فياض: عندما تشكل الحكومة الجديدة سنسلمها المسؤولية بكل احترام
نشر بتاريخ: 14/02/2012 ( آخر تحديث: 14/02/2012 الساعة: 16:24 )
رام الله- معا- تعهد رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض بإقرار الحد الادنى للاجور خلال شهر، فيما قال ان فريقا وطنيا على وشك التشكل لوضع نظام ضمان اجتماعي شامل.
وكان فياض يتحدث خلال لقاء مع الكتاب والصحافيين، واستعرض خلاله النتائج التي تمخض عنها الحوار المالي حتى الآن، والذي دعا اليه قبل اسابيع بهدف الوصول الى صيغة توافقية لاجراءات خفض العجز في الموازنة العامة للسلطة الوطنية.
وقال: "ليس هناك وعود مفتوحة، فالحد الادنى للاجور سيبت به خلال شهر، وسيكون مدروسا في اطار الحوار الثلاثي (الحكومة والنقابات وارباب العمل)، الذي سينتقل الى حوار الطاولة المستديرة (بمشاركة كافة الاطراف)، وسيأخذ بعين الاعتبار كل الامور التي يجب ان يأخذها في عين الاعتبار".
كذلك، قال فياض ان فريقا وطنيا على وشك التشكل لوضع نظام ضمان اجتماعي شامل، "مستفيدين من الاراء التي طرحت خلال الحوار، وفي حال اقراره يمكن ان يحل محل الكثير من مكونات شبكة الامان الاجتماعي القائمة حاليا".
واعرب فياض عن ارتياحه لما للتوصل الى صيغة بشأن شرائح ضريبة الدخل، "بموجبها تمكنا من الحفاظ على التأثير المالي الذي نريده من هذه الاجراءات، اذ تمكنا من خفض الحد الاعلى المقترح للضريبة من 30% الى 20% مقابل تأجيل استفادة الشركات من مزايا قانون تشجيع الاستثمار لمدة سنتين"، مؤكدا ان الاتفاق مع ممثلي القطاع الخاص يقضي بأن يشمل هذا التأجيل كل الشركات المستفيدة من الاعفاءات الضريبية لقانون تشجيع الاستثمار.
وفي المحصلة، قال فياض، ان الاجراءات المتفق عليها في الجانب الضريبي ستوفر ايرادات بحوالي 60 مليون دولار سنويا، "وهو مبلغ لا يكفي وحده لمعالجة الازمة، لكنه مهم في ظل الظروف التي نعيشها".
وكشف فياض عن اتفاق مع المجلس التشريعي، (عبر فريق العمل الخاص بالسياسات الاقتصادية)، على تشكيل اطار لمراجعة قانون ضريبة الدخل بالكامل، "وقد تم فعلا تشكيل لجنة مراجعة القانون، وستعقد اول اجتماعاتها غدا (اليوم)، للنظر في كل القضايا التي طرحت، على ان ننتقل في مؤتمر الحوار الى قضايا اخرى، والذي نأمل ان يكون حاضنة لحوار دائم في الشأن الاقتصادي والاجتماعي، حيث سنتناول موضوع ترشيد النفقات واولوياتها، وغيرها من القضايا وصولا الى سياسات متفق عليها، ونحن مستعدون للنظر في كل البدائل المتاحة".
وجدد فياض ترحيبه باعلان الدوحة، الذي نص على تشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس محمود عباس، والذي قال انه "كان حافزا للتعجيل لتجنيب الحكومة الجديدة عبء معالجة الازمة المالية".
وقال: عندما تشكل الحكومة الجديدة سنسلمها المسؤولية بكل احترام، ولكن بجهد حقيقي بذل، وبصدق، لتسهيل مهمتها لا ان نرمي هذه المعضلة في وجهها".
واضاف: تبادر لذهن البعض انه لم يعد ضرورة لهذه الاجراءات والحوار طالما ان هناك حكومة جديدة ستشكل، لكن القرار كان عكس ذلك، فمن منطلق المسؤولية، علينا التعجيل حتى نجنب الحكومة الجديدة هذا العبء. دخلنا الى هذه المعركة ولا يجوز ان تبقى مفتوحة اذا استطعنا اغلاقها. هذه الحكومة ستبقى تتحمل مسؤولياتها حتى اللحظة الاخيرة".
وفي وقت اعتبر فياض ان الجدل الذي شهده الشارع الفلسطيني خلال الاسابيع الاخيرة حول اجراءات خفض العجز، انطوى على الكثير من الخلط والانتقادات غير الصحيحة، فقد تم توضيحه عبر الاعلام وخلال جلسات الحوار، "الا ان هذا الجهد له دلالات مهمة، فمنذ اليوم الاول رأينا فيه معنى اكثر سموا بكثير من الارقام والبيانات والاحصائيات والعجز وسد العجز، وهذا جعل من المهم التركيز على النواحي الاجرائية المتصلة بكيفية ادارة الشأن العام في ظرف صعب".
