في حلب.. الطائرات الحربية في مواجهة البنادق والمدنيون يائسون
نشر بتاريخ: 07/09/2012 ( آخر تحديث: 07/09/2012 الساعة: 07:35 )
القدس- معا- رويترز- مالت الطائرة المقاتلة بشكل حاد في سماء مدينة حلب السورية وحلقت على ارتفاع نحو 300 قدم فوق منازل المدينة المكونة من طابقين وأصدر مدفعها صوتا صاخبا عندما بدأ في إطلاق نيرانه.
وانفجرت شاحنة وقود وتصاعدت منها ألسنة اللهب والدخان. وهرع السكان المحليون إلى جوانب الطرق التي تناثرت فيها الأنقاض في الوقت الذي لا تزال فيه المدينة الأكبر في سوريا مفعمة بالحياة رغم الصراع.
وحلقت طائرة هليكوبتر حربية فوق منازل مشيدة بالطوب الأسمنتي وأخذ مراهق يعدو بمفرده في الشارع ثم أطلق النار على الطائرة من بندقية كلاشنيكوف في مشهد يظهر جرأة غريبة.
هذه المدينة المترامية الأطراف التي يقطنها 2.5 مليون نسمة تعكس ما يحدث في أنحاء البلاد. فالمعارضون المقاتلون الأقل تسلحا بكثير من القوات النظامية ينتشرون في المناطق الحضرية ثم تقوم المدفعية والطائرات الحربية بعد ذلك بقصفها عشوائيا إلى أن يغادر المسلحون. وفي غضون ذلك ترتفع أعداد القتلى بين المدنيين.
وبعد مراقبة القتال في حلب على مدار الأسبوعين الماضيين ثمة انطباع مأخوذ من الصور الفوضوية للحرب بأن سوريا باتت تواجه الآن طريقا مسدودا سواء في ساحة المعركة حيث لا تستطيع قوات الجيش أو المعارضة على ما يبدو تسديد ضربة حاسمة أو في إطار المساعي الواسعة لكسب التأييد إذ أن كثيرا من السوريين لاسيما بين أبناء الأقليات الكبرى لا يبدون تأييدا لأي من الجانبين .
وتقول ألوية المعارضة التي ينحدر معظمها من المناطق الريفية السنية في حلب إنها فرضت سيطرتها على أكثر من نصف المدينة التجارية والصناعية الكبيرة منذ أن بدأوا أول هجوم كبير لهم في أواخر يوليو تموز الماضي.
لكن منذ ذلك الحين استقرت الخطوط الأمامية إلى حد كبير في ظل المد والجزر اليومي الذي تشهده الحرب غير المتكافئة وغير الحاسمة.
وقوبل الشاب الذي أطلق النار على الطائرة الهليكوبتر بوابل من النيران لكنه أخطأ الهدف. وظهر مزيد من المقاتلين وشاحنة خفيفة مثبت عليها مدفع رشاش على الطريق سريعا لكنهم لم يتمكنوا من إسقاط الطائرة.
اختبأ أطفال وراء جدران رفيعة وهم يرتعدون من الخوف ويختلسون النظر إلى حرب أودت بحياة 20 ألف شخص وتنذر بتصاعد حدتها.
وعادت الطائرة المقاتلة للتحليق مرة أخرى وهي طائرة تدريب تشيكية معدلة على ما يبدو وليست واحدة من طائرات ميج الروسية المخيفة التي بحوزة الأسد مما يظهر حدود جيش يعتمد على الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد مع تحول السنة ضده.
وقال صاحب مطعم صغير في منطقة خاضعة لسيطرة المعارضين طلب الاكتفاء بتعريف نفسه باسم محمد فقط خوفا من انتقام الحكومة او المعارضين "التحرير .. ليس وصفا يمكنني أن أطلقه على ما حدث عندما دخل المعارضون حلب قبل نحو شهر."
وأسفرت هجمات جوية في مناطق قريبة عن تناثر الأنقاض في الشارع أمام مطعم محمد الذي أبقاه مفتوحا فقط للمساعدة على إطعام سكان حلب الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف مغادرة ديارهم.
