ختام فعاليات المؤتمر السنوي الأول للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات
نشر بتاريخ: 22/01/2012 ( آخر تحديث: 22/01/2012 الساعة: 02:46 )
أريحا- معا- اختتمت يوم امس في أريحا، فعاليات المؤتمر السنوي الأول للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية، والذي عقد على مدار اليومين الماضيين تحت عنوان "التجربة الفلسطينية: مراجعة التجربة وآفاق تغيير المسار الاستراتيجي"، وبرعاية رئيسية من مجموعة الاتصالات الفلسطينية (بالتل جروب)، علاوة على الرعاة بنك فلسطين، وشركة "باديكو القابضة"، ومؤسسة "الناشر للدعاية والإعلان".
واشتمل اليوم الثاني للمؤتمر على أربع جلسات، تحدث في الأولى الكاتب فيصل حوراني، والذي قدم مداخلة بعنوان "إصلاح منظمة التحرير".
وقال حوراني: الوضع الفلسطيني بحاجةٍ إلى إصلاح، هذا هو ما يتفق عليه الجميع، والإصلاح ضرورة عاجلة. وتأجيل الإصلاح سيفضي إلى مزيدٍ من التردي.
وأردف: ينطوي التأجيل على خطر تلاشي الحركة الوطنية الفلسطينية، وقد يفضي الأمر إلى تلاشي وجود الشعب الفلسطيني بما هو شعب، وأقل ما قد يحدث هو أن يفقد الفلسطينيون وجود ممثلٍ شرعيٍ وحيد لهم، وأن يتحولوا إلى مجموعاتٍ متفرقة، منقسِمَةٍ في الرأي أو متخاصمة، ومفتقرةٍ إلى السّمات المشتركة، وأن يكون لكل مجموعة ممثلٌ خاصٌ بها، أو ممثلون عدة، وينشغل هؤلاء بأشياء كثيرة لن يكون الهُّم الوطني واحدًا منها، أو لن يكون في مقدمتها.
وتابع: إصلاح الوضع الفلسطيني هو، إذًا، مسألة حياة أو موت. وليس مسألة تحسين ظروف أو تنحية مساوئ أو تجويد أداء فقط.
وقال: صرنا في وضع غاض فيه الفكر الإستراتيجي الصحيح، فصارت السياسة تُرسم وفق المزاج، والقرارات تُتخذ بخفّة، والنشاطات تُبَاشَر دون إعداد صحيح، ولأن التفرد والفردية استشريا، فقد حل التصوّرُ المزاجي والرغبي محل التخطيط، وحل التضليل وترويج الأوهام محل التوعية، وحلت الدعاية محل التعبئة، وحل ادعاء الإنجاز محل الإنجاز الفعلي. وها نحن قد بلغنا زمنًا صار من الممكن فيه، أن يُقال لنا إن السلطة الفلسطينية قد استكملت البنى اللازمة للدولة، فيما هي في واقع الأمر عاجزة، حتى عن ضمان الاستمرار في دفع رواتب موظفيها.
وتحدث في الجلسة الثانية، الباحث في معهد "فان لير" بالقدس بشير بشير، ومدير البحوث في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية خليل شاهين، بينما علق مدير عام مركز "مدى الكرمل" الدكتور نديم روحانا على ما قدمه بشير وشاهين.
وقدم بشير مداخلة بعنوان "نحو مساهمة أولية في تجديد الفكر السياسي حول المسألة الفلسطينية".
ومضى قائلا: لقد أصبحت حياة وحقوق وهويات و ثقافات العرب واليهود في فلسطين التاريخية متشابكة بعمق لا تنفصل تقريبا، وبالتالي، فإن ثمة واجبا أخلاقيا وسياسيا، لاستيعاب هذه الملاحظة الهامة والحاسمة في مناقشاتنا، وتفكيرنا وتصورنا لإسرائيل وفلسطين".
وأردف بشير: إن الإشارة الى حق تقرير المصير، على نحو ينطوي حصرية الدولة القومية وسيادتها وأراضيها وحدة لا تتجزأ من أجل صنع السلام وتحقيق المساواة بين طرفين غير متكافئين، يحد من فهمنا وتفكيرنا لخيارات وبدائل، ويحد من التوقعات الأخلاقية والسياسية لترتيب المؤسسية لإسرائيل وفلسطين.
وقال شاهين في مداخلة بعنوان "واقع المنظمة والسلطة: السيناريوهات والتغييرات المطلوبة"، :إن مفتاح التفكير في الخيارات البديلة، يكمن في عدم السماح باستمرار الوضع القائم، بما ينطوي عليه من ميزات لصالح دولة الاحتلال، لاسيما من حيث توفير الوقت والغطاء السياسي اللذين تحتاجهما إسرائيل لمواصلة تقدم مشروعها الاستيطاني وفرض دولة الكانتونات ذات الحدود المؤقتة بصفتها اللعبة الوحيدة في المدينة.
