الإثنين: 30/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

بصراحة .. حافظ .. بس مش فاهم؟!!

نشر بتاريخ: 14/01/2012 ( آخر تحديث: 19/04/2012 الساعة: 14:27 )
كتب ابراهيم ملحم- تدرس الحكومة منذ أشهر تطبيق حزمة اجراءات تقشفية،لجسر الفجوة السحيقة الناشئة في ميزانيتها ،بعجز يلامس المليار ونصف المليار دولار منها نحو 800 مليون دولار عدا ونقدا، هي دين محمول، وعبء مقيم يثقل أكتاف الحكومة.

خطة التقشف المتدحرجة تشمل سلسلة اجراءات تبدأ بفرض ضرائب جديدة ،وتحسين مستوى الجباية الضريبية وتقليص الميزانيات المخصصة لمهمات الوزراء وكبار المسؤولين،من سفريات ونثريات،وانتهاء بذروة سنام التقشف،وجائزته الكبرى ،احالة الاف الموظفين العموميين مدنيين وعسكريين الى التقاعد المبكر .

رئيس الوزراء د.سلام فياض وخلال لقائه مع الصحفيين الاسبوع الماضي خصص جزءا كبيرا من اللقاء للحديث بلغة الارقام الاثيرة على قلبه وعقله المتوهج بعمليات الجمع،والطرح،والقسمة،والضرب،يحمل هم المديونية المقيمة في الموازنات السنوية ،وهو ما جعلني أصغي جيدا لحديثه المدجج بالاقام العصية على الاستيعاب والفهم ما دفعه للاستنجاد أكثر من مرة بوثائق من مساعديه،وقفشات ذكية،تجذب انتباه الحضور كلّما لامس لديهم شرودا في الذهن، لانعاش عقولهم واستمالة قلوبهم حتى يستوعبوا تسونامي الارقام المتدحرجة في القاعة الفسيحة الانيقة في المبنى الجديد لرئاسة الوزراء.

تلكم هي الارقام بنتوءاتها الحادة ،وتضاريسها الوعرة ،مرفقة بروشيتة علاجية لتدوير زواياها،وتسوية نتوءاتها ، وبردخة سطوحها ،لعل أهمها وأكثرها خطورة واثارة للجدل تلك المتسربة والمتعلقة باحالة الاف الموظفين الى التقاعد المبكر .حيث اسهب السيد رئيس الوزراء في شرع الفوائد الجمة التي ستجنيها حكومته،في حال وجدت تلك الاجراءات طريقها الى التطبيق العملي بعد أن تأخذ الحكومة بالاعتبار جميع الملاحظات والمحاذير ازاءها كما قال .

قبل نحو عامين جرى حديث في الاتجاه المعاكس لمقترح التبكير،وذلك باقتراح يرفع سن التقاعد الى 65 عاما كما هو معمول به في عدد من دول الاتحاد الاوروبي والى 67 كما هو معمول به في المانيا ،والتي تغرق في مديونيات سيادية تعتبر ديوننا مجرد "فكة" امام ديون تلك الدول التي لجأت لرفع سن التقاعد لا تبكيره لمعالجة ازماتها.

حينها وجد المقترح له من المؤيدين بقدر ما وجد من المعارضين، بيد أن الدفاع عن ذلك الاجراء كان أكثر قوة، واقناعا ،من الدفاع عن مقترح التبكير ،وذلك في ضوء ارتفاع متوسط عمر الفرد الى 75 عاما عما كان عليه قبل ستة عقود، والذي لم يكن يتجاوز الاربعين عاما ،فما أن يبلغ الفرد في ذلك الحين سن الخمسين حتى يُحتفى به كشيخ جليل بلغ من الكبر عتيا ،قمين به أن يرتدي عباءته ،ويعتمر كوفيته ،ويحمل سبحته ،ويسبل عيونه ،ليذهب راضيا مرضيا الى تقاعده الهادئ حتى يقضي الله امرا كان مفعولا.

أما هذه الايام وقد بلغ متوسط العمر 75 عاما فان التقاعد في الستين بات أمرا غير مقبول ،حيث يتمتع الستيني بعطاء ونشاظ وخبرة وعمق وعنفوان لا يقل عن الثلاثيني ،بل يتجاوزه بالخبرة المتراكمة ،والحكمة المكتنزة، ما يجعل التقاعد في هذا العمر خسارة صافية للوطن الذي سيفقد مثل تلك الخبرات ،وصدمة نفسية ثقيلة لمن وجد نفسه في قمة ابداعه وذروة عطائه، يجلس على رصيف التقاعد المهين وهو في سن الستين فما بالك بمن يلاقي نفس المصير، وهو في سن الحكمة ،والنبوة،كما في المقترح الجديد ما يجعل الخسارة مضاعفة.

وبحساب الارقام فان كلفة التقاعد في ارتفاع مضطرد، وهو ما سيشكل عبئا على موازنة الدولة ،ذلك أن المتقاعد سيعيش ما لا يقل عن 30 عاما في المتوسط يقبض راتبه التقاعدي رغم ان مبالغ مساهماته واشتراكاته بالصندوق أقل من ذلك بكثير .

أحسب أن رئيس الوزراء الذي استمدت حكومته سمعتها من سمعته الطيبة،وادائه الرفيع ،حتى باتت رأس مالها، وتاج حكمها، بالنظر لاسهاماته في بناء مؤسسات الدولة في برنامج السنتين ،ومحاربته لجيوب الفساد،وترسيخ تقاليد الحوكمة، والحكم الرشيد ،عليه ان يحرص الا تتاكل تلك السمعة باجراءات لا يمكن الدفاع عنها، او بيعها للناس كاجراءات تقشفية،وذلك بتوسيع قاعدة المشاركة المجتمعية في البحث عن حلول خلاقة لسد العجز ،دون ان تفقد الحكومة وظيفتها القائمة على تمكين الناس في ارضهم ،وتنميتهم باطعامهم، واسكانهم ،وحفظ أمنهم، والحرص على عدم اهدار كراماتهم باجبارهم على مغادرة مواقعهم في ذروة عطائهم وما يعنيه ذلك من هدر لخبراتهم التي انفقت عليها الملايين بدورات التدريب والتاهيل داخليا وخارجيا .

احسب أن رفع سن التقاعد الى 65 عاما ،او الابقاء عليه كما هو لاتبكيره، من شانه أن يحل المشكلة، ويعالج عجز الميزانية ،وغير ذلك سيضاعف الازمة ويستولد أزمات جديدة تزيد هموم الحكومة بدل تخفيفها، سيما وان المشكلة تكمن في الاحتلال ،الذي يسد علينا المنافذ، ويسطوا على خيراتنا ومقدراتنا واموالنا .

لا اعرف لماذا تحول مقترح التمديد قبل عامين الى التبكير اليوم، حتى انك تجد من كان يمتدح التمديد بالامس، هو نفسه من يمتدح التبكير اليوم... بصراحة أكثر...لقد حفظت ما قاله السيد رئيس الوزراء صما لا فهما،تماما مثلما كنت أحفظ قوانين المعادلات الرياضية، وقواعد حل المسائل الحسابية، في الصفوف الابتدائية،دون أن افهم،وما أن يبدأ مدرس الرياضيات مناقشتي في كيفية توصلي للنتائج ،حتى يكتشف أنني احفظ دون ان أفهم .. وهكذا أنا اليوم في حصة رئيس الوزراء...حافظ ..بس مش فاهم؟!!