تنمية قدرات الام:رسالة تربوية رائدة لمدرسة ثانوية تيراسنطا للبنات
نشر بتاريخ: 18/04/2012 ( آخر تحديث: 18/04/2012 الساعة: 10:19 )
بقلم: أ. خلود دراس رئيسة قسم العلاقات العامة/تربية بيت لحم
كثيرا ما نسعى في مديرية التربية والتعليم في محافظة بيت لحم الى تعزيز سبل الشراكة بين المدرسة والبيت ومؤسسات المجتمع المحلي بكافة اطيافها, لأن العملية التربوية بكل ابعادها نظام يعتمد على التوازن في تقاسم الادوار بين هذه الاطراف واذا اختل دور احداها, كان مصير التربية والتعليم هو الفشل لا محالة. ذلك أن المدرسة وحدها لا تستطيع تحقيق اهدافها والمضي قدما بخطط وبرامج تربوية تعليمية دون تنسيق ومساندة ومتابعة مستمرة مع جميع الجهات المعنية, لا سيما ونحن نعيش في خضم العصر الحديث وما يواكبه من تعدد وسائل التقنيات والانفتاح على العالم بما تبثه وسائل الاعلام والقنوات الفضائية والانترنت وغيرها من الوسائل العصرية المتاحة بين ايدي ابنائنا والتي تؤثر في سلوكهم وتحصيلهم الدراسي, ولهذا كان لا بد من توحيد رؤى جميع الجهات المعنية بتربية الطفل الفلسطيني بهدف تحقيق الاهداف المتوخاه في النهوض بمستوى التعليم و تطبيق القيم الاخلاقية التي تنادي بها جميع الاديان السماوية.
ومن اجل تحقيق هذا الهدف, لم تقف مدرسة ثانوية تيراسنطا للبنات (راهبات مار يوسف) في محافظة بيت لحم عند تأدية رسالتها التربوية التعليمية للطالبات,بل ذهبت الى توفير برنامج تربوي ارشادي متخصص يعمل على خلق اجواء تفاعلية وانشطة اجتماعية وتربوية للامهات ليزودوهن بما يحتجن من اساليب وخبرات للتعامل مع ابنائهن بغية تحقيق النمو السليم للطفل بكافة النواحي الجسمية والعقلية والاجتماعية والروحية بالتوافق والانسجام ما بين المدرسة والاسرة.
مبادرة مدرسة تيراسنطا الثانوية للبنات:
هناك اهمية كبرى لوجود قنوات اتصال دائمة بين البيت والمدرسة واهمية ذلك تكمن في تحقيق ما نرمي اليه من تكامل للادوار وما يجنيه التواصل الدائم من فوائد متمثلة في الحصول على التغذية الراجعة والمشاركة في اتخاذ القرار وزيادة الوعي بدور اولياء الامور بجانب نشر ثقافة التعاون بين الجميع بالاضافة الى تقديم المشورة التربوية في حل المشاكل التي تواجه العملية التعليمية ,ولهذا لا يجب ان تكون المدرسة منعزلة عن المجتمع الذي يحيط بها , بل يجب ان تكون الاسرة على دراية بما تقوم به المدرسة حتى تساعد في تحقيق الاهداف المنشودة.
بهذه النصيحة تبدأ مديرة مدرسة تيراسنطا الثانوية للبنات في بيت لحم الاخت فيميا خوري اجابتها عن العديد من الاسئلة حول الاسباب التي دفعت المدرسة الى القيام بهذه المبادرة, فقد أكدت ان المبادرة لم تأت محض الصدفة ,بل هي نابعة من ايمان المدرسة العميق بأهمية تنمية قدرات الام لان لها دورا لا يستهان به باعتبارها الشريك الاساسي في التنمية البشرية كونها القدوة الاولى للطفل ومنها يكتسب الطفل اولى خبراته فاذا تمتعت الام بثقافة تربوية كافية لتوجيه ابنائها بالشكل الصحيح, نجحت في حماية ابنائها من السلوكيات والظواهر السلبية التي تحيط به وعملت على تعزيز السلوكيات الايجابية لديه.
وعن اهمية المبادرة ودورها الريادي في تعزيز التواصل مع الامهات, أشارت الأخت جلوريا ناصر المربية والمرشدة الاجتماعية وصاحبة فكرة المبادرة الى كونها ظاهرة تربوية امتدت على مدار اربع سنوات متتالية بهدف رأب الصدع بين المدرسة والامهات مشيرة الى ان المشروع يضم الآن خمسين أم شاركن في دورات تدريبية ومحاضرات وندوات ارشادية وتربوية على مدار اربع سنوات وتطورت المبادرة بحيث امتد التعاون مع معهد الكاردينال مارتيني التابع لجامعة بيت لحم.
كما استطردت الأخت جلوريا حول البرامج والفعاليات التي نظمت وحققت نجاحا واقبالا ايجابيا من المشاركات, فلم يقتصر الامر على مجرد اجتماعات روتينية مع الامهات لحل مشاكل سلوكية تصادف الطالبات او من اجل ابداء ملاحظات على مستواهن الاكاديمي بل تعدى ذلك الى استحداث وسائل ابداعية ضمن سلسلة من اللقاءات استمرت على مدار اربع سنوات متتالية بهدف توعية المشاركات اللواتي ينحدرن من بيئات ثقافية مختلفة واكسابهن الخبرات اللازمة بطرق التعامل مع العديد من القضايا التربوية والارشادية واحيانا التطرق للعديد من القضايا الحساسة مثل التعامل مع الاطفال في سن المراهقة والتغيرات النفسية والجسمية التي ترافق الطفل وكيفية مواجهة ذلك.
