الأحد: 17/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

معاقون يعرضون نماذج ومهارات إبداعية ومنتجات حرفية وفنية تعجز الأصحاء!!

نشر بتاريخ: 14/12/2006 ( آخر تحديث: 14/12/2006 الساعة: 10:26 )
غزة- معا- تضمن الملتقى الإبداعي الثاني للمعاقين في كلية مجتمع العلوم المهنية والتطبيقية بغزة منتجات وأشكال وأدوات أبدعها المعاقون الفلسطينيون على اختلاف إعاقاتهم امتازت بدقة التصنيع، وحجم كبير من الإتقان.

وتعرض زاوية الملتقى الاولى منتجات التراث الفلسطيني حيث ترى المنسوجات المعبقة بالتاريخ الفلسطيني سواء بالثوب الشعبي أو المفارش أو غيرها مما تم تجهيزه على أيدي معاقين ترى بين ثنايا كل قطعة منها مدى الدقة والوقت والمهارة المستخدمة فيها.

أفكارا متميزة

وهو ما أكدته لنا سوسن الخليلي من الاتحاد العام للمعاقين مشيرة إلى أن هذه الأعمال تتطلب وقتا وإشرافا إضافة لمراحل متعددة من العمل حتى تخرج في صورتها النهائية وحول أفكار هذه المشغولات أوضحت الخليلي وهي واحدة من المعاقين المتطوعين للعمل في الاتحاد أن بعض هذه الأعمال تنبع أفكارها من المعاقين وهم يبادرون لتنفيذها بعد أن يقدم لهم الخامات والمواد والأدوات اللازمة ومن ثم نقوم بعملية العرض والتسويق.

وأشارت الخليلي في هذا الصدد إلى الدور الذي تلعبه مثل هذه الفعاليات في الترويج لهذه المنتجات وزيادة التعريف بها معربة عن رضاها للمستوى المتميز للملتقى هذا العام من حيث التجهيزات أو من حيث الأنشطة والفعاليات التي اشتمل عليها وأضافت من خلال متابعتنا لحجم الزوار في اليوم الأول والثاني للمعرض نستطيع أن نؤكد لكم أن هذا المعرض كان ناجحا بكل ما للكلمة من معنى، وهذا ناتج عن إتقان التجهيزات، والجهد المبذول في التحضير له مما جعل النجاح حليفه وساعد على زيادة الإقبال عليه وعلى كافة فعاليات الملتقى من طلبة الكلية ومن خارجها.

وتابعت الخليلي وهي تشير إلى بعض الأعمال اليدوية المصنوعة من الفخار والخزف وغيرها من المواد "هذه الأعمال هي تأكيد آخر على أننا كمعاقين قادرون على العطاء والإنتاج، ولا نقل عن غيرنا من الأصحاء بل إن بعض المعاقين لدينا قد يفوقنهم بمهاراتهم وإبداعاتهم".

خزف..خيزران.. وأشياء أخرى

وفي زاوية أخرى شد انتباهنا بعض المشغولات اليدوية المصنوعة من الخيزران وهي ذات استعمالات متعددة ومتنوعة حيث ترى بينها السلال المتقنة الغزل رغم أنها صنعت على أيدي معاقين مكفوفي البصر كما ترى بينها الزهريات بأحجام مختلفة، إضافة لأطباق بشكل دائري وصناديق لتخزين المواد وغير ذلك مما صنع من الخيزران.

وغير بعيد عن المكان وفي الزاوية المخصصة للجمعية الفلسطينية لتأهيل المعاقين لاحظنا إحدى السيدات وهي تتابع بإعجاب زوار المعرض الذين احتشدوا يطالعون المعروضات فعلمنا أنها إحدى المشرفات في الجمعية وقالت هدى كريم وهي تبدي رضاها عن الأعمال التي يقدمها المعاقون في هذا المعرض موضحة أن جمعيتها تعمل في مختلف مجالات الإعاقة وتقدم الرعاية والتدريب لهم مشيرة إلى أن التدريب يشتمل مجالات متنوعة منها الخياطة والتفصيل والتطريز إضافة للأعمال اليدوية كالخزف والسيراميك والرسم على الزجاج وأضافت وهي تشد انتباهنا إلى خارطة فلسطين التي بدت مرسومة بعناية على إحدى اللوحات الزجاجية "نعمل على دمج المعاق في المجتمع، فهم وكما ترون إذا تدربوا وتعلموا وترك لهم المجال بالتأكيد لن يكونوا اقل من الأصحاء".

