الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

المنتدى التنويري ينظم أمسية ثقافية

نشر بتاريخ: 11/03/2012 ( آخر تحديث: 11/03/2012 الساعة: 09:49 )
نابلس- معا- نظّم المنتدى التنويري الثقافي الفلسطيني ( تنوير ) أمسية ثقافية في مقر الاتحاد العام لنقابات العمال، حضرها العشرات من الفعاليات الثقافية والوطنية والاكاديمية والسياسية والمرأة، وذلك على شرف الذكرى الرابعة لرحيل حكيم الثورة د. جورج حبش، بعنوان: قراءة أخرى للثورات العربية في ذكرى الحكيم، تحدث فيها المفكر د. عادل سمارة وأدارها د. عبد العزيز احمد.

" أنا لا أعرف الياس في ما يتعلق بقضيتي الوطنية، وقضايا أمتي العربية، لانني مؤمن بعدالة قضيتي، وضرورة النضال من أجل تحرير فلسطين، ومؤمن بطاقة الامة العربية وبامكانية انتصار المشروع العربي على الصهيونية .. " تحت كلمات هذه الرؤية التفائلية الواضحة والمندغمة بروح المقاومة لحكيم الثورة تحدث د. عادل سمارة قرابة ستون دقيقة متواصلة عن تجربته مع الحكيم الذي عرفه وقت الدراسة في لبنان والتي وصفها بزمن " البراءة السياسية ".

وقال: ان اساس الدعوة هو من اجل ذكرى الحكيم ..نريد للرجل الذي قدم كل شيئ ولم نقدم له شيئ أن يتذكر وخاصة انه يستحق كونه نبت عربيا ورحل عربيا وامميا .. ونتذكره لان التطورات في العالم العربي ليست صراع بين الفلسطينيين والعالم العربي والكيان الصهيوني وانما هو صراع كوني ومعركة عالمية بين الامبريالية والصهيونية والشركات الراسمالية الكبرى وبين الشعوب المستعمرة .. وما تصريح اوباما الاخير برفع العلاقة بين امريكا واسرائيل حد التقديس الا دليل بأن الصراع ليس له علاقة بالدين.

وعقب د. سمارة قائلا : قضية الحكيم تكمن في ان مفتاح التحرير يبدأ من العواصم العربية التي لا تزال تقاوم تحرر الامة بتركيزها على القطرية. ما يدلل على ان الفكر القومي عند الحكيم ليس في فكره فقط، وانما في فكره ونضاله، ليقينه أن الامة لم ولن تخرج من التاريخ مهما اشتد العدوان الصهيو- امبريالي.

وأردف المتحدث ان الامبريالية، وأمريكا تحديدا، تقر وتعترف بكل القوميات العالمية لكنها تنفي القومية العربية، وتعمل على تفكيكها وتقويضها واستعاضتها بالفكر القطري والاثني والطائفي. فالامبريالية لا تؤمن بقومية عربية وأمة عربية، وتُوج ذلك بمقولة لبرنار ليفي الذي يعتبر الحديث عن القومية العربية محض خرافة. ونفي القومية العربية لم يقتصرعلى الامبريالية فقط وانما على الدين السياسي المتكون من المسيحية واليهودية والاسلام.
وفرق د.سمارة بين الاسلام السياسي الممانع ( كحماس جهاد حزب الله ) وبين الدين السياسي ( تحالف راسمالي مسيحي يهودي اسلامي وهابي واخوان مسلمين ).

وابان ان الحركة القومية العربية لم ترتقي لحسم المعركة على المستوى القومي لاستهداف المنطقة منذ بداية القرن20 باتفاقات سايكس بيكو لتقسيم الوطن العربي الذي لم يسمح له بالتطور الصناعي كما سمح لايران وتركيا وذلك باستخدام قوى محلية لمحاربة الفكر القومي والاشتراكي حتى لو كانت تدعي وطنيتها وقوميتها، وضرب مثلا بالملك حسين الذي طالما فاخر بقوميته وعروبيته الذي يعّتبر اجداده مصدرا لهما، لكنه في الممارسة كان جد اقليمياً وضد القومية العربية، مضيفا أن هذا بخلاف موقف الحكيم الذي طالما صرح: ( أنا فلسطيني وأممي وعربي )، وأيضا عكس موقف الطبقات الشعبية التي لها دورهام في تحقيق القومية، ولا ترى مصلحتها في الدولة القطرية الصغيرة التي يمكن أن ُتغتال ببساطة. مؤكداً لو أن الوطن العربي موحدا لم تستطع القوات الاجنبية أن تختطف سوريا وليبيا والعراق، مما شجعهم على اقتراف جرائمهم وطحن الدول الصغيرة، ولم يتجرؤا على انتهاج نفس السياسة مع الكتل الكبيرة كالصين مثلا.