وتواصل حديثها قائلة: تنوعت اللقاءات ما بين ندوات ومحاضرات توعوية وورشات عمل تهدف الى تمكين الأم وتنمية الصفات القيادية لديها, حيث التحقت السيدات بصورة مستمرة في انشطة وبرامج ارشادية وتربوية عديدة أضافت ابعادا جديدة في تعلم مهارات الاتصال الفردي والجماعي وبيان اهمية بناء جسور من الثقة والتواصل الدائم و التعاون مع المدارس وفوائدها على الطالبات وتوضيح الاضرار الناجمة عن عدم التواصل بين المدرسة والبيت , بالاضافة الى كيفية تلافي المشاكل السلوكية والتحصيلية وكيفية علاجها والتصدي لها في حال حدوثها باستخدام اساليب تربوية وارشادية ملائمة كما أشادت أ.جلوريا بالتعاون و الاندماج بين المدرسة وجامعة بيت لحم في آخر سنتين وخاصة ان التعامل الامثل مع المشاكل يتطلب اللجوء الى التوجيه والنصح والارشاد وطلب المشورة من المختصين وذوي الخبرات, وقد أثمر ذلك التعاون بمزيد من النجاح للمبادرة التي تتقاطع مع كافة الشرائح الفلسطينية لتشكل صورة جوهرية عن التكامل في العلاقة بين الاطراف الهامة لبناء الجيل الفلسطيني.
دور جامعة بيت لحم:
ويعرج بعد ذلك د.يوسف زكنون ( مدير معهد الكاردينال مارتيني ) للحديث عن دور المعهد التابع لجامعة بيت لحم في انجاح هذه التجربة الرائدة فيقول: تبنت جامعة بيت لحم هذه المبادرة التي تتوافق مع رسالتها في نشر التعليم والقيم السامية بالشراكة والتواصل مع الاسرة ولهذا سخرت الجامعة ومعهد الكاردينال مارتيني كافة مواردها وطاقاتها وامكاناتها لخدمة هذا الجانب لاحداث التغيير الذي ينشده مجتمعنا الفلسطيني عن طريق تنمية شخصيات الابناء واتجاهاتهم وتعديل افكارهم وزيادة وعيهم ليعود بالنفع عليهم في تهيئة الاجواء الاسرية والنفسية المناسبة لتنشئة الطفل الفلسطيني التنشئة السليمة. ولهذا كان دوري هو تنمية مهارات الامهات وتطوير قدراتهن القيادية بهدف الوصول الى الأم الفلسطينية القادرة على خلق التواصل الفعال مع ابنائها وحل الظواهر السلبية التي تحيط بهم باستخدام التوجيه السليم وأساليب تربوية متحضرة.
آراء الامهات في البرنامج التدريبي:
اما عن المشتركات في البرنامج التدريبي وهن الامهات , فقد ركز فحوى حديثهن على الصدى الايجابي الذي احدثته البرامج والفعاليات لانها جميعها تصب في بوتقة واحدة وفي الاهتمام بتربية وتعليم الجيل الفلسطيني, ومن الناحية الشخصية فقد صقلت تلك التجربة روح المبادرة والثقة بالنفس لدى الامهات من اجل تعزيز الوعي بالقضايا المطروحة لانها تصب في بوتقة واحدة وهي الاهتمام بتربية وتعليم الجيل الفلسطيني.
واشادت السيدة غريس حزبون بالمبادرة وهي ام لثلاثة اطفال واحدى الامهات المشاركات بالبرنامج التدريبي موصية بنشر تلك المبادرة على اوسع نطاق وخاصة ان تدريب الامهات على مهارات الاتصال قد اتاحت لها فرصة اكتساب خبرات في اجواء تربوية تمت فيها طرح العديد من المشاكل التي واجهت الامهات المشاركات والمداخلات والحلول التي طرحتها المشاركات اثناء النقاش وخاصة التحضير لمرحلة المراهقة و رسم الخطط المستقبلية في كيفية التعامل مع الاطفال سن المراهقة وكيفية غرس المبادئ السامية في نفوس ابنائهن واهمية تقوية الروابط بين المدرسة والبيت للوصول الى الطريقة المثلى في التعامل مع الابناء.
ومن النقاشات اللافتة من قبل الامهات ما تحدثت عنه السيدة سهى عصفور حول ايجابيات البرنامج التدريبي والذي التزمت به على مدار أربع سنوات وخاصة ان لديها اطفال في سن المراهقة, واشادت بتنوع الانشطة المنفذه ما بين مواضيع صحية ونفسية وارشادية في ظل تبادل الخبرات بين الامهات مما عزز لديها الثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرار الصائب وغيرها من الصفات القيادية الايجابية واكتشاف نواحي ايجابية في شخصيتها كامرأة مؤهلة ومتخصصة في امور تربوية ذات ابعاد عميقة.
اننا لنفخر بالجهود الكبيرة التي بذلت خلال تطبيق البرنامج الذي ما زال قائما حتى الآن بهدف تمكين الام الفلسطينية و تطوير قدراتها, وما احوجنا لمثل هذه التجارب المثمرة في مضمارنا التربوي لان الام هي الشريكة الاساسية في التنمية ومن الواجب علينا تعميم هذه التجربة التي ساهمت وتساهم في تفعيل دور الام في التربية والتعليم وهذا هو المفهوم الاعمق للمشاركة خاصة وان هذه المبادرة تعد النواة الامثل للبيئة التربوية التعليمية لرعاية الابناء وفق المفاهيم والضوابط التربوية في اجواء تجمع اهداف اطياف المجتمع الفلسطيني في بوتقة واحدة للمساهمة في النهضة التنموية المأمولة في المجالات التعليمية والتربوية.