الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

لاول مرة-تقرير "يعري" الاقتصاد ويؤشر لمرحلة خطيرة

نشر بتاريخ: 06/06/2012 ( آخر تحديث: 07/06/2012 الساعة: 06:27 )
رام الله- معا- قال د. محمد اشتية رئيس المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار-بكدار إن السلطة الوطنية تعيش أزمة مالية حقيقية تعصف بالاقتصاد المحلي أدت إلى تراكم قياسي لحجم متأخرات القطاع الخاص والردّيات الضريبية على السلطة.

كما يواجه الاقتصاد المحلي تراجعا مضطردا في نسبة النمو المتذبذبة التي وصلت إلى 5.5% في عام 2011، مقارنة بما يقارب من 10% في عام 2010، أي بانخفاض مقداره 50%.

ويعود ذلك أولاً إلى إجراءات الاحتلال الإسرائيلي على الأرض، والمتمثلة في الحصار المفروض على قطاع غزة، واستمرار العوائق المفروضة على حرية الحركة التجارية في الضفة الغربية، وثانياً إلى تباطؤ الدعم الدولي لخزينة السلطة الوطنية، حيث لم يف المانحون بالتزاماتهم تجاه موازنة السلطة الوطنية هذا العام، كما أن مبالغ الدعم كانت أقل من الأعوام السابقة.

وأضاف د. اشتية أن نسبة النمو المتحقق بالأراضي الفلسطينية مدفوعة بالأساس بأموال المانحين، وهي ليست ناتجة عن نمو حقيقي للاقتصاد الفلسطيني حيث إن المطّلع على الأرقام الصادرة يعتقد أن هناك نمواً حقيقياً ولكن في واقع الأمر ما يزال الدعم الدولي يقود النمو المتحقق في الأراضي الفلسطينية.

جاء ذلك بعيد إطلاق بكدار تقريرها الاقتصادي السنوي الذي أشرف على تحريره د. اشتية وعمل به فريق عمل يتكون من نخبة من خبراء الاقتصاد الفلسطيني من أكاديميين وعاملين في مراكز الأبحاث الفلسطينية.

وأوضح د. اشتية أن الحاجة إلى تقارير كهذا تأتي في ظل شح التقارير النوعية الصادرة عن أداء الاقتصاد الفلسطيني المستقلة، والبعيدة عن التسييس، مشيراً أن التقارير الصادرة هي تقارير نادرة والسواد الأعظم منها يصدر من دوائر دولية كالبنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، وبالتالي رأيها تغلب عليه سياسة تلك المؤسسات.

وعالج التقرير الأداء الاقتصادي للعام المنصرم بما يشمل العديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية، كسوق العمل، وآلياته، والتجارة الخارجية، والتعليم العالي، كما ألقى التقرير الضوء على القطاع الزراعي، والقطاع المالي وهيكله، مستعرضا مؤشرات المالية العامة، وإدراكاً لواقع الاقتصاد الفلسطيني أوضح التقرير المناخ الذي يعمل فيه الاقتصاد الوطني والمعيقات التي تواجه تطوره.

وبيّن التقرير أن الأزمة الاقتصادية ستتعمق حيث ستعيش الأراضي الفلسطينية في اقتصاد يعاني من بطالة متفشية، فقد وصلت نسبة البطالة إلى 28% في قطاع غزة و18% في الضفة الغربية، موضحاً أن المجتمع الفلسطيني هو مجتمع فتي وأن هناك الالاف ممن يدخلون سوق العمل سنويا، مما يزيد الضغط على واضعي السياسات للحاجة لخلق واستحداث فرص عمل للحد من ظاهرة البطالة.

