الجمعة: 08/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

"النفط الأبيض" في جماعين يستخرج على حساب السكان والبيئة

نشر بتاريخ: 24/06/2012 ( آخر تحديث: 24/06/2012 الساعة: 10:20 )
نابلس- معا- تقرير عهود الخفش- أكوام من الحجارة يتصاعد منها الغبار المتطاير في السماء, ليشكل سحابة يشوه المنظر العام, وأصوات الجرافات تملأ المكان, لتهتز لها الأرض, وكأنها تنذر بحدوث زلزال, محاجر وكسارات تنتشر بين المنازل لتحرم المواطنين من الهدوء وراحة البال..خطر يهدد حياة الإنسان والبيئة في بلدة جماعين ...طفل يمسك بيد والدته "ساعديني لم استطيع التنفس"وآباء يناشدون لوقف المعاناة... وأمهات يتوسلن "ارحموا أطفالنا" وما من مجيب لحل هذه المعاناة.

على بعد 16 كيلو مترًا جنوب غرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، تتربَّع بلدة جماعين التي يشتهر حجرَها بأنه من أفضل الأحجار ليس في فلسطين وإنَّما على مستوى العالم أيضا , وخلال السنوات الأخيرة، ازدهرت تجارة الحجر في جماعين، ليصل عدد المحاجر فيها ما يقارب الـ70 مقلع حجر و35 منشارا و7 كسارات، تعمل بشكل متواصل منذ ساعات الفجر الأولى وحتى ساعة متأخرة من الليل.

وبالرغم من هذه الميزة الملقبة بالذهب الأبيض والتي تنعش هذه الصناعة، إلا أن غالبية السكان يرونها مأساة، فهم يعانون من أضرار مقالع الحجر والكسارات والمناشير التي تقع تحديدا داخل المخطط الهيكلي للبلدة, وتنتشر بين المنازل، فتؤدي إلى تشويه المنظر العام للبلدة، وتجريف الأراضي الزراعية وتهديد البيوت المحيطة بها بالانهيار, وانتشار الأمراض بفعل تلوث الأجواء والضوضاء.

وبحسب منظمة الصحة العالمية لا يجب ان تكون قوة أي صوت في الأماكن السكنية والتعليمية أكثر من 45 ديسبيل, بينما قام المختبر التخصصي في جماعين بقياسها ليجد أن قوة الصوت في منطقة المدارس في جماعين خلال عمل البلدوزر (الباجر) تزيد عن 100ديسبل, ويؤثر ذلك سلبا على التحصيل الدراسي للطلاب ، ويؤثر على نموهم وتطورهم ، ويؤثر على سمعهم.

حياة لا تطاق:
بنبرة التذمر والاستياء من الواقع الذي يعيشونه بسبب المحاجر والكسارات بين بيوتهم تحدث المواطن عبد الرحيم الى زميلتنا عهود الخفش قائلا" : لم نعرف طعم للراحة, منذ الصباح الباكر وحتى ساعات متأخرة من الليل والعمل متواصل في الكسارات , ضجيج وأصوات مزعجة ,إضافة إلى ذلك الغبار الذي يترسب في كل مكان, ليكون طبقة سميكة على زجاج الشبابيك وعلى الأبواب ومداخل البيوت حتى في الشوارع , ويضيف أنا صاحب محل تجاري ويقع على الشارع الرئيسي, ولكن الوضع صعب للغاية وكل فترة زمنية أقوم بتنظيف المحل من الغبار, ولكن عملية التنظيف لا تجدي نفعا" ويكمل قائلا": الأخطر من ذلك الأمراض التي تسببها غبار الكسارات والمحاجر, والدي يعاني من الحصوة بسببها, وابني يعاني من أزمة صدرية ".

