حكومات الوحدة الوطنية الإسرائيلية.. تاريخ وحروب
نشر بتاريخ: 08/05/2012 ( آخر تحديث: 10/05/2012 الساعة: 11:19 )
بيت لحم- معا- أثار اتفاق موفاز نتنياهو وتشكيلهم حكومة وحدة وطنية، عاصفة من التحليلات الإسرائيلية نمّت قبل كل شئ عن حجم المفاجأة التي ألمت بالاوساط السياسية والاعلامية التي كانت ترقب اعلان موعد الانتخابات المبكرة، دون أن يدور في خلدها امكانية ان تصحوا على حكومة وطنية موسعة توصف بالاكبر في تاريخ اسرائيل من حيث القاعدة البرلمانية التي تدعمها.
وشبهت صحيفة "هآرتس" اتفاق نتنياهو- موفاز بالاتفاق الألماني السوفيتي أو اتفاق مولوتوف-ريبنتروب الذي عرف رسميا باسم "معاهدة عدم الاعتداء بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي" ووقعت يوم 23/8/1939 في العاصمة السوفيتية موسكو بين وزير خارجية الاتحاد السوفيتي مولوتوف ونظيره الألماني النازي "رينتروب" اللذين عرفت الاتفاقية تاريخيا باسمهما وقضت ببقاء المانيا النازية والاتحاد السوفيتي على الحياد في حال تعرض أحدهما لهجوم من طرف ثالث، اضافة الى بروتوكول سري قسّم شمال وشرق أوروبا الى مناطق نفوذ سوفييتي ألماني، وفي الاول من ايلول من نفس العام هاجمت المانيا النازية بولندا ليتبعها في الغزو الاتحاد السوفيتي في السابع عشر من نفس الشهر ليتقاسما فيما بينهما بولندا التي شكّل غزوها الشرارة الاولى في الحرب العالمية الثانية".
وأضافت الصحيفة ان اتفاقية موفاز- نتنياهو التي حطّمت الرقم القياسي في مدى السخرية الذي سجلته سابقا اتفاقية مولوتوف، قد تكون هي الأخرى على غرار نظيرتها السوفيتية- الالمانية نذير حرب لكن هذه المرة باتجاه ايران.
وتعرف حكومات الوحدة الوطنية أو كما كانت تسمى سابقا بـ "حكومات الاتحاد الوطني" في الادبيات السياسية الاسرائيلية بالحكومات التي تضم ممثلين عن احزاب مختلفة ومتنافسة سياسيا بما في ذلك ممثلين عن الحزبين الكبيرين.
وحددت الادبيات السياسية الاسرائيلية سببين أساسيين لتشكيل حكومات الوحدة الوطنية، الاول: حالة طوارئ مثل نشوب حرب أو دخول البلاد في أزمة اقتصادية خطيرة، والسبب الثاني: حين تتساوى احجام القوى والاحزاب السياسية داخل الكنيست مما يستبب بمنع أي من تلك الأحزاب من تشكيل حكومة بمفرده الأمر الذي يترك الأمور أمام احتمالين: إما تقديم موعد الانتخابات أو الذهاب الى حكومة وحدة طنية خشية من أن تؤدي انتخابات مستعجلة الى زعزعة نظام الحكم والسلطة.
تاريخ حكومات الوحدة الوطنية في اسرائيل:
هناك من يرى في أول حكومة اسرائيلية تشكلت فور اعلان قيام دولة إسرائيل وعرفت في حينه بالحكومة المؤقته كحكومة وحدة وطنية رغم أنها لم تحمل رسميا هذه الصفة كونها تشكلت في حينه من غالبية الكتل الممثلة في "مجلس الدولة المؤقت" الذي كان بمثابة الكنيست اليوم "باستثناء الحزب الشيوعي".
لكن أول حكومة يمكن أن يطلق عليها لقب حكومة وحدة وطنية كانت الحكومة الثالثة عشرة المنبثقة عن الكنيست السادسة عام 1967 برئاسة ليفي أشكول كونه لم يكن يحظى بتأييد شعبي واسع في ظل ظروف خطيرة تواجهها اسرائيل لذلك أُجبر تحت ضغط الجمهور ومعارضيه الذين هددوا في حال عدم تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم موشيه ديان بتشكيل حكومة بديلة.
وأعلن ليفي اشكول في الاول من حزيران تشكيل حكومة "الاتحاد الوطني وعيّن موشيه ديان وزيرا للجيش فيها، وبعد عدة أيام وفي الخامس من حزيران عام 1967 شنت اسرائيل عدوان 67 واحتلت الضفة الغربية وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء.
خلال حرب الاستنزاف المصرية الاسرائيلية شكلت غولدا مائير التي فازت بالانتخابات العامة التي جرت عام 69 حكومة وحدة وطنية ضمّت اليها المتطرف مناحيم بيغن الذي تبنى خطا متطرفا مقابل الخط الذي وصف بالحذِر الذي تبناه وزير الجيش موشيه ديان ورئيس الأركان حاييم بارليف وكان أهم انجازات هذه الحكومة وقف حرب الاستنزاف بعد عمليات التصعيد الاسرائيلية ضد العمق المصري.
