قريع: المشروع الصهيوني ينتهج سياسة تهدف إلى تجهيل الأجيال الجديدة
نشر بتاريخ: 25/04/2012 ( آخر تحديث: 25/04/2012 الساعة: 14:23 )
القدس- معا- نظمت دائرة شؤون القدس لدى منظمة التحرير اليوم ندوة شاملة حول التعليم في القدس في جامعة القدس –ابوديس- بحضور مختصين ومهتمين وخبراء في التعليم.
وقد افتتح الندوة عضو اللجنة التنفيذية لدى منظمة التحرير رئيس دائرة شؤون القدس احمد قريع "ابو علاء " قائلا "نقف اليوم لنلقي معاً إطلالة واجبة إلى زاوية أخرى من زوايا مدينة القدس العربيّة الواقعة تحت احتلال إسرائيلي ظالم طال مداه. وقد كان لنا قبل الآن، ثلاث وقفات بحثيّة هامة، معكم ومع زملاء لكم، من مفكرين وأكاديميين ومسؤولين فلسطينيين يولون القدس وهمومها، جلّ اهتمامهم. فانعقدت على هذه الأرض في رحاب جامعة القدس، ثلاث ندوات علميّة، تناولنا فيها على التوالي عدداً من القضايا المختلفة التي تمسّ المدينة المقدّسة الغارقة في المشكلات الناجمة عن الاحتلال البغيض. الندوة الأولى تعرّضت لـحاضر المدينة المقدّسة ومستقبلها، فيما تناولت الثانية المشهد الثقافي في المدينة، وركزت الثالثة على موضوع خطير تعمّق جيداً في دراسة المستعمرات الاستيطانيّة الصهيونيّة في مدينة القدس العربيّة:.
وأضاف "الآن، نلتقي وفي المكان نفسه، لنطرق معاً باباً آخر من أبواب القدس.. فنلتقي مجدداً بكوكبة أخرى متخصِّصة، كوكبة مشغولة بشؤون القدس وحاملة لأعباء همومها وأوجاعها وآلامها، إختارت أن تخوض موضوعاً جديداً قديماً يتلامس مع النظرة المتفائلة إلى مستقبل المدينة وأهلها، بطموح الوصول إلى تحليل علمي دقيق وشامل لجميع النواحي التي يعاني منها المواطن الفلسطينيّ فيها".
وتابع "قد اخترنا اليوم أن نتناول زاوية أخرى مهمّة من حياة أبنائنا الذين يدفعون ثمناً باهظاً لصمودهم الأسطوريّ في مدينة الروح والتوق والأمل، تتمثّل في قطاع التعليم، وهو قطاع حيوي هام يتعرّض لانتهاكات فادحة تمسّ كلّ جوانبه وتفصيلاته، ويقع في بؤرة الاستهدافات الإسرائيليّة التي تضع القدس برمتها، بكلّ حجرها وشجرها وبشرها وتراثها العريق، نصب أعينها. آملين أن يشكّل هذا الللقاء فرصة سانحة للمعرفة العلميّة الواسعة والعميقة، وكشفاً لكافة المشكلات التي تعانيها القدس في مجال التعليم، بكلّ أبعادها وزواياها، وأن يسهم في تأسيس أرضيّة راسخة لحوار تفاعليّ يفضي إلى وضع المقترحات العمليّة والحلول الناجعة للمعضلات التي يعانيها قطاع التعليم الفلسطيني في عاصمة الدولة الفلسطينيّة الواقعة برمتها تحت الاحتلال البغيض".
واكد قريع، ان المهمّة الملقاة على عاتقنا في هذا اليوم المكرّس للقدس ـ وكلّ أيامنا مكرّسة لها ـ ليست سهلة أو بسيطة، وهي تحتاج من الجميع، إلى شجاعة في الطرح، وقدرة على استكشاف المتخفي والغامض من القضايا والمشكلات، ودأب على المتابعة اليوميّة الحثيثة. فحجم التحديات المطروحة أمامنا، لا يكفيها لقاء أو عشرات اللقاءات، وإنما تحتاج إلى وضع خطّة مدروسة بتأنٍ وتعقُّل وعمق تفكير، تنبثق عنها مجموعة من الخطط التفصيليّة التي تتآلف في تنفيذها جميع المؤسسات المعنيّة والفعاليات المختلفة، متضامنة ومتعاونة مع أصحاب القرار السياسي والتنفيذي الفلسطيني.