يقاطعه بالكلام احد المواطنين قائلا": بغض النظر إن لم يكن هناك مواطن مصابا بأي مرض ,والتي تسببه تلك المحاجر, فان خطورتها تأتي على المدى البعيد , إضافة إلى ذلك "أننا كمواطنين وخصوصا طلاب المدارس لم يستطيعون السير في الشارع الرئيسي, بسبب الشاحنات وتكون عبارة عن قاطرة ومقطورة, يبقى الطلاب في حالة صراع خوفا من الحوادث, علاوة على ذلك أصواتها المزعجة والغبار الذي ينتج عن حركتها, ويواصل حديثه وشفتاه المتشققة قائلا": في كثير من الأحيان لم نسمع قراءة القران التي يقوم بتلاوتها الإمام في المسجد, أثناء قيامنا للصلاة وخصوصا عند صلاة الصبح بسبب أصوات القاطرات والكسارات، وينهي حديثه "يجب أن يكون هناك طرق بديلة لهذه الشاحنات وإغلاق المحاجر الموجودة داخل المخطط الهيكلي وبين البيوت".

أين المسئولين مما يحدث... السنا ببشر!!!؟
المواطنة "أم احمد" والتي يحيط ببيتها بكسارتين تحدثت إلينا قائلة":العيشة أصبحت لا تطاق في هذه المنطقة, بسبب وجود المحاجر والكسارات والشاحنات التي تجعلنا في حالة خوف على أبنائنا, إضافة إلى ذلك الغبار الذي يستهلك كل وقتي من اجل التنظيف, ومع هذا وكما ترين النظافة غير موجودة, مع أنني قمت بتنظيف الشبابيك والأبواب البارحة, وتضيف "لم نعد نطيق هذه الحياة , فهذه ليست بحياة فمن حقنا أن نعيش بهدوء وسكينة , فأين هي حقوقنا وأين المسئولين من هذه المعاناة, أليس نحن من البشر".

المواطنة "أم خالد" والتي يبعد بيتها عن المحجر ما يقارب المترين تتحدث إلينا قائلة": قرب الكسارات من بيوتنا يسبب ضررا لها من تشققات, لدرجة أن الأرض من تحتنا تهتز وكأنه زلزال قادم ,وهذا يسبب الخوف لأطفالي, لدرجة انه في إحدى الأيام من شدة الصوت اخذ إحدى أطفالي مكانا بجانب الثلاجة للاختباء به, والبكاء من الخوف , علاوة على ذلك الغبار والإمراض الصدرية التي سببها المحاجر, إضافة إلى ذلك أن تلك الأصوات تؤثر على دراسة أبنائنا, وخصوصا الذين يدرسون في المرحلة الثانوية.

الحاج "أبو عبد الله " والذي يبلغ من العمر 69 عاما, وتحدث إلينا بصعوبة قائلا": أعاني أنا وزوجتي من أزمة صدرية, وفي كثير من الأحيان لا استطيع التنفس , وإذا تنفسنا يكون بصعوبة كما ترينني ,إضافة إلى ذلك أن تلك الغبار تسبب السرطانات وأمراض مزمنة ,فوجودها بين بيوتنا غير قانوني " إضافة إلى ذلك أن الغبار يؤثر على المزروعات بشكل عام وعلى أشجار الزيتون بشكل خاص, والتي أصبح الكثير منها بدون ثمر"

لسنا ضد الاقتصاد الوطني:
المواطن "جهاد اسعد" بدأ حديثه معنا قائلا":, وجهنا عدة كتب ورسائل للمسئولين ويكون الرد أن هذا العمل هو جزء من الاقتصاد الوطني, باعتبار أن بلدة جماعين هي المصدر الرئيسي للحجر في فلسطين, وفي المقابل نحن لسنا ضد الاقتصاد الوطني ولكن ليس على حساب حياتنا ومعاناتنا, فيجب أن يكون عمل الكسارات والمحاجر ضمن القانون, وان يكون هناك عملية ضبط للمنشآت الصناعية, وان تكون ضمن معايير صحية, ويجب حصرها في منطقة معينة وليست بين البيوت" لذلك نناشد احد المسئولين بزيارة تلك المنطقة وإذا رضي بالواقع الذي نعيشه والبيئة فنرضى بواقعنا ".

صرخة استغاثة:
الأستاذ "إبراهيم زيدان" المتضرر بسبب افتتاح محجر جديد والذي يبعد عن بيته متران, تحدث إلينا قائلا": قبل أيام تم افتتاح محجر بالقرب من منزلي, وهذا يسبب معاناة لنا وللجيران المحيطين بسبب الغبار والضجيج الناتج عن عمل هذا المحجر,وبالتالي قمت بإرسال صرخة استغاثة إلى وزير الحكم المحلي من اجل الوقوف معنا كمواطنين وإنصافنا, لان افتتاح هذا المحجر داخل المخطط الهيكلي مخالف للقانون, ومن هنا أوجه صرخة استغاثة للمسئولين بشكل عام ولوزير الحكم المحلي بشكل خاص لحل معاناتنا".