وكانت الحكومتان الحادية والعشرون والثانية والعشرون حكومتي وحدة وطنية، تناوب على رئاسة الثانية منها شمعون بيرس واسحاق شامير وتشكلت عام 1984 وجاءت في اعقاب الحرب على لبنان والازمة الاقتصادية التي عاشتها اسرائيل خاصة مستويات التضخم التي وصفت في حينه بالمدمرة اضافة الى حرب الوراثة التي شهدها حزب الليكود بين الطامحين لخلافة مناحيم بيغن.
وتحقق في زمن الحكومة المذكورة لجم مستويات التضخم التي وصلت ارقاما فلكية وانسحاب الجيش الاسرائيلي من لبنان باتجاه ما كان يعرف بالحزام الامني جنوبا، وبداية اتصالات شمعون بيرس مع الملك الاردني الراحل الحسين بن طلال حول اتفاقية السلام والتي جرت في لندن، لكن شامير احبط امكانية التوصل الى سلام وفقا للمصادر التاريخية الاسرائيلية، وكذلك تنفيذ صفقة تبادل الاسرى الاكبر من نوعها في تاريخ الصراع بين منظمة احمد جبريل واسرائيل وشملت اطلاق سراح 1150 اسيرا فلسطينيا مقابل ثلاثة جنود اسرائيليين، وفي عهد تلك الحكومة تفجّر ما بات يعرف في اسرائيل بفضيحة الباص رقم 300 حين اقدم كبار مسؤولي الشاباك على تزييف شهاداتهم وانكار وجود احياء بين الفلسطينيين الذين اختطفوا الحافلة ليتضح فيما بعد اعدام احد الفلسطينيين رميا بالرصاص لكن كاميرا تلفزيونية نحجت بتصويره حيا يرزق معتقلا على ايدي رجال الشاباك قبل اعلان مقتله، وقبل انتهاء ولاية الحكومة اندلعت الاتفاضية الفلسطينية الاولى فمنحت جكومة الوحدة اسحاق رابين قيادة المعركة ضد الانتفاضة بما في ذلك اختيار الطرق والاساليب والادوات الضرورية للفوز بهذه المعركة.
واسفرت الانتخابات العامة التي جرت عام 1988 عن تشكيل الحكومة الثالثة والعشرين برئاسة اسحاق شامير الذي فاز حزبه الليكود بـ 39 مقعدا مقابل 40 مقعدا لحزب العمل، وبعد أن فشلت محاولات شامير اقامة حكومة ضيقة مع الاحزاب المتدينة انتهى الامر بحكومة وحدة وطنية شغل فيها اسحاق رابين منصب وزير الجيش فيما شغل شمعون بيرس منصب وزير المالية، ونتيجة المؤامرات التي وصفت حينها بالقذرة التي قام بها حزب العمل ضد الوزير الشاب في حينه آرييه درعي تفكك عقدها واناط الرئيس الاسرائيلي في حينه حاييم هرتسوغ مسؤولية تشكيل حكومة جديدة على عاتق شمعون بيرس لكنه فشل في تشكيلها لتعود القيادة لاسحاق شامير من خلال حكومة ضيقة مع الأحزاب المتدينة والصغيرة.
وكانت أهم المحطات التاريخية التي واجهتها حكومة الوحدة الوطنية حرب الخليج الاولى عام 1990 ومؤتمر مدريد الذي اعقب الحرب لتسقط حكومة شامير بايدي اليمين المتطرف ردا على حضور مدريد وكان سقوطها عام 1992.
وعلى اعتاب الانتفاضة الثانية وتحديدا عام 1999 جرت الانتخابات الاسرائيلية العامة وفقا لطريقة التصويت ببطاقتين انتخابيتين الاولى لاختيار اعضاء الكنيست والثانية لاختيار رئيس الوزراء وفاز ايهود باراك في انتخابات رئيس الوزراء لكن مقابل ارائيل شارون الذي فاز حزبه في انتخابات الكنيست وكانت هذه المرة الاخيرة التي جرت بها الانتخابات وفقا لهذه الطريقة.
وشكل باراك حكومة مصغرة وبعد فشل مؤتمر كامب ديفيد وانفجار الانتفاضة الثانية فقد باراك الاساس الذي قام عليه ائتلافه الحكومي واجبر على تقديم موعد انتخابات رئاسة الحكومة دون ان يحل الكنيست ففاز عليه ارائيل شارون يوم 6/10/2001 فقدم باراك استقالته فاسحا المجال امام شمعون بيريس لتولي قيادة الحزب ودخول حكومة وحدة وطنية برئاسة شارون تولى فيها بيرس مهام وزير الخارجية وبنيامين بن اليعازر مهام وزير الجيش.
أخيرا يشير تاريخ حكومات الوحدة الوطنية الإسرائيلية بشكل جلي وواضح الى وجود أزمات أمنية وسياسية فجل حكومات الوحدة الوطنية جرى تشكيلها اما لخوض الحرب والمبادرة بالعدوان أو للتعامل مع حرب قائمة أو متوقعة.
ويبقى السؤال الكبير، ما هي الحرب التي ستواجهها أو تبادر اليها حكومة نتنياهو- موفاز- إيهود باراك وثلاثتهم خدموا وتخرجوا من الوحدة المختارة التابعة مباشرة لهيئة الاركان العامة"سيرت متكال" بل أنهم خدموا في ذات الفترة ؟".