الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحديث ذو شجون ديغول فرنسا الكروي بقلم فايز نصار

نشر بتاريخ: 30/01/2007 ( آخر تحديث: 30/01/2007 الساعة: 19:02 )
بيت لحم - معا - حكمت أمة العرب العالم مشرقاً ومغرباً ، وشمالاً وجنوباً ، عندما كانت تولي أمورها خيارها ، وتجعل الكفاءة والنزاهة رأس الأمر في المفاضلة بين الرجال المرشحين للولاية ، لأنها أمانة ، ولأنها يوم القيامة خزي وندامة ، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ، للصحابي الجليل ، أبي ذر الغفاري ، عندما جاءه مزكياً نفسه للولاية ، لأن الأصل أن لا يزكي المؤمن القوي نفسه !! وعندما تركت الأمة هذا الديدن ، وأصبح اللف والدوران منهجاً في المفاضلة بين المرشحين ، تراجعت امتنا المجيدة إلى الصفوف الخلفية بين الأمم ، تاركة للأمم التي تحسن تقدير رجالها ، وتحسن اختيارهم للمواقف المختلفة التقدم للصفوف الأمامية . ورغم أن الأمة الفرنسية تتشكل من خليط من الأعراق والألوان والأديان ، إلا أن التزام الفرنسيين بقوانين الجمهورية جعلهم يقدمون ديغول ، الذي أصبح ملهمهم بعد مشاركته في حرب تحرير فرنسا من براثن النازية ، ولم يشفع النصر العظيم لديغول في فرنسا الحرة ، التي تعرف متى تستعين برجالها ؟ ومتى تركنهم جانباً ؟ فأبعد ديغول عن الواجهة في بلاد سوزان . وعندما غرقت فرنسا في الأوحال الجزائرية ، في خضم حرب التحرير المظفرة ، التي شاركت فيها كل الشرائح الجزائرية ، تحت شعار "التحرير أولاً" وجدت فرنسا المستعمِرة أن لا منقذ لها من أتون الجزائر إلا ديغول ،فعاد البطل إلى الواجهة ، قبل أن تبعده انتفاضة الطلاب مرة أخرى مطلع الستينات !! ولا مجال في فرنسا وأخواتها الأوروبيات للزعيم الأوحد ، الذي يحمل المسؤولية مدى الحياة ، لان العمر الافتراضي للقيادة محدود ، كما يرى محمد حسنين هيكل ، ولذلك أعفت القارة العجوز السويدي يوهانسن من مواصلة رئاسة الاتحاد الأوروبي لحساب الفرنسي بلاتيني ، ولم تشفع للرجل السويدي فتوحاته الكروية ، التي أخذت بيد الكرة الأوروبية قدماً ، على رأس الكرة العالمية ، في زمن العولمة . المهم أن القارة العتيقة عقدت لواء زعامة كرتها لفتاها المدلل ميشيل بلاتيني ، الفرنسي الذي يوحي اسمه بأصله الطلياني ، كما يسمى الطليان نجومهم جنتيلي وتارديلي ورافيلي .. وغيرهم ، وسيكون للرجل حكاية مع ايطاليا ، رفعت أسهمه على حساب القيصر الألماني فرانس بكنباور . ويعتز الفرنسيون ببلاتيني ، رمزاً للجيل الفرنسي ، الذي حقق أفضل فتوحات الكرة الفرنسية ، من خلال مختلف المواقع ، التي تولى بلاتيني زمام أمرها ، منذ نعومة أظافره في نانسي ، الى تفتح مواهبه في أخضر سانتتيان ، وصولاً إلى فريق السيدة العجوز ، الذي جمع معه أطراف المجد في بلاد الكالتشيو ، وعلى الجبهة الأوروبية ، بجملة من الألقاب على الجبهتين الإيطالية والأوروبية . ولا يقل اعتزاز الفرنسيين بفتاهم المدلل ، كابتن الفيلق الفرنسي العظيم ، الذي حقق جملة من الألقاب ، أولها كأس أوروبا للأمم سنة 1984بفرنسا، وتألقهم في بطولتي كأس العالم في إسبانيا والمكسيك ، حيث أنجبت فرنسا افضل منتخباتها ، بعبقرية هيدالغو ، وبالوسط الذهبي ، الذي قاده بلاتيني مع جيريس وتيغانا وفرنانديز . ولما اعتزل بلاتيني الملاعب ، لم يبتعد عن أجوائها، فقاد منتخب فرنسا في تجربة تدريبية غير مؤثرة في بطولة أوروبا 1992 ، قبل أن يقود الديك الأزرق لأغلى الألقاب ، عندما نجح في تنظيم كأس العالم سنة 1998 ، ويومها اختارت فرنسا ديغولها الكروي رئيساً للجنة المنظمة لكاس العالم ، فاختار الرجل أربعة عشر مهندساً في مختلف المجالات ، عملوا بجد عدة سنوات ، فنجحت فرنسا في رهانها على عدة جبهات ! وقد لفت نجاح بلاتيني في تنظيم كأس العالم أنظار المسؤولين في إمبراطورية الكرة العالمية ، فراقبوا موهبته ، على أمل أن يكون للرجل شأن في قيادة سفينة الفيفا ، ولكن الاتحاد الأوروبي سبق الفيفا لخطف مواهب الرجل ، الذي أصبح منذ أيام رئيساً للاتحاد الأوروبي لكرة القدم . ولعل أفضل مكارم ميشيل فرنسا لملاعب الكرة ، ابتكاره لرزنامة بلاتيني ، التي تنظم المنافسات الدولية للأندية والمنتخبات ، رسمياً وودياً ، مما نسق جهود مختلف الاتحادات الكروية ، وسهل مهمة تحضير المنتخبات الكروية ، فاستفاد من رزنامة بلاتيني كل العالم إلا نحن ، لأننا - والله يعلم- نعيش في عالم غير هذا العالم! لا جدال في أن أوروبا تحسن استغلال طاقات رجالها ، وتصل بالبديهة الصائبة لمكامن قوتهم ، فتقدم من تشاء عندما تنطبق على المقدمين اشتراط المسؤولية ، وتتريث في أمر آخرين لم تنضج مواهبهم حتى حين .... وهذا لعمري درس آخر يجب أن نتعلمه من الفرنسيين ، حتى لا يواصل البعض العزف على مقولة : ان الغرب يتعلم محاسننا ، ونحن نتعلم مساوئه!! والحديث ذو شجون