رمضان في الزنزانه
نشر بتاريخ: 02/08/2012 ( آخر تحديث: 02/08/2012 الساعة: 13:21 )
بقلم: الكاتب علاء الريماوي
في حكاية الأسر لا تقف المعاناة عند حد، بل تتجاوز في تفاصيل وجعها ذات الأسير إلى الأسرة جميعها دون مراعاة للعمر أو المناسبة والمكان.
في الكيان تتفنن مؤسسة السجون البحث عن الأذية بأسلوب علمي وتجربة بطول عمر الاحتلال ، تجربة تجردت من الانسانية ولبست بشاعة الغاب في ثوب إنساني يجمله عالم تمرس الكذب.
في الحديث عن وسائل القمع الصهيوني للأسرى يذكر العزل الانفرادي، ومصادرة الاحتياجات الأساسية، وإغفال العلاج، ومنع الزيارة، والقمع المستمر، والاعتداء المباشر، ومحاولة المس بالحرمات، وتشتيت المعتقل في أولوياته، والتفتيش العاري، والتحقيق القاسي الذي يعيش الاسير فيه منع النوم، والهز العنيف، والضرب المبرح، والمساومة الرخيصة وغيرها من الوسائل التي أبدعتها حالة السادية والفاشية التي تعيشها أدوات الاحتلال في ثقافتها.
هذا الكمّ من المعاناة والقهر ، تظل القدرة على مقاومته عالية برغم الوجع .
في تجربة الأسر الطويلة تعلمت أن الصمود والجلد والتحدي لا يلغي مشاعر الأسير ولا تنسى في واقعه الذاكرة .
في الأسر يعيش المعتقل تفاصيل الفرح، الحزن، الذكريات.. لذلك كنا نعرف أنّ في الأيام التي نقضي عيداً ،حبا ، ورداً، قمراً، ونفهم أن وداع الأحبة صعب كحكاية العذراء مع ميلادها الأول .
في حديث المشاعر نذكر شهر رمضان والكيفية التي تمضي الساعات فيها داخل المعتقل .
في من عرفت في المعتقل من تجاوز في صومهم ثلث قرن من الزمان داخل الزنزانة ، لم يعيشوا فيها مع ولد ولا زوجه في ساعة سحور أو إفطار، بل كثير منهم لم يعد يذكر انتظار الأذان (ولمة العزائم) والإفطارات الجماعية والعائلية وما يصحبها من الحب والدفء ..
في الأسر مع مضي عشرات السنوات أضحت الكبسة، القطايف الكنافة، اللحم، الكبدة، القمر دين، وحبات التمر، والبندورة، والفجل، والبصل الأخضر وغيرها من أصناف الطعام حلم ليل للأسير يبدده الفول المسوس والفاصولياء التي لا تنضج، وشئ يسمونه لحم يدوم في القدر عاما حتى تستطيع تقطيعه ليسهل بلعه .
في الذكريات معهم داهمتني حكاية جلسة السمر بعد صلاة التراويح في سجن ريمون الصحراوي، فيها دار حديث ماضي الأيام السعيدة والذكريات حتى إذا كان الواقع ذكروا في سني الفراق وفاة الأم والوالد، وبعض الأعمام والأخوال الذين كانوا زينة رمضان في الخارج .
بعضهم تنهد في حديثه عن المساجد وأنس الصلاة في الأقصى، والدور في الإمامة والوعظ (قبل تقدّم تقنية الصوت ورفاهية المساجد ) .
و كثير غالبه الدمع على أمنية الشهادة في رمضان حين كانت مجموعاتهم تطلب الشهادة بعد صلاة القيام في معاركهم البطولية مع جنود الاحتلال ومستعمريه .
في الحديث عن الصور المشاهدة في عتمة الزنازين أحتاج إلى مجلدات للتوثيق كي يكتمل مشهد رمضان داخل المعتقل .
لكني اليوم سأكتفي من بين تلك المشاهد بصورة تظل في الذاكرة فصولها ... لهيب إيمان، ودمع تهجد، وصلاة ليل، وكثير ذكر، وشفافية روح باكية مع الترتيل .
هناك ترى في زوايا المعتقل قياماً لا ينقطع وسجوداً لا يفتر، لكن لسجن عوفر مذاق خاص شاهدته في برناج جماعي في العشر الأواخر في العام 2011 ..
بعض الإخوة أراد لصلاته اقتحام ظلمة المعتقل ليساند الأمة في نهضتها وتحررها وتمكينها، فتوزعت ركعات التهجد والدعاء في التركيز مع كل ركعة على محنة تعيشها الأمة من خلال الدعاء .
بدأ البرنامج دعاء للقدس ، فلسطين ، شعبها وحدتها ثم بالعراق ، أفغانستان، لبنان ، مصر و الصومال، والشيشان، وأخيرا كان الدعاء مع الجثو للأمة في وحدتها وقوتها ونصر مجاهديها .
غابت في الليالي العشر حظوظ النفس ومحنة الأسر، ووجدت في كل خيمة وزنزانة، ساجدا ومتضرعا ببكاء، وشعرت الحب يغطي المكان، حتى أذا سمحت لك القضبان مشاهدة السماء لوجدت الأرجاء يزاحمها الرجاء وصفاء قلوب لم يشاهد من قبل .
لمسنا في الأيام تلك البركة، وشعرنا أن لطف الله ورحمته والمعية تحرس جنبات الأرض .
الروح هذه لم تعجب السجان والتي معها مارس سياسة النقل والقمع، والتضييق، فنشر مجنداته لعمل الفاحشة على مرأى من أقسام المعتقل ظنّاً منه أن وحل الشهوة قد يغلب رقي الروح .
في ختام رمضان جاء عيده وفرحته وكان موعدنا مع تفاصيل كثيرة عشناها قد تكون أشد على الأسير من غيرها لنتركها لمقال آخر .
في الأوراق الإسرائيلية اليوم خبر يحكي عن تسهيلات للأسرى في شهر رمضان المبارك وسماح بشراء بعض أنواع من الخضار وغيرها من أصناف الحاجة اليومية .
بعض يظن ان الراتب والاكل ، والمهرجان ، وغيرها كثير يفعل للأسرى ، في الامس شاهدت في مدينة رام الله نائل البرغوثي تصفحت وجهه بعد 34 عام داخل المعتقل ، سمعت في خارطة الوجع الذي تعلو جبينه أن الاسير في حكاية النصرة يحتاج غير كل ذلك ، ليبقى في الختام أس الحكاية إنتظار الفرج ، وشكله ، ويومه.