وقال: مضى تقريبا شهر على الاعلان عن هذه الاجراءات، وكان الحديث قبل ان نبدأ بحوارات موسعة ومع قطاعات مختلفة من المجتمع، عن الاجراءات التي كنا نعتقد في ذلك والوقت ولا نزال، ان من الضروري اتخاذها لمساعدة السلطة الوطنية في تجاوز الازمة المالية واعداد موازنة العام 2012، وحددنا الملامح الاساسية للجهد المطلوب في اجتهادنا، وتبع ذلك نقاش معمق وجدل على مختلف المستويات وفي مختلف المناطق، كما كان متوقعا من ردود فعل صاخبة، وهذا ما ميز المرحلة، وتركز النقاش في الجزء الاهم منه على موضوع ضريبة الدخل، وان كان هناك عناصر اخرى مما هو مقترح تم تناولها في هذا الجدل".
وتابع: كان شهرا حافلا، وعلى مستوى واسع، اذ شمل جملة لقاءات مع عشرات المؤسسات التمثيلية في المجتمع: النقابات، والاتحادات، وقطاع الاعمال، والمجتمع المدني، وبالفعل اخذت طابعا ثنائيا في البداية، وبعد ذلك تحركت على مستوى قطاعي، وبعد 18 كانون الثاني طلبنا من المؤسسات التمثيلية المختلفة انتداب اشخاص لتمثيلهم في حوار طاولة مستديرة بشكل متساو، وادارت الحوار لجنة مستقلة من ثلاثة اشخاص هم: د. نبيل قسيس، ود. عزمي الشعيبي، ود. سمير عبد الله، وعقدت اكثر من جلسة جمعت كل الاطراف دفعة واحدة، كما شملت اللقاءات لقاء مع المجلس التشريعي عبر فرق العمل، وستعقبه لقاءات اخرى مع الكتل البرلمانية".
دلالات مهمة
وقال فياض، ان للحوار المالي، والحراك الذي شهده الشارع على خلفية الاجراءات المقترحة "دلالات مهمة، فمنذ اليوم الاول رأينا فيه معنى اكثر سموا بكثير من الارقام والبيانات والاحصائيات والعجز وسد العجز، وهذا جعل من المهم التركيز على النواحي الاجرائية المتصلة بكيفية ادارة الشأن العام في ظرف صعب، وكان هناك العديد من الاراء ومن كل الاتجاهات، فيما عكس المدى الذي كان متوقعا لمساس مثل هذه الاجراءات بمشاعر الناس ومصالحهم، فالمصالح ليست جميعها باتجاه واحد، ويعلم الجميع انه كان لدينا منذ اليوم الاول انفتاح خارج الاطار الرسمي للسلطة في محاولة لتوجيه عمل الحكومة، خصوصا في ظل غياب المجلس التشريعي".
وأكد رئيس الوزراء حرص الحكومة، منذ اليوم الاول لتشكيلها في منتصف العام 2007، على الاستماع للمواطنين، وليس فقط المؤسسات القطاعية التمثيلية، بشأن المشاريع المنفذة، لاختيار المشاريع بحسب اولوياتهم في كل منطقة، ولكن هذه اول مرة (في الحوار المالي) تجتمع كل القطاعات معا على طاولة واحدة، "ونحن نرى في ذلك خطوة مهمة جدا الى الامام للوصول الى صيغة تحظى بتوافق اكبر من الافكار التي طرحناها، وهذا كان مفيدا جدا".
واضاف: منذ اليوم الاول، وبنتيجة الاتصالات الثنائية وفيما جمع كل هذه الاطراف معا، شكل حاضنة لحوار دائم في الشأن الاقتصادي والاجتماعي، وليس فقط حول اجراءات خفض العجز، فالكثير قيل بهذا الشأن، واسئلة عديدة طرحت في الاونة الاخيرة بشأن مدى نجاعة وصحة هذه السياسات، والاحتلال وتأثيره، وغيرها من الاسئلة الجوهرية، وهذا نقاش مثير جدا للاهتمام من الناحية الفكرية، خصوصا انه في مراحل سابقة كانت نفس السياسات عندما تناقش فإنها تناقش من منظور آخر، على اساس ان اقتصادنا اقتصاد استهلاكي، وليس لديه قدرة انتاجية بما يكفي لتوليد فرص عمل، واقتصاد "كوفي شوب"، وان اي تحسن في الاداء الاقتصادي فإن مرده الى المساعدات الخارجية التي طالما بقيت المصدر الاساسي للنمو والتنمية فإن الامر لا يستقيم، وتعرض القرار الفلسطيني للابتزاز، وهذا حصل على مدى السنوات الماضية، ومنذ نشأت السلطة الوطنية فلا يكاد تعبير السلطة يذكر الا وهو مقرون بـ"والتي تعتمد بدرجة كبيرة على المساعدات"، والايحاء بأنه اذا حصل هناك خلل في المساعدات فإن السلطة تنهار، وهي طروحات يناقضها اصحابها في احيان كثيرة، حيث من كان يطالب بضرورة تقليل الاعتماد على المساعدات للحفاظ على استقلالية القرار الفلسطيني عاد في الاونة الاخيرة لتقديم طروحات مناقضة.
