الجمعة: 27/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

مؤسسة مجموعة الاتصالات للتنمية تحقق حلم مواطن بعد أن كان مستحيلا

نشر بتاريخ: 15/08/2012 ( آخر تحديث: 15/08/2012 الساعة: 11:31 )
رام الله- معا- حققت مؤسسة مجموعة الاتصالات للتنمية حلم المواطن (م.ي) 27 عاما من عصيرة الشمالية- نابلس بعد أن كان مستحيلا، ضمن مشروع "حياة كريمة".

يشعر (م. ي) بالأمل مجدداً، بعد أن مرّ بسنوات طويلة من الألم والمرض، قضاها متنقلا بين المستشفيات في الوطن وخارجه وانتهت بفقدان قدمه اليسرى، وبعد ان اوصدت الأبواب في وجهه، أتته فرصة العمر عن طريق مشروع حياة كريمة الذي تنفذه مؤسسة مجموعة الاتصالات للتنمية، ليبني من خلال هذا المشروع أحلاماً وأمنيات بدأت تتحقق كواقع ملموس.

نقلة نوعية:
تلك الصور تلخص تفاصيل حكاية التحدي والارادة والنجاح للشاب م. ي. (27 عاما ) من بلدة عصيرة الشمالية في محافظة نابلس الذي يعتبر من ذوي الاعاقة، والذي يطوي صفحات المعاناة في حياته لتصبح من الماضي، وذلك منذ حصوله على مشروع حياة كريمة بدعم مؤسسة مجموعة الاتصالات للتنمية. ويتحدث عن تأثير المشروع على حياته قائلاً: "لقد احدث المشروع نقلة في كل مناحي حياتي ومنحني القوة والعزيمة، وغدوت اكثر اقتناعاً بالمبدا القائل ان الاعاقة لا تلغي الطاقة "، ويضيف " جاءت المبادرة الرائعة لمؤسسة مجموعة الاتصالات للتنمية لتعزز تلك القاعدة، فأصبحت اشعر بتحرري من كل القيود والمعيقات وارسم احلام المستقبل بعدما كدت افقد كل امل في الحياة".

بداية المعاناة:
كانت المعاناة رفيقة لـ م. ي. في حياته، حيث ابصر النور عام 1985 ليكون الابن السابع في عائلته المكونة من 8 أفراد، ويروي م. ي. حكاية الألم التي بدأت منذ بلوغه العام العاشر من العمر، فقال: "كانت ولادتي طبيعية ولم اعان من أي امراض أومشاكل صحية، وفجاة بدأت أشعر بألم في ظهري، وبعد الفحوصات تبين وجود كيس دهن اسفل العامود الفقري قرب النخاع الشوكي، وأبلغنا الأطباء أنه لا يمكن علاجه لانه لا يؤثر ما دمت قادرا على الحركة"، ويضيف: " سارت حياتي بشكل طبيعي رغم الألم والتحقت بالمدرسة، وفجأة ظهر تقرح في قدمي اليسرى في منطقة لا يوجد فيها أوعية دموية، وأصبحت أعاني من تقرح دائم بدأ يؤثر مع ظهور مضاعفاته بشكل تدريجي على حركتي وحياتي ".

لا علاج شافي:
لم يعد م. ي. قادرا على الانتظام في الدوام في مدرسته التي تبعد مسافة طويله عن منزله ، وبدات اثار المرض تحد من حركته فسارعت عائلته لعلاجه ، ويقول " بعد فحوصات ومتابعة بين المراكز الصحية والمستشفيات في الضفة والقدس وداخل المستشفيات الاسرائيلية وصولا للاردن والسعودية اجمع الاطباء على عدم توفر علاج شافي يزيل التقرح ويضع حدا لمضاعفاته واصبح علاجي الوحيد اجراء تنظيف للجرح من الالتهاب "، ويضيف " في سن 12 عاما أجريت لي اول عملية جراحية في نابلس ولكنها كانت ايضا لتنظيف الجرح، وبعدها تتالت العمليات على مدار السنوات الماضية واصبحت اجري عمليتين او ثلاثة كل عام ".

اثار خطيرة:
حرم م. ي. من طفولته ، واصبح الالم ملازما لكل لحظة من حياته التي تأثرت بشكل بالغ وانعكس ذلك على نفسيته وصحته ، ويقول " لم يكن امامي من خيار سوى التعايش مع الالم، وسط رعاية واهتمام اسرتي وحرصها على تخفيف معاناتي، حيث بذلوا ما في وسعهم حتى لا يكون للمرض تأثير على مستقبلي، خاصة في المدرسة"، ويضيف " قاومت أثر المرض والعمليات لحبي للتعليم والمدرسة التي كانت بعيدة جدا عن منزلنا، فكان أبي يتكبد عناء المشقة، تارة يحملني واخرى يستعين بحمار لنقلي، لأنني أصبحت غير قادر على السير بشكل طبيعي، وحتى في المدرسة كنت أقضي الوقت داخل الصف، وحرمت من كل شيء".

