عن مذبحة تل الزعتر - الاهالي طلبوا فتوة شرعية لاكل ابنائهم الشهداء
نشر بتاريخ: 25/06/2012 ( آخر تحديث: 25/06/2012 الساعة: 19:47 )
شارك
بيت لحم - تقرير معا - كثيرة هي المحطات المؤلمة والمجازر البشعة التي عاشتها فصول اللجوء والترحال الفلسطيني.وهذه المأسي لم تكن بيد الاحتلال مباشرة بل كان بعضها على يد "الاخوة الاعداء" حتى انه وبعد مجزرة تل الزعتر، حيث قال الشهيد صلاح خلف ابو اياد :" لم اكن ادرك يوما ان اكثر من نصف شهداء الثورة الفلسطينية سيسقطون بيد الانظمة العربية"، ففي مخيم تل الزعتر كانت "المليشيات" ترتكب افظع المجازر واكثرها بشاعة.
وبعد مرور 36 عاما على الواقعة نعود لاستذكار المذبحة والشهداء وفق الروايات والابحاث والدراسات المنشورة عنها. |180363|
اشترك مخيم تل الزعتر مع سائر المخيمات الفلسطينية في لبنان في السمات العامة فمن افتقار الشروط الدنيا للمعيشة الإنسانية اللائقة إلى توحش القمع السياسي، على أن السمة الأساسية التي ميزته كانت موقعه تحديدًا، فقد أنشئ المخيم في 1950 في المنطقة التي تسمى ضواحي بيروت الشرقية (وتحديدًا المنطقة الشرقية الشمالية)، وفي ذلك الوقت كان النشاط الزراعي مزدهرًا نسبيًا في تلك المنطقة التي اشتهرت بشكل خاص ببساتين الحمضيات والخضروات، وفي ذلك الوقت اشتغل قسم كبير من سكان المخيم، الذي لم يكن يتجاوز عدد سكانه بضع مئات، في الزراعة، وخاصة في المنطقة المحيطة بالمخيم (الدكوانة والمكلس) وبحلول عام 1968 تقلص النشاط الزراعي .وسارت المنطقة الشرقية الشمالية من بيروت أهم مناطق البنان الصناعية على الإطلاق حيث ضمت 29% من الرأسمال الصناعي اللبناني.
|180364|
وكان طبيعيًا أن يقترن بالتطور الكبير للمنطقة المحيطة بالمخيم، تطور ديمغرافي هام داخل المخيم ذاته، حيث راح عدد السكان يرتفع من 400 نسمة في عام 1950 الى 3 آلاف نسمة في 1955، ثم حوالي 6600 في 1960/1961، الى13100 في 1970/1971، ثم حوالي 14200 في 1971/1972.
ولم يكن الجانب الأكبر من هذا النمو السكاني مرتبطًا بالتزايد الطبيعي في عدد السكان (الفارق بين المواليد والوفيات) وإنما ارتبط أساسًا بالانتقال السريع إلى المخيم من مخيمات المناطق الجنوبية والشمالية والشرقية من لبنان بفعل تحول المناطق الشرقية من بيروت بشكل عام، والمنطقة المحيطة بمخيم تل الزعتر بالذات، إلى مناطق جذب اقتصادي. |180365| بدأت معركة تل الزعتر، أطول معارك الحرب الأهلية وأكثرها خسائر وضحايا فقد فرض "الكتائب" الحصار على مخيم اللاجئين منذ شهر كانون الثاني –يناير 1976 ثم شن في 22 حزيران هجوما واسع النطاق على تل الزعتر وعلى التجمعين المجاورين له، جسر الباشا والتبعة وبدأت القذائف والصواريخ تمطر هناك بلا انقطاع من الفجر إلى المغيب وعلى مدى 55 يوما متتالية تقدر عدد القذائف التي سقطت على تل الزعتر والذي التجأ إليه 20 ألف فلسطيني و 15 ألف لبناني بحوالي 55000 قذيفة.
