نشر بتاريخ: 12/12/2006 ( آخر تحديث: 12/12/2006 الساعة: 12:00 )
القدس- معا- قال الكاتب المقدسي جميل السلحوت في مقالة ارسلها لوكالة "معا" ان حقوق الانسان ليست للعرب.
وهذا هو نص المقالة :
جميلٌ جداً أن يكون يوم عالمي لحقوق الإنسان ، والأجمل منه هو تطبيق لوائح حقوق الإنسان على جميع الأجناس البشرية بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين ، لكن الأماني شيء والواقع شيء آخر ،حيث تثبت الوقائع ان حقوق الإنسان للشعوب التي حكوماتها قوية اقتصاديا وعسكريا ويحكمها قادة ليسوا مخلدين ،بل ربما يُقدمون للمحاكم إذا ما ارتكبوا أية مخالفة، فالعالم الغربي وفي مقدمته الولايات المتحدة يتناسون حقوق الإنسان عندما يكون ضحايا الجرائم ضد الإنسانية من العرب والمسلمين ، وحتى من جميع دول العالم الثالث ، فالولايات المتحدة مثلاً استعملت حق النقض ( الفيتو ) عشرات المرات لمنع إدانة إسرائيل على جرائمها وممارستها إرهاب الدولة ضد الشعب الفلسطيني ، ولن يكون حق النقض الذي استعملته أمريكا لمنع إدانة إسرائيل في مذبحة بيت حانون في الأسابيع القليلة الماضية هو الأخير . وفي نظر العالم الغربي فإن إسرائيل التي تواصل احتلالها للأراضي العربية منذ أربعة عقود ، هذا الاحتلال الاستيطاني الذي يقتلع شعباً من أرضه لإحلال آخرين مكانه ، وهذا الاحتلال الذي يستهدف البشر والحجر والشجر ، وما صاحبه من بناء جدار التوسع الاحتلالي لفصل الفلسطينيين عن بعضهم البعض ، ولعزلهم عن أراضيهم الزراعية من أجل استيطانها ولسجنهم في كانتونات مغلقة ، هذا الاحتلال الذي دمر الاقتصاد والبنى التحتية الفلسطينية ، هذا الاحتلال الذي يحتاج الى مجلدات لتسجيل جرائمه ، هذا الاحتلال لا يخرق حقوق الإنسان حسب الفهم الغربي بشكل عام والأمريكي بشكل خاص ، فهو احتلال حضاري ، وهو ضحية " الإرهاب الفلسطيني والعربي " . وبالتالي فإن أمريكا تزوده بأحدث أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً مثل : النابالم والقنابل العنقودية ... الخ وتزوده بمليارات الدولارات سنوياً ليستثمرها في قمع الشعب الفلسطيني والبناء الاستيطاني ، ودولة الاحتلال هذه لم تطبق أي قرار دولي ، ولا يطالبها أحد من الدول ذات التأثير في السياسة الدولية بذلك ، ومع ذلك يُحاصر الشعب الفلسطيني ، ويبقى الجيش الإسرائيلي طليقاً في الأراضي المحتلة ليمارس جرائمه دون رادع . أما الدولة صاحبة القوة الأعظم في العالم وهي أمريكا ، فإنها تعطي لنفسها الحق في اختلاق الأكاذيب لاحتلال العراق وتدميره ، وسرقة آثاره ، وهدم دولته وقتل ما يقارب السبعمائة ألف من مواطنيه ، والقتل والتدمير لا يزالان مستمران بشكل يومي ، فمن لا يقتله المحتلون يقتله أعوانهم الطائفيون الذي نصبوهم حكاماً على العراق ،وكذلك فضائح تعذيب المعتقلين في سجن أبو غريب وغيره،وهذا كما يبدو ليس خرقا لحقوق الإنسان. والرئيس الأمريكي الحالي الذي تفوق عن كل قادة العالم السابقين والحاليين في حروبه المتواصلة ، لم يتردد في تدمير أفغانستان واحتلالها ، بذريعة أن حكومة طالبان كانت تؤوي تنظيم القاعدة، مع أن القاعدة إنتاج أمريكي لمحاربة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان ، ومع أن هذا العالم جميعه بما فيه العرب والمسلمون قد أدانوا عملية هدم برجي التجارة العالمية في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001 إلا أن ذلك لم يمنع الرئيس الأمريكي من إعلان الحرب المتواصلة على ما سماه " الإرهاب الإسلامي " وهو لم يترك لدول العالم حرية الخيار ، فيجب عليها أن تشاركه هذه الحروب ، " فمن ليس معنا فهو ضدنا " على حسب تعبيره ، لذا فهو يحشد حلفاءه لمشاركته في حروبه ، ومن لا يفعل فإنه سيُعاقب بشكل وآخر ، ولهذا أيضاً فقد تجاهل تظاهرات ملايين البشر في مختلف أصقاع الأرض بما في