السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأسيرة المحررة آمنة منى من منفاها بتركيا: أيها المحتل أنا أقوى منك

نشر بتاريخ: 24/12/2011 ( آخر تحديث: 24/12/2011 الساعة: 12:57 )
بيت لحم-معا- تنشر وزارة شؤون الأسرى والمحررين نص الرسالة التي كتبتها الأسيرة المحررة آمنة منى سكان القدس التي أبعدت الى تركيا ضمن صفقة شاليط والتي قضت في سجون الاحتلال أحد عشر عاما .

وفيما يلي نص الرسالة:

(من تمارة درباس، سناء عمرو ، عائشة العبيات، جلاء أبو عجمية، فداء غنام، سوسن أبو تركي، أسماء حسين، من عيونهن وصبرهن أبدأ وبنضالهن استمر، من حيث مرت على جسدي أحد عشر عاما أبدأ، الى شعبي على إختلاف أطيافه، والى الذين شاطرت معهم الألم والمعاناة، إخواني في القيد، إليكم ومنكم أبدأ خطابي ورسالتي، لأتكلم اليوم ولأول مرة عن نفسي وأطلق العنان لحنجرتي وقلمي هاتفا أنا فلسطيني وهويتي فلسطينية وبطاقتي مقدسية ومهمتي الأولى أنني حملت القضية ومن قضيتي الأولى بدأت قصتي الثانية فلولا فلسطين ولولا انتفاضة الأقصى ما أصبحنا من الحركة الأسيرة تمنيت دوما أن يتكلم أحد ما باسم جرحنا أو يعرض جزء مما مر علينا، لم أتمن يوما الحرية مثلما تمنيت أن ينطلق صوتا ناقلا آلام قلوبنا ومعاناتنا وإضرابنا عن الطعام أو واصفا حلقات التعذيب والضرب والشبح، عندما أقول أن ما مضى علينا وعلى جسدي لا تتحمله الجبال أكون قد قصرت فلا يزال عقلي يرفض تصديق هول ما مرّ علي في احد عشر عاما وجل ما اذكره أن هذا كان ضريبة المناضلين وأننا آمنا أن هذا هو استمرارية لنضالنا داخل الأسر.

لست اعلم من أي نقطة ابدأ، لكني سأكتب من نقطة النهاية، نهاية الأسر وبداية الإبعاد، حيث تركت ورائي جزءا من نفسي أخوات إخوة لي ولطالما عملت وتعلمت وشاركت من حولي أن يكون جسدا واحدا لا يمكن تجزئته واختزاله كيان قائم لأننا جزءا لا يتجزأ من قضية واحدة، تمنيت من هواء الحرية مثلما مر علي ولفح وجهي أن يلفح وجوه العشرات بل المئات من أبناء شعبنا الأسرى والمعتقلين.

وطني، ما حلمت يوما أني أغادرك مغادرة قصرية، ولا تمنيت يوما أن أخطو خطوة إلا على أرضك وأسير في شوارع القدس وأن أدخل المسجد الأقصى وأزور رحابه وأركع وأقبل قبر والدي وأتفقد أزقة البلدة القديمة من حارة السعدية الى باب المغاربة الى باب الخليل الى باب الجديد وشارع صلاح الدين ومدرسة دار الطفل العربي ومدرسة دار الفتاة اللاجئة وأضيء شمعة في كنيسة القيامة وأتذوق كعك القدس وأشتري قطعة سمسمية من باب العمود، وأتجول في سوق العطارين وسوق اللحامين وباب خان الزيت.

لكني وإياك يا وطني في قيد واحد فأنت البلد الوحيد في العالم تحت الاحتلال ونحن الوحيدون في العالم الذين تنطبق عليهم قوانين الاحتلال وأن الانتصار عندنا فعل أمر وان التنازل والهزيمة كلمات لا وجود لها في قاموس إرادتنا، نحن شعب خلق ليحيا ويناضل ليعلم العالم أننا نحب الحياة، نناضل من اجل الحياة، نناضل لنبني دولة وبالرغم من كل المعاناة والجراح لا يزال في قلوبنا متسع للحب، حب يتسع لكل البشر والأجناس، لكل أولئك الذين ساعدونا واحتضنوا دولتنا وكياننا وجل ما نبحث عنه هو أن نحقق سيادتنا ونكون شعب واحد بقيادة واحدة وعلم واحد حتى لو اختلفت فيه الأطر والاتجاهات.

لقد تجرعت الأسر ومرراة العزل فهو أقسى ما يمر على الأسير هو أسر داخل أسر وموت بطيء فهو محاولة إعدام وتصفية إلا أن هذا العزل صغر وتحجم أمام انفصال الجسد الفلسطيني، الضفة عن غزة، واليوم أكتب رسالتي هذه وأنا أشاهد بريق أمل لعودة الروح الى الجسد وتوحد الأخوة من جديد، وهذا ما يتطلع إليه الجميع وجميع الأسرى على اختلاف انتمائاتهم.

في احد عشر عاما استوقفتني أيام العزل في سجن الجلمة حيث دخلت غرفتي معزولة بتهم التحريض ومحاولة الهرب، كنت في هذا العزل لعامين، مرت علي أفكار كثيرة ودار عقلي في أرجاء زنزانتي وعلى جدرانها، ولا يزال داخلي بحزن صورة قيودي التي أدمت يداي وقدمي، وكيف مرت علي لحظات كنت أرغب فيها بالنوم إلا أنني توقفت عند أولئك الذين ساعدوني وساندوني، أولئك الشهداء الذين رافقتني أرواحهم وكانت النور الخفي الذي زرع الأمل داخلي انا وكل الأسرى وكل الشعب ندين لهم بوجودنا وحياتنا وتحررنا فنحن نتاج مقاومة شعب كامل وصمود أهلنا في غزة، نحن نتائج صبر وتضحيات غالية ونحن الأمل لتحقيق غد أفضل لأولئك الذين عبرنا على أرواحهم وأجسادهم طريق الحرية، وأنا كغيري ندين بحريتنا لشعبنا الصامد ولمقاومتنا الباسلة في غزة الحبيبة.

إليكم اليوم اكتب كلماتي وأقول لكم أنا حرة عائدة، حرة متمردة، حرة مقاومة، حرة صغيرة أمام نضالكم وصمودكم أبارك لكم التحرير وأشارككم الفرحة وأقول لكم انتظروني، فلما عادت الكبيرة عبير عمرو والشامخة عائشة العبيات والوفية نسرين أبو زينة والصامدة إيمان غزاوي، والمتجرعة الجراح لطيفة أبو ذراع وغيرهن الكثيرات، سنعود جميعا من المنفى حاملين الورد والأزهار وأكاليل النصر والغار، سنعود لنسقي القدس الظمأى ونروي عطش فلسطين، سأرجع ليعلم السجان أن لا قهر يدوم ولا ظلم يبقى، ولتعلم أيها المحتل أنني أقوى منك).

الأسيرة المحررة المبعدة
آمنة منى
تركيا