قهوة الصباح تختلط رائحتها بمجاري المستوطنين في بلدة بروقين
نشر بتاريخ: 02/07/2012 ( آخر تحديث: 02/07/2012 الساعة: 01:06 )
سلفيت-معا- تقريرعهود الخفش_ يستيقظ كل صباح في ذات الوقت... لتبدأ رحله سباقه مع الزمن... يرتدي ملابسه... يلملم شتات قوته النفسية والجسدية المبعثرة ,يشد أعصابه المخدرة ... لا بد من المجازفة... يذهب مسرعا إلى المطبخ ليحتسي فنجان قهوته المعتاد على تناوله كل صباح, تختلط رائحتها برائحة كريهة... يحاول إغلاق انفه عدة محاولات لتفشل... فتتنبه جميع حواسه لتزداد الرائحة تسللا... يعكر صفو جلسته مع فنجان قهوته وصوت فيروز... ينتابه صداع مؤلم... تتوتر شرايينه.. يرى كل شيء من حوله سواد ليصرخ بأعلى صوته "ليست بحياة"... يرفع سماعة هاتفه ليتحدث إلى احد المسئولين "سأزعجكم هذا الصباح كما كل صباح إلى متى سنبقى بهذه المعاناة...!!؟؟
روائح كريهة وبعوض بأشكاله المختلفة
فالداخل إلى بلدة "بروقين غرب سلفيت" يظن للوهلة الأولى أنها منطقة مخصصه لتصريف الصرف الصحي، فمشهد تشمئز له الأبدان ... قنوات تتشعب في كل الاتجاهات ... روائح كريهة و حشرات تتكاثر لتزاحم المواطن في معيشته... أمراض تسببت في قتل الإنسان والحيوان والطبيعة ...
نزلنا من السيارة والقينا نظرة ويا لهول ما رأيناه...لا نعرف بأي اتجاه نسير توقفنا عند منظر منازل المواطنين المحاطة بقنوات المجاري, ليتوقف لساننا عن الحديث, ليكسر صمتنا المواطن "محمد صبرة" بكلمات الاستياء من الواقع المرير الذي يعيشونه قائلا": هذه هي حياتنا وهذا هو واقعنا وما من مجيب لحل معاناتنا, عمري 23 عاما ومنذ صغري وأنا أجد تلك المجاري في بلدتنا, وبين بيوتنا في منطقة الواد, وإنها بتزايد في كل عام , توقف عن متابعة حديثه ليصر على متابعته في بيته حاولنا معه, ولكن إصراره كان أقوى من إقناعنا, سرنا باتجاه بيته والذي يبعد عن الواد 20م, الطابق السفلي لبيته محل تجاري لهم ,
وبصوت مخنوق عاد "محمد مواصلة حديثه مع الزميلة عهود الخفش قائلا ": أيام لم نستطيع العمل في المحل من كثرة الروائح الكريهة, والتي تجعلنا نكره أنفسنا, وكأننا لسنا ببشر,ويضيف "أما في الليل فالنوم فيه وكأنه محرم علينا روائح وانتشار للبعوض والقارص بأشكاله المختلفة, وذو أحجام متعددة, وهذا سببا في حرماننا من النوم , فعيوننا لم تستطيع النوم بسببه . إضافة إلى الأمراض المختلفة التي تسببها, وأخرها قبل يومان, أن بعوضة قامت بقرص جدي في المنطقة المحيطة بعينه مما أدى لنقله إلى المستشفى".
يلتقط "محمد" أنفاسه ليواصل حديثه قائلا": خلال فصل الشتاء وبسبب مياه الأمطار تفيض مياه المجاري العادمة على محلنا التجاري, وعلى بيتنا , فنصبح نكره حياتنا ونكره العيش في بلدتنا وتحديدا في بيتنا , ومن اجل ذلك قمت شراء قطعة ارض بعيدة عن منطقة الواد لأقوم ببناء منزل آخر, لان الحياة لم تعد تطاق في هذه المنطقة ".
وبتنهيدة يواصل "محمد" حديثه قائلا":لم تتوقف معاناتنا عند هذا الحد بل تعداه إلى انقراض للثروة الحيوانية, ويعود السبب في ذلك الى ازدياد التلوث في البيئة وكذلك خوف المواطنين من تناول منتجاتها من حليب ومشتقاته وحتى اللحوم، وبدوره اثر على المزارعين فأصبح العزوف عن تربيتها،وان كان هناك القليل القليل من المزارعين , بالإضافة إلى افتقارنا للمراعي, بسبب مصادرة الأراضي، وبهذا يكون التأثير على الإنسان والحيوان والنبات.
