المدينة .. الهاوية
نشر بتاريخ: 15/02/2012 ( آخر تحديث: 04/04/2012 الساعة: 09:27 )
لم تكن الدسائسُ وَحْدَها التي أغفلت الديباجةَ والنصّ. ثمة العرقُ والألمُ والغيرةُ، وهوامشُ العتمة، ووجوهُ الرخام، والنسيانُ الذي دبّره الحكماء. وثمة الضاحكون البؤساء مع الدلاء، الذين يتنفسون بالرضا مع كل فنجان يَقدّمونه للسادة المغلَّفين بالأسرار. وثمة تاجُ الغار الفائض زيتاً وخمراً وحكمةً وشهواتٍ مبرّرة حتى الموت.
ولم تكن مرافعةُ الثائر كافيةً، فطارت مع أول فَرْخٍ دَرَجَ على المصاطب، وغاب. وظلّ يحفظ أحزَانه الصغيرةَ، ويجمّلها بالصّفاء المصقول بالاطمئنان، وحتى وزَّع أكثرَ من ألف رسالةٍ للريحِ والماء، ولم يتبق منها غيرُ ما شاءت النقوشُ والعافيةُ التي لا تموت.
يكفيه ما يكفي المدينةَ من البقاء في مغرب الريحان الهادئ وصباح الكمثرى العسليّ. ويكفيه أنّه اٌجترأ في معبد الأوثان على الهراطقة والأوداج السمينة والحروف المبريّة الباهتة. ويكفيه ما يكفي الصوفيّ من زُهْدٍ على شَبَعٍ، نال منه قليلاً، وبرّرَه كحفنةِ قمحٍ لا يخالطها الزوان.
وأراه كأنه يقف على شُرفة السُّورِ، يُلقي خطاب الفَصْل في الجموع، ولا أحد! غير أنَّ الطالعين من أثواب أمهاتهم سيكبرون، ويتنادون، ويصيخون السَمْع، فخطبته طويلة ممتدّة، بل لا تنتهي، كشريانِ محيطٍ يقاتل الصحراء، ويزرعها بالأمل الأخضر.
***
المدينة هي النور أم الفراشة؟
***
أيتها النبيلة الذبيحة الجليلة، يا أمّ الشجن والنايات، ويا أمّ الدموع السخيّة والنعوش الطائرة، ويا أمّ الدالية التي تنفجر ناراً وقصائد، لقد عانقوا سيّد المذبحة قبل أن تترك الخيمةُ أليفها البائس، وقبل أن يجتمع مثلثُ القلب في صدر الطريق. واجتمعوا تحت الخيمة الكابية كالبيض الخداج، فأدخلت السواطيرُ أسنانها في هشاشة عظمها المتكسّر وأفسدتها.
وصارت ريحُ الراية المنكّسةُ موسيقى السير المكابر نحو الهاوية. وأضحى الصوف الأحمرُ لا ينبئ بدم الطرقات والمغاور الرطبة، بل يبشّر السيدة بحَمْلها الكاذب الحرام.
هنا.. على رأس كل وليد أفعوان لا يراه سوى الثائر المذبوح على الشرفة، وسيكبر الأفعوان في جوف الوليد، ليلتفّ على عنقه أو عينيه، فيمشي على غير هدىً، أو يكون هباءً في عتمة العدم. لقد جفّفوا المعصرةَ والمُقر والبئر والوريد والّلحاء.. حتى تناسخت المومياء في كل خَلْق. واٌنسربوا إلى جُرح المُتْعة، ورشّوا عليه حامض الشيخوخة، وغطّوه بجلد الجيفة المتغضّنة.
***
لا مجال لتبجيل السخافات والخيانات.
