الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

مركز ابو جهاد يواصل توثيق التجارب النضالية لقدامى الاسرى

نشر بتاريخ: 13/11/2011 ( آخر تحديث: 13/11/2011 الساعة: 15:01 )
القدس- معا- وجه فهد ابو الحاج مدير عام مركز ابو جهاد لشؤون الحركة الاسيرة في جامعة القدس نداء الى كل الاسيرات والاسرى المحررين بصفقة التبادل الى تسليم ارثهم النضالي والثقافي لمكتبة مركز ابو جهاد، لكي يجري العمل على ارشفتها ونشرها وحفظها للاجيال القادمة.

وقال أن لدى الاسرى المفرج عنهم كنوز أدبية وثقافية تغني مكتبة الحركة الاسيرة، وتجيب عن العديد من التسائلات حول نمط عيشهم طيلة كل السنوات الماضية في سجون الاحتلال الاسرائيلي، وأضاف أن مركز أبو جهاد يجري التحضيرات اللازمة لاستقبال ادب الاسرى وارثهم النضالي، وأنه سيقوم بزيارتهم وجلب ارثهم والعمل على ابرازه ،وبالذات من امضى منهم سنوات مديدة بالسجون، وأنه سيجري أيضا أخراجها بأفضل صورة لكي يدرك الراي العام العالمي ما عاناه هؤلاء وما تمكنوا من إنجازه أيضا رغم صعوبة وضعهم نتيجة ممارسات مصلحة السجون الاسرائيلية.

وأختم أبو الحاج أن مركز أبو جهاد يولي كل الاهمية لجمع إرثهم لكي يجري الرد على الدعاية الاسرائيلية بحقهم، وأيضا ما يمارس بحقهم من ترهيب من قبل المستزطنين الاسرائيلين.

ومن جانب آخر يستمر المركز بنشر التاريخ النضالي للجيل المؤسس للحركة الاسيرة، ويقوم حاليا وعلى مدار سبع حلقات بنشر التاريخ النضالي لاحد أبرز مؤسسي الحركة الاسيرة في سجون الاحتلال المناضل والاسير المحرر عبد العزيز شاهين.

الأسير المحرر عبد العزيز شاهين – أبو علي شاهين هو عبد العزيز علي شاهين ،الملقب ب"ابو علي شاهين" من مواليد العام 1941 في قرية بشيت قضاء الرملة ،نزح ما عائلته الى رفح في قطاع غزة بعد نكبة العام 1948 ،وهو حاصل على شهادة الثانوية العامة في العام 1960 والتحق بحركة فتح في كانون ثاني سنة 1962 في العاصمة القطرية الدوحة ، وتفرغ للعمل العسكري فيها في العام 1967، بعد تلقيه دورة عسكرية في معسكر الهامة في سوريا، اعتقل في 25 / أيلول /1967 حتى 23 أيلول / 1982 في السجون الإسرائيلية، وخلالها عرف أبو علي شاهين كمعتمد قيادي للحركة الأسيرة (فتح) في تلك الفترة ، أمضى أبو على شاهين من إجمالي فترة مكوثه في الأسر والبالغة خمسة عشر عاما ، اثني عشر عاما في زنازين العزل الانفرادي ، كما اشرف على إقامة حركة الشبيبة لحركة فتح في الأراضي الفلسطينية المحتلة في نهاية عام 1982 ،وبعد الإفراج عنه وُضع تحت الإقامة الجبرية بمنزله في رفح.

وقضت المحكمة الإسرائيلية العليا بطرده من فلسطين في نفس العام وابعد إلى جنوب لبنان ،وعمل مسئولاً في مفوضية القطاع الغربي من آذار/1985 إلى نيسان1986 ،واعتقل في الأردن ( في شهر نيسان حتى تشرين أول /1986 ، وأُبعد إلى العراق، وتَم اختياره أميناً لسر القيادة الفتحاوية في الساحة اللبنانية في تشرين ثاني / 1986 حتى كانون أول /1987 ،ومن كانون ثاني/1988 إلى أيلول/1993) عمل مسئولاً تنظيميا عن قطاع غزة ،وانتخب عضو في المجلس الثوري لحركة فتح عام 1989، وعين منسقا للجنة الإشراف العليا على قطاع غزة في مكتب القطاع الغربي حتى نهاية عام 1991 ، وتولى مهمة الملفين التنظيمي والعسكري ،ورفضت السلطات الإسرائيلية عودته بعد اتفاق أوسلو 13/9/1993، لكنه عاد إلى الوطن في 11/10/1995 ،فعمل في اللجنة المرجعية العليا لحركة فتح ( 1995 – 2005 ) في قطاع غزة ، وانتخب لاحقا عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني أوائل عام 1996 حتى كانون ثاني/2006 ، وحظي بعضوية المجلس الوطني الفلسطيني 1996 حتى كانون ثاني/2006 ، وعين وزيرا للتموين في الحكومة الفلسطينية الأولى في أيار/ 1996/ إلى أيار/ 2003 .

