لاجئون يستذكرون تفاصيل رمضان في قراهم المُدمّرة
نشر بتاريخ: 30/07/2012 ( آخر تحديث: 30/07/2012 الساعة: 18:39 )
جنين - معا - أعاد شهود عيان على مرارة النكبة بناء تفاصيل شهر رمضان، في القرى التي هجرتهم منها العصابات الصهيونية عام 1948.
ورسم رجال ونساء في العقدين الثامن والسابع، خلال ندوة نظمتها وزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة، صورة لشهر الصوم والمسحراتي وطقوس رمضان وموائده وما أرتبط به من ذكريات احتفالية، وحنين جارف للقرى المسلوبة.
وأعاد أحمد سليمان صبح، الذي أبصر النور في قرية الريحانية القريبة من حيفا عام 1938، التاريخ إلى الوراء، حينما فتح ذكرياته على مصراعيها، وقال: كانت بلدتنا أربع حارات، ولم يكن لدينا مسحراتي، وكان الناس يوقظون بعضهم البعض، وكنا نذهب إلى المسجد الذي تبرع بغرفته محمود الحسين، وفي وقت الإفطار كنا نعمل( حوطة)، وفيها يجتمع الرجال والنساء على انفراد، ومن كان يذبح يرسل لأقاربه وجيرانه.
ووفق صبح، فقد كانت الأكلات الأكثر شهرة( المفتول والبرغل) أما السحور فمن مشتقات الألبان والدواجن التي كانت تملكها القرية، وكنا نذهب لعيون الريحانية لتعبئة المياه الباردة.
يضيف: اشتهرت قريتنا بأكلة( بنات العيد)، وفيها تطوف الصبايا على البيوت لجمع البرغل والسمن، ويخترن ثلاث نساء ليطبخن الطعام ويوزعنه يوم العيد على البلد وأهلها. أما الأولاد فكانوا يذهبون إلى( المراجيح) التي تجهز من حبال المشتغلين بتحميل الجمال، وتربط بأشجار كبيرة في البيارات المجاورة للريحانية.
فيما يروي أحمد عبد الله دغمان، المولود في الكفرين المتاخمة لحيفا عام 1936: كان أهالي البلد يتبرعون لقراءة المولد والمدائح النبوية الرمضانية مرة كل ليلة في بيت مختلف، وكنا نخشع ونحن نستمع إليها.
أما المأكولات، فوفق دغمان، فكانت تصنع على الجاروشة المنزلية من البرغل، وتعد النسوة الشعيرية البيتية، ويأكل الناس مما يزرعونه في أراضي سهل الروحة، فيما كان الناس يجتمعون للإفطار معاً في مجموعات.
يستذكر: كان المسحراتي الشيخ عبد الله يوقظ الناس، ويلف على الحارات، ونصلي معاً التراويح، وكانت الكفرين مقسمومة إلى قسمين: فلاحين ومصريين، وكنا نذهب في رمضان إلى مقر (الولي) الشيخ مجاهد. أما النساء فكن يذهبن لتعبئة المياه من عيون القرية: البيادر، والبلد، وحمد، وصلاح، وادي البزاري، والحنانة، وغيرها، قبل موعد الإفطار بقليل.
فيما تنسج رواية محمد صالح العرجا عن بلدته الفالوجة، التي ولد فيها في خريف عام 1934، فيقول: كانت بلدتنا متطورة، وفيها بلدية، وأربع مخاتير، وشبكة مياه، وسوق كبير، وكنا نستقبل شهر رمضان بتجهيزات خاصة، بعد أن نعرف ثبوت من علماء الأزهر بمصر، وكانت تنشط لدينا الزوايا الصوفية الأربع، ونستمع إلى دق الطبول والموالد الرمضانية.
ووفق العرجا، فإن ما يميز الفالوجة، أن رجالها كانوا يحافظون يومياً طوال الشهر الفضيل، على تقليد اسمه(الخروج)، فيحمل كل واحد منهم طبقاً من الطعام، ويجتمعون في مجالس الحارات، ويأكلون معاً، وكانت البلدية تنير الشوارع بفوانيس الكاز من بعد العصر وحتى أن ينفذ ما فيها من وقود.
يتذكر: كان لكل حارة مسحراتي خاص بها، وكنا نسمع إلى خليل الراعي، وهو يقرع الطبل ويصحي الناس من نومهم، ولا ننسى (المفتول) الأكلة الشعبية في رمضان، والمنسف دون أرز، أما الحلويات فأشهرها المطبق، وكان تجار غزة يحضرون لأسواقنا النمورة.
يضيف: سقطت بلدنا بعد صمود طويل، واذكر أن ذلك كان في رمضان، وكنت صائماً، وأغمي علي من العطش، فأدخلني والدي إلى المقهى، وأشربني العصير، وأتذكر وجود الجيش المصري في بلدنا، وكيف كان الجو في رمضان معهم. ولا أنسى كيف أن الحصّادين هربوا من السهل القريب إلى داخل البلد، وهم يحملون المناجل من جيش الاحتلال.
