مشاهد أعراس .. قديمة / المتوكل طه
نشر بتاريخ: 22/01/2012 ( آخر تحديث: 04/04/2012 الساعة: 09:26 )
تربّي المرأةُ جسدَ ابنتها،
حتى تبلغ الذروةَ،
حين يسافدها الوعلُ!
تأمرها أن تزيل الصبّارَ عن الحَجَر الرّخو،
وأن تَدْعَك بالقرنفل زوايا الفم المغلق،
وتطيّبه بأوراق الليمون الخضراء ،
وتلوك اللبّان،
وتشطف بالملح ما يعْلق بالأسنان .
وأن تسخو بالماء ورغوة الغار،
حتى تضفضف ضفائرُها بالنيازك،
وينجلي الحنّاءُ باهراً على بدنها الناعم .
في بيت الزوج؛
عليها ألاّ تخلع شيئاً عنها،
حتى يأمرَها بيديه، وأن تبدي الخجل العذريّ !
وحين تتمدّد، ينبغي أن تبعد رأسَها،
وألاّ تنظر في عينيه .
ليأخذها .. ولينشب فيها الأظفرَ والمحراث !
ولكن، ما بال الوحشُ يذهب إلى النهاية مسرعاً
دون أن يشرب ندى البرعم،
ويقضم الزبيب،
ويهمس بالنار على النحر المحرور ؟
يحق لها أن تداعب برأسها نجومَ الماس،
وأن تتأوّه، وهو يعبّ موجةَ الحبق،
وأن يتأنّى حتى يتَّقدَ الجذعُ، وتسكنه النار !
*
المرأةُ في الفِراشِ؛
إما تأتيها أصواتُ الملائكةِ الصغار
اللاّعبين اللاّهين في براري الصباح،
أو أن يُمزّع أذنيها صراخٌ يسكن وسادتها،
فتهرع بجفاف حلقها، تبحث عن ماءٍ مرتجف
ممسوس يبلّ ريقها الحطب ..
فيما يواصل الرجلُ التهام الزغاليل
المحشوّة بالقمح المُنقّى ..
*
وتنصحُ المرأةُ ابنتها؛
قبل أن يلحق رجُلكِ قومَه الذاهبين إلى الحرب،
عليك أن تفتحي بواباتِ جسدك له،
ليتزوّد بكِ، قبل الجوع الدامي،
وحتى لا يفكّر في شيء غير مناعته وانتصار شعبه،
ليعودَ إليك، وفي فمه بقايا التفاحّة التي
تكسّرت بعذوبة بين فكّيه،
وظلّ يتلمّظ بها، كلّما هدأت السيوف،
ويمنّي نفسه باللحظة التي سيغوص فيها
بين ثناياك الساخنة الرَخِصة..
ولهذا، يا ابنتي ! تهيّأي إنْ سمعتِ
أجراسَ عودة المحاربين،
واغتسلي من الشوك والمِزَق البالية،
واستقبليه بطيْب الكندر والبخور،
والسوسنُ يسيل من أطرافك ،
ليرنّقَ نسغَه الظمآن .
وعلّميه، بعد أن يمتليء، بإفراغ جعبته المجنونة،
أن يصعد إلى الخُصلات، يداعبها،
ويرقّ معها كالهديل .
*
قمر أسودٌ ذلك الذي سكب هالتَه، تلك الليلة، على فستان العروس التي
ذبل عريسُها، ولم يستطيع أن يفترعها، وخاف أن يَسِموه بالعجز ! ولا
يريد أن يبدو عنّيناً ..
فاستل رمحَه الحديدي وغرزه في بقعة العتمة .. فصرخت العروس، وكان الرمح قد خرج من ظهرها، ونزفت حتى ماتت !
خرج الرجل، وادّعى أنها امرأة ! فَقَدت عذريتها في جحيمٍ ما !!
وغطّى الرمادُ الأزرق رؤوسَ أهلها، وظلّ هو الفارس الفحل.
على سرير العروس المغدورة، نبتت سوسنةٌ سوداء، ظلّت تكبر وتمتد وتكبر .. حتى غطت المدينةَ، وتشعّبَت امتداداتها حتى صارت المدينةُ شرنقةً داخلها .
*
كانت راعية الأغنام، تترك شياهها، وتستلقي على صخرة البرودة، تحت أيّ ظلّ خفيف . تتراءى أمامها صورةُ الفهد الراقص في السامر، أو شفتاه المكتنزتان بالتمر، أو يده وهي تنسرب تحت ثوبها، تكوّر الرمّانة من جديد، وتخضّ الحليب المزّ في بركته الصغيرة، ويهبط بوجهه إلى بطن الغزالة، ويفحّ كالأفعى في شعاب العشب الناعم ..
وتفهق الراعية، وتكون قد بلغت القمة .. ودَمعَت !
يقول المارّة: ثمة نبتة ثلجيّة خرجت من قلب الصوّان، لها ريح الترمس الناضج، وتقطر سائلاً يشبه دموع أيتام الجان .
