السبت: 12/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية في السلطة: الحكومة لم تقدم حتى اللحظة خطة موازنة للعام الحالي والعام المقبل

نشر بتاريخ: 05/12/2006 ( آخر تحديث: 05/12/2006 الساعة: 19:34 )
تونس - معا- تعيش الساحة الفلسطينية حالة سياسية اعتبرت ديمقراطية بعد وصول المعارضة إلى الحكم وسير السلطة الوطنية الفلسطينية برأسين مختلفين سياسياً كل جهة تبحث عن مخرج للأزمة الداخلية السياسية على طريقتها ومن وجهة نظرها الخاصة.

وفي الشارع الفلسطيني توجد قضية هامة يسقط نتيجتها المتسابقون في الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية وحتى انتخابات النقابات المهنية والطلابية وغيرها، ألا وهي قضية الفساد، ذلك أن هناك اتهامات كثيرة وجهت إلى رموز في السلطة بأنهم ( أصحاب فساد) وتحويل بعض القضايا إلى النائب العام لمباشرة التحقيق في تلك القضايا.

وفي هذا الإطار كان لنا حوار مع رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية في السلطة الوطنية الفلسطينية الدكتور محمود أبو الرب الذي قام بزيارة عمل إلى العاصمة التونسية لحضور الملتقى العربي والأوروبي حول الخصخصة وآثارها على إدارة المرافق العامة والدورة السابعة والثلاثين للمجلس التنفيذي للمجموعة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة التي عقدت يومي 1و2 ديسمبر بالعاصمة التونسية. والذي تعرفنا منه على خطط واستراتيجيات الديوان وأهدافه والتعيينات الأخيرة في الأجهزة المختلفة للسلطة ونتائجها على الموازنة العامة وآليات عمل ديوان الرقابة المكلف بالرقابة المالية والإدارية على كافة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية داخل الساحة الفلسطينية. وفيما يلي نص المقابلة :

اجرى الحوار :: أحمد القدوة ورازي الهدمي

س: ما هي طبيعة المؤتمر الذي تشاركون فيه؟

ج: هو الملتقى العربي الأوروبي للمؤسسات والهيئات الرقابية والمحاسبية، وهي أعلى هيئات موجودة في كل الدول، وبطبيعة الحال كل رئيس ديوان أو هيئة أو رئيس مركز ( بمختلف تسمياتهم)، هذا المؤتمر يعتبر أول لقاء نظم بين الدول العربية وأوروبا وكان موضوعه الرئيسي حول " الخصخصة" ودور الدواوين أو الأجهزة المحاسبية العليا في الرقابة على الخصخصة، وعملياً نقلت التجارب العربية والأوروبية وكان هناك عملية تبادل للآراء واستنتج المشاركون أن هناك خطوات متقاربة ما بين آليات تنفيذ الخصخصة في العالم العربي وبين ما هو موجود في أوروبا.

يأتي هذا اللقاء تكريساً لحوار الحضارات وتقاربها وليس تصارعها، لأن الهدف واحد والرؤية واحدة، وتستبعد كل ما يقال إن هناك صراعاً.

س: كيف تقيم مشاركة دولة فلسطين في مثل هذه المؤتمرات؟ هل تكتسب تجربة منها وتعطي تجربتها؟

ج: في هذا المؤتمر بالذات كانت مشاركتنا فيه متأخرة لعدم علمنا المبكر لانعقاده، ومع ذلك ندعم ونعطي تجربتنا للآخرين. أن ديوان الرقابة المالية والإدارية أسس منذ أحدى عشر سنة من بداية السلطة وكانت لدينا أعمال رقابية ومحاسبية داخل منظمة التحرير الفلسطينية إلا أنه كمؤسسة قد بدأت عام 1994، ونحن بالطبع نكتسب خبرة من المؤسسات المشابهة العربية والأجنبية ونتبادلها معهم لأن خبرتنا لا تقل أهمية وقيمة عن باقي الآخرين.

