الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

عائلة الرحل:نشعر بالخوف الدائم.. ولن ننسى الفسفور والموت الذي لاحقنا

نشر بتاريخ: 08/01/2012 ( آخر تحديث: 08/01/2012 الساعة: 19:12 )
غزة- معا- في حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً في الثامن من يناير 2009، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي أربعة صواريخ على منزل جمعة الرحل "45 عاما" من بيت لاهيا، ما أسفر عن إصابة ثلاثة من أفراد عائلة الرحل الممتدة وهم: بسمة 3 أعوام- وديما 5 أعوام- وفاتن 41 عاماً.

كان هنالك العديد من أفراد عائلة الرحل الممتدة داخل المنزل في لحظة الهجوم، حيث يقطن ستة أشقاء من عائلة الرحل مع زوجاتهم وأطفالهم بجوار بعضهم البعض.

وفور وقوع الهجوم، فر أفراد عائلة الرحل من المنطقة وتوجهوا للاحتماء في مدرسة بيت لاهيا التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".

في السابع عشر من يناير 2009، استهدفت المدرسة بقنابل الفسفور الأبيض، ما أسفر عن إصابة أنسام الرحل 13 عاماً، وهي شقيقة ديما الرحل، بجراح خطيرة، توفيت ديما الرحل، التي كانت تبلغ من العمر 5 أعوام آنذاك، متأثرة بجراحها في أحد المستشفيات المصرية في الأول من مارس 2009 بعد صراع مع الموت استمر لمدة ستة أسابيع.

يسترجع سعيد الرحل ذكرياته للمركز الفلسطني لحقوق الانسان "35 عاماً"، وهو والد ديما وأنسام، بذاكرته يوم الحادث فيقول: "كنت في المنزل لحظة وقوع الانفجار وتحطمت جميع نوافذ المنزل، خرجت من المنزل فسمعت أناساً يصرخون في منزل شقيقي جمعة المجاور لمنزلي، كانت ابنتي ديما في منزل شقيقي جمعة وسمعت أناساً يصرخون ويقولون إنها أصيبت بجراح، سقطت عدة صواريخ أخرى على منزل شقيقي جمعة وهربنا من المنطقة، ونقلت ديما إلى المستشفى وتم تحويلها إلى مصر في الثالث عشر من يناير وذهبت معها كمرافق لها".

مكثت زوجة سعيد نسرين الرحل "33 عاما"، وأطفالهما الآخرون: سونيا 17 عاما- ودينا 15 عاما- وأنسام 13 عاماً- وأحمد 11 عاماً- ومحمد، 6 أعوام- وعلي 4 أعوام، في مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين في بيت لاهيا بعد وقوع الانفجار.

تقول نسرين مسترجعة ما حدث: "بقينا في المدرسة من 8 حتى 17 يناير، كنا في فصل الشتاء وكان الجو بارداً جداً، لم تكن لدينا مراتب فاضطررنا إلى استخدام الأغطية كمراتب، ولكن كان الأمر غاية في الصعوبة، خاصة بالنسبة للأطفال، علاوة على ذلك، لم يكن هنالك ما يكفي من الطعام، وكنا نطلب الماء من الناس، ولم تكن المياه نظيفة".

في السابع والعشرين من يناير 2009، أطلقت قوات الاحتلال قنابل الفسفور الأبيض على المدرسة، لقد كانت تجربة الهجوم على المدرسة أكثر صعوبة بالنسبة لي من الهجوم الذي استهدف المنزل، فعند بدء الهجوم على المدرسة، كنت أنا وأطفالي داخل فصل من فصول المدرسة، بدأ الهجوم في حوالي الساعة 05:00 فجراً وكانت السماء مظلمة، سمعت أنسام تصرخ: "لقد أصبت في رأسي"، كانت القذائف تسقط بكثافة على المدرسة.

أصيبت أنسام بجراح خطيرة في رأسها، وفقدت شعرها في المناطق التي أصيبت بها، كما تصاب الندوب بالعدوى من حين لآخر نتيجة لفقدانها أجزاء من الجمجمة، تقول نسرين: "لات زال أنسام تعاني بسبب إصابتها في المدرسة، تفقد وعيها عندما تكون كثيرة الحركة والنشاط".