تقدم في الاعتماد على الذات
واشار فياض الى سياسة الحكومة منذ العام 2008، الهادفة الى تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، معتبرا ان "ما تحقق في هذا الاتجاه حتى الآن لم يكن بمحض الصدفة وانما كان مبرمجا، وهو تحسن ملحوظ بلغت نسبته 60% خلال الاعوام 2008 و2011. هذا لم يكن صدفة فنحن لم نكتشف بترول فجأة، ولم يأتينا شيء من مصدر لم نكن نعرفه، بل كان نتاج سياسة".
واضاف: كنا مدركين تماما، ومنذ اليوم الاول، ان هذه مسألة لا يمكن التعامل معها بين عشية وضحاها، فالاساس في العجز الذي نواجهه لا علاقة له بالدورة الاقتصادية، وانما هو عجز بنيوي سببه الرئيسي الاحتلال وكافة الممارسات المتصلة به، من اجراءات تعسفية وحصار لقطاع غزة والصعوبات في الحركة بالضفة والقيود الوظيفية المفروضة على السلطة فيما يتعلق بالتنمية في اكثر من 60% من مساحة الضفة والقطاع. نحن ندرك ان هذا هو السبب الاساسي للعجز، ولهذا السبب فإن المبرر والحاجة للمساعدة الخارجية واضح، خصوصا ان السلطة بذلت جهدا كبيرا لتحسين الادارة المالية على مدى السنوات، بما اعطى ثقة للمانحين بتوريد مساعدة مباشرة للخزينة، وايضا في اطار سياسة مالية هدفت الى تقليل الاعتماد على المساعدات عبر الزمن".
وتابع: هذا جزء من السياسة القائمة، وله ما له من ناحية ما يمكن الدفاع عنه. صحيح اننا في مرحلة تحرر، لكن هذه المرحلة لا بد ان تفضي الى قيام دولة، ومن الضروري ان تكون هذه الدولة قادرة على التعامل مع احتياجات مواطنيها من مواردها الذاتية".
جهود إضافية
وقال فياض، ان الاجراءات التي اقترحتها الحكومة مؤخرا، ويجري الحوار بشأنها، "هي جهد اضافي هدفها خفض العجز بمقدار 350 مليون دولار، وعلى هذه الخلفية ثار جدل كبير والقول ان هذا مسؤولية المجتمع الدولي".
وقال: سمعنا الكثير من التعبيرات التي تبدأ بـ"ينبغي"، ونحن بدورنا نقول انه "ينبغي ونص" لكن ما العمل حين "لا ينبغي معنا شيء".
لسنا بحاجة للتذكير بأن ما ينبغي ان نطلبه من مساعدة، وما ينبغي ان نزود به من مساعدة هو في المجال السياسي اولا، وايضا "ينبغي" مساعدتنا في الشأن الاقتصادي والمالي، لكن مع كل المطالبات "لم ينبغ شيء"، فعلى مدار العام 2011 ما وردنا حوالي 750 مليون دولار فقط، وهذا مبلغ لا يبرر كل هذه الاشارات للسلطة الوطنية بأنها ستنهار اذا لم ترد المساعدات، فمن يسمع ذلك يقول ان مليارات تنهال علينا وهذا لا اساس له من الصحة، ومنطقيا ما وردنا اقل بكثير مما يستطيع العالم تقديمه، واقل بكثير من التزامات المنطقة وما تستطيع المنطقة، فكل ما ورد من مساعدات من المنطقة (العربية) لدعم موازنة السلطة الوطنية في 2011 هو 283 مليون دولار فقط، ولو لم ترد المساعدة السعودية (200 مليون دولار) في شهر ايلول من العام الماضي، لكان ما وردنا اقل بكثير".
