الحريات والمصالحة... والحكومة المستجيبة
نشر بتاريخ: 26/04/2012 ( آخر تحديث: 26/04/2012 الساعة: 14:00 )
(1) الحرية قبل الحكومة
يعْلمُ الوزراء والمدراء وأجهزة الحكم في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة قول الخليفة عمر ابن الخطاب لعمرو بن العاص وابنه "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، وهذا القول تعبير معرفي لقيمة الإنسان "المواطن"، وهي أيضا تحدد أهم أسس العلاقة ما بين الحاكم والمحكوم. فالنظام الديمقراطي يقوم على مبدأين فلسفيين هما الحرية والمساواة دونهما تفقد النظم الديمقراطية أسسها أو منطلق فكرها.
أظهرت التقارير السنوية التي صدرت خلال هذا الشهر (نيسان/ ابريل) عمق أزمة الحريات العامة في فلسطيني (الضفة والقطاع)؛ فتقرير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عَدّدَ الانتهاكات الفلسطينية لحقوق الإنسان من الحق في الحياة والتعذيب والاحتجاز التعسفي إلى الخروقات المتعلقة بحرية التعبير والعقبات أمام الإعلاميين ومنع التنقل والحصول على جواز السفر ....الخ باعتبارها خرق للقانون وانتهاك للحقوق.
فيما اعتبر تقرير مؤسسة أمان "الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة" أن خرق القانون في جونب عديدة يؤدي إلى الفساد؛ فاستمرار اشتراط الحصول على السلامة الأمنية لشغل الوظائف أو الحصول على تراخيص العمل أدى إلى استخدام البعض لها في تصفية حساب عائلية أو كيدية ما أدى إلى حرمان أشخاص من تولي الوظائف العامة بسبب انتماءاتها الحزبية تشكل صورة من صور الفساد السياسي البارز في العام 2011.
إن الحديث عن الحريات، باعتبارها قيمة إنسانية عليا وهي مضمونة في القانون لا يجوز المساس بها، لا ينبغي أن يدخلنا في مهاترات أي حكومة أكثر قمعا في الضفة أو القطاع. فأي خرق أو قمع لحالة واحدة هو انتهاك لمبدأ المواطنة. فالأحرار هم من يصنعون المستقبل فهل تكون الحريات مدخلا جديدا للمصالحة بعد فشل الانتخابات كمدخل لإنهاء الانقسام.
(2) الضغط الشعبي والحكومة المستجيبة
تشير ثلاث قضايا برزت منذ بداية هذا العام إلى استجابة الحكومة للضغط الشعبي بأشكاله المختلفة (وقفات احتجاجية أو تقارير مؤسسات أهلية أو مقالات في الصحف والمواقع الالكترونية). الأولى البدء بالحوار الاجتماعي المالي، صحيح أن الحكومة قد نالت ما أرادت من هذا الحوار لأسباب عديدة، ليس مجال ذكرها وتحليلها في هذا المقال، لكن الأهم أن تبدأ الحكومة والحكومات القادمة بإقامة قناة حوار مع القطاعات المختلفة الاقتصادية والاجتماعية للمشاركة في صنع السياسات وليس فقط في تحمل الأعباء.
والثانية مسألة احتجاز الإعلاميين والمدونيين وإعلان رفضها لهذا الأمر بل ووضع قواعد تحد من تقديم المؤسسات العامة طلبات للنائب العام فيما يتعلق بالقدح والذم، ورفضها حجب المواقع الالكترونية كما صرح وزير الاتصالات د. مشهور أبو دقة.
وفي هذه الحالة تحديدا، بدا النائب العام كأنه يحجر على الشعب الفلسطيني حرية التعبير، ويمنع الوصول إلى المعلومات من خلال حجبه للمواقع الالكترونية. علما أن الحجب فقط يقع على الفلسطينيين المشتركين مع الشركات الوطنية "الفلسطينية" المزودة للانترنت في الضفة الغربية؛ أي بإمكان أيا من المواطنين حتى في الضفة الغربية الاطلاع على المواقع المحجوبة إذا كان يعتمد على شركات غير فلسطينية "إسرائيلية" باتصاله بالانترنت.
وبهذا يخالف النائب العام ليس فقط الحق في الوصول إلى المعلومات، وفي التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود سواء، بل أيضا يخالف سياسة السلطة الوطنية القاضية بدعم المنتج المحلي والشركات المحلية والانفصال عن السوق الاسرائيلي.
والمسألة الثالثة قرار الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقف اشتراط الحصول على السلامة الأمنية سواء لشغل الوظائف أو الحصول على تراخيص عمل، هذا القرار الصائب اتخذ في اليوم التالي للإعلان عن تقرير الفساد ومكافحته للعام 2011 الصادر عن مؤسسة أمان.
اعتقد أن هذا النجاح في تعاون الحكومة، أو إجبارها، يعود إلى ثلاثة عوامل أسياسية (1) تنامي الشعور بالمواطنة لدى الفلسطينيين في الضفة الغربية ما عزز قدرتهم في المساءلة. و(2) إدراك الحكومة أن نجاح برامجها وسياساتها مرتبط أساسا برضا الناس أي أن شرعيتها تبقى في تساؤل دون القبول الشعبي. و(3) ازدياد تأثير مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني العاملة منذ سنوات عديدة على الحكومة.
في اجتماع الفريق الأهلي للرقابة على شفافية الموازنة بداية هذا الشهر، ثار نقاش حول جدوى عقد جلسة مساءلة لوزير المالية بعد مصادقة الرئيس على موازنة عام 2012. بعض ممثلي مؤسسات المجتمع المدني رأى أنه لا جدوى من عقد الجلسة بعد المصادقة بحجة أنها لن يكون لهه تأثير في الموازنة وتوجهاتها، ولن تكون سوى تمرين فكري لا فائدة منه.
فيما انبرى آخرون، وأنا منهم، يؤكد ضرورة إجراء هذا التمرين بحد ذاته معترفين بأن الجلسة مع وزير المالية لن تحدث تأثيرا آنيا "على موازنة العام 2012"، إلا أنها بالتأكيد ستحدث تأثيرا على عقلية الحكومة باتجاه خضوعها للمساءلة في موضوع الموازنة من قبل المجتمع المدني، وأن الجلسة هي تمرين أيضا لمؤسسات المجتمع المدني تطور فيها أساليبها في عملية الضغط والمناصرة لبدء حراك مجتمعي على هذا الصعيد.
وفي خضم النقاش "المحتدم"، سيق مثال على أن إحداث التغيير يحتاج إلى فترة لإدراكه من الحكومة وتجسيده واقعا، فهل كان الناشطون في المجتمع المدني يصدقون في العام 2000، وقبل ذلك، أن يتم التحقيق مع وزراء ومسوؤلين منتنفذين بشبهات فساد وإحالة بعضهم إلى القضاء، لكن في العام 2011 تم ذلك. فعمل مؤسسات المجتمع المدني يحتاج إلى مثابرة وصبر لإحداث تغييرات فعلية في عقلية الحاكم وأفعاله، ولرؤية حكومة حساسة للتطلعات الشعبية وقضايا الحريات وتحقيق العدالة.
حسنا فعل رئيس الحكومة ومجلس الوزراء في الاستجابة لمطالب مؤسسات المجتمع المدني. لكن السؤال المطروح هل بدأ عهد جديد في طبيعة الحكومات من حكومات سلطوية إلى حكومات مستجيبة/ حساسة أم أن هذا عام الاستثناء؟