جنرال " شيك ".. على بياض!!
نشر بتاريخ: 04/03/2012 ( آخر تحديث: 19/04/2012 الساعة: 14:25 )
كتب ابراهيم ملحم - جميلا،ومدهشا ،وصامتا،ووقورا ،جاء الجنرال ثلج ببياضه " الشيك " الناصع الذي لاشية فيه،متلفعا باردية الغيم ،يتبختر على اسطح منازلنا ،واعتاب بيوتنا،وناطحات تواضعنا ،ليبيض سواد شوارعنا،ويسود وجوه بعض مقاولينا ،بكشفه عيوب صنائعهم وسوء اعمالهم ،ورداءة خلطاتهم ، وينقي غل قلوبنا وحسد نفوسنا ،ويغسل اخطاءنا وخطايانا ،ولينكأ بحنو ذاكرة ايامنا البيض، في مرابعنا الخضر ،تلك الايام البهيجة التي كنا نصحو فيها على البياض الجميل وقد تربع على عتبات دورنا ، يعصف بابوابها المرتجفة امام عواء الرياح ،قبل ان نستجيب لندائة المستفز بالحركة ،ونخوض مع اترابنا معارك شوارع بـ"السلاح الابيض" وبالذخيرة الحية ،يبلغ فيها الماء الركب،وينتصر فيها الجنرال الذي انتصب امامنا، بشيك ملابسه البيضاء،مجردا من نياشينه ،يهمس بنعومة ندفه محذرا من معارضة تعليماته القاسية ،بعدم مغادرة البيوت في ساعات الهطول،والانجماد التي انحدرت الى ادنى درجاتها .
استجابة لنعومة الجنرال،وصرامة تعليماته، ونقاء سريرته، لم نغادر جدران بيوتنا حتى توقف الندف الذي حاصرنا بجوار مدافئنا ،حصار ايقظ فينا الحنين لماض جميل ،عندما كنا نتلصلص من شقوق ابواب البيوت التي تهزها الريح ،خوفا وفرحا لقدوم الزائر الابيض الذي لا يستاذن احدا في حله وترحاله.
انها "فوبيا الثلج "التي تزورنا مرة كل سنة كبيسة او اكثر،حتى استبدت بنا وحاصرت ارواحنا، وفرضت علينا الاقامة الجبرية بجوار مواقد نارنا الدائمة خوفا من نفاذ مخزون خبزنا ،و" تتن" سجائرنا .
كل شيء في المدينة توقف،المدارس ،ورياض الاطفال، والجامعات،وحركة السيارات،وغاب الوطن طيلة ثلاثة ايام ،في" اجازة ثلج" خلف جدران المنازل خوفا من زائرنا الذي قصفنا بندفه الناعم الجميل، ومطره الوفير حتى فاضت به الوديان ،وامتلات من جوده الابار، بعد ان لبى اذار نداء سلفه المحتفي بيومه الاضافي في سنته الكبيسة، باقراضه قرضا حسنا بثلاثة ايام منه ليكمل هو باربعة اخرى لكي توقد العجوز مغزلها، والمكحار وفق الرواية الشعبية المعروفة .
عشنا اياما جميلة جمعت شتات الاسر، وكسرت صمت الجدران، بعد ان سكتت الفضائيات عن الكلام المباح وغير المباح ، في استراحة محارب وصامت عن اللغو بعد ان حط الثلج على الصحون المتوسلة والمتنصتة لهمس السماء .
فما ان بلغ الثلج مدارج الهبوط حتى سارعنا لاخلاء الشوارع من معيقات هبوطه الاضطراري الجميل بعد غياب طويل ليدهمنا البرد بلسعات حتى العظم..لسعات دفعتنا لنتشارك معا في الماء والكلا والنار و..النت!
مع الهزيع الاخير من هذه الليله يغادرنا المنخفض الذي طالت اقامته في سمائنا عاصرا اخر غيماته فوق رؤوسنا ومحلقا بغيومه على ارتفاعات شاهقة،مع احتفاظه بحق العودة لغزونا متى شاء في غارات تستهدق قض مضاجعنا، وقمع عشوائية تحركاتنا،وثرثرة النساء على اسطح المنازل،وعتبات البيوت .