صبر م. ي. وتحمل، وأصر على الاجتهاد والمثابرة حتى حصل على شهادة الثانوية العامة في الفرع الأدبي عام 2003، ولكن المرض وقف حائلا أمام مواصلة تعليمه الجامعي، ويقول "لم تكتمل فرحتي بنجاحي لأنني عجزت عن الالتحاق بالجامعة، فقد كان المرض قد استفحل ووصل العظم وأصبح مزمنا"، ويضيف "حصلت على تحويلة من وزارة الصحة وسافرت الى الأردن حيث أجريت لي أربع عمليات جراحية، ولكن الكارثة الكبرى أنه بعد شهرين ظهر كيس تقرحات في منطقة القدم اليسرى اعتبره الاطباء مؤشرا خطيرا على قدمي ".

العلاج الوحيد البتر:
رفض م. ي. الاستسلام للامر الواقع ، وتوجهت عائلته للبحث عن أمل العلاج ، ويقول "سافرت للسعودية ولكنني لم أتمكن من الحصول على العلاج، بسبب طول مدته ومصاريفه التي لا يمكن لعائلتي توفيرها، وحصلت على تحويلة من السلطة الوطنية الى احد المستشفيات الإسرائيلية"، ويضيف " لم اكد اجد مخرجا لمعاناتي البالغة حين حصلت على تصريح للوصول إلى المستشفى، حتى واجهت مشقة كبيرة في السفر بسبب الاغلاق والحصار، حتى كنت اضطر للسفر الى نابلس على الحمار في سبيل الوصول للمستشفى الذي قطعت فيه رحلة علاج لمدة عام "، ويكمل " بعدها توقفت التصاريح وفقدت الأمل في مواصلة علاجي، فتدهورت حالتي الصحية من جديد".

اصبح م. ي. يعيش على المضادات الحيوية حتى عام 2009، حيث واجه أكبر صدمة في حياته ، وأردف: " لم تعد المضادات تجدي لأنه تبين أن الالتهاب استفحل وامتد الى كل منطقة المشط، وبعد مراجعة الأطباء، أخبروني أن الحل الوحيد لانقاذ حياتي هو البتر "، ويضيف " صعقت وبكيت وتألمت، ولكن راجعت عددا كبيرا من الاطباء المختصين وكانت إجابتهم واحدة: انني معرض لمضاعفات اخطر وان انقاذي من جحيم المعاناة هو البتر الذي سينهي مشكلتي، بعدما تأكد الجميع من ان جرحي لن يغلق للابد".

القرار الصعب:
ويقول م. ي.: "عشت أقسى لحظات العمر في مواجهة أصعب الخيارات، وسط إصرار الاطباء على إجراء العملية دون تأخير، وبدات أفكر في واقع حياتي المأساوية ومعاناة عائلتي التي دفعت الثمن غاليا لأن تاثير مرضي انعكس عليها أيضا".

مرة اخرى، لجأ م. ي. للدكتور رستم النمري لمعرفة رأيه ومساعدته في القرار، ويقول " كانت لدية ثقة كبيرة بخبرته وقدرته وامكانياته، وعندما أبلغني أن حياتي بعد العملية ستكون افضل وبلا ألم، أجريت لي العملية في 22-12-2009 في جمعية المقاصد الخيرية، وكان لدي أمل كبير بالله و قناعة أنه سيكون لي حياة جديدة أفضل " . يتذكر م. ي. أنه بعد العملية لم يتمالك أعصابه وبكى بشدة ، ويقول: "عندما افقت من التخدير وفقدت قدمي تأثرت وبكيت، ولكني سلمت امري لله وقلت ان شاء الله سيكتب لي حياة سعيدة ".

بعد عامين، تم تركيب طرف صناعي م. ي. في الجمعية العربية في بيت جالا ، وفور عودته للمنزل شعر بتحسن كبير في حالته الصحية والنفسية ، ويقول " عندما تم تركيب الطرف الصناعي لي قررت فتح صفحة جديدة والبحث عن السبيل لاكون عنصرا بناء في عائلتي والمجتمع، كما أردت مساعدة أبي الذي حمل العبء عني "، ويضيف "تقدمت لوظائف يمكن ان أؤديها بنجاح رغم حالتي حتى أتمكن من اكمال تعليمي، وقرعت كل الابواب لكن دون جدوى، والاشد قساوة ان الجميع كان ينظر الى قدمي المبتورة وليس لطاقتي وقدرتي ورغبتي الكبيرة في بناء حياة جديدة ".