واضاف: على هذه الخلفية، ارتأينا انه لا بد من اجراءات اضافية. الموضوع ليس موضوع تعفف بقدر ما هو مفروض علينا، وبات هناك سؤال واضح مكتوب على الجدار: هل سنكون على قدر المسؤولية، ونسمي الامور بأسمائها الحقيقية، والقول ما هو المطلوب ام لا؟ رغم معرفتنا ان وقع ذلك سيكون سيئا على الاذن، وعلى هذه الخلفية بدأ الحوار، وتحققت بعض النتائج شكلت تقدما في وضع الامور على مسار اعتقد انه سيفضي في المحصلة النهائية الى ان يكون لدينا مكونات كافية لانهاء اعداد موازنة العام 2012.
قانون ضريبة الدخل
ولفت رئيس الوزراء الى ان النقاش انصب بشكل اساسي على قانون ضريبة الدخل، "وكثير من هذا النقاش دار حول مسائل تم ايضاحها بما لا يدع المجال للشك، فالشكوى كانت في عناوين محددة، وتم التعامل معها اولا من خلال التوضيح لأن الكثير من الانتقادات التي اثيرت بشأن اجراءات خفض العجز لم تكن صحيحة، فعلى سبيل المثال إن الاجراءات المقترحة صممت في اطار متوازن في جانبي النفقات والايرادات، وفي جانب الايرادات حرصنا ان يكون العبء الاضافي على الفئات الاكثر قدرة على التحمل، وذلك من خلال رفع الاعفاء الاساسي ورفع سقف الشريحتين 5% و10%، وقد كان واضحا تماما ان هذه التعديلات في قانون ضريبة الدخل لن تمس اطلاقا بذوي الدخل المحدود والمتوسط، واوضحنا بالارقام ان الدخل حتى 170 الف شيكل سنويا لن يترتب عليه اي عبء اضافي، بل بالعكس، فإن الدخل المتاح يزيد للموظفين وغيرهم من ذوي الدخل دون 170 الف شيكل، وبالتالي فإن العبء الضريبي المترتب على هذه الشريحة بموجب التعديلات الجديدة اقل من السابق، وهذا اوضحناه منذ اليوم الاول، وكذلك بالنسبة للمزارعين".
وقال: كنا واضحين بأن هناك فئة ستتحمل عبئا اكبر، لكن هذه الفئة هي من يزيد دخلها على 170 الف شيكل (وبموجب الاتفاق الذي تم في الحوار المالي ارتفع الى 180 الف شيكل)، وهذا يعني اننا نتحدث بشكل رئيسي عن الشركات والارباح الرأسمالية، وهي بالمناسبة موجودة في النظام القديم، لكنها مصاغة بطريقة لا تمكن السلطة من تحصيل شيء منها، كالقول ان البنوك تعفى من الضريبة على الارباح المتحققة من الاتجار بالاسهم اذا كانت هذه المتاجرة في اطار عملها الاعتيادي كبنوك، اما اذا تاجرت بالاسهم بهدف تحقيق ارباح فإنها تدفع ضريبة بنسبة 100%، والتمييز بين الاثنين مستحيل.
وشدد على ان مبدأ الضريبة على الارباح الرأسمالية يجب ان يكون واردا، متسائلا: فكيف تفرض ضريبة دخل على مصنع مخللات منتج، وتعفي الارباح الناتجة عن المضاربة بالاسهم؟ لا يوجد اي منطق في الموضوع.
واضاف: هذه الفئة (فوق 180 الف شيكل وتحديدا الشركات) هي التي قصدت بالتعديلات الجديدة، بالتزامن مع جهد اضافي لتوسيع القاعدة الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي، ولا يوجد طريقة اخرى لتحقيق قدر اكبر من العدالة. تم توضيح كل هذه المسائل، ولم يعد هناك غموض، وبالتالي انحصر النقاش حول مقدار ما يمكن تحقيقه من ايراد من هذا الاجراء او ذاك، وما هي الطريقة المثلى للتعامل معه خصوصا ان قرار مجلس الوزراء انطوى على مضاعفة الضريبة واصبح الحد الاقصى 30%.
رغبة في إنجاح الحوار
وشدد فياض على رغبة الحكومة في انجاح تجربة الحوار في الشأن المالي والاقتصادي والاجتماعي، مشيرا الى ان "هناك الكثير من البلدان تشهد مشاكل من هذا النوع وتتجاهلها او تتعامل بسياسة معاكسة تماما وتستجيب لمطالبات دون ان يوجد لها موارد، اما نحن فعملنا ما يجب عمله، فاولا اوضحنا ان هناك مشكلة لا بد من التعامل معها، وحصل اتفاق بهذا الشأن، وبات الموضوع حول ما يمكن عمله، وما هي التسوية التي تحقق الهدف، فإذا كان لديك رغبة في انجاح الحوار فلا بد ان تستمع الى جميع الاطراف".