وأضاف ان المشكلات التعليميّة، وهي في المحصِّلة مشكلات سياسيّة بالضرورة، والتي سنصغي إليكم اليوم وأنتم تعرضون تفصيلاتها المعقّدة والمؤلمة، والناجمة في معظمها عن سياسات الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس وأرضنا الفلسطينيّة المحتلّة، لا شكّ في أنها تبدأ من رياض الأطفال ولا تنتهي بنهاية المرحلة الجامعيّة، لأن السياسات الاحتلاليّة الصهيونيّة تبقى تلاحق الخرِّيج بعد تخرجه، وتفرض عليه تحديات تفوق التحديات التي يعانيها الخريجون في أيّ مكان آخر في العالم لا يعاني من سطوة احتلال بغيض، يمارس سياسات عنصريّة، ويبرع في وضع المعوقات أمام المواطنين الخاضعين لبندقية الاحتلال وسياساته وقراراته وقوانينه الجائرة، التي تعترض كلّ سبل الحياة وتعمل فيها تعطيلاً وتخريباً وتدميراً، ولأن السياسات الاحتلالية الصهيونية تبقى تلاحق المدرسة والجامعة كذلك، في منهجها وطريقة عملها ومحاولة فرض الوصاية عليها والعمل على تتبيعها لبرامج الاحتلال ومنهاجه الدراسي.
واشار ابو علاء انه لم يكن خروجاً عن سياسات الاحتلال وممارساته، مثلما لم يكن خروجاً عن دائرة توقعاتنا، أن نرى ما حدث ويحدث على صعيد القطاع التعليمي الفلسطيني في مدينة القدس. فلم يكن أمراً خارجاً عن مألوف الاحتلال أن يخطط وأن تعمل سياساته وإداراته التعليميّة المختلفة، وذهنيته المؤسسيّة القائمة على التمييز العنصري، بما فيها وزارة المعارف الإسرائيليّة ودائرة المعارف التابعة لبلديّة الاحتلال الاسرائيلي في القدس، لتحول دون تقديم الدعم المطلوب لقطاع التعليم الفلسطيني في المدينة العربيّة المقدّسة، مخالفة بذلك الأخلاق والضمير الإنساني وأبسط مبادىء حقوق الانسان، فليس للاحتلال أخلاق أو ضمير، وأن تُترك المدارس العربيّة في القدس العربيّة تعاني من الاكتظاظ والاهمال وعرضة للتخلُّف والخراب، وأن تجهد إدارات الاحتلال وأجهزته المختلفة من أجل السيطرة على قطاع التعليم، والعمل على فرض مناهج بديلة لتلك التي أقرتها المؤسسات التربويّة الفلسطينيّة، فذلك كله أمر يتوافق مع ما هو معروف تماماً ومع ما يتكشّف عنه يومياً الوجه القبيح للمحتل. فالمناهج فلسطينيّة التوجُّه والمعلومات وأسلوب التفكير، استُبدلت بأخرى، إحتلاليّة، كما تعلمون وتعانون، غايتها أسرلة المنهاج والعمليّة التعليميّة بأسرها، والعمل على استهداف الروح الكفاحيّة وروح الصمود، وفكرة الحقّ والعدالة الإنسانيّة، ومواصلة الجهد الصهيوني الهادف إلى تبديد الهوية الوطنيّة الفلسطينيّة وطمس معالمها، وهي أمور ينهض عليها منهاجنا الوطني الفلسطيني الذي يزعج إسرائيل ويقضّ مضاجعها.
وقال: "لقد أدركنا منذ بدايات الاحتلال، أن المشروع الصهيوني ينتهج سياسة مخطّطة وممنهجة تهدف إلى تجهيل الأجيال الفلسطينيّة الجديدة، جيلاً بعد جيل، لإدراك هذا المشروع أن العلم والتعليم، الوعي والثقافة، هي أسلحة ماضية في أيدي صاحب حق فلسطيني عنيد، صاحب حقّ تاريخيّ واضح لا لبس فيه، يخوض معركة وجود وثبات على الأرض، ويواجه ببسالة نادرة احتلالاً يجدِّد أسلحته العدوانيّة، ما يقتضي من هذا الشّعب تجديد أسلحة العلم والمعرفة وتثبيتها في عقول وضمائر أجياله المهيّأة لصناعة مستقبلها في وطنٍ حرٍ ومتحرر من كلّ أشكال الغزو والقهر والاستعباد، التي يمارسها احتلال استعماريّ استيطاني شرس في القدس وكلّ أرض فلسطين".