*
*
بعد أن يجلينها بالشبَّةِ والليمون الحلو، يَلْبسنها أجمل الثياب .. ويطيبنها بالمسك والمرّ والبخور، ويهمسن في أذنها كلمات تحمّر لها الوجنات، وتندّ عنها ابتسامة صغيرة عارفة !
عند بوابة دار العريس، تحمل قطعةَ العجين على ورقة الليمون وتُلْصقها.. وَتَلِجُ العتبةَ بِقَدَمها اليمنى، وتدلف إلى المطبخ، تمرر بيدها على الخوان، ثم تكشف غطاء الخوابي، وتدسّ ذراعها في القمح أو الطحين أو الذرة. ثم تأتى إلى براميل الخلّ وجرار الزيت والعسل، فتمررّ بأصبعها المبلول على شفتيها .. وتصعد حيث سيجلس عريسها معها، على مقعدين عاليين . هناك ستخلع صندلها ويخلع حذاءه، لتشتبك أصابع القدمين وتتداخل .. ويقومون بصبّ القطع النقدية والذهبية على القدمين المتّحدين .
ثم تحضر امرأةٌ كأسَ شراب، فيشربان من الحافة نفسها .. يسقيان بعضهما البعض . ثم ينهضان ليرقصا، أمام الجمع المُحتفل . وخِلسَةً تمررّ إحدى الصبايا إلى العروس كأسَ حليب، تَختزنه في فمها، وتواصل الرقص .. وفجأة ! تَبُخّ الحليبَ في وجهه، وبقدر ما يعلق منه على وجه العريس بقدر ما سيعشقها ويطيعها . ولكن على العريس أن يباغت العروس، ويتمكن من تقييد حركتها وإطباق فمه على فمها، ليشرب باقي الحليب ! فإنْ أعطته ما بفمها .. أطاعته وأحبّته، وإنْ كانت قد شربته .. فإن حياتهما ستكون ناشفة كالرمل .
ويدخلان .. وتظلّ عجوزُ القبيلة واقفةً على الباب، وظهرها حيث ينامان، وتبقى هكذا حتى تخرج العروس، وتسلّمها منديل العفّة المضمّخ بعنق الديك . عندها، تقوم العجوزُ وتُسقي العروس شيئاً من زيتٍ في فنجان فخاريّ، وتمسح باقي الزيت على بطن العروس .. وتتمتم عليه، ليأتي الصبيّ سريعاً كاملاً دون تأخير .
*
كانوا يأخذون الرجل قبل زفافه بيوم، إلى بركة الحمّام، يزينّون شَعر رأسه ولحيته، ويشّذبون مفاتنه بالمقص والموس .. وينكرون عليه عانته الكثيفة المتشابكة ! وبحِزْمة الميرميّة يليّفون جسده، ويدلّكونه بزيوت وغار حتى يشفّ كالأطفال .
ويلبسونه أثمن العباءات والشراويل والقفطانات المصنوعة من الكتّان والحرير والقطن، ويدلحون على لحيته وذراعيه العطر، ويبخّرونه، ثم يحنّون كفّيه بعجين الطين الحمراء .
وفي المساء يكون كذكر الحَمام الذي يبغم على أغصان النسائم العالية .. أو يكون مَسْخاً يغتصب اللحم كالأهوج المجنون .
أو أنه ينكسر، ويبكي، ويتمنّى أن يعاود الكرّة ليفتح الأُكرة كما ينبغي.
أو أن تأخذه جلالةُ الجسد وحُقّه المختوم أو ينبوعه الفذّ .. فيؤمن بالخالق العظيم، ويكبّر .. حتى يبغ الجنّةَ أو الشِعر .
*
لا تُقلّمي أظفارك أيتها الفهدة،
حتى لا تخدشي فراء الليل ،
وتصحو ملائكة الصلاة المأخوذين بالوجد.
ولا تحملقي في مرآة العتمة حتى لا تستيقظ
في الزئبق صور الأشباح .
ولا تكوني كما ولدتك السماء إلاّ
لزوجك، حتى لا يشرئبّ الفحلُ
في الأنثى المتأمّلة العطشى .
ولا تَسرّي بأهوال الفِراش لصديقتك
العانس، حتى لا يغويها الفعلُ الحارق، وتسعى
بكيْدها، لتكون وطأة رجلك .
ولا تدلحي ماء غسيلك قبل أن
تتعوّذي من الروح السوداء
وتذكري سيّدنا الوّهاب .
ولا يغرّنك القوس الجَهْم، أو
السرير الرافل بالورد والرسوم،
فما تريدينه مفتول في السواعد المتعرّقة ،
وفي رُمّان الساقين وطلقات الأجفان
وبخار الشهوة .
لا ينبغي لكِ أيتها المرأة أن تستحمي في الليل، فإن الأشباح سترى جسدك
الباذخ الحليبي .. وربما يعشقك ملك الجان، فَيَحِلّ في خرير شرايينك، ويتلبّس
روحك البيضاء.
لا تخيطي بالإبرة ليلاً، فصغار الملائكة نيامٌ، فلا توقظي بالوخز براءتهم
المطمئنة، وغفوة التفاح في خدودهم المخمليّة .