الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

المبعد محمد سعيد يصل المعبر للتعبير عبرَ صورة دون ان يعبرَ للوطن !

نشر بتاريخ: 06/09/2012 ( آخر تحديث: 06/09/2012 الساعة: 21:27 )
بيت لحم - خاص معا - كان محمد سعيد يحلم بالعودة إلى قريته المحتلة عام 1948 "ديربان" التي لم يرها يوما بل سمع عنها من والده وجده... عاش في أزقة مخيم الدهيشة وانتظر على طابور مطعم وكالة الغوث للحصول على وجبة تسد الجوع حاله حال أطفال المخيم .. الفقر واللجوء لم يسقطا أحلام محمد الذي كان يرى الوطن بعيون والده الذي فقد أحداها برصاصة جندي محتل.

أبو السعيد كما الشباب بالمخيم احترف قذف الحجارة في المواجهات مع الجيش والمستوطنين في انتفاضة الحجارة، إلا أن جنون البارود الإسرائيلي في انتفاضة الأقصى جعل أطفال الحجارة يبحثون عن بدائل لمقاومة الدبابة والمجنزرة والمدفعية وطائرة اف 16.

لم يحلم أبو السعيد بالبندقية بل كابوس الاحتلال ومطاردته لأحلام الشباب جعلته يبيع جزءا من ممتلكاته العائلية والشخصية ليقتني بندقية ليدافع عن دم أصدقائه محمود وجاد وأبو اسحق وبقية الوجوه الجميلة.

أصيب أبو السعيد بالقرب من جامعة بيت لحم بجروح خطيرة بقدمه اثناء مواجهات مع الاحتلال وحتى الشظايا لا زالت تلازم لحم فخده وقدمه المصابة.

في اجتياح الجيش الإسرائيلي لكنيسة المهد ببيت لحم عام 2002 حوصر أبو السعيد مع العشرات من المناضلين في بيت الله لمدة 40 يوما دون أن يراعي الاحتلال أرواح خلق الله.

تم إبعاد أبو السعيد إلى ايطاليا وعاش ظروفا قاسية مجبولة بالقهر والألم والغربة ..قبل سنوات تزوج من قريبة له في الأردن لعلها تخفف عليه حجم الم الفراق عن الأحبة والعائلة والوطن.

بالأمس وقف أبو السعيد وهو في قمة الحزن والأسى عند يافطة بالقرب من جسر الملك حسين بالجانب الأردني..وصل هناك لأنها اقرب نقطة لفلسطين التي حرم منها... وصل هناك ليلقي نظرة ولو عن بُعد على الجبال التي تلف القدس والوجع... محاولا ان يشبع رئتيه من هواء قد يكون اختلط مع هواء من أحب.

|188116|

التقط ابو السعيد صورا له بالقرب من الحدود وعند اقرب نقطة يسمح له بوصولها على أمل ان يعود يوما إلى هذا المعبر ليس للنظر فقط بل للعبور حيث الحضن الدافئ حيث الأم الحنونة والأب الناطر والحارة التي تفتقده والمخيم المقهور على قهر من يعيشون بين جدران غرف وكالة الغوث دون إغاثة او غوث حتى لأحلامهم المطاردة والمحاصرة والمبعدة.
فتح ابو السعيد ذراعيه ورفع نظره للسماء لتسقط من عيونه دمعة الدعاء والخشوع لله دون ان يسقط من قلبه حلم العبور ليس للمخيم فحسب بل ولديربان أيضا..عاد ونظر بتمعن اتجاه فلسطين قبلته وبوصلة وجدانه تحمله باتجاه واحد لم تغيرها سنوات القهر والإبعاد والاقتلاع ففي تلك الأرض تكمن الأمنيات رغم دمع الأمهات. تمتم أبو السعيد وهو يعود من المعبر وظهره للوطن بكلمات مفادها ان الأحلام قد تتأخر وقد تتأجل ولكنها لن تسقط بالتقادم وهي غير قابلة للنسيان.


يعبر ابو السعيد بروحه ووجدانه يوميا الى فلسطين وذكريات المطاردة ورائحة الموت والشهادة بمخزون من الصور الجميلة التي تطوف في باله للمغربي وآيات وعبيات وحمامرة وجعارة والكامل وابو نجمة والشوعاني وعندليب وبقية الطيور التي حاولت التغريد والتحليق رغما عن السجن وقضبانه وشباكه التي لم ولن تفلح بالقبض على أحلام المرور للوطن او حتى محاصرتها.