السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

صورة قلمية: مشاهد متفرقة من فاجعة مجزرة حافلة الموت

نشر بتاريخ: 16/02/2012 ( آخر تحديث: 17/02/2012 الساعة: 22:52 )
رام الله- خاص معا- أمهات وأباء يبحثون عن أحياء أو أموات من فلذات أكبادهم، يتزاحمون بين أزقة مجمع فلسطين الطبي، منهم من وجد من يبحث عنه مصاباً، ومنهم من لم يوفق ولم يعثر على من يريد، أو فجع بوفاة ولده، فأروقة مشفى رام الله امتلأت بالأهالي الذين كانوا يبحثون عن أسماء أو أشلاء أبنائهم، الذين قضوا أو أصيبوا في حادث سير مروع وقع على بعد أمتار فقط من حاجز جبع العسكري.

ربما كان الأطفال يحلمون بما سيشاهدون في رحلتهم، ربما جهزوا ألعابهم وحلوياتهم وأخذوا أموالاً كافية من أهاليهم لقضاء يوم طويل في رام الله، ربما خططوا لقضاء يوم جميل يمتعهم، ويجعلهم يشعرون بالفرحة.

وصباحاً، ربما أفاقوا باكراً جداً، وربما أيضاً أيقظوا ذويهم، متعجلين الخروج إلى الرحلة، ربما حاولوا أن لا يرتدوا الملابس الكافية لمواجهة البرد القارص، ولكنهم أذعنوا لالحاحات أمهاتهم، بأن الطقس يستوجب ارتداء ما يدفئ الجسد، وربما قبلوا أمهاتهم وآباءهم، وربما غفل بعضهم.

|164848|خرجوا مسرعين من منازلهم، بحثاً عن المتعة، ليستقلوا حافلة الموت، التي قطفت أعمارهم وأجسادهم الصغيرة، ولم يختبروا الحياة بعد.

ستندم الأمهات والآباء الذين لم يقبلوا أبناءهم الذين كانوا في عجلة من أمرهم، لأنها ستكون قبلة الوداع الأخير، فهم غادروا مسرعين، فكم انتظروا هذا اليوم، متذكرين تماماً موعد الرحلة، ولكنهم لم يكونوا يعلمون بأنها ستكون نهاية عهدهم بالدنيا.

بأجسادهم الغضة، كان الأطفال يمرحون، وربما يغنون ويصفقون، فهم كانوا في رحلة مدرسية علمية في رام الله، كانوا يخططون لقضاء أوقات جميلة، كانوا ربما يبتسمون، وينتظرون ماذا سيشاهدون، ولكن الموت جاءهم على حين غرة، فخطف فرحتهم، ليصبح المشهد أكبر من أن يوصف.

منهم من لقي حتفه، ومنهم من أصيب، فملأ صراخ الأطفال المصابين أرجاء المكان، ولكن منهم من كتم ألمه، وبات مشدوهاً غير قادر على الكلام.

|164850|
تظهر المشاهدات في مكان الحادث ما لا يمكن وصفه، حافلة الطلاب محترقة تماماً وملقية على قارعة الطريق، أطفال على الشارع، وآخرون نجحوا بمساعدة شبان كانوا في الطريق بالصدفة اقتحموا لهب النيران، وأنقذوا بعض الطلاب، فيما كانت النيران أسرع منهم، لتخطف أطفالاً آخرين.

بكاء وصراخ الأطفال كان يملأ المكان، وآهات المصابين وحتى المواطنين العاديين الذين كانوا مشدوهين من هول الموقف، فكيف يمكن لإنسان أن يرى طفلاً في الرابعة أو الخامسة من العمر، وقد احترق تماماً حتى اختفت تقاسيم جسده، وكيف يمكن أن يرى النيران وهي تلتهم جسداً صغيراً، أو معلمة في مقتبل العمر.

رجال الدفاع المدني في أتم جاهزيتهم، يحاربون ألسنة اللهب التي بدت كوحش لا يرحم، فتزداد تضخماً، إلا أن نجحت جهودهم في السيطرة على النيران، ولكن بعد أن أتت النيران على أجساد الأطفال.

جيش الاحتلال كان أول الواصلين إلى مكان الحادث، ولكنه لم يتدخل فقط، بل إنه منع الشبان من التدخل لانقاذ الأطفال، ولكن الشباب استخدوا معدات الإطفاء في سياراتهم لإطفاء الحريق في الحافلة، وهم يدركون تماماً بأن هذه المحاولات لا تنفع، ولكنه رفض للعجز، ومحاولة للفعل.
|164851|
ضباط الإسعاف الإسرائيليون بدو غير آبهين بما يجري لا هم ولا شرطتهم ولا جيش احتلالهم، بل كانت كل محاولاتهم إبعاد المواطنين عن المكان، ويبدو أن علمهم أن من قضى في الحادث فلسطينيون جعلهم يهدأون، ولا ينفعلون.