هذا وتعاني موازنة السلطة من خلل هيكلي ويتمثل ذلك في الفجوة الواسعة بين الانفاق الجاري والايرادات المحلية، كما تعاني السلطة من أزمة مالية حادة تتمثل في تأخر صرف مستحقاتها الشهرية، حيث تؤثر الأزمة على الرواتب واستدامتها وديمومتها، حيث أثر انخفاض المعونات النقدية إلى مستويات أقل من المستوى المتوقع بشكل مباشر على الاقتصاد الفلسطيني، ذلك أن المساعدات الخارجية ما تزال أمرا حيويا لديمومة السلطة واستمراريتها.

كما أن ارتفاع عدد موظفي السلطة وفاتورة رواتبهم، يشكل عبئا مالياً كبيراً على الموازنة حيث تقوم الحكومة بتوفير رواتب لنحو 160 ألف موظف يعملون في القطاع العام البالغة فاتورة رواتبهم السنوية 1.7 مليار دولار وهي تشكل ما نسبته 58% من اجمالي الانفاق الجاري. ناهيك عن أن تمويل الرواتب يتم من فاتورة المقاصة الضريبية مع اسرائيل بدلاً من الاعتماد على الضرائب المحلية وتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في الاراضي الفلسطينية، أي أنه يتم تمويل بنود الموازنة على حساب (فاتورة المقاصة) أي بمعنى آخر العجز في الميزان التجاري.

وتلخصت نتائج التقرير في أن الاقتصاد الفلسطيني يعيش حالة كبيرة من التراجع، وانخفاض نسبة النمو، حيث أدت الأزمة المالية إلى الارتفاع الحاد في الدين العام الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق حيث وصل الى مستوى 2.2 مليار دولار مع نهاية عام 2011 مشكلاً ما نسبته 36% من الناتج المحلي ويرتفع بصورة كبيرة عما كان عليه في الأعوام السابقة وتحديدا الدين العام المحلي منه.

هذا ويتوزع الدين العام مناصفة بين الدين العام المحلي، والدين العام الخارجي وبواقع 1.1 مليار دولار لكل منهما، ومما يزيد الأمر سوءا هو الفوائد التجارية المترتبة على الدين العام المحلي لصالح البنوك التجارية والتي لا تقل عن 50 مليون دولار سنوياً، ناهيك على أن القطاع العام أصبح يزاحم القطاع الخاص على التسهيلات التجارية حيث يناهز الدين العام المحلي قيمة رؤوس أموال البنوك المحلية، كما أن الاستدانة بهذا الشكل تؤدي الى احجام القطاع الخاص عن الاستثمار والحد من حركته وقدرته على النمو.

كما أن مراجعة مؤشرات التعليم العالي بينّت أنه يتم إعطاء التدريس الجامعي أهمية كبيرة على حساب البحث العلمي، لدرجة أصبح فيها البحث العلمي مغيباً، وهذا ما خلق مأزقا كبيراً يتعلق بغياب العلاقة بين التعليم والعملية الانتاجية.

وكون أن التعليم العالي هو استراتيجية بقاء للفلسطينيين، تهدف إلى تمكين العنصر البشري الذي هو المورد الرئيسي لعملية التنمية في فلسطين فيجب إعادة النظر في أشكال تمويله ووجوب تأسيس مجلس للتعليم العالي يشرف على نوعية التعليم وقضية التمويل وأن يكون هذا المجلس هيئة مستقلة تملك صلاحيات لإقرار التمويل ونوعية التعليم.

وبالنسبة للقطاع الزراعي فإن موازنة وزارة الزراعة لم تتجاوز 1% من مجموع موازنة السلطة منذ تأسيسها، وذلك بسبب طغيان الاحتياجات والقضايا السياسية على الاهتمام بالقطاع الزراعي، الأمر الذي كان له الأثر الكبير في تآكل مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي.

في الختام، يخلص التقرير، الواقع في 110 صفحات من القطع المتوسط، إلى رسم صورة غير وردية عن الاقتصاد الفلسطيني، والتي من المتوقع لها أن تستمر على مدار العام الحالي في ظل استمرار انسداد الأفق السياسي وتعثر مسار المفاوضات.