س: ما هي الخطط والاستراتيجيات لديكم في ديوان الرقابة في ظل الطبيعة السياسية الموجودة داخل الساحة الفلسطينية؟

ج: بشكل عام، ديوان الرقابة المالية والإدارية هو مؤسسة (مستقلة سياسياً)، كذلك من المفترض أن تكون مستقلة مالياً وإدارياً، ونحن نراقب كل مؤسسات السلطة الوطنية ومؤسسات الحكم المحلي، وبالتالي هي بمثابة مراقب عام للدولة ورؤيتنا للمستقبل والتي وضعناها في خطتنا الاستراتيجية هي المساهمة في تحويل الشعب الفلسطيني من متلقي مساعدات إلى معتمد على الذات وهي رؤية عامة تم وضعها كشيء أساسي انطلاقاً من حديث الرسول (ص) " اليد العليا خير من اليد السفلى"، ونحن نسعى إلى هذا ولدينا القدرة والإمكانية إذا أحسنا استخدام العنصر البشري والموارد المادية. وأما رسالة الديوان، كما جاءت في القانون، هي التأكد من تطبيق القوانين والأنظمة المعمول بها والمقرة من قبل المجلس التشريعي في كل مؤسسات الوطن وهذه رسالتنا الرئيسية. أما مشكلتنا الأساسية، أن هناك مجموعة كبيرة من القوانين موجودة، ولكن تطبيقها هو العنصر الرئيسي الغائب عن الأرض المحتلة. وبالتالي في ظل هذا الواقع نحاول على الأقل توجيه الأنظار أولاً إلى التركيز على الجوانب الإيجابية في أي مؤسسة ولا نبدأ أولاً بالمشاكل والمصائب بل نبرز الجوانب الإيجابية في المؤسسة من أجل بناءها وتعزيزها ونشير إلى السلبيات أن وجدت وآليات التغلب عليها، والشيء الرئيسي في إعداد التقارير التي تكتب وترسل إلى الجهات المعنية يجب أن تكون موثقة وموضوعية بمعنى أن لا يسمح بأن نقول أن هذه المؤسسة يوجد فيها فساداً أو أحد الموظفين أو أحد المسؤولين فاسداً دون أدلة ثابتة حتى نستطيع تحويله إلى القضاء.

هذا الشهر العاشر بالنسبة لي في الديوان ونحاول أن نبحث عما كان يكتب ويشاع عن قضايا الفساد والمشاكل الموجودة ، وحقيقة تبين أن كل هذا عبارة عن كلام دون توثيق ولكن الإثباتات تكون بالإدانة ويمكن من خلالها تحويلها إلى النائب العام، وحتى هذه اللحظة لم أتلقّ أي شيئ من الحكومة الحالية أو من أي وزير عن الممارسات السابقة رغم أن كل الملفات موجودة لديهم ونحن وجهنا نداءاً إلى الصحافة، وإلى أي شخص أو مواطن لديه معلومات ووثائق عن أي مشكلة أدت إلى هدر المال العام أو اختلاس الأموال العامة، نحن نتلقاها بكل صدر رحب، وتأخذ الطابع السري التام بحيث لا نكشف مصدر هذه المعلومات ولكن مع الأسف الشديد، حتى هذه اللحظة لا يوجد من يقدم أي شيئ يثبت ما كان يقال ويكتب.

س : بالنسبة إلى القضايا التي حولت إلى النائب العام ماذا جرى فيها؟

ج: نعم ، هذه الملفات جميعها تم تحويلها إلى النائب العام قبل تنصيبي رئيساً لديوان الرقابة، وحاولت أن أقرأ ما بين السطور في هذه الملفات، ومع الأسف الشديد لم تكن مدعومة بوثائق تدين بشكل صريح وواضح، مثال على ذلك، ملف هيئة البترول التي تعتبر أكبر ملف، القضاء والمحكمة أفرجت عن رئيس هيئة البترول السابق بكفالة بسبب عدم القدرة على الإثبات المادي بالوثائق لما أعلن عنه.

يوجد هناك بعض القضايا لدى النائب العام يحقق فيها ولكن حتى هذه اللحظة لم تحسم أي قضية بطريقة مهنية.

س: كيف تطالبون بعض رموز السلطة بالإدلاء ببعض المعلومات بشأن قضايا الفساد و"السلطة ذاتها متهمة بالفساد"؟

ج: أولاً ، لدينا مشكلة كبيرة جداً، " نحن كذبنا الكذبة وصدقناها" بمعنى حملنا الشعب الفلسطيني أكثر بكثير مما يتحمله اتجاه الفساد، صحيح أن هناك يوجد من يعتدي على المال العام وهذا في جميع أنحاء العالم موجود دون استثناءنا، لكن حجم المشكلة التي تم إعلانها للعالم لا يتناسب بشكل حقيقي مع ما هو موجود، ومهمتنا الرئيسية هي أن نحدد بالاسم ولا نتهم أحداً جزافاً وأن لا نقول أن هذه المؤسسة فاسدة أو تلك.