أمراض في ازدياد وبحاجة إلى وقفة جدية:
وعن المشاكل الصحية لسكان بلدة جماعين والبالغ عددهم 7500 نسمة ، تحدث إلينا احد أطباء البلدة والذي رفض الكشف عن اسمه قائلا": كل يوم نلاحظ أن الأمراض المزمنة تزداد بين المواطنين بشكل كبير,وخصوصا الأطفال منهم وكبار السن ، ويعود ارتباط العديد منها بوجود مقالع الحجر والمناشير والكسارات داخل البلدة، حيث أن الغبار والأصوات المزعجة التي تنتج عن الآلات تزيد من نسبة الإصابة بأمراض الربو والضغط النفسي والتهاب الكبد, وازدياد عدد مصابي مرض السرطان في الجيوب الأنفية وقلة السمع, خاصة عند السكان القاطنين بجانب تلك الكسارات والمحاجر،وارتفاع لعدد المصابين بمشاكل العيون الناتجة عن الحساسية من الغبار، إضافة إلى مرض الالتهابات الجلدية لدرجة أن معظم الجلد الخارجي للأطفال جاف لدرجة كبيرة, ويضيف الطبيب "أن نسبة أمراض الربو المزمن ازدادت في البلدة خلال السنوات القليلة الماضية بنسبة 25 % ، كما أن فوق 35 % من سكان جماعين يعانون في الفترة الحالية من التهابات جلدية , إضافة إلى التهاب الكبد ومرض سرطان في الدماغ والجيوب والتي سببها التلوث البيئي , وهذا وضع صحي خطير وتزداد اعداد المصابين بالأمراض المختلفة, نتيجة هذه المحاجر وبالتالي بحاجة إلى وقفة جدية للحد من هذه المحاجر من قبل المسئولين".

مناشدة إلى مؤسسات السلطة:
توجهنا إلى بلدية جماعين للوقوف عند معاناة المواطنين الذين استمعنا إليهم ,القائم بأعمال بلدية جماعين سليمان سمارة تحدث إلينا قائلا": بالنسبة للمحاجر في بلدة جماعين هي مشاكل قديمة جديدة, وتعتبر جماعين هي دعم للاقتصاد الوطني لوجود الحجر فيها, وبالنسبة للمحاجر لا يوجد لها تنظيم ولا يوجد لها ترخيص, ومنذ استلامنا العمل منذ بداية عام 2010 وكلجنة تسيير الأعمال في البلدية , قررنا بعدم فتح أي محجر جديد داخل المخطط الهيكلي وإعطاء المحاجر الموجودة مهلة محددة لإغلاقها , وتم مخاطبة البيئة والدفاع المدني والصحة للمساعدة في حل هذه المعاناة.

ويكمل سليمان "بالنسبة للمحاجر تشكل خطرا على المواطنين لسببين, أولها عمق المحاجر تقريبا عشرين إلى ثلاثين مترا في الأرض, ولا يوجد على حواف المحاجر جدار أو حاجز لمنع سقوط المواطنين فيها ,كما حدث في السابق, فنحن كبلدية نرفض قيام أي محجر داخل المخطط الهيكلي وأي شخص يقوم عكس ذلك نقوم بتسليمه إخطار وقف عن العمل, إلى حين اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل الجهات المسئولة كالشرطة, لان وجود المحاجر داخل المخطط الهيكلي غير قانوني, كما يحدث الآن مع إحدى أصحاب المحاجر المقدم ضده شكوى من قبل إحدى المواطنين.

وينهي سمارة حديثه بمناشدته قائلا":أناشد مؤسسات السلطة من الحكم المحلي والدفاع المدني وسلطة البيئة ووزارة الزراعة للعمل على تنظيم عمل هذه المحاجر والكسارات في جماعين وتقديم مساعدة للبلدية لعمل آلية لتنظيم عمل هذه المحاجر ".