من ذكريات العدوان : وفاء الرضيع بقيت على قيد الحياة بساق واحدة
نشر بتاريخ: 10/01/2012 ( آخر تحديث: 10/01/2012 الساعة: 23:16 )
غزة- معا- في حوالي الساعة 4:30 مساءً في العاشر من يناير 2009، أطلقت طائرة استطلاع إسرائيلية صاروخين باتجاه وفاء الرضيع، 39 عاماً، وشقيقتها غادة، 32 عاماً، بينما كانتا تسيران في شارع حبّوب، وهو أحد الشوارع الرئيسية في بيت لاهيا. كانت الأختان تسيران في الشارع أثناء فترة وقف إطلاق النار لمدة ساعة واحدة المعلنة من قبل قوات الاحتلال، حيث أرادتا التوجه إلى عيادة مجاورة لأن وفاء شعرت باقتراب موعد ولادتها. وقد أدى الاعتداء إلى إصابتهما بجراح خطيرة.
تعود وفاء بذاكرتها وهي تروي حكايتها للمركز الفلسطيني لحقوق الانسان: "عندما هرع الناس لمساعدتي، كنت أسمعهم يتحدثون حولي، ولكني لم أستطع الرد عليهم. كانوا يقولون بأنني ميتة." نقلت غادة إلى المستشفى لإصابتها بجراح خطيرة في ساقيها، أما وفاء فقام الناس بتغطيتها ظناً منهم أنها قد توفيت. قامت سيارة الإسعاف بنقلها إلى المستشفى، وقام الأطباء بإجراء عملية قيصيرة لها في محاولة منهم لإنقاذ الطفل. أدرك الأطباء أن وفاء كانت لاتزال على قيد الحياة في الوقت الذي كانوا يجرون فيه العملية. وبعد أن أبصر طفلها إياد النور، قام الأطباء ببتر ساقها اليمنى وحاولوا علاج الجروح الأخرى.
ونقلت الأختان بتاريخ 12 يناير إلى إحدى مستشفيات مصر للحصول على العلاج اللازم لهما. خضعت وفاء لعدد من العمليات الجراحية حتى شهر إبريل، ومن ثم خضعت للتأهيل لمدة 3 شهور. عادت وفاء إلى غزة في التاسع والعشرين من يونيو 2009، بينما عادت غادة في السابع والعشرين من يونيو 2009
وتتذكر وفاء الشهور التي قضتها في مصر بوضوح، فتقول: "أكثر الأمور التي يمكنني تذكرها بوضوح هو الألم الذي لا يطاق والذي كنت أشعر به عند تغيير الضمادات. كان الأمر يستغرق 5 إلى 6 ساعات في كل مرة. لقد خضعت للعديد من العمليات الجراحية. وبعد أن خضعت لعملية لزرع جلد في الجزء السفلي من ساقي، حيث أخذ الأطباء الجلد من منطقة الفخذ الأيسر، قامت الممرضات بإزالة الخلايا المزروعة عن طريق الخطأ بينما كنّ ينظفن الجرح. اضطررت بالتالي إلى أن أخضع لنفس العملية مرة أخرى، ولكن هذه المرة قاموا بأخذ الجلد من يدي. لقد كنت أصرخ من شدة الألم. فقد أخي وليد، 25 عاماً، وعيه وأخذ ينزف من أنفه، فهو لم يحتمل الأمر. كنت غاضبة من الجميع بعد انتهاء العملية."
ورافق وليد شقيقته وفاء خلال رحلتها العلاجية في مصر، ولم تتمكن وفاء من رؤية أقربائها في غزة، فتقول: "لقد كان من الصعب جداً عليهم أن يزوروني لأن السفر إلى مصر مكلف، ولأنهم كانوا يقومون برعاية الأطفال."
وفاء هي أم لثمانية أطفال: إيهاب، 20 عاماً؛ لينا، 19 عاماً؛ هاني، 17 عاماً؛ شروق، 15 عاماً؛ معتز، 13 عاماً؛ سحر، 12 عاماً؛ جهاد، 9 أعوام؛ وإياد، 3 أعوام. لقد كان التواصل بين وفاء وأطفالها محدوداً أثناء وجودها في مصر للعلاج. "خلال الأشهر الثلاثة الأولى، لم أتمكن من التحدث مع أطفالي عبر الهاتف. لقد رفضت ذلك، ولم أكن قادرة على القيام بالأمر. لقد ظلوا بانتظاري مدة 6 أشهر، ولكنهم كانوا يريدون معرفة ما حدث لي،" تقول وفاء.