وبالوتيرة ذاته، يستذكر محمد عبد خالد، الذي جاء إلى الدنيا عام 1927 في الفالوجة أيضاً: كنا نذهب في رمضان إلى سوق (البرين) أيام الخميس والجمعة، ولا ننسى المسحراتي طه والشيخ الجمال، وكان الناس يقضون أوقاتاً طويلة مع بعضهم، ويتناولون الأفطار معاً، ويشعرون أكثر بغيرهم من هذه الأيام.
ويقدم الثمانيني عبد القادر أحمد أبو برهان، ابن صبارين المجاورة لحيفا صورة لحال رمضان في قريته: كنا نطحن ونخبز ونعيش من خيرات أرضنا، ونخصص صاعاً من القمح للعالم إبراهيم النعاني، الذي كان يتطوع في بلدنا، ويعطي الناس دروساً في رمضان وغيره.
وبحسب أبو برهان، فقد كانت (الهيطلية) والزلابية والفطير والبرغل الوجبات الشائعة في رمضان، فيما كانوا يسمنون الخراف لذبحها نهاية رمضان، ويعرفون توقيت حلول الشهر الكريم وحلول العيد من الراديو الوحيد عند المختار مسعود عبد القادر.
ويكمل ابن بلدته عرابي رشيد أبو الحسن( ولد فيها قبل النكبة بعشر سنوات): لا زلنا نحفظ (توحيشة) شهر رمضان للمسحراتي أسعد الناطور، ونتذكر استعدادات الرجال والنساء لموسم الصيام، وطحن البرغل، وتجهيز البيوت للشهر الفضيل، واعتماد الناس على ما تزرعه وتربيه في طعامها وسحورها.
ويقول حسين سالم أبو مراد، المولود في قرية اللجون عام 1930: كانت قريتنا غنية بالخيرات مثل الخضروات والحنطة، وفي رمضان لم نكن نحتاج إلى شيء، وقسمت بلدنا إلى أربع حارات: المحاجنة، والمحاميد، والإغبارية، والجبارين، وكانت العزائم دارجة بين الناس، وفي المساء يقام مولد للشيخ حسن محاميد، وكان المسحراتي محمود أبو كلاش يلف البلد لإيقاظ الناس.
ووفق أبو مراد، فقد كانت تشيع الأطباق الشعبية الرمضانية، ويُجهز مشروب( القمردين)، ويطبخ الناس على وقت السحور والفطور أيضاً.
وتروي الثمانينية يُسر عبد الجبار هنطش، من قاقون، المجاورة لطولكرم: كنا ننتظر المسحراتي أبو محبوبة، ونساعد أمهاتنا في إعداد وجبة السحور والفطور، ونوفر معظم طعامنا من الخضرة التي يزرعها والدي.
تضيف: كنا ننتظر العيد، وكانت البنات مثلي يجمعن الملاليم المخرومة( الخمس ملات والعشر كانت من وحدات الجنيه، وتحتوي فتحة دائرية وسطها)، ويصنعن منها قلائد، ويذهبن إلى البيادر، ويلعبن معاً. وقبل موعد الأذان نذهب إلى الجامع، ننتظر المؤذن لنسرع إلى أهلنا، ونخبرهم بدخول وقت الإفطار.
فيما أستذكر محمود أمين أبو لبادة، الذي ولد في قرية الكفرين عام 1944، مقاطع مغايرة من تجارب لرمضان خلال اعتقاله عام 1968 في سجن نابلس.
يقول: قبل رمضان بيوم جمعت الإدارة الشبان الذي لا يرغبون بالصيام في غرفة مستقلة وعزلتهم عنا، وقدمت لهم تسهيلات في وجباتهن، أما نحن فكان طعام العشر أسرى لا يكفي لواحد بمفرده، وبكمية صغيرة، ونوعية رديئة.
يضيف: كنا نأكل القمح الاسترالي، والقرع والباذنجان، والمربى والحلاوة، والخبز المخرّم بالثقوب، ولا أذكر أننا ذقنا الفاكهة أو الحلويات طوال موسمين رمضانيين قضيتهما في السجن. أما طريقة الحصول على الماء فكانت مهينة، وتتم من أسفل باب حديدي، ويأتي السجانون بوعاء كبير، ويطلبون منا أن نضع الكأس البلاستيكي أسفل الفتحة، ولم تكن تمض العملية دون جرح بعضنا، أو حرمان من تسقط كأسه وسط الزحمة.
وقال منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار عبد الباسط خلف، إن الندوة قدمت إضاءات على مقاطع من الحياة الفلسطينية في شهر الصوم، وهي تمثل جزءا من سلسلة طويلة، تعمد الوزارة إلى صيغتها، لجهة منح التاريخ الشفوي فرصة للتوثيق، بطرق مختلفة ومرئية أيضا؛ خشية رحيل أصحابها، وضياع شهاداتهم التي تحمل قيمة معنوية كبيرة.
وذكر الأستاذ نافز جوابرة من اللجنة الشعبية للخدمات أن اللقاء يأتي لنقل صورة الماضي للأجيال الشابة؛ بغية تحفيزها على صيانته وحفظه من الضياع والتحريف. ويشكل مقدمة لأنشطة رمضانية خاصة بالنكبة، ستسعى اللجنة لإطلاقها، بالتعاون مع وزارة الإعلام.