نتائج إيجابية
واوضح فياض ان الحوار حقق نتائج ايجابية مهمة حتى الآن، حيث "تبلور شيء عملي مفيد، بموجبه تمكنا من الحفاظ على التأثير المالي الذي نريده من هذه الاجراءات، اذ تمكنا من خفض الحد الاعلى المقترح للضريبة من 30% الى 20% مقابل تأجيل استفادة الشركات من مزايا قانون تشجيع الاستثمار لمدة سنتين، وهذا كلام منطقي، اولا الايرادات من هذه الشركات (المعفاة كليا او جزئيا) يشكل مصدر دخل مهما جدا، وثانيا، على فرض التحسن في الوعي بضرورة مكافحة التهرب الضريبي، سنرى نتائج افضل مما حققته السلطة حتى الآن".
واكد فياض ان كل الزيادة التي تحققت في ايرادات السلطة حتى الآن كانت نتيجة التحسن في الادارة الضريبية ومكافحة التهرب، لكنه قال "من المستحيل تحقيق كل ما نريده في هذا المجال خلال سنة واحدة، لكن مع زيادة الوعي يمكن ان ننتج خلال سنتين، وحينها تتمكن الشركات من الاستفادة مجددا من قانون تشجيع الاستثمار. هذا مثل واضح على انه بالاخذ والعطاء يمكن التوصل الى صيغ معقولة".
لجنة لإعادة النظر بمجمل قانون ضريبة الدخل
وكشف فياض عن اتفاق مع اعضاء المجلس التشريعي، (عبر فريق العمل الخاص بالسياسات الاقتصادية) لتشكيل اطار لمراجعة قانون ضريبة الدخل بالكامل، "وقد تم فعلا تشكيل لجنة مراجعة القانون، وستعقد اول اجتماعاتها غدا (اليوم)، للنظر في كل القضايا التي طرحت، على ان ننتقل في مؤتمر الحوار الى قضايا اخرى، والذي نأمل ان يكون حاضنة لحوار دائم في الشأن الاقتصادي والاجتماعي، حيث سنتناول موضوع ترشيد النفقات وأولوياتها، وغيرها من القضايا وصولا الى سياسات متفق عليها، ونحن مستعدون للنظر في كل البدائل المتاحة".
وقال: اهمية هذا الحوار ليس فقط بطرحه ما نتمنى، وانما يطرح ايضا، وبشكل واضح، كلفة ما نتمناه، وفيه امكانية للمفاضلة بشكل جماعي في اطار تمثيلي متعدد المصالح، وهذا اقدر على التعامل مع احتياجاتنا في ظل الواقع الذي نعيشه.
سعينا لتجنب شرخ جديد في المجتمع
وقال فياض ان الجدل حول قانون ضريبة الدخل، وغيره من الاجراءات، كان فيه كثير من الخلط، "فصحيح ان من واجب الحكومة التوضيح حتى وان كان القانون منشورا ومتاحا لاطلاع الجميع، فمن حق المواطن ان يتساءل ويشكو حتى لو لم يكن لديه اطلاع، لكن ما حجة المسؤول في اصراره على موقفه حتى بعد ان توضح له الامور ويطلع بنفسه".
واضاف: واجهنا جميع الاطراف بشكل واضح وصريح، وفي غرفة مغلقة، لأن من جملة الامور التي يجب تجنبها بمسؤولية عالية، استحداث شرخ سياسي اجتماعي جديد في المجتمع الفلسطيني على خلفية الجدل حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، فلم يكن اسهل من المحاربة في هذه المعركة على الصعيد الشعبي، فكان بامكان عنوان هذه الهجمة (فياض نفسه)، بعد ان يشرح ويوضح، ان يقول سطرين او ثلاثة لما بعد هذا الشرح، والاشارة بوضوح لمصلحة من تدار هذه المعركة، وماهية هذه الاصطفافات السياسية العجيبة في الساحة الفلسطينية، وكيف تفهم. فأنتم تتحدثون عن القطاع الخاص وعلاقة الحكومة به، وكيف انقلبت المفاهيم في الفترة الاخيرة".
وتابع: من النادر جدا ان ينبري احد للدفاع عن مصالح الشركات مقارنة مع البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمثلها، وبتناقض تام مع ما هو مطروح. من المستهجن ان يأتي احد (فصيل) للمطالبة بالغاء قانون ضريبة يخفف العبء عن الفئات التي يمثلها".
أعلى درجات ضبط النفس
ورغم اظهاره انزعاجا واضحا من الاصطفاف والتسييس المتعمد للجدل بشأن الاجراءات المقترحة لخفض العجز، واستهدافه شخصيا، الا انه ابدى حرصا كبيرا على التعامل مع الموضوع بقدر كبير من ضبط النفس.