***
وقطعوا رؤوسَ الجبال والنجوع، وصار سامرُ البلاد جنائزياً، يتصادى بالبشاعة والضيق والكآبة. وتباهوا بأنْ تأبّطوا أبناءَ الوكر بصباغ المهرج الجديد. وأقاموا مواسم جديدة بلا خمرةٍ من صيدون، أو جمرٍ يتلألأ من قدرون، وبلا زيتٍ من يبوس، أو زجاجٍ من بلاد كنعان يزيّن إطار نوافذهم الخائفة. ربّما يختزنون وراء سيوفِ عبيدهم قمحَ حوران وتوابل دلهي وصابون شكيم وزبيب اليمن وجَمِيْد معان. وربما لن يجد الرعاعُ غيرَ حفناتٍ من غبار العدس، الذي يلتهمه الأحباشُ صباح مساء، بلا ذائقة أو تفحّص أو شهوة. ولعلّ الدهماء لن تجد غيرَ الشمطاء الكاهنة العوراء الكاشفة بطقوسها التي لا ترحم، والتي تُلقى كلماتها الزجاجية المشروخة، معجونةً بِدَم العقارب التي تُغطّي وسائدَ الأحلام الخائبة. لقد كذّبوا.. حتى عاد السَفَرُ الذليل، وانكسر الشجرُ أمام الخرافة الحارقة، وإلى أنْ عاد اليبابُ المحروق على التلال التي كانت في الأغاني جدائلَ الأميرة العاشقة. لقد سحبوا البرقَ الذي كان مختزناً في الغيوم، وجعلوه يبرق نياشينَ على صدورهم وأحذية نسائهم الغريرات. وتاهَ طفلُ المطر الذي خلّفه الشهداءُ في أقواس قزح.
***
هذا صوت الحاكم في القصر، إنه صوت الخيانة.
***
لا يمكن للخائن أن يدافع عن أمثاله.
***
ولن يملّ الثائر، فقد طفح بالزلزال، ورأى قبل الرّعاةِ النجمةَ التي أرهصت بالفادي. ورأى القوافلَ تحمل أزهار اللّوتس وهي تتثنّى على انسراب الفيروز، وتحرسها تروسُ الجزيرة البرونزية، وتَحفّها غلظةُ الحديد الصاحي، لتصل إلى المدينة بعد أن تحمل من جيفع واللطرون قطوفَ الصحوة والسهر، ويدفّ معها على الراحلة جارحُ السكون بربابته التي تدرّ شَفَقاً وبنفسجاً، وتسيل نخوةً ودموع رجال، ليخبر الناسَ عن أهوال ما جرى وراء النهر من خطايا تقشعرّ لها الأوتاد.
***
هناك أشياء لا ينبغي لك أن تعرفها، وإذا عرفتها لا يجوز لك أن تبوح بها أبداً.
***
وكيف أن عوج بن عناق كان يمدّ يده في البحر، فيصطاد الحوتَ، ويرفعه إلى عين الشمس ليشويه قبل أن يأكله عارماً بحراشفه ولحمه الذائب. يجلس ذو الوتر على حَشِيَّةٍ ملبّدةٍ بالثارات والهمس والحسرات، ويحزّ على سفوح النوابض، يجرحها، فيقطر الندى والندم، ويظلل الرَّبعَ بالعِبَر والشوق والخسران الدائم، فتبقى في صدورهم بذرةٌ من شمسٍ غرقت في البحر، ولن تعود.
***
لقد انطلت اللعبةُ عليك، يا مولاي.
***
ما كان له أن يطهّرهم بدم الذبيحة الذي غَصَّت به الأنياب. وما كان له أن يكشف عن كنوز الملك المخبوءة تحت خفاف القوارح، وهي تجترّ عشبَ التأمّل وصفاءَ القحط . لقد رغبوا في أن يكذب، ويقلب النهاية، ليتزوّج الحطّابُ جنيّةَ الغابة، وتأخذه إلى قصرها الذي تؤوّب فيه رياحُ العطش. لماذا تذكّرنا يا لحنَ الفجيعة بالفردوس الذي هوى في الكابوس، ولم يتبق للضحيّة حقّ في البكاء؟ لقد أخذوا منه خيوطَ دموعه، ونسَجوها كفناً رقراقاً له، ليظلّ خارج الأبد. والآن جعلوه يخيط كفَنَه بيديه، وينحت ناووسَه بإزميله المثلوم، ويتمدّد، وحده، تحت تراب الوجود الهائش. لكنَّ الجذرَ الموّارَ بالنسغ يبلغ حدَّ الاختراق، وتشرب الورقةُ غمامتَها وغزالتَها، فينْبتُ على شفةِ الثائرِ عرقُ البدايةِ الناهض، وتتوهّج على قوس الربابة هالةُ النار، ويتدحرجُ من الوتر جمرُ المواقد الآتية.
