الرياضة الفلسطينية: من حطام النكبة الى الاسهام في إقامة الدولة
نشر بتاريخ: 13/05/2012 ( آخر تحديث: 13/05/2012 الساعة: 18:06 )
بقلم : د.حسن عبد الله
لم اقصد من اختيار الكتابة تحت هذا العنوان، تناول موضوع رياضي خالص، يتحدث عن الرياضة وفوائدها الجسدية للانسان الرياضي، او لكل من يمارس الرياضة على اختلاف اشكالها ومسمياتها. فالفوائد معروفة و اخضعت كثيرا للبحث والفحص والمتابعة، لكن ما يهمني هنا وفي تجربتنا الفلسطينية المعاصرة، الحديث عن الرياضة كمكوّن حياة وعامل صمود وامتحان قدرات ومؤشر بقاء واستمرارية واصرار على مواكبة الحراك الرياضي الكوني على قاعدة ان يتبوأ الفلسطيني موقعا محترما على هذا الكوكب، رغم ما يعانيه من تنكيل وحصار وقمع واحتجاز تطور. ولقد حققت الرياضة الفلسطينية في السنوات الاخيرة انجازات مهمة على مستوى القدرات والمهارات وادارة العملية الرياضية بشكل عام، لدرجة ان رياضتنا بجميع عناصرها ومقوماتها اصبحت محط اهتمام عالمي، حيث كان للواء جبريل الرجوب دور مهم واساسي في نقل الرياضة الفلسطينية من المجهول الى المعلوم، ومن المعلوم الى الجيد، ومن الجيد الى استقطاب اعجاب واهتمام الاتحادات الدولية في الرياضات الفلسطينية كافة.
وياتي تنظيم بطولة (من النكبة الى الدولة النسخة الثانية)، بمشاركة دول عربية واجنبية وبحضور لافت لفيتنام، بمثابة النشاط الرياضي الاكثر اهمية، من حيث التوقيت، ومن حيث الدلالات، من خلال التداخل بين الرياضة والسياسة، علما ان ذلك ليس تداخلا ميكانيكيا فظا مسقطا على الرياضة والسياسة، وانما هو تداخل موضوعي طبيعي، يعتمد جدلية العلاقة. فلا رياضة في بلادنا بمعزل عن تطلع الشعب الفلسطيني لبناء دولته من خلال مأسسة كل المرافق، وفي مقدمتها الثقافة والاعلام الصحة والتعليم والرياضة ....
اما اختيار فيتنام لكي تلعب مع فلسطين في افتتاح البطولة، فانه اختيار ذكي بامتياز، فطالما اعتبر الشعب الفلسطيني ان نضالات الفيتناميين قد شكلت له بوصلة دقيقة ومجربة. لذلك فان يحتك الفريق الفلسطيني بالفريق الفيتنامي، يعني ان يمارس الفريقان احتكاكا فنيا وسياسيا ونضاليا وبالتالي حضاريا وانسانيا، في ظل عناق العلمين المضمخين بدماء الشعبين المكافحين.
ان اثبات قدراتنا الرياضية فنيا واداريا لا يقل اهمية عن اثبات قدراتنا في السياسة او الميدان النضالي او في الحقل الثقافي والابداعي، ما يؤكد ان الفلسطينيين يستطيعون العمل والتكامل في عديد الاتجاهات والميادين. فهنا على ارضنا الفلسطينية من يعمل لنصرة الاسرى والتضامن معهم في معركة الامعاء الخاوية، في حين يعمل اخرون على رفع راية فلسطين رياضيا، بينما يجوب فريق فلسطيني العالم بمسرحية من انتاج محلي ليقول للاخرين "نحن نناضل لاننا نحب الحياة، وان مسرحنا هو مرآتنا التي نقدم من خلالها بعضا من فننا، وان من يحاول تهميش انسانيتنا او الانتقاص منها، او تشويهها واظهارنا كمجموعة من المتعصبين المغلقين، سيرسب في الامتحان فورا، امام فريق كرة قدم او امام عرض لفرقة مسرحية او امام ديوان شعر لمحمود درويش مترجم للانجليزية او الفرنسية او لاية لغة عالمية اخرى، او امام قصة انسان فلسطيني زج به في الاعتقال أميا لا يقرأ ولا يكتب، فتخرج كاتبا وباحثا وتدرج حتى حصل على شهادة الدكتوراه كما فعل فهد ابو الحاج.
والحقيقة ان مبادرة الكلية العصرية الجامعية لعقد ندوة مساء هذا اليوم (يوم نشر المقال)، لتسليط الضوء على البطولة الرياضية المذكورة من خلال تبيان اهمية الرياضة بالنسبة الى انساننا الفلسطيني وقضيته، يؤكد ان المؤسسات الاكاديمية تستطيع التفاعل الايجابي مع النشاطات والفعاليات الرياضية والثقافية والفنية في بلادنا، ليتناغم الاكاديمي مع المجتمعي، ويسهم المجتمعي في رفع سقف الاكاديمي، وليعمل الاكاديمي بدوره على تسريع عملية التطور والبناء في بلادنا.
من هنا فالمطلوب من الاكاديميين والكتاب والمحللين السياسيين مواكبة النشاطات والفعاليات والمبادرات التي يجترحها افراد ومؤسسات في بلادنا وتوضيح ابعاد وانعكاسات ذلك على مجتمعنا وقضيتنا، ولا تقتصر كتاباتنا على الظواهر السلبية فقط، اي ان نرى في كل الاتجاهات، ننتقد حينما يتطلب الامر نقدا ونشيد ونبارك حينما نشهد مبادرة تولد من رحم الابداع وتشق طريقها بنجاح.