"النقابة" في العمارة !!
نشر بتاريخ: 13/03/2012 ( آخر تحديث: 19/04/2012 الساعة: 14:24 )
كتب ابراهيم ملحم- على الكتف الايمن للشارع الرئيسي الممتد بين رام الله والقدس ،تنتصب عمارة فارعة القامة،والقيمة ،بهية المظهر ،والمخبر ،تبدو من بعيد كلوحة فنية رسمها فنان غجري، لا يتقيد ببياض الورق .
امام العمارة الجميلة، الانيقة ،تقف سيارات دائمة التوثب للانطلاق ،لاغاثة ملهوف ،او مساعدة مريض، او اسعاف جريح ، على متنها طاقم من الرجال والنساء ،مدربون على عمليات الاغاثة والانقاذ والاخلاء السريع في اللحظات الحرجة.
في رحاب تلك البناية الجميلة ،قضينا يومين كاملين مارسنا خلالهما طقوس الوقوف الصامت، والشائق،بين يدي الصناديق الشفافة المحفوفة بالرعاية،والحماية من رجس التزوير ،وهي صناديق يتسع صدرها لما ائتلف واختلف حولها، من الوان الطيف الصحفي بالابيض ،والاحمر ،والاصفر.
في طوابير هادئة وقف رجال ونساء "الفرقة الرابعة"،على ضفاف صنادئق بيضاء من غير سوء ، بدت كملائكة الرحمة تحتضن بحنو اوراق المتنافسين على حبها ،والظفر بسويداء قلبها ،تتوسل رضاهم،وتصويتهم لواحدة من تلك الالوان المؤتلفة في العملية الديموقراطية السلسة التي تهادت في الاروقة الفسيحة تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل .
بهدوء ، وفخر وطمانينة، وقفت، واستوقفت ،في الطابور الطويل حتى اذنت ساعة التواري لثوان خلف الستائر الداكنة للعملية الديموقراطية الشفافة والمختلف عليها التي جرت تصويتا مباشرا او مهاتفة من بعيد .
لعلها مفارقة لافته تلك التي جمعت فرسان الخبر ،والراي ،على صعيد واحد ،في يومين متتاليين ،تبادلوا خلالها اطراف الحديث على موائد الطعام التي اعدت احتفاء بهم...مفارقة تتبدى فيها اوجه التشابه والاختلاف، بين الصحافة والاسعاف .
فالاسعاف يعتمد الدقة، والسرعة الحذرة ،وكذلك الصحافة. ..الاسعاف ينقل المصابين ويبلسم جراحهم ،ويغطي اجسادهم، اما الصحافة فتغطي اخبارهم وتنقل وجيب قلوبهم ،وامالهم ،والامهم....الاسعاف يطلق صافرة الانذار لاخلاء الطريق،والصحافة تطرق جدران الخزان كلما ابهم امر او دجا خطب .... الاسعاف يجتاز الاشارة الحمراء دون عقاب ، اما الصحافة فتعاقب ان هي فعلتها ... الاسعاف ابيض الا من وشاح احمر يزنر خاصرته، اما الصحافة فهي صفحة بيضاء تسودها الاخبار والاحبار ،ولا تعترف بالخطوط الحمراء.
لعله السؤال القديم الجديد الذي يواجه الصحفي اذا ما شاهد شخصا وقد اشتعلت به النيران هل يصورة ام يطفئه؟!!
مهمة النقابة باتت اليوم اكبر من اي وقت مضى، بعد ان انتهت من تعشيب حديقتها ،حيث تنتظرها مهمات كبرى يقف في مقدمتها تطهير ثوبها من ادران السياسة، وتغليب الحزم النقابي على الخداع السياسي ،فالصحفي يبحث عن المعلومة ،والسياسي يعتم عليها .. الصحفي ممثل للراي العام والسياسي يخاف هذا الراي...واكثر ما يضير الراي العام ويلحق الضرر الفادح به تواطؤ الصحفي مع السياسي ...فللصحافة هموم، وللسياسة فنون.... فالصحفيون هم الوكلاء الطبيعيون عن ضمير الامة، وهم جند الحق اذا اخلصوا ،اما السياسيون فهم في كل واد يهيمون!!
مهمة النقابة ان تتحول الى مؤسسة،توفر لاعضائها مساكن مريحة،وصندوقا للمرضى، وراتبا تقاعديا ولجنة للدفاع عن حرياتهم،ورفع سقوفها حتى تبلغ السّماك، وتتجاوز بفعلها تكريس ماهو قائم لتصلح الماضي والمستقبل معا .. انها صاحبة الحرائق ،والمعارك الدائمة والافاق الرحبة .
فهل نحلم بعمارة جميلة ،أنيقة، واسعة ،مترامية الاطراف ،ومتعددة الاغراض ،مرتفعة السقوف، تسر الناظرين؟.. ليس بالضرورة ان تشبه "الهلال" ..لابأس أن تكون قمرا !