ما كان لكم أن تهيلوا الترابَ على موجدة الأيتام، وتخلّصوا الضَّبع من فضيحة التمثيل بجثة الغزال، وأن تبعثروا ضفائرَ الدِّفلى على أقواس الانهيار، وتحرموا السروةَ من الترنّح في فضاء الوضوح.
***
كلّما ازدادت القوة تزداد معها المسؤولية.
***
كانت المدينةُ معافاةً كحليب الأمهات.. أو الزيتِ الطافحِ من الرَّحى.. أو كآيات الأنبياء الذين كذّبهم الناس، واستبدّ بهم التجّار، وَرَقَصت حول رؤوسهم المقطوعةِ الغانيات. كانت المدينةُ ندّاهةً، تغري الفَرَسَ بفضّة الصّور والأساور، وتحفظ للباكي حوضَ مائه العذب، ولا يضحك فيها اللاّهي بين الموائدِ.. حتى يكون المشط سربَ نجومٍ هابطةٍ من السماء.
ولم تعرف المدينةُ مداهنةَ الدواوين، وجبروتَ العسس، وذكاءَ السارق، ونطيحةَ اليأس، ووحلَ الخوّاضين في الِعرْض وبيت المال. كانت تعرف حدودَ تاجها وأربابها ومدرّجاتها الصاخبة، فلا يسيلُ السرُّ إلاّ على مجرى التّلّين الواصل إلى أَكمَة الوادي والفَراش. ولم يخدش وشاحَها الكهرمانيَّ غيرُ حرفين بريئين لمنهوبةٍ ومجنون، ولم يلوّث غصونَها زفيرُ المقصلة أو بخارُ المعقوصين بالجحيم.
***
مَنْ ينتصر على أخيه مهزوم بامتياز.
***
والمدائنُ تَهْرَمُ، لكنَّ الغيرةَ لا تشيخ، والدولةُ مثل تفَتُّح الزَّهر؛ جميلٌ ومؤقّت! وسيّدُ القصر كزهرة الخوخ، ومليكتُه، بعينيها المرحتين، تضع التاجَ، وتذرعُ قصرَها المرتّب كحَبّ الرماّنةِ، تنتظر هديةَ مولدها، فتأتيها الثيابُ والجواهِرُ في صناديق تلفّها أوراقُ الأرز. تفرح بها قليلاً وتضعها، وقد يتسلّلُ إليها الضجُر، فيغريها نُعاسُ الكسل، فتتمدّد على الأريكةِ. وترى في نومها وَشَقاً يخرج من أشعة الصباح، والندى يرطّب وَبرَه الناعم، يتلفّت بحثاً عن جهير الماء، فيجده ناشفاً، فتصحو الملكةُ، وتنادي: أعطوني كأس ماء! وتتمدّد ثانيةً، وتنام، فترى جنوداً غامضين يتسلّلون إلى حظائر القصر، يطعمون الخيولَ عشباً مسموماً، وكانوا قد شربوا نبيذاً جعلهم كواسرَ لا ترحم. ويقودهم وحشُ الصخور الذي يأكل التراب، ويتمنطق بثلاثة سيوفٍ ورمح طويل، وخلفه رماةُ النبال الذين يأتمرون بإشارة منه، وَيُمْطِرون المدينةَ بسهام النار المنقوعة بالرقطاء. وترى الملكةُ أنّ الجنود يقتحمون القصرَ والأروقةَ والممرّاتِ والطرقاتِ، ويطْبقون على عُنق المدينة، فترتعش في نومها، وتهتزّ، وتعلو أنفاسها، وتنادي على أبيها الراكض على فرسه خارج المدينة لينقذها، فيأتيها صوته: اشربي دمَ أعدائك حتى لا تخشيهم، وكي تنتصري عليهم.
