نشر بتاريخ: 06/05/2012 ( آخر تحديث: 06/05/2012 الساعة: 21:11 )
غزة- معا- أعلن الكاتب أكرم عطا لله استقالته من لجان المصالحة الفلسطينية احتجاجا على ما وصفه بـ تلكوء فتح وحماس في اتمام المصالحة وتطبيق اتفاق القاهرة واعلان الدوحة واخرها رغبة الرئيس الفلسطيني محمود عباس باعادة تشكيل حكومة سلام فياض والتي يمثل بقائها عدم تشكيل حكومة الوفاق الفلسطيني.
وأعلن الكاتب استقالته في مقال موجه للرأي العام بعنوان: "أقدم استقالتي من لجان المصالحة"
وجاء في نص المقال كما وصلت "معا"..
ليس من العيب أن نقول فشلنا، وليس من العيب أن نقول عجزنا، وفي لحظة صدق مع الذات علينا أن نحمل أدواتنا الملثومة والعاجزة مثلنا ونرحل من أماكن لم نستطع أن نقدم فيها للناس ولو بشارة صغيرة ومسميات تلسع الضمير كل يوم، حين نكتشف أننا أصبحنا ترساً في ماكينة التضليل الوطني في أكبر عملية خداع أمارسها أنا وزملائي في كل لجان المصالحة.
اعتقدت في البداية أن الأمر مختلف هذه المرة وأن اهتزاز الإقليم والزلزال الذي ضرب المنطقة كان ولا بد أن يدفع الفلسطينيين إلى إعادة بناء النظام السياسي، واعتقدت بعكس الحس الشعبي أن التقارب الكبير بين حركتي "فتح" و"حماس" سواء على صعيد الكيمياء الشخصية واللقاءات بين الرئيس عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، واللقاء الثاني بين أبو مازن وهنية أذاب جبل الجليد الأكبر بين الحركتين، وكذلك على صعيد تقارب البرامج، فكان لا بد لقطار المصالحة الذي انطلق أن يصل إلى محطته، واعتقدت خائباً أنه يمكن أن تنتصر الإرادة الفلسطينية هذه المرة على التربص الإسرائيلي للمصالحة.
ولأسباب أخرى كانت توحي بأن النجاح حليفنا هذه المرة وسنشهد ولادة نظامنا السياسي الذي طال انتظاره للحد الذي اعتقدنا فيه أن الحمل كان كاذباً طيلة السنوات الماضية، فقد بدا المخاض حقيقياً هذه المرة، فتشكلت لجان المصالحة المتعددة لتعلن صافرة الانطلاق ولأجد نفسي عضوا في لجنتين في هذا الفعل الوطني الكبير لأدفع مع زملائي عجلة النظام السياسي والمشروع الوطني التي علقت في مستنقع الانقسام من خلال لجنتين، الأولى اللجنة الإعلامية التي تكفلت بحملة الدعاية الأكبر لمحاصرة فلول المعارضين للمصلحة الوطنية العليا وأصحاب المصلحة بتأبيد الانقسام وعائلات الثكلى، والثانية لجنة المصالحة المجتمعية للمنطقة الشمالية وهي المنطقة التي بدت للحظة يصعب العمل فيها لما فقدته كثير من العائلات من أبنائها، وما زالت تلك المنطقة تشهد من الاحتقان ما لم تعشه أية منطقة أخرى.
وبدأت اللجان في البداية كخلايا نحل منهمكة في مهمتها تشكل لجانها الفرعية، تستدعي ممكنات قوتها، ترسم خططها وتحصي أدواتها وتوزع الأدوار والمهمات وتناقش مطولا أساليب عملها في محاولة لوضع برامج تضمن النجاح بشكل متقن، فليس مسموحاً الفشل هذه المرة، فالمهمة مقدسة، وبدا للحظة أن الأمر ممكن بل ومضمون، والتاريخ يكتب بشكل جديد.