ونتيجة لزخم الحياة النضالية لهذا الثائر والعاشق لارض فلسطين ولطول زمان وسنين نضاله ودوره الريادي خلالها يقوم مركز ابو جهاد بنشر السيرة النضالية له، على اكثر من حلقة تتناول كافة المحطات التي شارك بها منذ انتسابه للثورة الفلسطينية ولغاية الان.

وإن الانتصار في معارك الحركة الاعقتالية ليس انتصاراً عضلياً، إنه انتصار قوة الإرادة فقط أمام إرادة القوة، ولعل أقسى أنواع الانتصارات يجيء حين تكون أعزلاً من كل سلاح، إلا من هذه الإرادة، فلا بد أن تنتصر بها، وعليك أن تنتصر بلحمك العاري، ولم يكن ذلك بالأمر البسيط علينا.

ولعل هذا القول الساخر من قوة الحديد، وبطشها الضاري، يرشدنا الى بداية الطريق الامثل للدخول الى عالم عبد العزيز شاهين، والى ألامساك بطرف خيط أخر لسبر غور أعماقه، كقائدا ومؤسسا لحركة المقاومة الاعتقالية داخل السجون الإسرائيلية، لنكتشف لاحقا بان تمكن أبو على شاهين من الإبداع في بناء وتأسيس حركة المقاومة الاعتقالية كان محصلة لحالة عشق مختلفة ونادرة بين الفكرة ومصممها، فتعامل أبو على مع فكرة بعث الحركة الاعتقالية المقاومة ، كمولود أنجب على راحتيه ، وغراس خضر أورقت بين يديه أسقاها من فيض فكره المتدفق، المعزز بعشرات الأفكار والمواقف المساندة والداعمة له من مئات الاسرى والمناضلين داخل قلاع الأسر ، الى أن اصلب عود تلك الغراس واستوت على سوقها، فكانت غلالها طيبة من نبع ومنبت طيبان أورث الحركة الأسيرة انتصارات تلو أخرى مكللة بالدم والعرق، وفي ذلك يقول أبو على شاهين لم تسمح لي الظروف الصاخبة التي أحاطت بمولدي أن اعرف تاريخا محددا بيوم لذاك الميلاد ، لكنني عرفت فقط بأنني أقبلت على هذه الدنيا في ليلة شديدة المطر من أيام العام 1941م ، ولم تسمح لي الظروف المتفجرة في البلاد حينها بسبب القتال المندلع بين الثوار الفلسطينيين والعرب من جهة وبين العصابات الصهيونية من جهة أخرى من العيش عيشة الأولاد العاديين ، فرحلنا عن قريتنا بشيت وكان لي من العمر حينها تسع سنين، ولم تسمح لي ظروف اللجوء والتشرد من التمتع بحياة الصبيان الطبيعيين أيضا، ولم تسمح كل الظروف التالية لكل ذلك ، لا لي ولا لجل أبناء جيلي من التمتع بأي شيء يذكر من متع الحياة الدنيا ، أما في السجن عندما كنت اسمع ما اسمع من الإخوة والرفاق وأحيانا اقرأ ما اقرأ عن الحب وأعراضه ، والعشق وأحواله، كنت أظن بأنني متورط في شيء ما يشبه ما يقولون عنه، لكنني تأكدت لاحقا بأنني مسكون بحالة عشق من نوع مختلف ، أقول لك هذا بكل صدق ، لقد كنت مصاب بحمى عشق الاسرى والمناضلين، لقد استحوذت معاناتهم منفردين ومجتمعين على كل ما لدي من مشاعر وأحاسيس ، وأخذت كل ما لدي من اهتمام وولاء ، لقد ألمت بي هذه الحالة وظهرت أعراضها علي منذ أن التقيت بأول فدائي أسير في زنازين المعتقل .

وعلى هذا النحو كانت علاقة أبو علي شاهين بالحركة الأسير، ولعل أبو علي قدم لنا بهذا البوح الإنساني الجياش تفسيرا ما لحالة التدفق الهائل في عطائه التي عاش تفاصيلها منذ اللحظة الأولى لدخوله الأسر الى اللحظة الأخيرة لوجوده فيه، طوال الخمسة عشر عاما التي أمضاها في سجون الاحتلال، لقد كان أبو على شاهين وفقا لوصف معاصريه من قاده الحركة الأسيرة ، قائدا بمواصفات اسطوريه بكل ما في هذا الوصف من دلالات إنسانية ووطنية وتاريخية ، لقد توزع دور هذا الرجل من الاهتمام بالأسرى حديثي الاعتقال وشد أزرهم ورفع معنوياتهم وتثقيفهم الى غسل ملابسهم بيديه ، الى الانعزال في زاوية الزنزانة ليكتب أجمل وأعمق ما عرفته المقاومة العالمية داخل السجون من أدبيات وإبداعات فكرية ترقى الى مصافي الرؤى والأفكار والنظريات النضالية العابرة للزمن والمقاومة للفناء والصالحة لكل عصر وجد فيه الظالم والمظلوم ، الاستعمار والثورة ، الاستبداد والانعتاق .