وتظل الملكةُ على يقظتها مقبوضة الصدر إلى أن تنام، فترى فارساً يجرّها من يديها المقيّدتين بسلسلة تمتد إلى سرج حصانه، ويعدو، فيصل بها إلى بهو قصره البعيد، وهناك يأتي بخاتم حديدي دائري ناتئ يتوهج ناراً، ويختمها خلفَ عُنقها، أعلى ظهرها، فتصّاعد رائحةُ اللحم المشويّ على السفّود المرتعد، وتصرخ من ألمها، وتصحو، فتصحو المدينة، وتخرج من سلاسلها. تهدأ قليلاً، وتنكّس رأسها غارقةً في أمر ما ترى، فيغلبها النوم، وترى أن أباها يُقْبل بفرسه شاهراً سيفه، صارخاً: أيتها الموسومة بخاتم الإماء! لا تنسَيْ اسمك، ولا تنسي موطنك الأول.
وفي الصباح تسألُ سادنَ القصر: متى يعود سيّدك؟ فيردّ بأنه لا يعرف! غير أنها تعرف أنّ رحلته للصيد لا تحتاج إلى اصطحاب ذات الخال السبيّة الرقيقة الفوّاحة، فتصرخُ: أريد ماءً.
وفي المساء يكون حامل القِرب، الذي يصعد بالجرار إلى سطح القصر، قد غاب ساعةً أو يزيد، وتكون على الشُرفة بكسلها الريّان تتثاءب، ولا يظهر أنها تنادي على وصيفتها، ولم تذكر الماء، فيما تدبّ الحرائقُ في المدينة المُستباحة.
***
هذا هو إرثك يا صاحب القصر ، لقد شوّهتنا !
***
أربعة عقودٍ أو يزيد، والمؤتمرون المتآمرون ينقلون مجرى النهر العريض، من الاصطدام بالجبل إلى الالتفاف حوله ليظلّ راسخاً، كما أراد وحيد القرن. وظلّ الجبلُ المُعاندُ فوقَ قانون الطبيعة والسماء وألواحِ حمورابي وأخلاقِِ الكهنةِ وسلام الأشجار. لقد اٌرتضوا أنْ ينزلقوا الى قاع الهاوية. ولا كوابح لإيقاف تلك الهرولة التي تُومض بتسارعها نحو الحضيض. لقد فاز التصفيقُ والغوغاءُ والمشبوهون! وها هي المدينةُ مطواعة خاضعة كاٌبنةِ الهوى. أين أنتِ أيتها الوارثة بصنائعك الوثيرة؟ لقد هشّموا القصبةَ والأبنيةَ المنقورةَ وقصرَ البنتِ والمعبدَ الكبيرَ والمدرج والقصورَ والخانَ ودارَ الحرس والمسرحَ والعمارة الجنائزيةَ، وتورّطوا في نداء الضّبع، وتبعوهُ إلى أرضِ التسويات. لقد بزغَ أُمراءُ الدَّمَن، اٌلذين نفثوا الضبابَ والتردّد والاستلاب، ففقدت المدينةُ رايةَ الأهل والخيمةَ ولواءَ الرمح الرُدينيّ. واستقوى السيدُ بتيجانِ الغار، وأعطى فرسَهَ لروما وأثينا، وباتت خليلته في معسكر القاتلين. وثمة سفاراتٌ وهدايا تفيض بالزعاف والشك، وتستدخل الطاعون، وجعلت الكاهنَ يبحث عن قِبْلة أُخرى، والمعلمُ عن حرفٍ آخر، والمرأةُ عن إثمدٍ جديدٍ وثوبٍ يشبه المُحَجّلاتِ في روما المتبخترة بين الطواويس فوق النجوم. لقد غيّروا اللسانَ، فأصبح يلثغُ بأبجديةٍ غير تلك التي حمَت سيلعَ من التغريب والاندثار.
