الأحد: 17/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

كتب المحرر السياسي / عام الرمادة ؟!

نشر بتاريخ: 29/12/2006 ( آخر تحديث: 29/12/2006 الساعة: 08:02 )
بيت لحم-معا- كتب المحرر السياسي- .... وفي السنة السادسة بعد الالفين من القرن الحادي والعشرين ميلادية, اصاب الناس في بيت المقدس واكناف بيت المقدس كرب شديد, حتى تكالبت عليهم الامم كما تتكالب الاكلة على قصعتها، فحوصرت بلادهم، وانقطعت رواتبهم, واعمل القتل في ابنائهم, وصودرت اراضيهم, لبناء جدار عازل... فضاقت عليهم الارض بما رحبت حتى ان الآلاف من ابنائهم طرقوا ابواب السفارات الاجنبية, مطالبين بالهجرة جراء البطالة والجوع الذي عضهم وعض اسرهم.

وفي هذا العام الذي لم ير الفلسطينيون مثيلا له منذ وقع زعيمهم التاريخي ياسر عرفات مع الزعيم الاسرائيلي اسحق رابين اتفاقية اطلق عليها اسم اتفاقية اوسلو عام 93 .. وهي الاتفاقية التي سرعان ما تراجع الاسرائيليون عنها بعد ستة اعوام من توقيعها كانت بدايات هذا التراجع باقدام متطرف اسرائيلي على اغتيال رابين في احتفال لاحياء ذكرى الاتفاقية وسط ساحة باتت تسمى باسمه ... في هذا العام باعت النسوة حليهن, ليوفرن لابنائهن لقمة العيش, وكسوة تقيهم برد الشتاء القارس.

وفي نفس العام سجل مؤشر الفقر اعلى معدل له حيث بلغ عدد الفقراء حسب تقرير احصائي لجهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني مع نهاية النصف الثاني لهذا العام 2،1 مليون شخص وذلك بعد ان كان 1،3 مليون شخص مع نهاية العام الذي سبقه.

وبلغت ايرادات سلطتهم الوطنية ادنى مستوى لها في هذا العام حيث بلغت 370 مليون دولار امريكي مقارنه بـ 1،290 مليون دولار خلال العام الذي سبقه اي بانخفاض بلغ 71%.

وبلغ عدد الشهداء في هذا العام "658" منهم "124 " طفلا وقتل نحو "300 " فلسطيني نتيجة الفلتان الامني، كما ارتفع بسبب الفقر والجوع والفوضى معدل عمليات السطو الى "40% وعمليات الخطف الى 100% وعمليات او محاولات الانتحار الى 30 %.

وقدرت ساعات العمل التي خسرتها سلطتهم خلال هذا العام بـ 16 مليون ساعة عمل بسبب اضراب الموظفين كما قدرت عدد الحصص الدراسية التي خسرها الطلبة بـ 5 ملايين حصة صفية.

وفي نفس العام انقسم الفلسطينيون الى فسطاطين, فسطاط يؤيد الحكومة المحاصرة التي تمثلها حركة حماس التي فازت باول انتخابات تشريعية تخوضها منذ تاسيسها في مطلع عام 87, وآخر يؤيد الرئاسة التي تمثل حركة فتح الفصيل الاكبر في الساحة الفلسطينية منذ انطلاق الثورة القلسطينية عام 65 والتي بدت مرتبكة وحائرة من ضيق ذات اليد بسبب تباين الرؤى و اختلاف البرنامج السياسي بينها وبين الحكومة المنتخبة .. فتقاطعت السيوف بين رفاق السلاح, والتقى الجمعان في غير موقعة سقط خلالها العديد من القتلى والجرحى حتى المستشفيات لم تسلم من الرصاص .. فعم الفلتان وغاب الامن والامان وخرجت قوات الامن لاول مرة شاهرة سيوفها في وجه حكومة لم تف لهم بالتزاماتها مطالبين بمنحهم رواتب تسد اودهم واود اطفالهم من غائلة الجوع التي استبدت بهم.

اعتقل الوزراء والنواب واصاب الشلل الوزارات فاضرب المعلمون وساد الخوف والجوع وعم اليأس والاحباط والقنوط, حتى بلغت القلوب الحناجر, لما وصلوا اليه من غلبة الدين وقهر الرجال, ونقص في الانفس والاموال والثمرات والمحروقات.

ولم تسعفهم الصرخات والنداءات التي ظلت تتردد في الآفاق دون غوث او معونة الا من اموال ادخلوها" بالحقائب" عبر معبر ضيق يفتح يوماً ويغلق اياما في وجوههم ما يجعلهم عالقين في صقع الصحراء اياماً وليالي قبل ان يعودوا ثانية الى منازلهم.

تلك هي الديباجة التي ستحفظها ذاكرة التاريخ عن عام مضى وانقضى, بعد ان حمل معه ما حمل من ذكريات مؤلمة ولحظات صعبة, لم تغمض فيه للفلسطينيين عين او تطمئن لهم نفس.

هو عام ليس له مثيل في التاريخ الا ذلك الذي وقع في العام (18) للهجرة في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب والذي سمي عام الرمادة بسبب ما اصاب الناس فيه من قحط وقلة غذاء.

حيث كتب يومها عمر بن الخطاب الى عمرو بن العاص احد امراء مصر يومئذٍ يشكو قحط الحجاز وما يعانيه المسلمون من شدة فكتب اليه عمرو قائلاً:" لامدنك بعير طعام اوله عندي وآخره عندك".

فهل تصل عير الامصار العام القادم ؟