|180366| ويروي صلاح خلف ابو اياد في كتابه "فلسطيني بلا هوية" ان البداية كانت من عند بضع مئات من أفراد ميليشيا كميل شمعون التي عاد الكتائبيون بعد خمسة أيام فانضموا إليها بعد تردد – بمحاصرة المخيم بعد دخول الجيش السوري إلى لبنان بعشرة أيام وببديهة الحال، فإنهم انتظروا مبادرة دمشق ليقوموا بهذه المذبحة، ودليلي على ذلك هو رد فعل اليمين المسيحي على عرض التسوية الذي قدمته المقاومة مع كمال جنبلاط أليهم في 25 أيار أي قبل تدخل الجيش السوري بأسبوع، وكان هدف الصيغة المقترحة هو بالضبط منع تدخل دمشق العسكري فقد عرضنا الانسحاب من كافة المناطق التي فتح في الجبل على أن نتركها تحت إشراف قوات تكفي لشن هجوم مضاد ولتحطيم الحصار، لكن الجيش السوري كان مع الكتائبيين وسلم هذا الاقتراح الذي حررت صيغته بيدي في رسالة إلى بيير الجميل بواسطة معاوني أبو حسن سلامة، إلا أن رئيس الكتائب لم يرد على رسالتي غذ كان ينتظر خشبة الخلاص الدمشقية وفرصة تحقيق انتصارات عسكرية.
واضاف في كتابه.... الحقيقة هي أن تل الزعتر كان مشروع إبادة بالأسلوب الفاشي الصرف وقد كان بيير الجميل وكميل شمعون يعرفان أننا لا نملك أية وسيلة فعالة لتحرير مخيم اللاجئين المطوق مع التجمعين المجاورين له والمطوقين تطويقا كاملا بواسطة حزام مسيحي يسيطر عليه الانفصاليون، وكان لدينا في المطلق قوات تكفي لشن هجوم مضاد ولتحطيم الحصار لكن الجيش السوري كان لا يزال رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي عقدتاه معه قبل ذلك ببضعة أيام يشل حركتنا في شمال لبنان وفي جنوبه معا بحيث أن سحب المقاومة لقواتها من المراكز التي تحتلها في مواجهة القوات السورية كان سيشكل كارثة، غير أننا أسهمنا في الدفاع عن المخيم بقصف محاصريه وبمحاولة تدمير مدافعهم المبعثرة في المدينة، وعلى التلال المجاورة حيث كنا نتمكن من تحديد مواقعها بفضل المعلومات اللوجستيكية التي كان المسئولون العسكريون في تل الزعتر يزودونا بها بواسطة الراديو وبفضل هذا الحزام الناري الذي أنشأتاه لم يتمكن المحاصرون من اقتحام المخيم. غير أن المخيم كان مهددا من الداخل بأكثر مما كان مهددا من الخارج ذلك أن الحصار الذي دام أكثر من خمسة أشهر أفضى بالأهالي إلى عتبة المجاعة بل أن ما كان أكثر قسوة وفظاعة هو نقص الماء وشحه، فبعد أن نجحت الميليشيات في تفجير شبكات المياه لم يبق أمام أهالي تل الزعتر سوى بئر ملوثة شحيحة المياه وكان البئر معرضا لسيل من القذائف المنهمرة على المخيم فكان لا بد من إرسال حملات بالمعنى الحقيقي للكلمة، للبحث عن الماء وكانت كل محاولة من هذه المحاولات تذهب بحياة شخصين أو ثلاثة بحيث أن الناس في تل الزعتر اعتادوا على أن يقولوا أن كأس ماء تساوي فعلا كأسا من الدم. وقد نال ذلك كثيرا من صغار الأطفال وبطبيعة الحال فإنه لم يكن في الوارد تزويد الرضع بالحليب كما أن كمية الخبز والماء الموزعة على العائلات كانت أقل من أن تكفي صغار السن، حتى أننا كنا نسمع عندما نتحدث إلى مسئولي المخيم بالراديو أنين وعويل الأطفال وعويل الصارخين " أنا عطشان يا أمي " وعلى هذا فقد مات بخلاف البالغين حوالي ثلاثمائة طفل ورضيع جوعا وعطشا أبان فترة الحصار.
ولم نكن ندرك خطورة الوضع في بداية المعركة إلى أن اتصل بنا ذات يوم طبيبان من أطباء المخيم لطلب النجدة وكان يصران على الحديث مع مسئولين سياسيين من المقاومة وليس مع مسئولين عسكريين وأحسست بغيظهما وتيجانهما عندما قالا بلهجة جافة " فإذا كنتم لا تستطيعون التوصل لوضع حد لهذه المجزرة فجدوا على الأقل وسيلة لتمويننا بالماء والغذاء".