***
كأنه لا يكفينا ما نحن فيه ؟!
***
وهل لنا أنْ نسأل: لماذا قتلوا صاحب العكّازة وحارسَ الغابةِ وفتى الساحل وابن البرتقالة وكل الذين ماتوا واقفين؟ وبقي أولئك المختبئون في خمائر نسائهم، ويترفّعون عن البصل والزعتر البريّ والأرغول؟
***
لم يكن ينبغي للحاشية أن تضع مساحيق التجميل على وجه الحاكم، كان من واجبها أن تضع أمامه المرايا ليرى بشاعته.
***
وقبل المحرقة الرّعناء اللافحة المجنونة، كانت المدينةُ تشهد تعويماً للمصكوكات وبعثرةً للاستقصّات الأولى لتعودَ الخلّيةُ إلى حيادها الميّت. وفي خفّة هذا الطيّش تتفكك منظومةُ الأمهات، وتنهار مبادئُ الشبكة، وتتهتّك اللياقةُ، وتتآكل ياقتها، وتصير المدينةُ بلا قَوامٍ وثبات، بل تتمايل دائخةً بين الموقوذتين، وهما تَحزّ إحداهما وتين الأخرى، والأبناء يهرسون ملامحهم بالتنابز واللغة النهائية، ويهينون أصداغَ رمزهم بالنعال، ويغسلون يدي القاتل من دم اليمام، ويذهبون نحو الحيّ واللون واختلاف السّجدة والتميّز بتقمّص المولغ بالأرحام واللّحم الطريّ، وينكرون على البستان وردتَه الواعدة، ولا يثقون بالصّلاة أو البدر الكامل. لقد انهزموا في دواخلهم، فانهزمت المدينة. وماتت جداولُ أضلاعهم، فجفّ نهرُ المدينة. وانطفأت جذوةُ روحهم، فانطفأت شمسُ المدينة. وقتلوا الحصان الصاهل في البلّور، فباتوا في العراء. لقد قبلوا أن يكونوا تحت مجهر المستبيح وبين ذراعي الداهم وتحت ضربات الطوطم الفولاذي الرهيب. وكانوا قد فَقَدوا حَصَاَنة الصوّان في سويدائهم، فأصبحوا كبيت العنكبوت، أو كغثاءِ المجرى الموبوء. لو كانت الغابة يقظةً، لما وصلوا إلى المداخل. ولو تبصّر الباشقُ الهائم، لما انسربت السحالي إلى المدينة. ولو لم يكونوا مخمورين، لما عقرتهم المباغتة، وجزّت رؤوسهم المصدوعة. ولو انتمى الكاهنُ إلى مرضعته، لما فتح أبواب المذبح مسلخاً ليرتوي بدم الأضاحي البريئة. ولو أحسّ السيّدُ بالأيتام والدمع المخضلّ يطفو فوق وجوههم، لما صافح يدَ الكوبرا. ولو أحسّ صاحب الخبر بما جرى في بطون الحوامل على حواجز العار، لما نطق بالشيطان. ولو تشقّق لحمُ شقيقته تحت سياط العنابر الغاصبة، لما تزيّا صاحبُ الديوان بالمخازي الأنيقة. ولو تذكّر المقتولُ كيف حصده القاتل بمنساس القش مغروزاً في صدره، لما نطق باسمه معتذراً عن موته. ولو تنطق الأرضُ، لانشقت تحت أقدام أشباه رجال المدينة، وابتعلتهم في باطنها الموّار الطاحن، لكنها دمدمة الهزيمة التي تحطّ بأرجلها السوداء على الأرض المحروقة.
***
لا تصنع قدّيساً من خَطّاء.
***
أيتها المدينةُ التي جرّحها الدمعُ، وأحرقتها الجثثُ والصرخاتُ، هنا شبيهتُكِ التي مازالت في فضاء المقصلةِ، ترقب نهايتَها بأملٍ يائس.
***
احلموا! سَتَنْبُتُ أزهارُ البُركان.
***
على الحقيقة ألاّ تموت.