ذلك أمريكا لمنع حربه على العراق ، وقد تجاهل أيضاً الأمم المتحدة ، فشن حربه من جانب واحد ودون مبررات ليدمر العراق ويقتل مئات الآلاف من مواطنيه ، وليشرد الملايين منهم ، وليُغذي الطائفية والعرقية تمهيداً لتقسيم هذا البلد ،وبما أن الاحتلالات الأمريكية والإسرائيلية لأراضي الغير خارجة عن دائرة النقد في أمريكا ودول الغرب ، فإن هذه الدول تُجيش وسائل الإعلام المختلفة بما فيها الإعلام العربي والاسلامي لذكر تعداد قتلى الأمريكيين تحديداً ، فعندما يُقتل جندي أمريكي في العراق نجد الخبر ينص على : " ليرتفع عدد قتلى الجيش الأمريكي إلى الرقم كذا .." أما الضحايا العراقيون فهم مجرد أرقام مع أنهم تجاوزا السبع مائة ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ ، ومع أن كل جندي أمريكي قتيل يقابله أكثر من مائتي شهيد عراقي . وامعاناً في سياسة القتل والتدمير، وتجاهل حقوق الإنسان عندما يكون الضحايا من العرب والمسلمين فإن حرب إسرائيل السادسة على لبنان في تموز الماضي قد تركت الحبل على غاربه لإسرائيل كي تدمر القرى والمدن والبنى التحتية اللبنانية ، ولتمحو أحياء بكاملها من الوجود ، مثل التدمير المنظم الشامل للضاحية الجنوبية من بيروت خلال شهر من الحرب ،وأمريكا تحول دون اجتماع لمجلس الأمن الدولي كي لا يصدر قراراً يدعو لوقف إطلاق النار ، بل إن وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس جابت المنطقة مبشرة بأن هذه الحرب سينتج عنها " شرق أوسط جديد " ومع ذلك فإن لوائح حقوق الإنسان كانت غائبة عما يجري في لبنان ، وعما جرى من تشريد مئات آلاف اللبنانيين من منازلهم . ومع وجود أكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني وعربي في السجون الإسرائيلية فإن من يزعمون أنهم دعاة حقوق الإنسان لم يساووا بين حرية هؤلاء الأسرى وبين حرية الجندي الإسرائيلي الأسير في قطاع والجنديين الإسرائيليين الأسيرين في لبنان ، بل ان الجنود الإسرائيليين الثلاثة الأسرى حظوا بتغطية إعلامية أكثر من آلاف الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين والعرب ، والأغرب من كل هذا مع أنه لم يعد شيء غريب في القرن الحادي والعشرين هو ما صرح به قبل أسابيع الجنرال جون أبو زيد ، قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، والذي قال فيه بأن العالم مقدم على حرب كونية رابعة إذا لم يتم القضاء على التطرف والإرهاب الإسلامي ، فمن هو الإرهابي ؟؟ ومن يمارس الإرهاب ؟ ومن هم ضحايا الإرهاب ؟؟ وما يعنيه الجنرال الأمريكي يفيد بأن على العرب والمسلمين أن يتقبلوا احتلال أوطانهم ونهب ثرواتهم أمريكياً وإسرائيليا ومن يقول " لا " فهو إرهابي يجب قتله ، ولأن أمريكا التي لا تنفك عن زعمها بنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم تعرف ما تقوم به ، فإنها وقعت اتفاقات مع دول أخرى ، ومنها دول عربية بعدم محاكمة الأمريكيين الذي يرتكبون جرائم في هذه الدول ، وهي بهذا تحمي جنودها من أية مساءلة في الدول التي يرتكبون جرائم فيها . واذا ما ابتعدنا قليلاً عن الحروب والاحتلالات ، فإن المتابع للسياسة الأمريكية سيجد أنها تغض النظر عن الجرائم بحق الإنسانية التي ترتكبها أنظمة حليفة لها ، وما فعله الجنرال بينوتشي في تشيلي عندما انقلب على نظام سلفادوراللندي المنتخب عام 1973 وقتل الآلاف من شعبه ببعيد . يبقى أن نقول إن الإنسان يبقى إنسانا بغض النظر عن لونه أو جنسه أو دينه، وأن البشرية جمعاء مطالبة باحترام حقوق هذا الإنسان ، وعندما يحترم القوي تحديداً حقوق الضعيف ، ويتعامل معه كإنسان ، فإن السلام سيسود العالم أجمع ، أما ان تطبق حقوق الإنسان على شعوب وأعراق وتستثني شعوبا وأعراقا أخرى فهذه قضية عنصرية لا يقبلها العقل البشري السوي.
البريد الالكتروني :
[email protected]