الأربعاء: 02/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

محطات من دورينا

نشر بتاريخ: 03/02/2012 ( آخر تحديث: 03/02/2012 الساعة: 11:41 )
بقلم : صادق الخضور

كارثة بور سعيد ..طعنة في الوريد

هذه المرة، أكتب عن محطات ليست من دورينا، لكنها أحزنتنا جميعا، وحرّكت شواجن الحزن فينا، فما جرى في مصر عقب لقاء الأهلي والمصري فاجعة مؤلمة موجعة، تجاوزت كل الحدود، وأصابت الروح الرياضية في مقتل.

في مثل هذا التوقيت وأعني به بطولة أفريقيا كانت مصر هي التي تتسيّد المشهد ، باعتلاء سدّة الصدارة في البطولة الأفريقية وخاصة في السنوات الأخيرة، غابت مصر هذه المرة وظل المولعون بالدوري المصري وما أكثرهم يمنّون النفس بمتابعة مباريات الدوري فالزمالك والأهلي والدروايش يواصلون سطوتهم على أفئدة جماهير فلسطينية عاشقة دوما للإبداع الكروي الذي لطالما جسدّه أبو جريشة والخطيب وأبو زيد، وتواصل عبر أبو تريكة وعمرو زكي ومتعب والقائمة تطول وتطول، وفجأة أطلّت علينا كارثة بور سعيد في مشهد دموي رهيب.

ففي المكان المفترض أن يكون موئلا للروح الرياضية أزهقت عشرات الأرواح، وأطلّ العرابيد ليقتلوا وليدمروا وليجرحوا، موجهين طعنة للروح المتوقدّة في مصر بعيد الثورة، مثيرين عديد المخاوف على مستقبل مصر وشبابها الطامح. لكنها مصر؛ مصر التي عودتنا على اجتياز المحن والعودة من بعيد، مصر التي كان يناير شاهدا على عنفوانها وتماسك أبنائها، تبقى قادرة على اجتياز المحنة وتدارك الخلل.

في الفاجعة، حقائق يجب ألا تغيب عن البال، وأولها وأهمها أن ما جرى كان تتويجا لمشاهد غير منضبطة لطالما شهدتها الملاعب المصرية منذ بدء الدوري: ليزر، وجماهير تقتحم الملاعب، ونار في المدرجات، فكان من الطبيعي أن يكون تواصل هذه الظواهر سببا في تآلفها مرة واحدة في مباراة المصري والأهلي، وبيت القصيد هنا أن أيّة ظواهر خارجة عن النص كانت تستحق التعامل معها بحزم منذ البداية، وتواصل هذه المظاهر هنا وهناك قاد لكارثة ولو كانت هناك كلمة قادرة على التعبير أكثر عن حجم الفجيعة لاستخدمناها.

في مباراة، كأيّة مباراة ، وبعد أن انتهت المباراة كان ما كان، وهذا يؤكد أن النيّة المبيّتة سبب وجيه من أسباب ما جرى، ولا عذر للقائلين بأن ما جرى إفراز لتراكمات سنوات من سوء العلاقات، فما جرى وأد للروح الرياضية، انقلاب على كل المفاهيم والأعراف، تجاوز لكل الخطوط، فلم يبق الهمجيون خطّأ إلا وتجاوزوه ولا عرفا إلا ووأدوه.

على العقلاء من أبناء أرض الكنانة يبقى الرهان، وهم قادرون على تجاوز المحنة، وعلى لململة ما تناثر من كبرياء، وتنقية بياض الإنجازات المصرية مما حاق به من سوداوية الحقد وحمرة الدم التي سالت، معلنة أن ناقوس الخطر يدق.

كم هو حري أن تكون الفاجعة بكل معطياتها درسا للمتعصبين في دنيا الرياضة ليخففوا من وطأة تعصبّهم، وللقائمين على روابط المشجعين ليكبحوا جماح الخارجين على كل الضوابط، ونحمد الله أننا وفي فلسطين نعتز بمنظومة حضارية من التشجيع قلمّا تشهد محطاتها أيّ فعل نشاز، نقولها بفخر ونتمنى أن تتواصل الحال على هذا النهج من الروح الأخوية لأن الرياضة وقبل أن تكون مكسب وخسارة هي لتجسيد الروح، وإن غابت فالحديث حينها عن خسارة فقط.
ما جرى في مصر دافع لمزيد من التحسّر على ما آل إليه حال التشجيع الكروي في كثير من البلدان، ولربما تفطّن المتابعون للدوريات الخليجية الآن إلى نعمة قلّة المتابعين في بعضها، ولا نقول هذا من باب الجدّ بل من باب التأكيد على أن كثرة المشجعين يجب أن تكون دافعا لمزيد من الانضباط، وفي الدوريات الأوروبية نماذج مشرقة حتى وإن كانت المباراة مواجهة بين غريمين تقليدين كحال البرشا والريال.

في توقيت متزامن مع غياب عمالقة أفريقيا عن المحفل الأفريقي، أصر الغوغائيون على أن تكون مصر أبرز الحاضرين إعلاميا وهذه المرة لا عبر الألقاب والأداء بل عبر بوابّة الدماء، وشتّان بين الحالين، ففي البطولة الأفريقية الأخيرة كانت لفتة أبو تريكة تجاه غزة أروع من الروعة، فإذا به وفي ظل الكارثة ينجو من موت محقق .

أبو تريكة..بركات..متعب..وائل، وكل اللاعبين المصريين الذين صنعوا لمصر تاريخا كرويا زاهيا لا يستحقون العيش في أجواء المطاحنات والقتل، لكنهم عاشوها، فهل يستحقّون هذا؟

ختاما، وبعد أن تابعنا الوقفات التضامنية للأسرة الفلسطينية مع الأشقاء المصريين رسميّا عبر موقفي الرئيس محمود عباس، واللواء جبريل الرجوب، وفي ظل ما تابعناه عبر المنتديات والمواقع الرياضية الفلسطينية من مطالبات بأن تشهد مباريات الدوري للأسبوع الحالي مظاهر تضامنية ووقفات حداد مع الضحايا، فإننا نؤكد على واقعية هذا المطلب ونضيف إليه اقتراحا بأن يضع اللاعبون هذا الأسبوع على أيديهم شارات سوداء، وأن تكون عناوين الصفحات الرياضية غدا وتحليل المباريات باللون الأسود، فهذ أقل ما يمكن تقديمه.

أحرّ التعازي لأهالي الضحايا، وكل تمنيات الشفاء للجرحى أولا، ولما أصاب المسيرة الرياضية في مصر من هزّة نتطلع لتجاوز آثارها سريعا.