الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

بعد المصالحة : شدّو الهمّة .." الهَجمَة " قويّة !!

نشر بتاريخ: 01/12/2011 ( آخر تحديث: 19/04/2012 الساعة: 14:31 )
كتب ابراهيم ملحم- اذا اردت أن تعرف حقيقة ما جرى خلال الدقائق التسعين، التي جمعت الرئيس محمود عباس،برئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في القاهرة يوم الرابع والعشرين من الشهر الماضي ، فما عليك الا أن تراقب ما يتواتر من ردود فعل هستيرية في اسرائيل،تدحرَج بعضها على ألسنة الناطقين باسمها،بالتهديد تارة بقطع العلاقات مع السلطة باعتبارها" سلطة ارهابية يقودها رئيس ارهابي يقود المنطقة الى الهاوية"،حسب تعبير رئيس الدبلوماسية الاسرائيلية،وطوراً بحجز أموال الضرائب في عملية قرصنة في وضح النهار،والتهديد بالقيام بعمليات عسكرية ضد قطاع غزة الملتزم بالتهدئة حدّ الاشتباك مع كل خارق بغير مبرر لها .

ولعلّ المتابع لسنوات الصراع الطويلة ،والمريرة، قد لا يجد في التهديدات الاسرائيلية تلك اي جديد،لكنه بالتاكيد سيجد في نتايج لقاء ابو مازن مشعل ما يستحق التفاؤل،والاشادة،والتمجيد،بالنظر لكونها تاتي على النقيض تماما من كل ما كان يتوقعه المتربصون،والخراصون،والظانون ظن السوء ،الذين طالما تمنّوا استمرار الانقسام،-وهو الوصفة السحرية لدوام الاحتلال-،وقطع الطريق على الخطوات الجيدة،والجادة ،في الهئية الدولية ،لاقامة الدولة ،ونيل العضوية..فمثلما أن الحق الفلسطيني،لا يقبل حلولا مؤقته،او انصاف حلول ،فان المتدى الاممي ايضا لا يقبل في عضويته انصاف دول.

ما ترتب على لقاء الرئيس برئيس المكتب السياسي لجماس من نتائج ،وضعت على الورق ،وفق رزنامة ملزمة للطرفين ،جديدة،وجادة،ترسم ملامح المستقبل الفلسطيني،وتضع حدّا نهائيا لسنوات الضياع ،وتؤسس لشراكة حقيقية ،لا تقتصر على الفصيلين الكبيرين فحسب ،بل تشمل جميع الشركاء الذين تمت دعوتهم يوم الثاني والعشرين من الشهر القادم، لممارسة تلك الشراكة، بطرح ارائهم ،ورؤاهم، ازاء المستقبل الفلسطيني،بعيدا عن صغائر الامور، ومحاصصات توغر الصدور.

اذن ،هي لحظة فارقة،ومفصلية،في التاريخ الفلسطيني، سيكون لها ما قبلها ،وما بعدها، وهي تضع القضية الفلسطينية في المكان اللائق بها، على أعلى سلّم الاولويات الوطنية،المنزهة عن المصالح الفصائلية ،لتمد الاصدقاء في العالم، بالمزيد من الذخيرة الحية، لمواجهة تلك الفاسدة، التي يستخدمها الاسرائيليون ،في محاولاتهم تاخير ولادة الحلم الفلسطيني بالدولة والحرية.

ولعل أبرز الاشارات الباعثة على التفاؤل، لم تكن في لقاء القاهرة وان كان اللقاء، تتويجا لها ،فقد جاءت قبل، واثناء ،وبعد هذا اللقاء، وفي المقدمة منها ما جاء على لسان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خلال خطابه الذي القاه في طهران مشيدا فيه بذهاب الرئيس الى الامم المتحدة وهي اشادة تستمد تميزها وفرادتها من قيمة ،وقامة صاحبها ،ومنصة الخطابة التي قيلت من عليها ،حتى بدت خارجة عن نص المؤتمر، ومقاصده.

أعقب تلك الاشادة عبارات اطراء ومديح أعرب فيها مشعل، عن اعجابه واحترامه، للرئيس عباس، بالنظر لما يتمتع به من صدق، ونزاهة وحرص على بلوغ الاهداف الوطنية وفق رؤية استراتيجية ،تتطلع الى الصورة الكلية، وتناى بنفسها عن التفاصيل الصغيرة، التي يناط امر معالجتها وتدوير زواياها الحادة للجان المتخصصة .

اذن، وبدون مبالغة في التوقعات أو وقوعا في اسار الدعوات والامال والتطلعات والرغبات ، فان الاجواء السائدة الان هي على النقيض تماما مما كانت عليه طيلة سنوات الضياع الماضية ،ذلك أنها المرة الاولى التي يرتقي فيها الفصيلان الكبيران للبحث في الاهداف والرؤى للمستقبل، في اطار جهد سياسي يتكيء على شراكة ،المغنم فيها والمغرم للوطن وعليه لا لفصيل دون غيره .

ولعل احد أكبر، وأهم ما تمخض عن لقاء الرئيس بمشعل هو ذلك التوافق على وضع حد لذلك الجدل المقيم في الساحة ،حول أدوات المقاومة ،واشكالها واوزانها ومفاعيلها ، وهو ما جرى اعراب جمله الصعبة ،ووصل كلماته المتقاطعة، بالتوافق على المقاومة الشعبية، وسيلة لنيل الحرية ،والاستقلال، ورحيل الاحتلال، بعد أن رأينا المفاعيل المذهلة، لهذا السلاح غير تقليدي، للشعوب الثائرة على المستبدين، والطغاة راسمة لها طريق حريتها،وديموقراطيتها عبر صناديق اقتراع ظلت لعقود، بعيدة عن متناول ارادتها الحرة.

من يستمع الى احاديث عزام الاحمد الرجل الذي ظل غارقا في شعاب الملف المعقد، ونتوءاته الحادة طيلة سنوات الانقسام الماضية يستطيع ان يعتصم هذه المرة باليقين بطي صفحة الانقسام وفتح الابواب على مرحلة جديدة وجادة يُجري الجميع فيها مراجعات واستخلاصات وصولا الى الاجابة بعد شهرين كما قال على السؤال الكبير" الى اين؟"

صحيح ان الهمّة قوية والعزيمة ماضية ،ولكنّ الصحيح ايضا ان "الهجمَة" لا تقل قوة،ولا ضراوة،عن مضاء العزيمة ،وقوة الهمة ،وهو ما يتطلب الجدية واخلاص النية .. وشَدّ الحيل .