المفكر سمارة ربط ذكرى رحيل الحكيم بغياب المفكرين الاستراتيجيين الذين يمنحوا الرؤية الثقافية بعمقها النظري للحراك الجماهيري: " قد نواجه هزيمة عسكرية أو اثنتين وهذه مشكلة . ولكن في تقديري ليست كارثة.وقد يلي الهزيمة العسكرية كما حصل عام 67 انهيار سياسي، وهذه مشكلة مضاعفة ولكنها أيضا ليست كارثة.فالامور قد تعود للاستقامة ولو بعد حين، ولكن الكارثة انهيار الجبهة الثقافية – النظرية.ان هذا الانهيار يمتد ليصل الى عمق الانسان، نعم الانسان الذي يشكل الاساس لأي نصر سياسي أو عسكري، فخطورة الانهيار الثقافي النظري، ينبع من كونه يصيب البنية الداخلية الذاتية للمجتمع ويدمر الروح المعنوية، والارادة والتصمبم.فاياكم والتنازل النظري اياكم والمساومة على المبادئ " وهذ هي الرؤية الثاقبة للحكيم حول أهمية الجبهة الثقافية التي ربطها جدليا بالانسان والمجتمع الفلسطيني ، لأن انهياره وتدمير روحه المعنوية يلحق أشد الضرر بالبنية الداخلية للمجتمع. فما فائدة الفلسطيني بلا ارادة أو معنويات وأمل.

ما احوجنا للحكيم اليوم لأن مثقي الردة الوطنية والقومية واليسار يختبؤا ويتمترسوا خلف وعيهم. فالكثير من المثقفين الفلسطينيين نفضوا أيديهم من التحرر وحق العودة، كما أن الكثير من المثقفين القوميين نفضوا أيديهم من الوحدة، واليساريين نفضوا أيديهم من الاشتراكية. وبخلاف الحكيم الذي طفق يكبر بماركسيته وقوميته وثقافته: " أنا ماركسي. يساري الثقافة، التراث الاسلامي جزء اصيل من بنيتي الفكرية والنفسية. معني بالاسلام بقدر أية حركة اسلامية. كما أن القومية العربية مكون اصيل من مكوناتي .. إنني في حال انسجام مع قوميتي العربية، ومسيحيتي وثقافتي الاسلامية، وماركسيتي التقدمية. "

الثورة والثورة المضادة بين تجويف الوعي وتجريف الثروة
يقر المتحدث سمارة بأن الحراك الذي يشهده الشارع العربي في مختلف المدن والميادين بأنه خليط من الهبة والثورة والانتفاضة الذين لا نستطيع فهمهما دون قرأة معمقة لاستهداف الوطن والامة من ثورة مضادة لقرن من الزمان، ثورة متربصة وجاهزة لقمعك ونفيك اذا لمست أي حراك يهدد مكاسبها.
ثم تقفى الثورة المضادة في سياقها التاريخي، معتبرها ثورة واضحة المعالم طبقيا كونها ممأسسة تاريخيا وتملك الجيوش ورأس المال والاعلام والخبرة ليس فقط في العالم العربي بل ، وفي عمق الرأسمالية التي استفحلت جرائمها داخل مجتمعاتها في تفكيك دولة الرفاه عبر شمولية السوق وفردانية الطبقات، وحراك الشركات عابرة القارات.

وذكر أن الثورة المضادة في العالم العربي تمظهرت في مشاريع متعاقبة عرفت بالشرق الاوسط وشمال افريقيا، مشجعة القطاع الخاص وفكفكة العام، ودمج الكيان الصهيوني بشكل طبيعي في المجتمعات العربية عبر شركات مشتركة براس مال خليجي غربي اسرائيلي.

ومن معالم الثورة المضادة اشار المتحدث الى الاستثمار الاجنبي المباشر في المنطقة وخاصة داخل الكيان الصهيوني الذي ُضخ فيه من الاموال ماينيف عن 104 مليار$ خلال 5 سنوات فقط بين الفترة الممتدة من 1991 وحتى اتفاق اوسلو، معتبرا أن الاستثمار هو استراتيجيا وليس آنيا، ربما لا يأتي على الاجنبي بعوائد مادية آنية ، الا أنها قوة عسكرية جبارة معتدية تعيق التنمية والتقدم والتطور في العالم العربي وتبقيه ممزقا وفي حالة استاتيكو وجمود وابقاءه كسوق استهلاكي وتفكك سيادي دون حرية او استقلال.

