ملثم فلسطيني يجوب شوارع ألمانيا حاملاً حجارته
نشر بتاريخ: 25/04/2012 ( آخر تحديث: 25/04/2012 الساعة: 13:37 )
المانيا- معا- في العام 2009، حمل حقيبة محملة بالحجارة وبدأ يوزعها على الجمهور في الشارع العام برام الله، كان يوجه إليهم سؤالاً واحداً: أعطيك هذا الحجر هدية، فماذا ستفعل به؟ وقبل أيام انتقل بعمله الفني إلى ألمانيا، ناقلاً أدواته "الكوفية والحجر، والسؤال نفسه الذي كان في شوارع رام الله"، ولكن هذه المرة حمل السؤال لفنانة ألمانية في حالة من نقل المفهوم والتفاعل بلغة وثقافة تعكس طبيعة الواقع العام في الشارع الأوروبي، هذا ما قالته الفنانة أنالي كيترير: شعرت نفسي متماهية بالعمل، واستطعت أن أفهم الشعور والحالة التي يمثلها الطرفين، الملثم، وتفاعل الناس وردة فعلهم، هذا ما مثله البعد الشخصي، أما من الناحية الفنية، تفاعل العديد من الجمهور مع العمل، بل وكان النقاش حول أهمية هذا الحجر وقصته التي بدأت تأخذ نشاطاً فاعلاً مع العامة.
صاحب العمل الفنان منذر جوابرة يهدف في نقل تجربته لأوروبا إلى معرفة رأي الشارع حول الحجر، وهل يحمل نفس المضامين ونفس الإجابات في الشارع الاوروبي والألماني تحديداً كما كان في فلسطين؟، وهل الملثم بالكوفية الفلسطينية في فلسطين نفسه في أوروبا؟ وكيف يمكن أن يتعامل معه الناس هناك؟ هل يمثل لهم فكرة محددة؟ "لا سيما أن الإعلام نقل صورة غير دقيقة عن هذا الشخص، وأنه مجرد (مخرب، أو إرهابي) يحاول ان يزعزع أمن الاحتلال. كما ان العديد يتعامل مع الكوفية الفلسطينية كنوع من التراث دون الانتباه للاهمية التاريخية والوطنية في دور الكوفية على الصعيد الامني، والحفاظ على الذات دون الزج بها في سجون الاحتلال لمشاركتها في الفعل الوطني، كالمظاهرات والمسيرات والكتابة على الجدران وغيرها.
يقول جوابرة "لقد استعنت بالفنانة الألمانية "انالي كيترير" لترتدي الكوفية الفلسطينية، وترجمت نفس السؤال الذي وجهته للمواطن في رام الله بلغة أهل الشارع، وهي التي تعرف هذه الثقافة الاجتماعية بهم، كانت محاولة لاختراق الشارع الالماني بفنان يمثل البلد، يتبنى وجهة النظر الفلسطينية بل ويعمل على الترويج لها والتعامل بشكل مباشر مع هذا الشخص، ما يعني أن هناك تجربة شخصية مع كل إنسان حاولت التعامل معه، وحينما اعتقد البعض أنها فلسطينية، كان الجواب أنها ألمانية، وهذا يعكس خطأ شائعاً بأن الملثم هو فلسطيني فقط، الدفاع عن الحقوق والمحاولة لنيل الحرية لا يتوقف على الوصف الخارجي للموضوع، بالقدر الذي يجب أن يخترق الشارع، وأن يتكامل المشروع النضالي من خلال الفعل الحقيقي وما يوازيه من الإعلام لتعريف الاخر واشراكه الانساني في الدعم والتضامن مع شعب ما زال يعاني من الاحتلال.
ويضيف جوابرة أن إجابات الألمان كانت متباينة، تبعاً لمواقفهم السياسية، بالرغم ان البعض كان متخوفا من الاجابة، لان الشخص الملثم لا يملك ادوات التعريف الشخصيه وهي ملامح الوجه، بل تظهر عليه ملامح شخص معروف حسب ما يصله من الاعلام، وحسب اعتقاده الذي ربما لم يدفعه الى التعرف عن قرب من هو ولماذا يقوم بهذا الفعل.
ويقول جوابرة: الإعلام اعتمد على صور مضللة، إضافة إلى تبنيه مواقف سياسية رسمية في رصد أخباره ومواقفه مما عكس صورة مغايرة للواقع، فكان دورنا يتمثل في تقديم الكلمة الأكثر دقة من خلال توضيح وجهة النظر الصحيحة.
|173021|
ويعتقد جوابرة أن الوضع مشابه إلى حد ما بين الواقع الفلسطيني، والواقع الألماني أثناء الحرب، وما خلفته من جدار برلين الشهير، والحواجز المنتشرة، ما دفعه إلى تجريب العمل في ظروف مشابهة، مشيراً أنه بحث عن حجارة هي مخلفات الحرب في ألمانيا، كما استخرج بعضها من تحت الأرض وتقديمها لمواطنين في مدينة أخرى.
ويضيف جوابرة: جلبت حجارة من برلين وقدمتها هدية لآخرين يعيشون في كولن، بعدها سأحضر الحجارة إلى فلسطين لاحقاً للتعرف على إجابة الشارع الفلسطيني، كما سأعود مرة أخرى إلى ألمانيا وفي جعبتي (حجارة فلسطينية) قام شبان بإلقائها على الاحتلال، وتقديمها للجمهور الألماني هناك.
هذا العمل الذي يحمل مفاهيم سياسية، تربط الذاكرة والماضي بالحاضر، وتضع الجمهور أمام خيارات واضحة للتعرف على الواقع الفلسطيني عبر المقارنة والتقريب للمكان، فما حدث في ألمانيا سابقاً يحدث اليوم في فلسطين.
وكان جوابرة قد عرض العمل الفني لأول مرة عام 2009 في رام الله لدراسة ردة فعل الشارع على شخصية الملثم والحجر، وفي الثقافة النضالية الفلسطينية وتحديداً في الانتفاضة الشعبية في العام 1987، حيث كان للحجر وصاحب الكوفية هالة واحترام اجتماعي كبير، كونه يمثل رمزاً للنضال والمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، وسبب لباسه لئلا يتعرف عليه العملاء، ويبقى آمنا من الاعتقال والتنكيل، فقد تباينت الإجابات بين من سيحتفظ بالحجر، ومن لا يعرف، ومن سوف يلقيه على الاحتلال.
ويختتم جوابرة حديثه : في العام 2009 أنجز هذا العمل لقراءة الواقع الفلسطيني أي بعد 15 عاماً من الانتفاضة الاولى، وبعد نشوء السلطة الفلسطينية في العام 1994، ومنحها حكم ذاتي من الاسرائيليين، تغيرت المفاهيم، وتغيرت هذه الرمزية، وأصبح الرجل الملثم يحمل مفاهيم مغايرة للجمهور، ظهر ذلك في انتفاضة الاقصى التي بدات العام 2000، التغير السياسي لعب دوراً بارزاً في خلق الشكوك حول الملثم في الوقت الحاضر، لكن الحجر حافظ على رمزيته بالخط الدفاعي للمقاومة الفلسطينية ضد المحتل.