دراسة-البحر الميت بحاجة لـ800 مليون متر مكعب مياه سنويا لوقف نزيفه
نشر بتاريخ: 14/01/2012 ( آخر تحديث: 14/01/2012 الساعة: 11:59 )
اريحا - معا - استكمالا لسلسلة دراسات خصها مركز العمل التنموي/ معا بالأغوار الفلسطينية، كتوثيق علمي ووقفة وطنية مع صمود أهلها الذين يصارعون البقاء في أرضهم مع إطباق الاحتلال سيطرته الكاملة على الأغوار، أصدر المركز دراسة بعنوان "قيود الوصول ونتائجها... السيطرة الإسرائيلية على المصادر الحيوية في الأغوار وتأثيرها على البيئة"، كما نشر مؤخراً ورقة تحت عنوان "التدمير البيئي، تأثير المشاريع المقترحة حول البحر الميت وتأثيراتها البيئية"، وقد صدرت الدراستان باللغة الانجليزية.
وقد ناشد المركز من خلال الدراستين اللتان تتوفران على موقع المركز، المجتمع الدولي بضرورة التحرك لوقف القيود المفروضة على الشعب الفلسطيني في الأغوار المتعلقة على سبيل المثال لا الحصر بإنشاء أي بنية تحتية أو إقامة أي مشاريع تنموية، إلى جانب استمرارها في مصادرة الأراضي وهدم المنازل ومنع ترميم البيوت والطرق القائمة، ومن جهةٍ أخرى أعلن موقفه غير المساند من نواحي بيئية وسياسية لفكرة مشروع البحرين (الأحمر- الميت) الهادف إلى التغطية على ما أفسده الاحتلال في حوض نهر الأردن وتحديداً البحر الميت.
وقد أشارت دراسة "تقييد الوصول في الأغوار" حول المياه بأنه منذ عام 1967 سعت إسرائيل لتدمير 140 مضخة ماء كما صادرت أكثر من 162 مشروعاً مائياً للزراعة أنشئ في ظل إدارة الحكم الأردني، فبعد ان كان في الأغوار 774 بئراً تقلص العدد إلى 328 في عام 2005. ووفق اتفاق أوسلو عام 1995 يحق للفلسطينيين 20% من المياه في الضفة الغربية، لكنهم لم يستفيدوا في الواقع إلا من 17% فقط دون مراعاة الزيادة السكانية التي تضاعف إلى 50% خلال 15 عاماً، مع العلم أن الإسرائيليين يحصلون على كمية مياه تعادل أربعة أضعاف ما يحصل عليه الفلسطينيون. وقد سبّب نقص المياه للقطاع الزراعي في غور الأردن، ما يقارب 60 ألف دونم من الأراضي غير المزروعة، كما خسّر قطاع الزراعة 12 ألف وظيفة محتملة للعمالة الزراعية الفلسطينية، مع الإشارة إلى أن المستوطنين في غور الأردن الذين يشكلون خمس الفلسطينيين هناك، يستهلكون ستة أضعاف المياه التي يستهلكها الفلسطينيون.
كما أشارت الدراسة لقيود البناء التي جاءت نتيجة اتفاق أوسلو الذي اعتبر أن 95% من أراضي الأغوار مناطق جـ، والتي تسيطر فيها المجالس الإقليمية للمستوطنات على 50% من الأغوار، بينما تصنف 44% من الأراضي إلى مناطق عسكرية مغلقة، ما يعني ان الفلسطينيين المقيمين في مناطق جـ عليهم اخذ الإذن من الإدارة المدنية الإسرائيلية لأغراض البناء والإنشاء.
ووفق تقرير دولي أخير استندت إليه الدراسة فقد تبين أن 31% من الفلسطينيين تعرضوا للتهجير المؤقت والدائم منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وقد تصاعد الأمر ما بين عامي 2010-2011 حيث تم إصدار 350 قرار هدم، إخلاء، وإنذارات استهدفت 11 تجمعاً مختلفا في وادي الأردن.