واضاف في كتابه... وما لبثنا أن كونا مجموعات صغيرة تتألف كل واحدة منها من قبضة من الرجال وذلك لمحاولة التسلل وراء خطوط العدو والوصول إلى تل الزعتر فكان على هذه المجموعات وهي تلتف على المحاصرين أن تزحف ليالي بأكملها على الهضاب المجاورة للتل وعبر الحقول والغابات وكان يستحيل على أفرادها أن ينقلوا الماء كما أن أسلحتهم وذخائرهم لم تكن تتيح لهم أن يحملوا كميات هامة من الأغذية وكثير منهم استشهد في الطرق وأما الآخرون فلم يكونوا يقدموا للمحاصرين أكثر من تسكين مؤقت كما أنهم لاضطرارهم إلى البقاء في المخيم كانوا يزيدون عدد الأفواه المحتاج للغذاء وفي اليوم الخامس من القتال جاءني الأب يواكيم مبارك – وهو كاهن ماروني مفعم بالمشاعر الإنسانية ومعاد فوق ذلك للتدخل العسكري السوري، ليقدم لي اقتراحا بوقف حد للمعارك ويقتضي الاقتراح بأن يستسلم فدائيو تل الزعتر بأسلحتهم إلى ممثلين عن الصليب الأحمر الدولي ينتظرونهم عند أبواب المخيم وبعد ذلك يتم إخلاء الأهالي ضمن أفضل الشروط الممكنة، فرفضت اقتراحه على الفور لأنه بدا لي غير لائق بمقاتلين في مثل بسالة مقاتلينا، وتقدمت باقتراح مضاد يقضي بإخلاء الجرحى والنساء والأطفال – أو على الأقل الأطفال بدون أمهاتهم – بينما يظل الرجال جميعا يواصلون المقاومة في داخل المخيم فرفض ثم تلقينا عدة عروض أخرى بعضها أذل من بعض إذ كان القوم يسعون إلى جعلنا نستسلم استسلاما شائنا مخجلا.
ويضيف خلف في كتابه... لا ريب في أننا كنا سنقبل موقفا أكثر مرونة فيما لو أن المسئولين السياسيين والعسكريين في تل الزعتر، أو فيما لو أن المحاصرين فيه عامة أبدوا مثل هذه الرغبة لكنهم على العكس من ذلك كانوا أكثر تصلبا منا وكانوا يقولون لنا أن تل الزعتر بعد فلسطين هو وطننا بالتبني وأنهم لن يغادروه إلا محمولون على الألواح، وعندما تفاقم الوضع وفقد فيه كل أمل ذهب أبو محسن – الرئيس السياسي للمخيم – إلى ولده مصحوبا بكافة أفراد العائلة يتضرع إليه رفع العلم الأبيض، فكان أن استشاط محسن غضبا، وطرد أباه باحتقار ثم أبى أن يكلمه إلى أن انتهت المعركة.
وقد دق احتلال مخيم جسر الباشا الفلسطيني في 29 حزيران ثم احتلال حي التبعة اللبناني المسلم بعد ذلك في 6 آب ناقوس تل الزعتر، فتم عقد اتفاق بواسطة ممثل الجامعة العربية في 11 آب حول أشكال الإخلاء التي ستطبق من الغداة وكانت الشروط مشرفة نسبيا حيث أن المحاربين سيغادرون المخيم مع المدنيين في آن معا، دون أن يستسلموا للميليشيات المارونية بل تتكفل بهم قوة السلام العربية والصليب الأحمر الذين يزودانهم بوسائل النقل اللازمة. غير أن أعدائنا دفعوا غدرهم الوحشي إلى غايته وذلك عندما فتحت ميليشيات كميل شمعون وبيير الجميل النار على جميع سكان تل الزعتر وهم يغادرون المخيم عزلا من السلاح وفقا للاتفاق المعهود، حاصدين بضع مئات من الأشخاص بينما انقض آخرون على داخل المخيم وراحوا يطلقون النار على كل من يصادفون، وفي الوقت نفسه راح سواهم يوقفون الناقلات التي تراكم فيها الناجون على الحواجز المنصوبة على الطرقات وينتزعون من داخلها بعضا منهم، وخاصة حديثي السن الذين يشتبهون في كونهم فدائيين ثم يقتلونهم بوحشية أو يقتادونهم إلى جهات مجهولة وهكذا فإن "ميليشيات اليمين المسيحي" اغتالت في يوم واحد عددا من الأشخاص يزيد على عدد ما قتلوه خلال الاثنين والخمسين يوما من حصار تل الزعتر وبالإجمال فإن عمليتهم هذه أوقعت حوالي 3000 ضحية في حين أن الألف فدائي الذين كانوا بالمخيم لم يستشهد منهم سوى عشرة فقط، وسلم الباقون بعد أن أفلحوا في الفرار عبر الغابات والهضاب المجاورة مستفيدين من الفجور الدموي الذي ساد في ذلك اليوم المقدور يوم 12 آب أغسطس.