توقف "محمد" عن مواصلة حديثه ليخيم الصمت والسكون على المكان, دقائق ليكسره صوت المواطن "مرسي الحاج" والذي اخذ يحدثنا بلهفة قائلا":بيتنا يبعد عن الواد 200م وما بنعرف ننام بالليل من كثر البعوض والقارص الغريب, والتي تكون كخلية النحل لدرجة أنها تغطي جسد الشخص بكامله , وصوتها الذي يبقى في الأذن وكأنه طنين , ويضيف "لم نترك مبيد حشري إلا وقمنا باستخدامه ولكن دون جدوى , لم يأتي بمفعوله , إضافة إلى ذلك الأمراض الجليدية التي نصاب بها والحكة التي تسبب الحساسية , والأمراض السرطانية التي لها علاقة بالبيئة التي نعيشها إضافة إلى ذلك الروائح الكريهة "
وبنبرة صوته الحزينة على الواقع الذي يعيشونه يكمل حديثه قائلا": لم يعد بمقدور أي شخص أن يصل الأراضي التي تقع على جانبي الواد ،فكانت منطقة جميلة نذهب إليها لتمضية أوقاتنا ومن سنوات لم نذهب إليها, فالروائح الكريهة والمنظر غير الحضاري الذي يبعدنا عن أراضينا، وينهي "مرسي "حديثه قائلا :"أين المؤسسات المسئولة مما نحن فيه؟؟ وأين مؤسسات حقوق الإنسان التي تدعي أنها تعنى بحقوق الإنسان.. ؟؟
معاناة متواصلة
توجهنا إلى بلدية بروقين, والتقينا برئيسها "عكرمة سمارة" والذي اخذ يحدثنا عن معاناة أهالي البلدة بصوته المخنوق قائلا": أكثر من عشرون عاما ومعاناة أربعة الأف نسمة ما زالت وبتزايد مستمرة،ويكمل:" بلدة بروقين كباقي قرى وبلدات الضفة الغربية المحتلة جراء سياسات الإحتلال الهادفة لإفراغ الأرض من أصحابها الشرعيين، ولكن المعاناة تختلف عن باقي البلدات والقرى والتي تكمن في جريان مجاري مستوطنة "أريئيل" من الجهة الشرقية والمياه العادمة ومخلفات مصانع "برقان" من الجهة الشمالية لأراضي البلدة ويضيف " إن مجاري أرائيل تجري في مجرى الواد الذي يربط مدينه سلفيت ببلدة بروقين وبطول 1كم , ويخترق الواد منازل البلدة مما يسبب الكثير من المعاناة والأمراض للمواطنين بسبب انتشار الحشرات الناقلة للعديد من الأمراض والأوبئة كالأمراض الجلدية والأمبيا وأمراض السرطان التي أخذت تظهر في البلدة في الآوانة الأخيره نتيجة المجاري والمخلفات الكيماوية لمصانع مستوطنة "برقان"، ويضيف سمارة :"أن المعاناة لم تتوقف عند هذا الحد بل تعداه الى إنتشار وتكاثر الحيوانات الضارة مثل الخنازير البرية التي تجد في المجاري مرتعا خصبا لتكاثرها والتي بدورها تقوم بتخريب المزروعات والتعدي على المنازل والمواطنين "
ويكمل "سمارة" حديثه بألم لما أصاب بلدته قائلا"::"حتى ثروتنا الحيوانية التي يعتمد عليها الكثير من المواطنين في معيشتهم، خسرناها بسبب هذه المجاري ، فكان المزارعين في السابق يكثروا من تربية المواشي والآن لا نجد سوى القليل منها، ويعود ذلك الى إزدياد التلوث في البيئة وكذلك خوف المواطنين من تناول منتجاتها، فكان منهم العزوف عن تربيتها، بالإضافة إلى إفتقارنا للمراعي بسبب مصادرة الأراضي، وبهذا يكون التأثير على الإنسان والحيوان والنبات.
وبتنهيده التي جعلتنا نشعر بخطورة الكارثة التي تحل بهم يكمل "سمارة" قائلا:"لم يكتف الإحتلال برسم معاناتنا على هذه الممارسات بل قام بمصادرة أكثر من ثمانية الف دونم من أراضي البلدة والتي تبلغ مساحتها 25 الف دونم".
لم نترك بابا إلا وطرقناه
ويلتقط "سمارة أنفاسه مرة أخرى ليواصل حديثه قائلا":لم أترك بابا إلا وطرقناه، ولم أترك مؤسسة إلا وتم مخاطبتها بكتب رسمية تظهر مدى الكارثة الصحية التي يعيشها المواطنين في البلدة ، ولم أترك وسيلة إعلام إلا وناشدت من خلالها، ولكن دون جدوى، وكأننا لسنا بشرا ، ويكمل قائلا": خاطبت رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض وشرحت له عن مدى الكارثة الصحية التي نعيشها، ووزارة الحكم المحلي تم مخاطبتها أكثر من مرة ، ومؤسسة أنيرا ، وجمعية الهيدولوجين الفلسطينية ومؤسسات حقوق الإنسان من خلال زيارتهم للبلدة وإطلاعهم على الوضع على أرض الواقع ... ولا من مجيب، وما زلت أناشد المؤسسات المعنية الحكومية والخاصة ومؤسسات حقوق الإنسان أن يعطوا بلدة بروقين الاهتمام وبأسرع وقت ممكن قبل حدوث كارثة بيئية وصحية والتي ستزهق أرواح المواطنين وهم أمانة في أعناقنا . "