حياة كريمة:
تأثر م. ي. كثيرا بهذا الواقع، ولكنه واصل التمسك بالامل والبحث عنه ، ويقول "هذه المحطة كانت مؤلمة جدا وعانيت كثيرا لأنني توجهت إلى كل السبل، حتى رشحتني الاغاثة الطبية التي كانت تساعدني في توفير بعض احتياجاتي لمشروع حياة كريمة الذي ترعاه وتنفذه مؤسسة مجموعة الاتصالات للتنمية، التي قام فريق منها بزيارتي عام 2010 ، ويضيف "منذ اللحظة الاولى شعرت ان الله استجاب لدعواتي ، فقد اطلع الفريق على وضعي وسالوني عن امنيتي وابلغتهم برغبتي بافتتاح مشروع تربية أغنام بهدف توفير فرصة عمل تساعدني على مواصلة تعليمي".

ترتسم معالم الفرح على وجه م. ي. وهو يتذكر لحظة إبلاغه بموافقة مؤسسة مجموعة الاتصالات للتنمية على تبني مشروعه وتحقيق حلمه ، ويقول "كان اجمل خبر اسمعه منذ سنوات، بعدما وصلت لمرحلة اليأس والاحباط ، وكانت فرحتي عارمة "، ويضيف "بعد الاتصال تغيرت نفسيتي وبدأت أخطط للغد بعدما اصبح لي هدف احققه، ورغم انه مشروع صغير لكنه سيمنحني مصدر رزق لاتعلم وحتى اتزوج رغم انني نسيت الموضوع طوال سنوات الالم ".
فرحة العمر.

لم يصدق م. ي. أن حلمه أصبح حقيقة عندما تسلم المشروع في العشرين من أيار الماضي، ويقول "عندما توجهت لاستلام مشروعي شعرت كانني ذاهب للإحضار عروسي، وشهدت حياتي تحولاً كبيراً".

تابعت مؤسسة مجموعة الاتصالات للتنمية مع م. ي. تجهيزات المشروع بعدما وفرت له عائلته جزءا من ارض تقع بمحيط منزلها، بنت عليه مبنى الحظيرة الذي انطلقت منه اولى خطواته نحو طريق الاحلام، ويقول "كل العائلة تساعدني في انجاح المشروع الذي أكرس وقتي لرعايته لرعايته والاستفادة منه، لان لدي الكثير من الطموحات ".

وبعد سنوات من المعاناة والبطالة، يمضي اليوم م. ي. معظم اوقاته في رعاية الاغنام وكله اصرار على تطوير المشروع ، ويقول "أخيرا اصبح لحياتي معنى وهدف، فمؤسسة مجموعة الاتصالات بمنحي المشروع فتحت امامي أبواب الرزق والحياة وتغيرت أوضاعي ونفسيتي لأنني أصبحت عنصر إنتاج في المجتمع ورزقي في بيتي".

امال اخرى:
وبينما يحرص م. ي. على الاستعانة بخبرة العاملين في مجال الثروة الحيوانية ، تغمره روح إيجابية وهو يتنقل داخل الحظيرة، ويؤدي دوره بنجاح فاق كل التوقعات ، ويقول " كثيرون اعترضوني وحاولو زرع اليأس في أعماقي، ولكن كل يوم عمل امضيه في رعاية مشروعي ارى واقعا افضل، لم أعد افكر بالمرض والعجز ، وتحررت من مشاعر الخوف والاحباط، استعدت الأمل وزمام أمور حياتي"، ويضيف "مع بدء عمليات انتاج المشروع اتطلع لمزيد من الدعم والرعاية حتى يكبر، وأود أن اقيم مزرعة خاصة بي، الحمد لله بفضل هذا المشروع تحولت من شاب عاجز ليس لديه السبيل لتحقيق أهدافه إلى إنسان منتج يملك الامل والارادة للنجاح والوصول لهدفي الاكبر وهو مواصلة دراستي الجامعية ".

في منزل العائلة، تبدو معالم الأمل والفرح بشكل أكبر لدى والده الستيني الذي يعمل في محجر محلي في عصيرة الشمالية ، ويقول " لقد مرّ ابني بمعاناة كبيرة بسبب حالته، وقد تأثرنا جميعاً بذلك، لكن الأوضاع تغيرت منذ حصوله على مشروع حياة كريمة "، ويضيف " لاوقات طويلة لم اكن اعرف طعم النوم بسبب حالة ابني ولكني اليوم اشعر بالراحة، فقد اصبح لديه مشروعه الخاص، ونأمل أن ينجح ويوفقه الله للوصول لغاياته، فهو طموح وقوي واثبت ان الاعاقة لا تلغي الطاقة، خاصة عندما يمتلك الإنسان الإرادة وتساعده مؤسسات وطنية تستشعر هموم أبناء وطنها، فالفضل بعد الله يعود لمؤسسة مجموعة الاتصالات للتنمية التي جعلت المستحيل واقعا ".