فالخطط جاهزة وقد امتلأت الصحف والمواقع الالكترونية بأخبار اللجان وتصريحات لأعضائها ومسؤوليها تتابع حركتهم وسفرهم، فبعض اللجان كانت تعقد اجتماعاتها في القاهرة وبعضها في عمان، وكانت التصريحات توحي بين الحين والآخر بأن هناك تقدماً ما، وكأننا ساهمنا كلنا في عملية التضليل ولم نقل الحقيقة ربما في محاولة للحفاظ على مسميات ككل المسميات التي تملأ الوطن المقسم الذي يسير من تراجع الى تراجع حتى اصطدمنا بالحقائق التي كان من الواجب أن تستوقفنا جميعا، فالحقيقة الأولى هي أن حركة حماس بقطاع غزة رفضت اتفاق الدوحة وبدأ مسؤولوها بالبحث عن تبريرات قانونية لعرقلة تنفيذ الاتفاق، هذا بعد أن أعطى الاتفاق دفعة كبيرة لمشروع المصالحة، والحقيقة الثانية هي أن الأطراف رهنت تشكيل حكومة الوحدة بموافقة إسرائيل حين بدأ الحديث عن شرط الموافقة الإسرائيلية على إجراء الانتخابات في القدس، وبذلك أعطت لإسرائيل "فيتو" كبيرا على تشكيل حكومة الشعب الفلسطيني.
أما الحقيقة الثالثة وهي أنه يعاد تشكيل حكومة فياض من جديد، هذا يعني أن لا حكومة وحدة على الطريق وهي كلمة السر في إنهاء الانقسام وإعادة بناء النظام السياسي والذي يتضح ارتباطا بالحقائق أن أطراف الانقسام ما زالت تتلكأ، وأن الإرادة الوطنية لإنهائه لم تنضج بعد، وفي كل يوم جديد يكتشف أن بصيص النور الذي ظهر هذا العام بدأ يخفت.
وحتى لا أكون شاهد زور على حقائق بدت أقوى كثيرا من الأمل وواقع يصدمنا كل يوم بتأكيد مخاوفنا التي حاولنا أن نتجاهلها فإنني أستغل هذه المساحة الممنوحة لي في جريدة الأيام لأعلن تقديم استقالتي من لجنتي المصالحة لعجزي عن تقديم أي انجاز يذكر ولعجز اللجان عن الدفع بمشروع المصالحة ومصدوماً باكتشافي أن الواقع أقوى من الحلم، وأن ممانعة المصالحة هي نظام وليست فلول نظام، وأن للانقسام حراسة مسلحة تسهر على حمايته.
فمن أجل مقاومة الفلول يمكن للكاتب في لحظة معينة أن يكون جزءا من النظام، لكن عندما تكون الأزمة في النظام ينبغي التراجع والدعوة للضغط عليه واستدعاء الرأي العام الذي يصر من يشغلون مواقع المسؤولية هنا وهناك على قيادته رغم انتهاء الولاية الدستورية، ويبدون هذا القدر من العجز والفشل في إدارته بشكل موحد، فالنظام السياسي الذي لا يستطيع إنهاء الانقسام بالتأكيد يضع نفسه أمام تهمة العجز والتي ربما تستدعي أسئلة حول قدرته على إنهاء الاحتلال ...!!
لو كان هناك ضغط شعبي على طرفي الانقسام ربما لم نشهد هذا الاستخفاف بمسار المصالحة، ولكن غياب الدور الشعبي شجع الأطراف على الاستمرار دون خشية ربما من ربيع فلسطيني قادر على إلزام النظام السياسي بإعادة تصويب مساره، فعندما بدأ الحراك الشعبي العام الماضي انطلقت الدعوة من رئيس حكومة غزة للرئيس أبو مازن لزيارة غزة لإنهاء الانقسام، وكان الرد سريعاً من رام الله ببدء التحضير للزيارة، صحيح أن إسرائيل تدخلت عسكرياً حينها، ولكن بعد ذلك لم تدفع الأطراف باتجاه المصالحة حين ارتفع عنها تهديد الجماهير، وقد تركت الأطراف صانعة الانقسام لتحاول بعجزها إنهاءه، ولكن يبدو أن الأمر ليس بتلك السهولة وما زالت الاتهامات تتبادل، كل طرف يحاول إلقاء المسؤولية على الآخر في إعاقة تنفيذ الاتفاق باستدعاء مبررات لم تعد مقنعة.
وما زالت هناك لجان للمصالحة تسجل سلبيتها كل يوم جديد ومع تراجع حتى اجتماعاتها وبياناتها وبهتان دورها في الإشارة حتى لمن يعطل مسار المصالحة، ولكنها مستمرة على أمل أن تتحرك العجلة يوماً ما محتفظة بمسميات دون صلاحيات ودون استجابة من أطراف الانقسام، وحتى تتحول هذه اللجان إلى أدوات فاعلة يمكن لاستقالتها أن تضغط على الأطراف، وقد تعطي الإشارة لانطلاق فعل جماهيري عله يفعل ما عجزت عنه هذه اللجان ...!
[email protected]