ولا يخالطنا الشك في أن المدافعين عن تل الزعتر أضافوا صفحة مجيدة إلى تاريخ الشعب الفلسطيني، وستظل بطولاتهم وبطولة سكان المخيم أسطورة حية تلهم شعبنا أبدا على مدى الأجيال القادمة. لكن جلجلة تل الزعتر أفادت في أنها أظهرت مرة أخرى، أنه ليس في وسعنا الاعتماد على أحد غير أنفسنا فقد أدار العالم المتحضر عينية بخفر واحتشام عن المجزرة، غير أن الفضيحة الحقيقية وقعت في موضع آخر، عنيت العالم العربي الذي لم ترفع دولة صديقة ولا عدوة أصبعها لتنقذ خمسة وثلاثين ألف " أخ " من أبناء تل الزعتر وليس في وسع أحد أن يقنعني أن مئة مليون عربي يعجزون عن كسر حصار فرضه بضع مئات من الأشخاص، أو عن أن يرفعوا صوتهم ليمارسوا به الضغوط، إن لم يكن على الميليشيات فعلى سوريا التي تحميهم على الأقل".
وبذلك الوقت لم تكن القوات السورية هي وحدها في لبنان بل قوات الردع العربية التي دخلت في 21 يونيو حزيران 1976 بعد قرار جامعة الدول العربية إرسالها لوقف الاقتتال الدائر هناك وقوات الردع العربية تكونت من قوات ستة دول عربية أقرتها جامعة الدول العربية هي:
سوريا،و لبنان،و السعودية،و السودان،و اليمن و الإمارات.الجيش السوري كان في بيروت الغربية على خطوط التماس بين الشرقية و الغربية وتل الزعتر كان جيب معزول في عمق المنطقة المسيحية و ما كانوا ليسمحوا بوجوده.
وكانت قد اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، بين المقاومة الفلسطينية مع القوات الوطنية اللبنانية من جهة، وقوات الكتائب اللبنانية المارونية وحلفائهم من جهة. كانت الغلبة للفلسطينيين ومسلمي لبنان الذي أحرزوا انتصاراتٍ كبيرة، وسيطروا على لبنان، أو كادوا، لولا تدخل الجيش السوري.
أدخل حافظ الأسد قواته إلى لبنان في 5/6/1976م، وقوامها 30 ألف جندي، كي يسحق المقاومة الفلسطينية وليعيد السلطة إلى يد الموارنة.
لم تمضِ إلا ساعات على دخول الجيش السوري إلى لبنان حتى أعلن رئيس وزراء اسرائيل إسحاق رابين عن ارتياحه العميق لخطوة النظام السوري، وقال : “إن إسرائيل لا تجد سبباً يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان ، فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين، وتدخلنا عندئذ سيكون بمثابة تقديم المساعدة للفلسطينيين، ويجب علينا ألا نزعج القوات السورية أثناء قتلها للفلسطينيين ، فهي تقوم بمهمة لا تخفى نتائجها الحقة بالنسبة لنا“.
وكذلك، رحبت روسيا وفرنسا بالتدخل السوري في لبنان، ورحب العرب بصمتهم. وكانت نتيجة الحرب معارك طاحنة أودت بحياة أكثر من خمسين ألف قتيل حتى تموز عام 1976.
وبلغت التنسيق قمته بين وزير الجيش الإسرائيلي شمعون بيزيز وقوات الكتائب المارونية اللبنانية، ويقال إن ياسر عرفات صرح: "أن شارون العرب، وكان يقصد حافظ الأسد"، قد حاصرنا من البر، وشارون اليهود قد حاصرنا من البحر.