ونوه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير انه كان علينا أن ندرك منذ البداية، أن احتلالاً بهذا المستوى الأخلاقيّ المتدني، سوف يوفِّر لجنوده الغزاة ولقطعان مستوطنيه الفرصة تلو الأخرى لشنّ اعتداءاتهم الهمجية السّافرة والمدعومة من أجهزة الدولة العنصريّة، على مدارس المدينة المقدّسة، والتي تطال الطلاب بكافة أعمارهم، ولا تستثني الهيئات التدريسيّة والمشرفين الإدارييين في مدارس القدس والقرى التابعة لها. ذلك إن من يضطهد شعباً بكامله ويصادر حريته وممتلكاته ومستقبله، لن يستثني من ذلك المدرسة والجامع والكنيسة والكتاب.
وقال: إن من يقيم جداراً عنصرياً كريهاً، دون أن يعبأ بقرارات المحكمة الدوليّة، أو بصوت الضمير الدولي الذي رأى في هذا الجدار فعلاً عنصرياً لا جدال حوله، لن يتردّد في أن يَحُولَ، بخراسانته الوحشيّة المسلّحة، بين الطالب ومدرسته، والمعلم وتلاميذه، بل وبين الأخ وأخيه، ولن يَألُ جهداً في ابتداع وسائل القمع والتعذيب والخنق والحصار التي تطال كلّ مناحي حياة البشر من أهل البلاد الأصليين، ومنها حياتهم التعليميّة.ولا تكتفي السياسات الاحتلاليّة الإسرائيليّة بمحاولة العبث في وعي التلاميذ الفلسطينيين في مدارس القدس، ولكنها تمسّ عمق المشاعر الوطنيّة، حين تفاجئنا، بل إنها في الحقيقة تفجعنا، وتفجع الضمير العالمي، بمحاولة تدريس ما تسميه "وثيقة الاستقلال الإسرائيليّة" وسرد ما تسميه وقائع "حرب الاستقلال" التي تدعيها، والتي نجمت عنها مأساة تاريخيّة كبرى لشعبنا الفلسطيني الذي أُخرج من دياره وشُرِّد من وطنه، وهو الحدث الذي أطلق عليه المؤرخ الإسرائيلي الشجاع "إيلان بابِه" الوصف العلمي التاريخي الدقيق الذي يليق به: "التطهير العرقي".وليس من شك في أن ذاكرة كل واحد منا، ملأى بقوائم الانتهاكات الفظة والمخالفات السياسية والانسانية والأخلاقيّة والتربويّة الفادحة، التي تقارفها إسرائيل في هذا القطاع الحيوي الذي نال وما يزال، نصيبه من المعاناة، لاسيما في المدينة المقدّسة بفعل ممارسات الاحتلال وسياساته وقوانينه المفصّلة بإحكام لخدمة المُحتل ومخططاته ومشاريعه.
واختم رئيس دائرة شؤون القدس كلمته بتوجيه الشُّكر والتقدير لكلّ من أسهم ويسهم في هذه الندوة، سواء بتقديم أوراق العمل، أو بالحضور والمشاركة في الحوارات وتقديم الرأي والمشورة، أو بتوفير المساعدات اللوجستيّة، أو في التخطيط والمتابعة والتنظيم لفعاليات الندوة، آميلين أن تصدر عن لقائكم هذا مجموعة من التوصيات الهادفة إلى حلّ المعضلات التي تواجه التعليم في مدينة القدس المحتلة، العاصمة التاريخيّة والمستقبليّة للدولة الفلسطينيّة المستقلّة.
كما نأمل أيضاً أن تشكِّل هذه الندوة محطّة أخرى من محطات جهدنا البحثي والميداني الذي يتناول كلّ الأبعاد الأخرى، السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والعلميّة والثقافيّة والبنويّة للمدينة المقدّسة، وذلك كله في إطار محاولة التصدي للمشكلات والمعوقات التي تعترض سبيلنا، وهي لا شك كثيرة وصعبة تتطلّب منّا ومن شعبنا أن نكون على مستوى هذا التحدي الكبير.