وأضاف الكاتب سمارة أن اسلو استان كان النموذج الاسطع لتكثيف الثورة المضادة في تفكيك السيادة في المحيط بعيدا عن المركز، وكان النموذج الاسطع والاول باقامة كيان دون سيادة، وشعب بلا أرض.

وأردف المحاضر أن الثورة المضادة تجلت أيضا في ما يعرف بتجويف وعي المجتمع من خلال حقنه بالفكرالقطري، وتبعه تجويف وعي الاحزاب والقوى العاملة والنقابات بالتخلي عن السرديات الكبرى كالاشتراكية والماركسية التي لم يذكر التاريخ أنها اعتدت قط على الامة، عدى عن المبالغة بدور الشباب، وابرام اتفاقيات لضرب الثقافة القومية.

أما عن تجريف الثروة فتطرق د. سمارة الى تهريب الاموال للخارج مقدرا ثروة الرئيس المخلوع في مصر حسني مبارك بِ 75 بخمسة وسبعين مليار دولار، ومثلها لرئيس تونس الهارب بن علي، أما دول الخليج فوهبت دون مقابل 2 ترليون دولار للصديق امريكا لسد عجز ميزانيتها الذي بلغ 3.5 ترليون دولار، وهذا بخلاف الصين التي لم يعد موقفها السياسي خجولا، وأضحى أكثر عمقا عندما اقرضت الولايات المتحدة مقابل سندات من الخزينة الامريكية وارغامها على فتح الاسواق الامريكية للبضائع الصينية.

قوى الثورة مقابل الثورة المضادة:
المحاضر د. سمارة تحدث أيضا عن السمات الايجابية لقوى الممانعة ضد المركز الامبريالي فذكر؛ الثورة الاسلامية الايرانية، وتراث الانتفاضة الفلسطينية، والصمود البطولي اللبناني في حرب تموز 2006، صمود الشعب الفلسطيني في غزة، والمقاومة العراقية البطلة وهذا الاشتباك مع المشروع الامبريالي الصهيوني حاصل قبل بدء الانتفاضات.

وعقب المحتدث أن الانتفاضات بدات بالشباب المتعلم تعليما مجانيا لابناء الطبقة الوسطى التي استفادت من اصلاحات الثورة المصرية التي قادها الرئيس جمال عبد الناصر وكانت تحمل على كاهلها مشروع القومية العربية والتصدي للاستعمار والصهيونية. مضيفا أن الواقع الاستبدادي والقمعي للحكام، مع الجوع والبطالة، والتمايز الطبقي، وامتلاك درجة معينة من الوعي ادى الى تكتل الشباب وحرك الواقع.

وتابع: يُمكن ان يُحرك الوضع مرة ومثنى وثلاث، لكنه بحاجة الى تنظيم وفكر، فالحراك للحظة أخذ شكل ثورة نتيجة تحالف الشباب مع الطلاب والفلاحين وعمال المدن الكبرى( الثورة الاولى في مصر ) وكان من المطالب الشعبية الديمقراطية ( اسقاط راس النظام ) لكن لم يتجلى في انتفاضتي تونس ومصر الحديث عن القومية ومجابهة الكيان الصهيوني، وهذا نتيجة لتعميق الثقافة القطرية في الوعي الشعبي، وهذا بعكس التراث النضالي في المغرب العربي الذي كان واضحا في التاكيد على قوميته وعروبته اكثر من بلدان الشرق ( مصر وسوريا ) لسيطرة حكومتيهما على النقابات والاتحادات، فلا يمكن أن نسمي أي نظام متحالف مع الولايات المتحدة نظام ثوري.

وأوضح المتحدث أن أسرع تسلح لحراك شعبي عربي كان في ليبيا، بالرغم من العلاقات الودية بين النظام والغرب، الا أن الغرب دمر بنيته التحتية وسحقها بشكل كامل وخاصة النهر الذي بناه القذافي الذي ُدمر تماما بالرغم من خلوه من المواقع العسكرية والمدنية، وعزى السبب الى الخط الاقتصادي الذي سار فيه القذافي وهو ( مبادلة النفط بالذهب وليس بالدولار ) ودفعه افريقيا بخلق سوق افريقية تتبنى موقفه، وفي اللحظة التي اعدم فيها القذافي كانت ليبيا تستحوذ في خزائنها على 44 طن من الذهب مقابل 208 طن في خزينة بريطانيا.