وتصف وفاء الوضع قائلة: "عندما تركت أطفالي، كنت أمشي على قدمي ولم ير أطفالي إصابتي. كانت اللحظة الأصعب عندما عدت بساق واحدة وأنا أعاني من جروح عديدة. لقد أصبحت وفاء أخرى. عندما عدت، كان من المفترض أن أكون سعيدة، وكان من المفترض أن يكون الناس من حولي سعداء لرؤيتي، ولكن الجميع كان يبكي." وتضيف وفاء: "لاحظت بأن أطفالي كانوا يراقبون كل حركة أقوم بها، وكان جهاد يتتبعني بنظراته ويراقب كيف ذهبت إلى غرفة المعيشة وكيف جلست. لقد رفض جهاد الخروج ليلعب مع الأطفال الآخرين، وأراد فقط أن يبقى بجواري في المنزل. لقد تأثرت كثيراً بالوضع، فهم مستعدون لأن يقدموا لي المساعدة بمجرد أن أتحرك أو أفعل أي شيء."
وتتابع "اعتنت ابنتا وفاء الكبريين لينا، 19 عاماً، وشروق، 16 عاماً، بإياد عندما كانت والدتهما تتلقى العلاج في مصر. تقول وفاء: "كانت إحداهما تذهب إلى المدرسة صباحاً وتترك إياد مع أختها الأخرى، وفي المساء، كانتا تتبادلا الأدوار. وعندما عدت إلى المنزل، قاموا بإحضار إياد ووضعوه في حضني. لقد كان أشقراً ووسيماً، واعتقدت بأنه ابن أخي. لم أتخيل للحظة أنه ابني. وعندما سألتهم عن إياد، أخبروني بأنه في حضني." وتستمد وفاء قوتها من وجود أطفالها حولها. "أنا ممتنة وسعيدة لأن لدي أبناء كأبنائي، فهم يساعدونني في كل شيء ويرفعون من روحي المعنوية. حتى عندما أكون حزينة، أبتسم عندما أراهم قادمين نحوي. أريدهم أن يشعروا بأنني سعيدة لأنني معهم."
وتتقبل وفاء مساعدة أبنائها لها بصعوبة، فتقول: "لقد كنت أنا من يساعدهم. اعتدت سابقاً أن أذهب إلى المدرسة للاطمئنان عليهم، ومن ثم الذهاب إلى السوق. أما الآن، فلا يمكنني الخروج إلى أي مكان بدون سيارة، كما لا يمكنني التحرك داخل المنزل إلا بواسطة الكرسي المتحرك. استخدم أيضاً أداة المشي المساعدة (ووكر)، ولكن إذا أراد إياد أن يمسك بيدي فلا يمكنني أن أعطيه إياها خوفاً من أن أقع، فأبقي يدي على أداة المشي المساعدة."
وتلقت وفاء العلاج الطبيعي في غزة لظهرها وحوضها وساقها اليسرى مدة عام. وعلى الرغم من بذل العديد من المحاولات، لم تحصل وفاء على ساق اصطناعية حتى الآن. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال وفاء تتلقَى العلاج اللازم لساقها اليسرى. "أشعر بتحسن في ساقي، ولكني أذهب إلى المستشفى من حين لآخر عند حدوث التهابات مثلاً. قبل شهر تقريباً، مكثت في المستشفى ستة أيام. أما في فصل الشتاء، فتزداد جروحي إيلاماً وأشعر بألم شديد في الحوض والظهر والبطن والأرجل."
وعلى الرغم من مواجهتها المستمرة للماضي، تحاول وفاء التركيز على المستقبل: "أرجو ألا يمر أطفالي بتجارب مماثلة عندما يكبرون، وأتمنى أن تكون حياتهم أفضل، ولكنهم يلحون علي بالسؤال: 'هل ستأتي حرب أخرى وتقتلنا جميعاً؟' إنهم خائفون. يمكنني رؤية كيف أثرت الحرب سلباً عليهم."
وتشعر وفاء بإحباط شديد نتيجة الألم الذي ألمّ بها بعد تلك الجريمة، وكيف أنها مرت دون عقاب. "لقد مرت ثلاث سنوات منذ أن استهدفونا "قوات الاحتلال"، وحتى الآن لم نتلقّ أي رد. شرحت قصتي للعديد من الأشخاص من منظمات حقوق الإنسان وما تبعها من معاناة، ولكن دون جدوى."
يذكر أن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تقدم بشكوى جنائية إلى السلطات الإسرائيلية نيابة عن وفاء الرضيع في السابع من أكتوبر 2009، ولكنه لم يتلقَ أي رد حتى هذه اللحظة.