وقال: لقد قررت ممارسة درجة عالية من ضبط النفس في هذا الموضوع، فنحن نعالج الامور في اطار يتجنب عن قصد استحداث شرخ سياسي اجتماعي جديد، لكننا دفعنا دفعا بدرجة اكثر من اللازم في هذا الموضوع، من خلال تصوير البعض ان العبء الاضافي سيكون من نصيب الموظفين والمزارعين والفقراء، وفي نفس الوقت جلد قطاع الاعمال، في وقت من الواضح تماما انه في كل العناوين الاساسية للقانون الجديد لم يأت بجديد، فهو لم يأت بجديد اطلاقا فيما يتعلق بقطاع الزراعة، ولم يأت بجديد اطلاقا فيما يتعلق بالضربية على الارباح الرأسمالية، ولم يأت بأي جديد اطلاقا فيما يتعلق بالضريبة على فوائد الودائع.
واضاف: ووجهنا، في اطار النقاشات التي دارت، بمطالبة الغاء القانون الجديد، وعندما عدنا الى القانون القديم فإن كل مظاهر الشكوى موجودة فيه، والجديد الرئيسي في القانون الجديد هو اضافة شرائح ضريبية، لهذا فإن كل النقاش تمحور حول الشرائح.
جلسات ساخنة
وكشف فياض عن جلسات "ساخنة خلف ابواب مغلقة" تخللت جلسات الحوار المالي.
وقال: كان طرحنا، وان كان بشيء من الانفعال في غرفة مغلقة، ان توصيتكم (اطراف الحوار) بنيت على اعتقاد خاطئ بأن القانون الجديد سيمس المزارعين ومحدودي الدخل، وان هناك عشرات آلاف الموظفين سيحالون الى التقاعد المبكر، وبعد ان اصبحت الصورة واضحة بأن القانون لا يمس المزارعين ولا محدودي ومتوسطي الدخل، وان التقاعد المبكر لن يطبق بشكل قسري تحت اي ظرف من الظروف، كيف يبقى لديكم نفس الاستنتاج؟
واضاف: هنا يدخل موضوع الاصطفافات السياسية، وحتى في هذا الجانب لا تستطيع هذه الحكومة، ولا اية حكومة اخرى ان تكون ساذجة بأن تصرخ ان الموضوع يسيس. فالامور دائما تسيس وهذا جزء من الحسبة، والحكومة يجب ان تكون قادرة على التعامل مع هكذا تسييس، مؤكدا ان الحكومة، في اقتراحها لهذه الاجراءات، نحن لم نكن في معرض تقييم السياسات المالية والاقتصادية، "وانما نبحث عن الاجراءات التي يمكن اتخاذها لتوفير 350 مليون دولار، وفي هذا حرصنا على التوازن حيث كانت المعالجة في جانبي النفقات والايرادات".
الحوار تعدى الشعارات إلى خطوات عملية
ومع ذلك، لفت فياض الى "نقاط ايجابية مهمة" في الجدل الذي ثار حول الاجراءات المقترحة لخفض العجز.
وقال: دعونا ننظر الى النصف المليء من الكأس، ففي هذا الحوار بات التهرب الضريبي، النظامي وغير النظامي، مطروحاً للنقاش، وكذلك موضوع تقاسم الاعباء ومنطق العدالة الاجتماعية اصبح محل نقاش، ليس بالشعارات وانما بالربط بين اهداف السياسات من جهة وادوات التدخل من جهة اخرى.
وفيما يتعلق بتحول الحوار الى حوار دائم، قال فياض: منذ البداية لم يكن السقف الزمني لهذا الحوار هو 15 شباط، وانما هذا التاريخ محاولة للوصول الى رزمة اكثر توافقية، وقد قلت منذ البداية انني ساكون في منتهى السعادة اذا توصلنا الى صيغة تختلف عما طرحناه، ووفق هذا المفهوم لا يوجد طرف انتصر على طرف آخر، وانما سنكون منتصرين جميعنا.
واضاف: ما حصل فيما تعلق بتحديد 15 شباط، ان هناك تساؤلات ووجهنا بها: كيف تأتي لمحاورتنا بعد ان اتخذت الحكومة قرارها وانتهى الامر، قلنا اننا كنا مضطرين لاتخاذ قبل 1 كانون الثاني كي نتمكن من العمل، فقالوا انه يجب وقف القانون، وهذا ليس من صلاحية الحكومة، فمن يوقف القانون فقط جهة واحدة هي المحكمة، واذا صدر حكم قضائي بوقفه فإننا سنلتزم، ولكن يمكن في اطار الحوار ان نتوصل الى ما تريدون بطريقة لا تنطوي على تعطيل القانون، وطرحنا بدلا من ذلك العمل بنظام السلفيات بحسب القانون القديم حتى 15 شباط، فمسألة السلفيات هي قرار اداري، على امل التوصل الى اتفاق حتى ذلك التاريخ (15 شباط)، ولم يكن هذا التاريخ في اي يوم سقفا للحوار، واهم المخرجات التي باتت لدينا الآن يتمثل بالوصول الى اطار لحوار اقتصادي اجتماعي دائم، يرفد عمل اية حكومة.
