الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الميكروفون المفتوح على الهواء..وعلى ألسنة الناس؟!!

نشر بتاريخ: 04/12/2011 ( آخر تحديث: 19/04/2012 الساعة: 14:30 )
كتب ابراهيم ملحم- باعترافه بخطئه،وتقديمه اعتذاره،متبعا ذلك باستقالته،يكون السيد وزير العمل والزراعة د.أحمد مجدلاني،ومن موقعه كأمين عام لجبهة النضال الشعبي،وعضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية،قد وضع حداً للجدل الذي أثارته كلماته التي انسربت من"الميكروفون المفتوح" في حديثه لاحدى المحطات الاذاعية المحلية،والتي غدت قضية رأي عام ،بالنظر لمكانة قائلها ،ولحجم ردود الفعل المستنكرة لما بدر عنه من توصيف غير لائق ازاء العاملين في القطاع العام الذي يحمل معاليه وزر خدمتهم بوزارتين اثنتين .

بالتاكيد فان ما صدر عن السيد الوزير لم يكن مقبولاً من قبله أولا قبل غيره،ولا أحد يستطيع تبريره ،أو الدفاع عنه ،بالنظر لقيمة وقامة قائله،ولا سيما وأنه يأتي في زمن ازداد فيه وعي الناس لحقوقهم،مثلما ارتفعت لديهم درجة حساسيتهم لاية اهانة قد تصدر عمن يتولون امورهم ، ويسوسون شؤونهم حتى بات المنصب الرفيع ،كالشرف الرفيع ،محطّ رقابة شديدة وشفافة ،ازاء كل ما يصدر عن صاحبه من قول،أو فعل، أو حتى تقرير ولا يعفيه من ذلك أنه لم يكن يعلم،أو لايقصد، أو أنّ كلامه كان موجهاً للاحتلال البغيض.!

واحسب ان ما انسرب من لسان السيد الوزير على" الميكروفون المفتوح" لم يكن عن قصد،ووعي من قائله ضد سامعيه، فهو لم يكن يعلم انه ما زال على الهواء لكن حظه العاثر هو الذي أبقى ميكروفونه مفتوحا حتى تاخذ كلماته الغاضبة والمفخخة بحوشي الكلام،طريقها الى الهواء، والى ألسنة الناس التي " علكت" بها ما استطاعت الى ذلك سبيلا، وشكلت رأيا عاما ضاغطا عليه ، دون أن يتمكن أحد من الامساك بيده لاقالته من عثرته، أو لينقذه من لسانه الذي زلّ على الهواء ،كما يزل البعير على الدّحض! ولو أننا وضعنا ما يقال تحت الهواء معياراً لبقاء المسؤول من عدمه ،فلما بقي أحد في منصبه..!

وبعيداً عن القيل، والقال، في أسباب، وخلفيات الطرق المتواصل الذي مارسته نقابة العاملين في القطاع العام، على الحديد الساخن لخطأ معالي الوزير، فان هذا الطرق ، يسجل للنقابة لاعليها، باعتبارها الحارسة ،والحامية ،والحاملة ،لهموم، وأوجاع موظفيها، في ظل غياب المؤسسة التشريعية عن الاضطلاع بدورها الرقابي على أفعال،وأقوال،وحركة أموال المسؤولين الكبار،المحصنين من مساءلة الجمهور،وهو ما يكرس ثقافة المحاسبة، والمساءلة للمسؤول أيا كان موقعه ،دون اساءة لشخصه ،أو انتقاص من قدره،أو تهديد باستلال سيف الدين لجلده وسحله !

ما جرى وهو يعكس درجة عالية من شجاعة تحمل المسؤولية التي تحلى بها السيد وزير العمل المحسوب على جبهة النضال وأمينها العام بتقديمه استقالته، ومن قبله وزير الاقتصاد المحسوب على حركة فتح ،وعضو مجلسها الثوري، الذي أعلن في مؤتمر صحفي توقفه عن ممارسة مهامه، احتراما لما صدر بحقه من اتهامات "باساءة الائتمان"، ومن قبلهما وزير الزراعه ،المحسوب على حزب الشعب الذي علق عمله بسبب اتهامات مماثلة.... نقول ان ما جرى يعكس أيضا قوة الحضور للنقابة ،وللجمهور، وللاعلام ،في ظل غياب قوة التشريع ،وهو حضورٌ يعتبر احدى ثمار "الحوكمة " التي طالما سعت الحكومة ودعت لتعزيز تقاليدها وثقافتها ، باعتبارها احدى أهم دعامات الحكم الرشيد الذي يكون فيه لمنظمات المجتمع المدني، حضور يجعلها جزءاً شريكا في الحكم، وهو احدى اهم مقاصد ذلك الحكم ورشاده .

في ربيع الشعوب ،حيث يثور الناس على الظلم، والقهر، والفساد، والاستبداد ، نشأت تقاليد جديدة في الحكم ،بات فيه الحضور للجمهور، ووسائل الاعلام طاغيا ،ولم يعد فيه للمسؤول، تلك الهيبة التي يخفي وراءها ظلما، او فسادا مخبوءا، او كبرياء ،مستخفا بحقوق الناس ومشاعرهم وكراماتهم، وحرياتهم.

فهيبة المسؤول،وقوته ،لا يكتسبها من تسلطه، وعجرفته، وتكبره بقدر ما يكتسبها من نزاهته،وتواضعه،وصدقه،وشفافيته،ونظافة يده،ولسانه،فقد قيل قديما " لسان الفتى نصف ونصف فؤاده "مثلما يستمدها من احترامه للناس،واقترابه من همومهم،وأوجاعهم،ومصلحة بلدهم.

انه الدرس الذي يقوم فينا وفي مسؤولينا لنضع مصلحة المواطن، والوطن أمام أعيننا ونتجنب كل ما يسيء الى يميننا وقسمنا الذي حلفنا بالله العظيم على قرآننا وانجيلنا، بأن نحترم الدستور والقانون، ونرعى مصالح الشعب ،ونحافظ على استقلال الوطن ،وسلامة اراضيه. مثلما يعزز من قوة الجمهور الممثل بمؤسسات المجتمع المدني، ونقاباته، ووسائل اعلامه ،لتظل العين الساهرة،اذا ما نامت عين عن الحراسة في سبيل الله ،أو لم تبك من خشيته.