فقد أسس أبو على شاهين بخبرته العملية التجريبية وإبداعه الفكري الخلاق، طرقا ونظريات ووسائل وتكتيكات المواجهة خلف القضبان، وأكد للأسرى الفلسطينيون بان لأجسادهم العارية قوة تضاهي قوة الرصاص في حسم المعارك والانتصار بها، منطلقا في ذلك من إدراكه النضالي المبكر للحقيقة القائلة " إن الحركة الصهيونية حركة قوية جداً يجب علينا أن نعترف بذلك ، ولا يمكن أن ننتصر عليها ما لم نكن أقوى منها ، فالضعيف لا ينتصر وقوة الحركة الصهيونية متمثلة في محصلة قوتها المادية ، أما قوتنا فينبغي أن تكون كامنة في قوة إنساننا، هذا هو الفرق بيننا وبينهم ، العدو قوته مادية ، وأنت قوتك معنوية ، يعني أنك تتفوق عليه معنوياً، لكن كيف يمكن أن تشحن هذه القوة المعنوية لتصبح طاقة قادرة ومؤثرة في قوته المادية ، كيف تعزل العدو عن قوته المادية ، وتفقده هذه السيطرة التي يتمتع بها.

وكان في مقدمة تلك الوسائل المعنوية سلاح الإضراب عن الطعام ، حيث قاد أبو على شاهين الاسرى الفلسطينيين في أول إضراب عن الطعام عرفته السجون الإسرائيلية في العام 1970م ،وفي سجن عسقلان أيضا شارك في قيادة أطول إضراب عن الطعام 11/12/1976 والذي استمر لمدة 45 يوماً ، فعاقبته إدارة السجون بنقله إلى العديد من السجون الأخرى وعزله في " زنازين الحبس الانفرادي " لفترات طويلة ، و استقر مع قيادة الإضراب في سجن شطا ، ثم نقل إلى سجن نفحة الصحراوي الرهيب عند افتتاحه في منتصف 1980م ، وكان الأسير الفلسطيني الأول الذي تطأ قدماه أرض ذاك السجن ، حيث قام ثانية بقيادة إضراب بطولي عن الطعام دام ثلاثة وثلاثين يوماً ، استشهد خلاله الأسيران راسم حلاوة وعلي الجعفري ، ولاحقا استشهد الأسير إسحاق المرغي ،ونُقل من السجن قبل الإعلان عن الإضراب بيوم ، ومع ذلك بقي قائد الإضراب الفعلي والمعنوي ، وقد اتسع نطاق ذاك الإضراب ليشمل كافة المعتقلات الصهيونية ، ومدن الضفة والقطاع ، مع مشاركة فعّالة ولأول مرة للقيادة الفلسطينية في بيروت ، وشهدت قاعات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن نقاشات صاخبة ومواجهات دبلوماسية حامية قادتها العربية السعودية حينذاك ، وكان مطلب الاسرى في هذا الإضراب تحسين شروط وظروف الاعتقال رافعين شعار " نعم لألالم للجوع ،لا وألف لا لألالم الذل والركوع " ، ونقل أبو علي من معتقل نفحة إلى معتقل "شطة" حيث تعرض هناك لاعتداءات فظيعة من السجانين اليهود، إقتضت معالجته طبياً.

وفي التقرير الخاص الذي أعده مدير مصلحة السجون الإسرائيلية في العام 1982م، والمقدم للمستويين الأمني والسياسي الإسرائيليين، وذلك قبيل الإفراج عن أبو على شاهين بفترة وجيزة، وجدت الفقرة التالية:-

وفي فترة وجوده في السجن، تمكن عبد العزيز شاهين من أن يبلور لنفسه مكاناً ونفوذاً كبيرين، كأحد قادة " فتح" و" الفدائيين " عامة. وعلى امتداد فترة سجنه وبالذات في السنوات الست الأخيرة، برز نفوذ وتأثير أبو علي شاهين على السجناء الفلسطينيين، فإيعازاته وتوجيهاته تحتل مكانة هامة في حياة السجناء ، الذين يستشيرونه ويقدمون له التقارير عن كل ما يجري، ويكنون له احتراماً كبيراً.