القوات المارونية اللبنانية كانت تتألف من: حزب الكتائب بزعامة بيير الجميل، وميليشيا النمور التابعة لحزب الوطنيين الأحرار بزعامة كميل شمعون، وميليشيا جيش تحرير زغرتا بزعامة طوني فرنجيه، وميليشيا حراس الأرز. دام حصار المخيم مدة 52-55 يوماً تعرض خلالها لقصف عنيف (55000 قذيفة)، وقد جاع أهل المخيم من النساء والأطفال حتى أكلوا القطط والكلاب! عصى بعض ضباط الجيش السوري الأوامر، وامتنعوا عن قصف المخيم وحصاره فكان جزاءهم الإعدام الميداني . سقط مخيم تل الزعتر في 14-8-1976، بعد أن كان قلعةً حصينة أنهكها الحصار. فدخلته الكتائب اللبنانية، تحت غطاء حليفها الجيش السوري. وارتكبت فيه أفظع الجرائم من هتكٍ للأعراض، وبقرٍ لبطون الحوامل، وذبحٍ للأطفال والنساء والشيوخ! وكذلك ارتكبوا المجازر والجرائم، من اغتصابٍ وهدم البيوت وإبادة الأطفال وسلب الأموال، في مخيمي “جسر الباشا” و “الكارنتينا” اللذين سقطا بيد الكتائب قبل تل الزعتر.
لقد طلب الفلسطينيون في تل الزعتر من علماء المسلمين فتوى تبيحُ أكلَ جثثِ الشهداء كي لا يموتوا جوعاً!
وفي ذلك كتب احد الشعراء: “.. والآن تكفِّنُهُ عيني .. فدعوني آكلُ من إبني .. كي أنقذَ عمري .. ماذا آكل من أبني ؟!! من أين سأبدأ ؟! لن أقربَ أبداً من عينيه .. عيناهُ الحدُ الفاصل .. بين زمانٍ يعرفني .. وزمانٍ آخر ينكرني.. لن أقرُبَ أبداً من قدميه .. قدماهُ نهايةُ ترحالي .. في وطنٍ عشتُ أطاردُهُ .. وزمانٍ عاشَ يطاردني.. ماذا آكلُ من أبني ؟! يا زمنَ العار .. تبيعُ الأرض، تبيعُ العرض .. وتسجدُ جهراً للدولار.. لن آكل شيئاً من أبني يا زمنَ العار .. سأظلُّ أقاومُ هذا العفن .. لآخرَ نبضٍ في عمري .. سأموتُ الآن .. لينبُتَ مليون وليد.. وسطَ الأكفان على قبري .. وسأرسم في كل صباح .. وطناً مذبوحاً في صدري.. ”
وعندما سقط المخيم أخيرًا في 12 آب وتمكنت الميليشيات اليمينية من دخوله كان عدد القتلى من جراء القصف اليومي على مدى 52 يومًا قد تجاوز الألف. إلا أن دخول القوات اليمينية للمخيم كان بداية لحمام دم جديد أشد قسوة من كل ما سبق. فقد راحت الميليشيات تنظم كمائن جبانة للسكان العزل حيث تدعوهم بالميكروفونات للخروج من المخابئ بدعوى إجلائهم ثم تطلق النار عليهم. وراحت المليشيات المختلفة تتنافس على ذبح أكبر عدد من الفلسطينيين بطرق لا تخطر ببال. تعرضت عائلات بأكملها للذبح. ورفضت الميليشيات بإصرار السماح بإجلاء أي رجل إلى بيروت الغربية، وكان تعريفهم للرجل هو "الذكر الذي يتراوح عمره بين عشرة أعوام وخمسين عامًا! وتعرضت أعداد غفيرة من النساء للاغتصاب قبل ذبحهن، بينهن فتيات كثيرات يقل عمرهن عن عشرة سنوات. بل إن الخسة بلغت بالقوات التي اقتحمت المخيم، تحت أشراف الضباط السوريين، أنهم قاموا بصف 60 من ممرضي المخيم في صفين وأطلقوا عليهم الرصاص في واحدة من أسوأ المذابح.
لقد تعرض أهالي تل الزعتر لمذبحة جماعية بشعة، وتحول مخيمهم إلى جراج كبير للسيارات. كما أنهزم تحالف الحركة الوطنية اللبنانية – المقاومة الفلسطينية أمام ميليشيات اليمين الفاشي المدعومة من كافة دول المنطقة.
وكم من مجزرة لحقت بتل الزعتر وكم من مجزرة متبقية في فصول التشرد الفلسطيني حتى وصل الأمر به حد ذبح ذاته بالاقتتال والانقسام ..فهل تعتبرون ..وهل للذكرى من صدى؟