واوضح فياض ان تأجيل الاستفادة من قانون تشجيع الاستثمار، بعد الاتفاق، سيشمل جميع الشركات المستفيدة، وسيطبق بموجب الضريبة الجديدة.
وقال: كان يمكن ان نفرض هذا بتغيير القانون، لكن هذا يبعث برسالة سلبية للمستثمرين على المدى البعيد، فاذا عرف عن السلطة ان ادارتها تقوم على اساس الغاء امتيازات قائمة فقد يكون لذلك مردود سلبي على المدى البعيد، وبدلا من ذلك تمكنا تجنب ذلك بالتوصل الى اتفاق حول مبادرة طوعية لها قوة اخلاقية كبيرة.
وقدر فياض ان تساهم الاجراءات ذات العلاقة بالشأن الضريبي في توفير حوالي 60 مليون دولار سنويا.
السجل الضريبي شرط للانتساب للنقابات
وفيما يتعلق بالتهرب الضريبي، خصوصا لدى اصحاب المهن الحرة، كالاطباء والمحامين وغيرها من المهن، قال فياض انه في اطار الحوار، طرحت مسألة التوسع افقيا في جباية الضريبة، بمعنى الحد من التهرب، وواحدة من الايجابيات مبادرة النقابات المهنية بجعل فتح السجل الضريبي احد شروط الانتساب للنقابة. هذا كان من الصعب الوصول اليه دون الحوار والنقاش الذي حصل، وهو في غاية الاهمية.
تعديل مسار السياسة المالية ضروري
واعرب رئيس الوزراء عن اعتقاده ان تعديل مسار السياسة المالية ضروري لاي حكومة، "فأي حكومة في هذه المرحلة تواجه مطلبا حاسما بضرورة تعديل مسار السياسة المالية باتجاه تعزيز القدرات الذاتية بقدر اكبر مما كان متوفرا بغياب هذا التعديل (في قانون ضريبة الدخل)، سواء الحكومة الحالية او اي حكومة لاحقة.
واضاف: كما تعلمون، عندما جاء اعلان الدوحة، الذي رحبنا به بشكل فوري، تبادر لذهن البعض انه لم يعد ضرورة لهذه الاجراءات والحوار طالما ان هناك حكومة جديدة قائمة، لكن القرار كان عكس ذلك، بل بالعكس ومن منطلق المسؤولية، علينا التعجيل حتى نجنب الحكومة الجديدة هذا العبء. دخلنا الى هذه المعركة ولا يجوز ان تبقى مفتوحة اذا استطعنا اغلاقها. هذه الحكومة ستبقى تتحمل مسؤولياتها حتى اللحظة الاخيرة، "ولكن اذا ادرك شهرزاد الصباح يجب ان تسكت". رئيس الحكومة، كموقع سياسي بموجب القانون لا يجوز ان يخلى، وليس فيه زعل او حرد، ولا ينتهي الا بتسليم المسؤولية الى رئيس حكومة آخر. عليك ان تبقى في مكتبك الى ان يأتي احد لتسلم هذه المهمة بموجب القانون".
ورأى فياض في كثير مما يقال ضمن الجدل الدائر حول سياسات الحكومة "كثيرا من الظلم" له شخصيا، لكنه اعتبر ان "رئاسة الحكومة في اي دولة، وخصوصا في فلسطين ليست نزهة ولن تكون، وعلى من يكون في هذا الموقع ان يتحمل رغما عنه، وانا قبلت بهذا التحدي، وامل ان تقيم هذه المرحلة بموضوعية".
واضاف: عندما تشكل الحكومة الجديدة سنسلمها بكل احترام، ولكن بجهد حقيقي بذل، وبصدق، لتسهيل مهمة هذه الحكومة لا ان نرمي هذه المعضلة في وجهها. تخيلوا الحكومة القادمة، والتي لديها كل هذه المهام، وقد رمينا في وجهها مشكلة عجز مالي ومتأخرات متراكمة، والقول لها دبري حالك".
لا وعود مفتوحة
وردا على مخاوف بأن الحوار حقق ما يريده القطاع الخاص في حين بقيت مطالب الاطراف الاخرى مجرد وعود، قال فياض: في الحوار لم يكن هناك وعود مفتوحة، فالحد الادنى للاجور سيبت به خلال شهر، وسيكون مدروسا في اطار الحوار الثلاثي (الحكومة والنقابات وارباب العمل) الذي سينتقل الى حوار الطاولة المستديرة (بمشاركة كافة الاطراف)، والحد الادنى للاجور سيأخذ بعين الاعتبار كل الامور التي يجب ان يأخذها في عين الاعتبار.