وأشادت كريم بالمعرض والتنسيق والترتيب الذي يلف كل زواياه وقالت "لقد جاء هذا العمل كفرصة جيدة وهي من الفرص القليلة ليتاح لنا التعريف بإبداعات هذه الفئة المهمشة في المجتمع مشيرة إلى ترتيب المكان الذي تؤكد انه تم اختياره بعناية.

ولم يكن هذا الإعجاب والرضا عن المعرض قاصرا على المشاركين فقد لوحظ علامات الاندهاش تعلوا وجوه الكثير من الزوار الذين غصت بهم طرقات المعرض وقالت الطالبة وسام أبو حمد من كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية وهي تقف قبالة بعض أعمال التطريز للأثواب الفلسطينية "لقد شعرت بالدهشة والاستغراب من قدرة هؤلاء المعاقين على الإنتاج والإبداع وصدقا هذه هي المرة الأولى التي اعرف فيها بأن المعاق لديه مواهب خاصة وبإمكانه أن يكون فعالا في المجتمع كغيره من الأصحاء".

وقاطعتها زميلتها روند الطالبة في كلية التربية بالجامعة الإسلامية مؤكدة أهمية مثل هذه المعارض في التعريف بالمعاقين وأعمالهم وأضافت أن على المؤسسات أن تحذو حذو كلية مجتمع العلوم المهنية والتطبيقية بإقامة مثل هذه المعارض لعرض منتجات المعاقين.

وشاركهن الرأي الطالب حسام من قسم تأهيل علوم المعاقين في الكلية معربا عن اعتزازه بالانتساب لهذا القسم الذي يعمل على تزويد طلبته بالمهارات العلمية والعملية اللازمة لخدمة هذه الفئة المهمة من أبناء شعبنا وأكد أن المعرض يأتي تعبير صادق عن مدى القدرات التي يتمتع بها المعاقون وكثير منا لا يدركها أو يظن أن الإعاقة تعني الشفقة وعدم العطاء وفقدان العزيمة إنما ما نراه هنا في هذا المعرض وفي كل فعاليات الملتقى هو تأكيد على عكس هذه المفاهيم الخاطئة".

معاقون..مبدعون

ويبدو أن المعاقين قد أصروا على أن يتخطى إبداعهم حدود الإنتاج اليدوي أو الصناعي، ففي مكان آخر ووقت مختلف وضمن فعاليات الملتقى كان لنا موعد مع إبداعات تتخطى حدود المستحيل، وتعلوا حاجز الإعاقة، وتنبي بكل حيثياتها بان لا صعب مع قوة الإرادة، ولا محال مع قوة العزيمة، هذا ما لاحظناه في فعاليات مسابقة "معاقون مبدعون" فقد دهشتنا تلك الطفلة المعجزة، إنها آية ابنة الصف الثاني الابتدائي التي شاء الله لها أن تولد بلا ذراعين حيث كانت تستخدم قدميها بمهارة فائقة في كتابة دروسها، وتقليب صفحات كتبها، وتناول طعامها وارتداء ملابسها، بل أنها تكاد تعتمد على نفسها في القيام بكافة شؤون حياتها الخاصة، وغير بعيد وقف والداها وعلامات الفخر تعلو محياهما، لم لا وقد نجحا في مساعدتها على تخطي هذه الإعاقة بكل نجاح، وتفوق.

كفيف..ويدرس الحاسوب

"حصلت على درجة الماجستير في تخصص الشريعة وحالياً أنا بصدد الحصول على دراجة الدكتوارة، وأهم ما يميزني بخلاف حفظي لكتاب الله كاملاً أني برزت في جانب تعلم وتعليم الحاسوب للمكفوفين بقطاع غزة" بهذه الكلمات قدم الأستاذ وائل بشير الكفيف البصر نفسه مستعرضا سيرته الذاتية إلى جانب اللغة العربية بالانجليزية والفرنسية وتابع بشير وقد بدا على كل من حوله الدهشة والحيرة موضحا انه ساهم أيضا في إنشاء أول إذاعة ناطقة باسم المعاقين في فلسطين، إضافة لعمله في مجال التدريس في كلية المجتمع، وربما يعتبر البعض أن الوصول لهذه القدرات هو أمر عادي لكن ما وقفنا أمامه هو تلك القدرة المتميزة لوائل في التعامل مع الحاسوب ومع مختلف برامجه حتى لامست آذاننا عبارات من بعض الحاضرين -المبصرين - حولنا "والله بعض هذه الأمور والبرمجيات نحن لا نعرف كيفية استخدامها".

