارات و في حالة صدق هذه الفرضية فإن الأمر يدل على أن هناك تسيب خطير أصاب القيادة السياسية الإسرائيلية وينظر بعواقب وخيمة تتعلق بالية إتخاذ القرار السياسي.

أما القول بأن القيادة العسكرية العليا ليست على علم فهو أيضا أمر مستبعد حيث أن الإتصالات بين القيادة العسكرية العليا والميدانية هي إتصالات دائمةوتخضع لمتابعة دقيقة تطال أدق التفصيلات،وتشمل التحرك البسيط للجنود، والقول بغير ذلك يدخلنا في حقيقة مفادها أن هذا الجيش لا توجد لديه قيادة عسكرية مركزية وإنما يدير شؤونة عدد بسيط من صغار الضباط وهذا أمر مستبعد وغير صحيح.

لذا فإن الشيء الوحيد الذي ستعترف به إسرائيل هو الخطأ البشري في تحديد الأهداف وهذا غير منطقي في ظل التطور العلمي ، أو عدم فهم آمر المدفعية لطبيعة الأوامر التي صدرت اليه أو الرد على نيران معادية ،
والملاحظ أنه لم يكن هناك قتال في المناطق التي تعرضت للقصف وأن المناطق المنكوبه هي مناطق مدنية بإمتياز وأن الضحايا معظمهم من النساء والأطفال المدنيين العزل، وأن التوقيت كان في وقت يلف الهدوء المنطقة بأكملها دون وجود إشتباكات أو حتى إشارات على وجود تحرك لمسلحين أو وجودهم في المنطقة.
وهذه الأمور جميعا تؤكد على حقيقة واحدة وواضحة بأن هذه العملية كغيرها من المجازر الإسرائيلية السابقة والتي ستأتي في المستقبل ، هي عمليات مخطط لها سياسيا وعسكريا وتهدف لتحقيق العديد من الأهداف لعل من أهمها:

إفشال أو التأثير على الحوار الفلسطيني من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية ، فإسرائيل لا تريد سلاما دائما،وإن أرادت هدوءاً في المنطقة قد يؤدي لسلام مستقبلي فهي تريده أن قدر له أن يتحقق وفق شروطها ووفقا لما يحقق مصالحها ، وإستنادا على ما تقدم فهي مستعدة للقيام بكل ما من شأنة تحقيق أهدافها المرسومة والمخطط لها بشكل إستراتيجي، ولا تقوم على ردود الفعل العصبية غير المستبصرة والتي لا تقود الى نتيجة كما هو الحال بالنسبة لكثير من ردود الفعل العربية والفلسطينية على وجة الخصوص.
فإسرائيل تعلم تماماً بأن المستفيد الوحيد من الحوار والخروج من الأزمة وتشكيل الحكومة هو الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الحصار والجوع وإنعدام الوزن، والخلاف السياسي، والفوضى الداخلية الأمنية والإجتماعية والسياسية والتراجع الإقتصادي والصحي والتعليمي، وإن وحدة الرؤى والتوجهات ستسهم حتما في بدايات الخروج من الأزمة وفك الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني وهدم جدار العزلة الدولية.

وأن إسرائيل لا تريد لهذه الأمور أن تتحقق خاصة أن هذه الفوضى هي التي تمكنها من الإستمرار في سياستها التدميرية وفي الإدعاء بعدم وجود شريك حقيقي وفي وصم الفلسطينيين بالإرهاب وإتهامهم بعدم القدرة على قيادة دولة وبناء وطن.

كما أنها تريد من تلك العملية دفع بل توجيه دعوة مفتوحة لجميع الفصائل الفلسطينية أو بعض منها للقيام بعملية أو أكثر في العمق الإسرائيلي وبالذات في المدن الإسرائيلية، يعطيها المبرر الأكبر أمام العالم للتنصل من إلتزاماتها وإن كانت ليست بحاجة ماسة لذلك ولكنها تخطط لما تريد بدقة وتربط الأسباب بالمسببات.

وبهذا يبقى الشارع الفلسطيني في الدوامة التي لا تنتهي من الخلافات والصراعات والتنازع الداخلي والحصار الدولي وتبقى إسرائيل هي المستفيدة من هذا الوضع.

والمتتبع لمجريات الصراع العربي الإسرائيلي يتبين له أن هذة الجريمة ليست الأولى التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين في فلسطين أو خارج فلسطين وأنها كانت دوما تسوق الكثير من الحجج وتبتدع المبررات لتبرء نفسها من عواقب أفعالها ونجحت في معظم تلك الجرائم من تبرئة نفسها وعدم التعرض للمساءلة أو الإدانة، ولم يفلح المجتمع الدولي في إدانتها نتيجة لتدخل الولايات المتحدة الأمريكية والتي تنظر للأمور دوما بعيون إسرائيلية وترى أن مصالحها تتقاطع دوما مع إسرائيل وبعيدا عن الخطب العربية الجوفاء والتي لا تهدف الإ مشاغلة الرأي العام العربي وتعبئتة مؤقتا في إنتظار مصيبة أخرى ومجزرة كبرى وشهداء جدد وجنازات ومسيرات وأصوات وحناجر تنادي بالموت لإسرائيل ولأمريكا ولا تغيير في السياسة ولا تجاوب ولا تعاطف دولي، حتى أن التعاطف الرسمي العربي، قد تراجع خطوات الى الخلف وبدأت شعارات الإستنكار والتنديد والشجب تصدر باستحياء.
وعليه يجب أن يكون الرد الفلسطيني مدروسا بدقة وعناية ومبنيا على تحقيق المصالح الفلسطينية والأهداف الفلسطينية ولا يسير بإتجاة تحقيق الأهداف التي تسعى إسرائيل لتحقيقها وبأيادي فلسطينية بعد أن كانت حصيلتها ضحايا فلسطينيون، يجب أن يكون الرد الفلسطيني هو إستمرار العمل من أجل تشكيل حكومة فلسطينية تخرجنا من الأزمة التي نعيشها وتفك الحصار وتضفي الأمان وتحقق الإستقرار وتحقن الدم الفلسطيني وتمنع الإقتتال هذا ما تخشاه إسرائيل وهذا ما تعمل جاهدة على عدم تحقيقة وعلى بث روح الفرقة بين أبناء الشعب الواحد فلنبتعد عن التخوين والتشكيك والإتهام ولنمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها، ولنحسن النوايا ببعضنا البعض ولنتقبل الآخر أياً كان وكيفما شاء عزيزاً كريماً في وطنه فلسطين وليكن رد السياسيين مزيداً من العمل للخروج من الأزمة وهذا دوما هو الذي يفرق بين السياسي وغير السياسي بين ردة فعل القائد الذي يعمل لمصلحة شعب وليس نتيجة لردود فعل كل ذلك رغم أن المصاب جلل ورغم فداحة الحدث.

الدكتور علي خشان
مؤسس وعميد كلية الحقوق السابق جامعة القدس
أمين سر لجنة إعداد الدستور الفلسطيني