وتطرق المفكر سمارة في الحديث عن بلدان الخليج التي ليس لها أي ارتباط قومي كما في سوريا ومصر التي تطورت تدريجيا الى امة ومن حقها ان تتوحد وتتحرر. معتبرها دويلات نفطية تعيش ما قبل الراسمالية، ولا تزال في طور القبيلة والعشيرة، وفق اقتصاد رعوي قبلي. يقوم حكامها بتزيف الوعي بمقولة ( النفط لمن اكتشفوه ) ، والحاكم هو مصدر الرزق، وأنهم ليسوا في مرحلة القومية، فلا حاجة لأرض محررة، كتبرير للقواعد الامريكية العسكرية ال24 الجاثمة على أرض دول الخليجالتي تقوم بشفط الاموال بالاعداد للمناورات العسكرية المشتركة استعدادا لمواجهة المد الايراني الفارسي الشيعي! كما أنها تتنصل من قوميتها بالتوقف عن معادلة التكافل في ( دول الفائض تقوم بمساعدة دول العجز )، عدى عن اقامة مشاريع مشتركة مع الكيان كالشركة الاسرائيلية التي رأسمالها سعودي قطري اسرائيلي بواقع 250 مليون$ مساهمة لكل شريك.

ماذا يجري في سوريا؟
تحدث د. سمارة عن ظاهرة الشيطنة، نسبة الى الشيطان، متسائلا: لماذا تم السكوت عن النظام البعثي في سوريا كل هذا الوقت؟ البعث كان في سوريا قمعيا ولم يكن ملاكا ؟ هل الاحتجاج على النظام لأنه لم يحرر الجولان؟ مستشهدا بما قاله صدام حسين للعرب ( فلسطين أرض عربية فاذا لم تستطع ترجيعها فلا تبعها ) .

ثم تساءل : نعم يجب أن تسقط سوريا في عرف العدو، فأي نظام عربي لا يعترف بالكيان الصهيوني ويقدم الطاعة يجب أن يسقط.
واكد المتحدث أنه يؤيد أي حراك طبيعي في سوريا وهو موجود، لكنه ضد التدخل الاجنبي أو ان يتحول الى حرب أهلية التي يرتكب فيها كل الجرائم.
ظاهرة الاختراق.

وتطرق الى الخبرة التي اكتسبتها القوى المتعددة الجنسية في حربها في العراق وافغانستان في تدخلها العسكري المباشر وما تكبدته من خسائر مادية وبشرية ومعنوية واخلاقية أثرت على الرأي العام عندها، حيث تمت الاستفادة من الدرس في محاربة ليبيا من السماء، وهذا لم يكن له أن ينجح دون تجنيد مسبق لأناس على الأرض، وهذه الظاهرة تعرف ( بالاختراق ) الثقافي والسياسي، بحيث يتم التحضير المسبق لخلايا نائمة يكون لها ارتباطات خارجية سياسيا وثقافيا، والاختراق هو عملية قديمة للمثقفين والكتاب وأصحاب الراي والسياسة والدين.

قراءة مستقبلية للاوضاع:
الكاتب سمارة انهى قرأته المختلفة للثورات العربية بومضات سريعة؛ ففي الوطن العربي عامة قطعنا خطوة. وهناك بوادر لرفع المعنوية الشعبية عند الجيل الجديد.أما اليمن لم يستقر، فلا النظام ولا المعارضة أخذ كل ما يريد ، الهدنة تمت وفق تسوية وسطية. أما في مصر لم يعد الناس للغفوة السابقة. بيد أن النظام في سوريا سيقوم بالاصلاح شاء أم أبى. ثم اعتبر أن قوى الممانعة، هي سوريا ولبنان وغزة وايران، وأن هذه القوى قدمت قطباُ جديدأ في المنطقة وبديلاُ للدول العربية والجامعة العربية، لذلك تعمل الدوائر الغربية لخنق ومنع ووأد الحركات والهبات الشعبية.

ورصد المتحدث النظام العالمي الجديد بأنه يتغير اليوم وفق قطبيات جديدة. وأن الولايات المتحدة أزمتها المالية والاقتصادية عميقة ومستمرة، واداراتها تحل الازمة بالهجوم على الخارج وبعسكرة الاقتصاد، وأن النظام الامريكي لم يسقط لضعف القوى الشعبية الغير قادرة على تحرك الشارع لاقتناع نخبها بان الراسمالية هي الحل، كما أن الناس لم تصل حد المجاعة.