وأضاف: مثل هذه العملية تتطلب دراسة السيناريوهات المحتملة، وتبني الخيار الأنسب لتغيير الوضع القائم، بما يعنيه ذلك من تركيز على العامل الأهم، وهو اعتماد سياسة طويلة الأمد ومثابرة لتغيير عناصر ميزان القوى، لصالح دعم عدالة قضية الشعب الفلسطيني، وكفاحه في سبيل التحرر وتقرير المصير.
ونوه إلى وجود عدة سيناريوهات محتملة للوضع الفلسطيني خلال الفترة القادمة، منها بقاء الأمور على حالها، أو الدولة ذات الحدود المؤقتة، مبينا أن الخيارات الفلسطينية يجب أن تنطلق من مواجهة خطري بقاء الوضع على حاله، أو تحول الدولة ذات الحدود المؤقتة إلى واقع على الأرض.
وذكر روحانا في إطار تعقيبه على المداخلتين، أن خيار الدولة المؤقتة مستبعد، لافتا إلى أن خيار قيام الدولة المستقلة مستبعد أيضا.
وقال: مشروع الدولة الفلسطينية يعتمد على التقسيم، لكن ليس هناك أي مشروع كولونيالي انتهى إلى التقسيم، فالمشاريع الكولونيالية إما انتهت بطرد الكولونيالي، أو القضاء على الشعب الأصلي، أو استيعاب الكولونيالي في المجتمع الجديد.
وأضاف: لا بد من عودة الصراع إلى أصوله، أي بين حركة تحرر وطني، ومشروع كولونيالي.
أما في الجلسة الثالثة، فتحدث كل من الخبير الاقتصادي، والمحاضر في جامعة بيرزيت الدكتور نصر عبد الكريم، ومدير مؤسسة "الحق" شعوان جبارين، والكاتب سلمان ناطور.
وركز عبد الكريم في مداخلة بعنوان "السيناريوهات الاقتصادية المتوقعة والخيارات المتاحة"، على هشاشة الاقتصاد الفلسطيني، والحاجة إلى اعتماد سياسة مالية جديدة للسلطة.
وقال عبد الكريم: شكلت السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، سبباً أساسياً للتشوهات والاختلالات الهيكلية في البنية الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية، منذ الاحتلال العسكري للضفة الغربية وقطاع غزة العام 1967، وفي إطار العلاقة غير المتكافئة والقسرية بين الطرفين، عمدت اسرائيل الى جعل المناطق المحتلة، مصدراً للأيدي العاملة الرخيصة المستخدمة في سوق العمل الإسرائيلي، وسوقاً استهلاكية لمنتجاتها، في حين فرضت قيوداً عديدة على مختلف أوجه النشاط الاقتصادي وخاصة الصناعي منه، واستنزفت الموارد المالية للفلسطينيين من خلال فرضها لسياسة ضريبية تعسفية على الأفراد ومنشآت الأعمال.
وتابع: أدت هذه الممارسات الممنهجة الى إضعاف فرص الاقتصاد الفلسطيني في النمو وتطور قواعده الإنتاجية، وبالتالي قدرته على امتصاص العمالة الفلسطينية التي كانت تتزايد بإستمرار، الأمر الذي حد من قدرة هذا الإقتصاد على تلبية احتياجات السوق المحلية من السلع والخدمات، وفرض واقعاً من النمط التبعي الإجباري، لسد فجوة الطلب في السوق الفلسطيني عن طريق الاستيراد من اسرائيل.
وقال: انعكست هذه التشوهات والفجوات الموروثة عن الاحتلال سلباً على الأداء الإقتصادي للسلطة الوطنية الفلسطينية منذ تأسيسها في العام 1994، فبالرغم من الإنجازات الهامة التي حققتها السلطة في مجال بناء مؤسسات الحكم الإقتصادي، وإعادة تأهيل مرافق البنية التحتية، وإصدار التشريعات الناظمة لحياة المواطنين في الضفة الغربية وغزة، إلا أن تكلفة تلك الإنجازات كانت مرتفعة نسبيا، لأنها تمت في ظل استمرار قيود الاحتلال و سياساته التعسفية، وفي ظل غياب رؤية وبرنامج تنموي شامل تهتدي بهما السلطة في إعادة الإعمار، وفي إدارة الشأن الإقتصادي.
واستدرك: كما بقي القطاع العام يعاني طوال الفترة الماضية من التضخم الوظيفي، والتشوه الهيكلي، وازدواجية الصلاحيات وتداخلها بين المؤسسات المختلفة، وقد صاحب ذلك، أو نجم عنه، تشوهات في العلاقة بين القطاعين العام والخاص، ونشوء علاقة تنافسية وربما تزاحمية بينهما والتي بقيت قائمة حتى وقت قريب.
وقال: إن التشوهات الموروثة عن الاحتلال، والمستجدة بعد قيام السلطة، أثرت سلباً على هيكل وإدارة الموازنة العامة للسلطة الوطنية، والتي أظهرت حجم الاعتماد الكبير على الإيرادات الجمركية المحصلة من قبل إسرائيل، استنادا الى نصوص "بروتوكول باريس الاقتصادي"، وضعف مساهمة القاعدة الضريبية للجباية المحلية.