ولفت التقرير إلى قيود الحركة والتنقل، ففي الوقت الذي يصارع فيه الشعب الفلسطيني من أجل حقه في حرية التنقل، تعتبر الأغوار أحد أكثر المناطق التي عليها قيود في العالم، فالقيود استثنائية على الفلسطينيين من وإلى الأغوار، وذلك بسبب المناطق العسكرية المغلقة، نصب الحواجز، وفرض أنظمة صارمة. وقد تم التضييق على تنقل مواطني الأغوار من والى الضفة الغربية، عبر فرض 4 حواجز تفتيش وهي: التياسير، الحمرا، معالي افرايم ويتاف. كما يسمح فقط لمن يحمل بطاقة خاصة بالأغوار أو من يملك تصريحا خاصاً دخول الأغوار في مركبته الخاصة، مع العلم ان الفلسطينيين يستطيعون الوصول للأغوار عبر طريق واحد في الجنوب، ولكن تعد الرحلة مستحيلة بسبب طول المسافة، فمثلا الطريق من طوباس شمال الأغوار لقرية بردلة لا تتجاوز 24 كم عبر حاجز التياسير، ولكن من طريق (واحد) ستستغرق الطريق 176 كم ما يعد إهداراً للمال والوقت.
وحول البناء فقد أثرت القيود الإسرائيلية على البدو والرعاة شبه الرحل والمزارعين فبينما يقطن 70% من السكان في محافظة أريحا، يعيش الباقون في تجمعات رعوية وزراعية. كما تنتشر الألغام على مساحة 200 ألف دونم في الأغوار وقد شكل الأطفال 30% من ضحايا تفجيرات الألغام.
كما ناقشت الدراسة الزراعة في الأغوار، حيث تشكل الأراضي الزراعية فيها ضمن مناطق جـ 62%، فلا يستطيع المزارعون الفلسطينيون توسيع إنتاجهم ويتطلب دخولهم لأراضيهم اذونات خاصة، تسمح لهم بزيارتها من السادسة صباحا حتى السادسة مساءً. ووفق تقرير البنك الدولي فان 60% من الأراضي الزراعية غير متوفرة للفلسطينيين، وفقط ربع الأراضي الصالحة للزراعة مستغلة من قبلهم. وذلك على عكس أراضي المستوطنات في الأغوار التي تستغل 95% من أراضيهما، وتعتبر 50% منها تحت إشراف مزارعي المستوطنات. وبالنسبة لأراضي الرعي، فان 80% من أراضي الرعي موجودة في الأغوار، وإن ما نسبته 100% من الأراضي هي مناطق جـ، ونتيجة للاغلاقات العسكرية والمناطق المغلقة فقد تضررت فئة الرعاة بشكل كبير.
كما عرضت الدراسة الأثر البيئي لاستخدام المبيدات الزراعية في الأغوار، حيث تبين ان 96% من الأراضي الزراعية و87% من الأراضي البعلية في الضفة الغربية تعامل بقسوة من خلال مبيدات مؤذية وغير قانونية، كما تطرق التقرير للمياه العادمة التي تصرف في أراضي الأغوار وتسبب ضرراً كبيراً للبيئة، وقد تصل للمناطق السكنية وتنشر العديد من الأمراض. وقد تطرقت الدراسة أيضاً إلى انه ونتيجة قلة المياه المتوفرة بسبب القيود الإسرائيلية والسيطرة على الآبار، يعمد بعض المزارعين في الأغوار الوسطى مثل العقربانية، النصارية، بيت حسن، عين سيبلي والجفتلك، إلى ري مزروعاتهم بالمياه العادمة، والنتائج الصحية تباعاً تكون كارثية على الصحة العامة وصحة التربة والحياة النباتية.