وقال الرجل ضخم البنيان بصوت مخفض "لم أعد قادرا على تحمل ذلك. هذا آخر يوم لي. سأغلق (المطعم) غدا وأبقى بالمنزل."
وقام محمد الذي كان يرتدي معطفا أبيض متسخا بوضع كميات صغيرة من الفول في أكياس بلاستيكية لتوزيعها على صف طويل من الزبائن.
وكان بالمطعم ثلاث طاولات لكن صوت طائرة هليكوبتر تقترب جعل الناس أحرص على العودة لمنازلهم منهم على الجلوس في المطعم لتناول طعامهم.
وفي زاوية المطعم توجد أجولة من الفحم الذي يستخدمه في تسخين الفول نظرا لنقص الغاز. وكانت صورة والد محمد معلقة على الحائط.
وسأل رجل مسن قائلا "أعندك خبز؟" فرد محمد "لا" دون أن يبحث في المطعم. وسأل آخر "هل يوجد حمص؟" فأجاب محمد "لا".
وهمهم محمد قائلا "كنا أفضل حالا قبل أن يأتي المعارضون."
وثمة العديد من سكان حلب يشاركون محمد الرأي.
وهم يقولون إن رئيسهم مجرم قاتل أمر جيشه والشبيحة باستخدام الذخيرة الحية على الاحتجاجات السلمية لشهور وتدمير أحياء بنيران المدفعية والدبابات. غير أنهم ساخطون أيضا على المقاتلين المعارضين لنقلهم القتال إلى حلب التي كانت المركز التجاري لسوريا.
والحياة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضين لا تطاق. فأكوام القمامة التي لا يتم جمعها تحرق كل بضعة أيام ليحل الدخان الكثيف محل رائحة النفايات العفنة.
وارتفعت أسعار السلع الغذائية وصارت طوابير الصباح أمام المخابز طويلة للغاية حتى أنها تمتد حول مربعات سكنية بأكملها. يلعب الأطفال في برك المياه الناجمة عن انفجار أنابيب المياه وفقد الآلاف منازلهم في الهجمات التي تعرضت لها الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضين.
وفي حي بستان القصر قام المعارضون الذين يقيمون في مدرسة مهجورة بسحب المقاعد والطاولات إلى الشوارع لإقامة نقاط تفتيش. وفي المباني الكائنة خلفهم توجد فتحات واسعة خلفتها قذائف المورتر والهجمات الجوية التي يقول السكان إنها تحدث دون سابق إنذار.
ونقش المقاتلون عبارة "الجيش الحر" على المكتب في غرفة الناظر. وهناك خرائط للمدينة معلقة على الحائط. وفي أحد الفصول جمعت كافة الطاولات في جانب واحد لتوفير مساحة للأسلحة والذخيرة والأدوية. ولا يزال مكتوبا على السبورة البيضاء درس قديم للغة الإنجليزية.
وجيش الأسد واحد من أكبر الجيوش في المنطقة لكن معظم أسلحته سوفيتية الصنع وهي أداة لا تتناسب مع محاربة انتفاضة شعبية. وجرى وضع علامات على المدارس ومراكز الشرطة على كثير من الخرائط البسيطة للمدينة مما يكشف عن أماكن قواعد المعارضين.
ويقول القائد العسكري المعارض أبو عماد الذي يجلس على مكتب الناظر حاليا "نتمركز هنا تحديدا لأننا لا نريد أن يتم استهداف المدنيين. لم نتمركز داخل المباني السكنية لضمان ألا يتأذى المدنيون."
لكن ليست هناك أهداف عسكرية خالصة والمدنيون هم من يتحملون وطأة الصراع. وفي الأسبوع الماضي سقطت قنبلة عند مدخل المدرسة. وكانت هناك سيارة أجرة مقلوبة في الشارع بينما انهارت جوانب مبان سكنية مكونة من خمسة طوابق بوسط حلب.