واضاف: كذلك، فإن موضوع الضمان الاجتماعي مثار، وهناك فريق وطني على وشك التشكيل في هذا المجال، مستفيدين من الاراء التي طرحت، وفي حال اقراره يمكن ان يحل محل الكثير من مكونات شبكة الامان الاجتماعي القائمة حاليا. هذه ليست مجرد وعود، وانما هذه قضايا مطروحة للبت فيها وانجازها، بالاستفادة من الخبرات الموجودة، وبعد هذا الاستمزاج ستتخذ الحكومة قراراها. ما توصلنا له ليس نهاية المطاف، وانما مكننا من التقدم الى الامام.
خطة بناء الدولة
ورفض فياض مزاعم بفشل برنامج الحكومة "انهاء الاحتلال وبناء مؤسسات الدولة"، مؤكدا ان البرنامج حقق نجاحا كبيرا.
وقال: كان لدينا برنامج، وبمراجعته بشيء من العدالة ومقارنة النتائج بالاهداف، نرى ان قدرا كبيرا من النجاح تحقق في خلق آلية واداة تمكننا من تحريك العملية السياسية وممارسة ضغوط على المجتمع الدولي على غرار ما حصل في الامم المتحدة في ايلول الماضي. صحيح اننا لم نتمكن حتى الآن من تحقيق هدف انهاء الاحتلال واقامة الدولة، لكن اعتقد ان الفكرة صحيحة، بدليل اننا انتزعنا الاقرار من العالم بجاهزية السلطة لقيام الدولة انتزاعا ولم تقدم لنا على طبق من ذهب، كما اسقطنا كل الذرائع التي تستخدمها اسرائيل، ومن ورائها العالم، بأن الفلسطينيين غير جاهزين لاقامة دولة.
واضاف: البرنامج استجاب لمتطلبات مرحلة، ونجح في تغيير الامور، رغم الانقسام ورغم الاحتلال، وهذا ليس جهدا شخصيا وانما جهد وطني شارك به الجميع، وجرى استثماره بدرجة عالية من الثقة والنجاح، وكوننا لم نصل الى النتيجة المتوخاه فهذا لا يعني ان المسار خاطئ.
وتابع: الموضوع بكل صراحة، لا يحتمل الكثير من التسييس في هذا الموقع، كحكومة لدينا مسؤولية ادارة الامور بافضل درجة ممكنة، وهناك ازمة لا بد من التعامل معها. صحيح ان خيار التشخيص والشكوى قائم، ولكن هذه لا يمكن ان تكون اداة لمسؤوليات الحكم كما يجب ان تكون.
واضاف: لست ساذجا الى حد انني لا ادرك الوقع السيئ لمفهوم الضريبة على الاذن، فردة الفعل التي شهدناها كانت معروفة، لكن المسؤولية ليس فقط في القيام بما يفرح فقط، وانما المسؤولية تقتضي القول للمواطنين ما يتوجب علي قوله، واشراكهم في القرار، و(القفز عن هذه الازمة) خطأ كبير، ويفتقر الى الامانة والصراحة.
قتصاد السوق لا يمنع دعم الاسعار اذا توفرت الامكانية
وقال فياض ان جوهر سياسة السلطة يتمثل بدعم صمود الموطنين على ارضهم، "ونحن متمسكون بكل ما يمكن ان يساهم في تحويل اقتصادنا الى اقتصاد مقاوم"، لافتا الى ان خطاب السلطة للدول العربية بشأن المساعدات يستند الى هذا الاساس.
وفيما يتعلق بارتفاع الاسعار، قال فياض ان اقتصاد السوق، لا يعني عدم دعم الاسعار اذا توفرت الامكانيات لذلك، "لكن لا يمكننا طلب مساعدات لهذا الغرض من الولايات المتحدة على سبيل المثال، لكن يمكن طلب ذلك من الدول العربية".
وقال: انا ضد التعامل مع النصوص الثابتة، فاتباع سياسة السوق الحرة ليست دينا للدول، ولا مانع من دعم بعض السلع إذا توفرت الأموال، فعلى سبيل المثال، فإن السلطة ابقت على اسعار السولار والغاز المنزلي هذا الشهر كما كانت خلال الشهر الماضي، رغم الارتفاع في اسعار الوقود مع بداية الشهر، وهذا كبد الخزينة خسارة 32 مليون شيكل".
وأوضح فياض أن الحوار "سلط الضوء على أوجه نقص كثيرة وكشف عورات كثيرة"، مشددا على أهمية قيام الحكومة بدورها في مراقبة الأسواق وتفعيل لجان حماية المستهلك وضمان استقلاليتها.