حوض نهر الأردن بين تقطيع أوصاله وتغيير معالمه
أما الورقة الثانية فقد ركزت على إظهار موقف بيئي منتقد للاستنزاف الجائر لمياه حوض نهر الأردن، فبعد أن كان من أكثر مياه العالم اختزانا للقيم البيئية والتربوية والدينية، عدا عن الطبيعة الساحرة التي يتكامل فيها مع طوبرغرافية فلسطين، الأردن، سوريا ولبنان، يشكو اليوم من عمليات النهب وتغيير ملامحه من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ما قطّع وصال جريانه الطبيعي وأخذ يهدد بحيراته بالجفاف.
واعتبرت الورقة عمليات النهب جزءاً من سياسة الاحتلال التوسعية القائمة على إلغاء الغير وتجاهل حقه في أرضه ومائه، فقبل إنشاء الدولة العبرية، سعت الحركة الصهيونية منذ أواخر القرن التاسع عشر على أن تكون المياه جزءاً رئيسيا في رسم معالم الدولة، وذلك عبر إبقاء منابع نهر الأردن ضمن حدودها المقترحة على حكومة الانتداب. بل ذهبت إلى أبعد من ذلك لتقترح أن تمتد الحدود إلى نهر الأولي في الجنوب اللبناني. وقد نجحت بالفعل في جعل منابع نهر الأردن وبحيرة طبريا تحت سيطرتها. وتابعت السيطرة على المزيد من المياه الفلسطينية والعربية منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا وبأشكال مختلفة. وبعد عام 1948 قامت إسرائيل بالسيطرة على كافة المياه السطحية وجزء من المياه الجوفية في فلسطين، وفي عام 1967 أكملت السيطرة على المياه الجوفية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي 1982 أضافت إلى موازنتها المائية جزءا من نبع الوزاني في الجنوب اللبناني. وهكذا دواليك.
كما انتقدت الورقة فكرة تنفيذ مشروع قناة تربط بين البحر الميت وأحد البحار المفتوحة "مشروع البحرين الأحمر- الميت" والتي تم اقتراحها إسرائيليا منتصف السبعينات، من أجل التغطية على مسؤولية الاحتلال في تدمير البحر الميت، بذريعة "إنقاذه من الجفاف"، علما بأن إعادة تغذية نهر الأردن بروافده المائية الطبيعية كفيلة بفرملة التدهور الحاصل في البحر الميت، إن لم يكن إصلاح جزء هام من الخراب.
وقد نوهت الورقة من الأخطار البيئية التي يمكن أن تنتج عن مشروع قناة البحر الأحمر – الميت، فإن الكثيرين من الخبراء البيئيين يرون عكس ذلك، بل يصرون على أن هذا المشروع سوف يسبب كارثة بيئية كبيرة يمكن أن تحل.
في الواقع، يكمن حل مشكلة استمرارَ تراجع مستوى البحر الميت وبالتالي "جفافه" كما نادت الدراسة، في أن تتوقف إسرائيل عن حجبها لتدفق مياه بحيرة طبرية في نهر الأردن (نحو 650 مليون متر مكعب يتم نهبها سنويا من حوض نهر الأردن)، فضلا عن وقف نشاطات المصانع الإسرائيلية المستنزفة لمياه البحر الميت (أكثر من 250 مليون متر مكعب تستنزفها المصانع من البحر). وهذا يعني توفير نحو 900 مليون متر مكعب سنويا من المياه المنهوبة مباشرة من البحر الميت أو من الروافد المغذية له، وهذه الكمية أكبر مما يحتاجه البحر لحل ما يسمى "مشكلة جفاف البحر الميت"، علما بأن البحر الميت يحتاج إلى نحو 800 مليون متر مكعب سنويا من المياه لوقف استمرار تراجع مستواه، وهذه الكمية تتناسب مع سرعة التبخر السنوية للبحر الميت في المقام الأول.