إذا كان هناك فساد أو اختلاس أو اعتداء على المال العام أو هدر للمال العام يجب أولاً أن نحدد بالاسم، من هو المتسبب بهذه الفعلة، أما أن نتعامل بعمومية كما هو الحال، تعتبر إساءة كبيرة جداً للشعب الفلسطيني، وهذه مشكلة تواجهني أينما ذهبت حيث يواجهك الكل ويقول لك إنكم جميعاً فاسدون، حصلت في حالات عديدة، لذا أطلب ممن يتكلم بهذا الخصوص أن يتفضل بتقديم وثيقة وأسماء وطرف خيط حتى نستطيع الوصول إلى الحقيقة، للأسف لا أحد يعطي شيئ.

عندما كانت فتح مسيطرة على الحكومة السابقة كان يقال عنها إنها فاسدة والآن جاءت حكومة ( حماس)، وهذه الحكومة كما تقول جاءت لتكريس الشفافية والكفاءة وتحقيق العدالة التي كان يقال عنها إنها مفقودة، الآن لدى هذه الحكومة كافة الملفات السابقة والتي كانت تتغنى بمن هم فاسدون في السلطة، حتى هذه اللحظة جاءنا ملف واحد ويتحدث عن خلفية كيدية ومشاكل فقط ودون وثائق!! وهذا بحد ذاته مؤشر على أننا حملنا الشعب الفلسطيني بما يتعلق بالفساد أكثر بكثير مما يحتمل، وعلينا أن لا ننسى أن هناك أناس استطاعوا استغلال الوضع الذي كان موجود سابقاً ( في عهد الرئيس ياسر عرفات) وهي الفوضى غير المنظمة ( أبو عمار لم يكن يفكر أن يعمل بقانون ولم يكن هذا عالمه، أبو عمار له عالم آخر كان يجلس على طاولته ويعطي ورقة لمن يدخل إليه دون إرجاعه)، إذاً يوجد فرق بين ما تكون تعمل في الثورة وبين ما تعمل داخل مؤسسات الدولة التي لها موازنة وميزانية وبداخلها من يحاسب ويعمل بالقانون، هذا بالنسبة إلى أبو عمار، بحيث كانت فترة الفوضى غير المنظمة أحسن من الوضع المنظم، هذه حقيقة. نحن نحاول أن ندخل الوضع المنظم من وجهة نظر قانونية.

س: في ظل قانون ديوان الرقابة الجديد الذي يعطيكم صلاحيات التحرك في الوزارات والمؤسسات، كيف يمكنكم ممارسة مهامكم؟

ج: المهام بالنسبة لنا في هذا القانون الجديد الذي أقر عام 2004، عملياً جئنا في المرحلة الحالية مع غياب القانون، حيث السمة الرئيسية في الأرض المحتلة هي الفلتان، كذلك غياب الحكومة التي لم تقر بعد موازنة العام 2006 وحتى العام 2007 ولا يوجد لدينا موازنة التي من المفترض أن تقدم وتقر في شهر نوفمبر/ الماضي، إضافة إلى الأموال الموجودة حالياً هي بمثابة النصف عما كان موجود سابقاً وهذا لا يعني أننا لا نعمل، نحن الآن في الديوان قمنا بإعادة ترتيب الوضع من جديد ووضعنا هيكلية وإدارات عامة وما سنقوم به خلال الفترة القادمة حيث أننا سندقق على الموازنة الغير موجودة أصلاً وسيكون علينا دور التدقيق على الإيرادات والنفقات التي تمت عام 2006 هذا جانب أساسي، وسنقوم بالتدقيق على كل المساعدات والقروض والمنح التي قدمت للسلطة الوطنية الفلسطينية وسنراقب المنظمات الغير حكومية وقوات الأمن وكل ما يتعلق من نفقات كذلك التدقيق على الحكم المحلي، هذه خطتنا خلال عام2006.

لكن هذا يتطلب عدد كبير من الموظفين حتى الآن إمكانياتنا محدودة، يعني يوجد لدينا 97 موظفاً في مدينة غزة و30 آخرون في الضفة الغربية، وحقيقة حتى نتمكن من القيام بخطتنا نحن بحاجة إلى 370موظف على الأقل.