معاقين..سائق وبطل ننشاكو

وبنفس الإرادة والعزيمة بادر أحمد طافش الذي قدر الله له بتشوهات خلقية في يديه فقد باستعراض فيلم قصير يسجل كيفية ممارسته لأنشطة الحياة المختلفة رغم إعاقته وقال وهو يشير لبعض اللقطات التي يعرضها الفيلم"استطيع تحضير طعامي بنفسي، وسياقة السيارة وممارسة لعبة التنس، وأغلق أزرار قميصي بمساعدة أصابع قدمي".

أما المعاق يونس أبو شمالة الذي بالرغم من الشلل الرباعي إلا انك تقف منبهرا أمام تلك اللوحات التي يبدعها لزخرفة السجاد، وفي مجال آخر برع المعاق، أو قل البطل مجدي التتر الذي يعد أول معاق يمارس لعبة الننشاكو في الوطن العربي، فرغم انه فقد إحدى ساقيه نتيجة لحادث سير منذ الطفولة إلا انه ليس كالأصحاء بل ربما أفضل فهو يمشي على الزجاج ولديه القدرة على ثني قضيب من الحديد برقبته ومهارات أخرى مدهشة.

رسالة معاق

ويعقب الأستاذ ناصر غانم المحاضر في قسم علوم تأهيل المعاقين في الكلية واحد الخبراء في مجال الإعاقة معتبرا أن هذه القدرات هي انعكاس لمدى قوة الذات والعزيمة والإرادة التي يتمتع بها هؤلاء المعاقون، ناهيك عن الدور الهام لأسرة المعاق في بناء هذه المفاهيم في نفسه، ويضيف خلال مطالعته للقدرات الإبداعية للمعاقين"حقيقة لو أن هذا المعاق استسلم ومعه أسرته للإعاقة فبالتأكيد سنجد أمامنا إنسانا منهارا وربما ضار لمجتمعه وعالة عليه".

وأكد غانم على دور المؤسسات والمجتمع في تبني هذه الإبداعات والارتقاء بها بل ونقلها إلى العالم الخارجي مشيرا إلى بعض القدرات المميزة التي يتمتع بها المشاركون في المسابقة الإبداعية سواء في مجال الحاسوب حيث بدا المتسابق الفاقد البصر ربما أفضل منا في إجادة بعض البرامج، معرباً عن إعجابه بقدرات المعاقة ابتسام القصاص صاحبة الشلل الدماغي التي تمكنت من الوصول لمرحلة دراسية متقدمة في الجامعة وإجادة كتابة الشعر والتي كان من قصائدها التي ألقتها بعنوان رسالة معاق "قالوا عني إنسان عاجز محتاج إلى عكازات، ونظرة الشفقة تلاحقني في كل مكان، نسوا أن لدي قدرات تفوق الخيال".

من جانبها دعت الصحافية هديل عطا الله المهتمة بشؤون المعاقين والتي ترأس تحرير مجلة الصفوة الخاصة بالمعاقين إلى تبني إستراتيجية واضحة تقوم على خلق جيل يقدر الانتماء العميق لكل معاق والمهنية الشديدة في التعامل معه ومساعدته على الوصول لهدفه في الحق بحياة جديرة بانسانيته، مشيرة إلى أن هذه الكوادر يجب أن تتمتع بأسلوب متجدد يفرض هذه القضية الإنسانية على الرأي العام بشكل موضوعي وحضاري.

وشددت عطا الله "أن على كل منا أن يوظف تخصصه في خدمة هذه الشريحة بشكل عملي"، مشيرة أن ظروف الاحتلال القاسية التي تجعلنا جميعاً معاقين مع وقف التنفيذ هي التي تحتم علينا بعدم الاهتمام بالمعاقين في المناسبة التي تخصهم فحسب بل أن تتكاتف كافة المؤسسات المعنية في وضع خطة طويلة الأمد في هذا الصدد.