يتذكر سعيد اللحظة التي علم فيها بشأن استهداف المدرسة فيقول: "قبل مغادرتي إلى مصر، مكثت أنا وأفراد عائلتي في نفس الفصل الذي كانوا فيه، وعندما شاهدت الهجوم على المدرسة من خلال التلفاز بينما كنت في مصر، استطعت التعرف على ذلك الفصل، كانت الدماء تغطي الأرض، وعندما اتصلت بعائلتي، لم يرد أحد منهم أن يخبرني بما حدث لأنسام".

عندما عادت نسرين وأطفالها إلى منزلهم بعد انتهاء العدوان، وجدوا أن المنزل قد تعرض لدمار كبير وأن سبل عيشهم قد دمرت أيضاً، "قبل بدء الحرب بوقت قصير، اشتريت بعض الماشية، فكان لدينا ثوران، و17 رأس ماعز وعشرات الأرانب، حيث أبقيتهم بالقرب من المنزل، يقول سعيد: "لقد حصلت على قروض مالية لشراء تلك الماشية، عندما عاد أفراد العائلة إلى المنزل بعد انتهاء الحرب، وجدوا جميع الحيوانات قد نفقت نتيجة إصابتها بالشظايا، بقيت عنزة واحدة على قيد الحياة ولكنها نفقت بعد عدة أيام.

وتابع: أما الآن، فقد تورطت في الكثير من القروض وبالكاد يمكنني توفير العلاج اللازم لابنتي أنسام، بالإضافة إلى ذلك، اعتقلتني الشرطة لأنني لم أستطع تسديد الديون لمستحقيها، وبسبب شح المال أيضاً، لم أعد قادراً على إصلاح الدمار الكبير الذي لحق بنوافذ وجدران المنزل.

يضيف سعيد: تستخدم العائلة الورق المقوى والأغطية كي تحميهم من برد الشتاء القارس.

لقد أثرت أحداث يناير 2009 بشكل كبير على الحالة النفسية لسعيد ونسرين وأطفالهما، فتقول نسرين: "لقد كان الأمر صعباً للغاية لأنني فقدت إحدى بناتي وتعاني أخرى من إصابة خطيرة، أتذكر ديما دوماً عندما أرى الفتيات ذاهبات إلى المدرسة، أما باقي الأطفال فلا ينفكون يتحدثون عن ديما وعما عايشوه أثناء الحادثتين، وأحياناً يقولون لي: "نتمنى أن نموت مثل ديما بسبب كل الضغط الذي نشعر به وبسبب ظروفنا المعيشية الصعبة".

لاحظ سعيد التغيرات التي طرأت على أطفاله أيضاً، فيقول: "تعاني أنسام من قلق وضغط شديدين منذ انتهاء الحرب، في إحدى المرات، كنت أنادي عليها فبدأت بالصراخ وقامت بإلقاء صحن باتجاهي، طالبةً مني أن أتركها وشأنها، أنا والدها وعلى الرغم من ذلك فهي تخاف مني.

تضيف نسرين: "لقد تأثرت درجات أحمد في المدرسة بشكل كبير بعد الحرب، لقد كان طالباً مجتهداً، أما الآن فهو يعاني من مشاكل في القراءة ومن مشكلة التبول اللاإرادي".

لقد أصبح الخوف سمة مميزة في حياة العائلة اليومية، تقول نسرين: "يشعر الأطفال مثلي بالخوف دائماً عند سماعهم صوت طائرات الاستطلاع أو صوت إطلاق النيران، فعندما نسمع تلك الأصوات نجلس جميعاً في غرفة واحدة".

كما يرى سعيد أن تكرار ذلك الهجوم ليس ببعيد: "أخشى من وقوع حرب أخرى، عندما يتحدث الناس عن ذلك الأمر أشعر بالخوف، وعندما أسمع صوت طائرات الاستطلاع في المنطقة أغادر المنزل. أخشى من أن يقوموا باستهدافنا مرة أخرى".

يذكر أن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تقدم بشكوى جنائية إلى السلطات الإسرائيلية نيابة عن عائلة الرحل في التاسع من سبتمبر 2009، ولكنه لم يتلقَ أي رد حتى هذه اللحظة.