س: كيف تطالبون الحكومة الحالية بإعداد الموازنة المالية لهذا العام في ظل الحصار المالي المفروض على الشعب الفلسطيني؟

ج:الموازنة هي عبارة عن خطة مالية للعام المقبل، الآن في ظل وجود الحكومة الحالية وهي عملياً قائمة في ظل حصار دولي مفروض على الشعب الفلسطيني، أنا تحدثت مع وزير المالية وهو الآن في الأسر حتى يضع الموازنة في 3 سيناريوهات، الأول في حالة تكون الظروف طبيعية، الثاني في حالة تكون ما بين الطبيعي والسيئ، والثالث في حالة الحصار وتقدم إلى المجلس التشريعي وبالتالي أنت تأخذ في النهاية الشيئ المتوقع، والآن الحكومة في هذا الواقع، إذاً مفروض علينا حصار، لذا يجب العمل في حالة الحصار، بحيث يوجد لدينا إيرادات ونفقات لذا وجب وضع موازنة وهذه وظيفة الحكومة، إذا كانت الحكومة لم تستطع تأمين متطلبات الإنفاق التي تحتاجها المؤسسات الحكومية التي تديرها من المفترض أن تغادر إذا لم تستطع تحقيق الحد الأدنى من المتطلبات.

س: بخصوص التعيينات الأخيرة التي حصل على أغلبها أفراد من حماس على حساب إقصاء آخرون من فتح، كيف تعاملتم مع هذا الوضع؟

ج:نعم، نحن كتبنا رسالة إلى رئيس مجلس الوزراء إسماعيل هنية ورسالة أخرى إلى رئيس السلطة الوطنية أبو مازن أن هناك سياسة إحلال وإقصاء على أسس غير مهنية وحددنا بالاسم من تعرض لها، ولكن مع الأسف الشديد لا يوجد هناك أي إجراء وإنما تمادي بالتعيينات في هذا الإطار لأن حسب ما يقال ( أن هناك مطالبة وكأنها كعكة موجودة أن يكون 40% من الموجودين سيتم تعينهم على أسس فئوية) وهذا بطبيعة الحال لا يبني مؤسسات ويعمل مزيداً من التضخم الوظيفي ( المتضخمة أصلاً).

س: هل هذا يؤثر على الموازنة العامة؟

ج:طبعاً، حتى الآن الحكومة عينت كما يقال في الصحافة، علماً أنه لا توجد أرقام لدينا صحيحة هو حوالي 11 ألف، ولكن حسب تصريحات رئيس الوزراء هم حوالي 7000 كقوة تنفيذية، هؤلاء تم تعينهم خلال ستة شهور، أما إذا نريد في كل سنة بالمتوسط تعيين 10 آلاف موظف يعني أننا على مدار 4 سنوات يصبح هناك 40 ألف موظف جديد، لكن هذا سيؤدي إلى إرهاق ميزانية السلطة.

س: ما هي آليات العمل لديكم في تطوير العمل الرقابي داخل أجهزة السلطة المختلفة؟

ج:أول خطوة في العمل لدينا هي تحديد الموضوع المراد تدقيقه، ووضع خطة عمل للمؤسسة ونخاطب تلك المؤسسة مباشرة على أننا ننوي القيام بتدقيق وتقييم رقابي حول موضوع معين، ويتوجه فريق العمل الرقابي إلى المؤسسة المعنية ويعمل دراسة أولية( استكشاف عام)، ويحدد الفترة الزمنية التي تحتاجها الخطة، و يرفع فريق العمل بعد الانتهاء من عملية التدقيق الرقابي تقريراً إلى رئيس الديوان وبعد تفحصه وقراءته يرسل إلى الجهة الخاضعة للتدقيق مثالاً ترسل إلى الوزير المسؤول عن المؤسسة ويطلب منه إبداء الملاحظات على هذا التقرير، وبعد ذلك نتلقى هذه الملاحظات، أما إذا كان هناك ملاحظات قابلة للنقاش يمكن أن تكون ناجمة عن خطأ من المدققين أو سوء تقدير من المؤسسة، وبعد إتمام عملية التدقيق وإعداد التقرير النهائي يرفع إلى رئيس السلطة الوطنية ورئاسة الوزراء والمجلس التشريعي، وبعد فترة زمنية معينة يتم نشره في الصحافة ( القانون يلزمنا بنشر التقارير الموجودة لدينا، هناك تقارير ربع سنوية وأخرى سنوية).