وقدم جبارين مداخلة بعنوان "الجانب الحقوقي والقانوني للقضيّة الفلسطينيّة دوليا وموضوع الحريات وحقوق الإنسان الفلسطيني.
وقال جبارين: رغم غياب الإرادة السياسية، لدى الدول المتنفذة عالميا، في تطبيق واحترام قواعد القانون الدولي خلال ممارساتها الدولية، إلا أن هذا الغياب لا يمكن له أن يستمر إلى ما لا نهاية، خاصة في ظل التحولات التي يشهدها الرأي العام في غالبية دول العالم، إضافة إلى دور المجتمع المدني الذي يتسع تأثيره يوما بعد يوم، والانحياز الطبيعي لصالح مبادئ وقيم الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة وحقوق الإنسان، الأمر الذي لا يمكن تجاهله طويلا خاصة من قبل صناع القرار السياسي.
وتابع: إن مضمون حق تقرير المصير بالنسبة للفلسطينيين، تم التعبير عنه بدولة، حسب منطوق العشرات بل المئات من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ولكن وفي الوقت ذاته لا يمكن أن نتحدث عن حق تقرير المصير، دون حق العودة، فهو شرط لتجسيد حق تقرير المصير، فكيف لشعب لا يعيش على أرضه وفي اللجوء، أن يقرر مصيره.
من جهته، قدم ناطور، مداخلة بعنوان "قراءة في واقع ومستقبل المشهد الثقافي الفلسطيني".
وقال ناطور: إن معظم المراجعات التي كانت تتم في السنوات الأخيرة، أهملت الثقافة وتركزت أبحاثها وطروحاتها حول المسائل السياسية والتنظيمية، ورغم أهميتها ومركزيتها إلا أن اي بحث حول التجربة الفلسطينية، في أية مرحلة من مراحلها، لا يمكن أن يتجاهل الثقافة، ليس فقط لاعتبارها فعلا سياسيا وأيضا تتداخل بقوة في أي بحث استراتيجي، بل هي من أهم مكونات القضية الفلسطينية، والدليل على ذلك مركزيتها في مسيرة الشعب الفلسطيني قبل النكبة، وبعدها والتقاء الثقافي الفلسطيني بالسياسي في أشد الحالات الفلسطينية نضالا ومقاومة.
وأعرب ناطور، عن أمله في أن تشكل طروحات المؤتمر الثقافية، منطلقا لمشروع ثقافي فلسطيني وحدوي، يتجاوز حالة التجزئة المفروضة على الشعب الفلسطيني منذ احتلال أرضه، وتشتيته عام النكبة وحتى اليوم، مضيفا "هذه التجزئة التي نجح الإحتلال بتذويتها في الوعي الفلسطيني إلى حد كبير، بما يفرضه على الأرض من حواجز، وجدارات، وقطع لكل أسباب التواصل اليومي، فكاد يكون حالة مسلما بها".
أما في الجلسة الرابعة للمؤتمر، فقدمت عضو مجلس أمناء المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية الدكتورة غانية ملحيس، مداخلة بعنوان "تلخيص إجمالي لعناصر الرؤية الإستراتيجيّة لتغيير المسار".
وقالت ملحيس: بعد مرور اكثر من قرن على تواصل الصراع الفلسطيني –الصهيوني، ورغم حدوث تطورات توحي باقتراب نهايته لقرب تسويته، بتوفر إجماع غير مسبوق على ضرورة حل الصراع، وتوافق غير مسبوق أيضا، على أن أساس هذا الحل يرتكز على مبدأ التقسيم، وإقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل داخل الجغرافيا الفلسطينية، وموافقة الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية المعنية مباشرة بالصراع، وتأييد كافة الدول والمجموعات، والمؤسسات الرسمية العربية والاسلامية والدولية، كل لاسبابه الخاصة، إلا أن هذا الإجماع النادر حول ضرورة قيام الدولة الفلسطينية على ارض فلسطين، إلا أنه غير كاف لانجاز تسوية سياسية للصراع، والتي تشير كل الدلائل الى وصولها لطريق مسدود.
واستدركت: قد يعود ذلك، الى أن قيام الدول والكيانات السياسية الجديدة، رغم احتياجه لظروف محلية واقليمية، ودولية ناضجة تسمح بقيامها، فإن استعادة دول لموقعها على الخريطة السياسية، والجغرافية الدولية بعد أن حلت اخرى مكانها، يحتاج الى شروط تعجز عنها المقاربات المطروحة، باقتسام الوطن بين أطراف الصراع لتسويته.
من جانبه، لفت رئيس مجلس أمناء المركز الدكتور ممدوح العكر، إلى تنوع القضايا التي أثارها المؤتمر ومداولاته.
وذكر أن الأوراق المقدمة في المؤتمر، هدفت إلى إحداث نقاش بخصوص مسائل مغيب التفكير فيها.
وأفاد بأنه نظرا لطبيعة المركز، فإن من الأهمية بمكان أثناء الفترة القادمة فتح نقاش حول كثير من القضايا التي جرى تناولها وطرحها خلال فعاليات المؤتمر.