الحادث وقع صباحاً، حين فقد سائق شاحنة السيطرة فانزلقت الشاحنة، واصطدمت بحافلة المدرسة، التي انقلبت على جانب الطريق، لتشتعل بها النيران التي أتت على أجساد الطلبة، وتتركهم قتلى، بعد أن أخذت أرواحهم إلى باريها.

ست ضحايا كانت نتيجة الحادث المروع، خمسة أطفال ومعلمة في الروضة، بالاضافة إلى 39 إصابة وفقاً لوزير الصحة د. فتحي أبو مغلي، ولكن أرقام جمعية الهلال الأحمر تؤكد وقوعَ 10 حالات وفاة و42 إصابة وفقاً لمستشار رئيس الجمعية محمد عياد.

في مجمع فلسطين الطبي كان هول المفاجأة، أهالي ينتحبون ويبكون على من فقدوا من فلذات أكبادهم، ومنهم من لم يعرف مصير ابنه بعد، فالكل مشغول، الأجهزة الطبية في حالة ذهول وعمل مضن لإنقاذ المصابين، ومحاولة إنقاذ الحالات الخطرة، رجال الأمن يحاولون إبعاد الأهالي والمرضى، وبعض المتطفلين، ليفسحون المجال أمام الأطباء ليقدموا ما يبرعون به، وهو إنقاذ الأرواح، أو على الأقل محاولة الإنقاذ، أبواق سيارات الإسعاف تصدح في المكان، وما أن تصل سيارة، حتى تتبعها أخرى، لتؤكد حجم المأساة.
|164852|
أم اقتحمت المشفى باكية، تسأل الأطباء والشرطة عن ابنها، ولكن لا أحد هنا يعنى بالأسماء، فالكل يحاول إنقاذ الأرواح، ولكنها على ما يبدو كانت تعلم أن فلذة كبدها قد توفي، فخرجت بعد أن هدأت ثورة الغضب، وجلست تحت الأمطار تبكي وتنحب، والكل ينظر اليها، ولكن الكل متضامن، ويعجز عن المساعدة.

رجل وزوجته دخلا إلى المستشفى والغضب يملأهما فهما لا يعلمان مصير ابنتهما المعلمة، ولكن رجال الشرطة في المستشفى كانت تدرك هول الفاجعة، فتدخلوا وأخمدوا ثورة الرجل وزوجته، بعد أن أبدوا التعاطف الكامل، وأخبروهما أن الأسماء غير متوفرة، وأنهم سيساعدونهما، فبات غضب الرجل وزوجته إلى ثناء وشكر للدور الإنساني لرجالات الشرطة.

|164849|الطالب اليتيم الطقل محمد السلايمة (4 سنوات) كان غير قادر على الحديث، ولكنه قال أنه كان يلهو في الحافلة قبل أن يشعر بأن شيء حدث فاهتزت الحافلة قبل أن يسمع انفجاراً ويشاهد لهيب النيران في الخافلة، فبدأ بالبكاء، قبل أن يقتحم مجموعة من الشبان المغاوير الحافلة وينقذون ما يمكنهم إنقاذهم ومن ضمنهم محمد.
|164853|
محمد شيحة (5 سنوات) وهو أحد الناجين قال: كنا نصرخ ونحتفل، وبنستنا تخلص الطريق عشان نصل للملاهي، وبس النار ولعت خفنا كثير، حسيت إنها بتشبه النار الي بتحكيلنا عنها المس، بس نكذب بيوم القيامة".

في المحصلة، فإن أطفالاً قضوا في حادث سير مفجع، ولكن تساؤلات كثيرة تبقى مشروعة، توقيت الرحلة المدرسية في ظل الأحوال الجوية السيئة، خصوصاً في ظل صغر عمر الأطفال.

زهور ذبلت، دماء أريقت، أجساد حرقت، وأرواح زهقت على شارع الموت في حافلة الموت، ليقول لنا أطفالنا عذراً الرحلة لم تلغى، بل تغير مسارها، ووصلنا إلى الدنيا الآخرة، ولكن ما يؤرقنا أننا سنشتاق لأهالينا وسيشتاقون لنا، ولن يكون نسيان هذا الحادث سهلاً.
|164770||164771||164772||164773||164774||164775||164767||164766||164765||164764||164763||164762||164761||164760||164759||164854|