في اليوم الثاني لمؤتمر "مواطن"الثورات العربية صيرورة والأسئلة حولها
نشر بتاريخ: 22/09/2012 ( آخر تحديث: 22/09/2012 الساعة: 23:07 )
رام الله -معا- لليوم الثاني على التوالي، استمرت وقائع المؤتمر السنوي الثامن عشر للمؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية "مواطن" تحت عنوان "أسئلة الثورات العربية في نهاية عامها الثاني" في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في رام الله. وتم توزيع الوقت على ثلاث جلسات، أولاها "أسئلة الذات والهوية في خطاب الثورة" وثانيها "المرأة والثورة" وثالثها التي اختتمت وقائع المؤتمر كانت بعنوان "التحديّات الكبرى للمرحلة الانتقالية".
أدارت الجلسة الأولى المحاضرة في معهد دراسات المرأة بجامعة بيرزيت لينا ميعاري، التي عبرت عن سعادتها بافتتاحها أولى جلسات المؤتمر، وقدمت لكل من رئيس دائرة علم الاجتماع في جامعة بيرزيت أباهر السقا، والمحاضر في علم الاجتماع والإنسان إسماعيل الناشف.
الأيديولوجية لا تموت
بين الحراك المؤدلج والحياة اليومية التي تظهر بمظهر عفوي غير مؤدلج، يعرض الدكتور أباهر السقا قراءة للحياة اليومية والشعارات التي نادى بها الثوار والمتظاهرون في بلاد ما سمي بالربيع العربي في ورقته "الخطابات اليومية والأيديولوجية في مجتمعات الانتفاضات العربية المعاصرة" إذ يعتقد السقّا بأن نفي الأيديولوجية عن ثورة بعض الشعوب العربية هو تصوّر ملتبس وغير دقيق، إنما هناك تصورات أيديولوجية مبطنة لا يمكن إدراكها بالملاحظة، ولا يعني ذلك أن من لا ينزل إلى الشارع أو يشارك بالتظاهرات والاحتجاجات غائب عن الهم العام، إنما هناك وسائل أخرى يعبر فيها عن رفضه كالنكتة وتخزين الألم للحظة ما، حتى يقرر الأفراد إخراج هذا المستتر إلى العلن.
ويوضح السقّا بأمثلة من الشعارات التي نودي بها في هذه الثورات، كالعدالة والمواطنة والحرية والمساواة والديمقراطية، كلها تعني بالضرورة أيديولوجيات أو كما سماها "التقاطات أيديولوجيّة"، لكنها لا تعلن عن نفسها بحُزَم وبرامج عقائدية. وبذلك، فإن السقّا يرى أن الأيديولوجيات لا تنتهي إنما تتبدل، وكل النظريات التي قالت بنهاية التاريخ ونهاية الأيديولوجية هي أيديولوجية بالمطلق.
ثم ينتقل السقّا إلى الحديث عن سيطرة ثلاثة أشكال من الخطابات على المشهد الثوري، أحدها مدني والآخر قانوني وثالثهم سياسوي، يحاول فيها الأخير تسييس الثورة أو إنتاج ثورة في السياسة والمفاهيم والقيم والسلوكيات، الشيء الذي يتجلى في أزمة مجتمعات ما بعد الثورة.
وبين الحراك الشعبي بمنظوره الثوري المضاد للنظام السياسي، يقول الكتور إسماعيل الناشف في ورقته "شهوة القتل: تحولات في ملامح الجماعة العربية وجسدها" إن القتل هو الوسيلة لردع الجماهير والحفاظ على سيادة الدولة القومية التي تحتكر وسائل العنف، كميزة لجميع الأنظمة السياسية الحديثة، مشيرًا إلى أن القتل بهذا الشكل الزخم الذي يحدث في سوريا للحفاظ على سيادتها، بادعّاء النظام الحاكم.
كما عصف الناشف الأذهان بأسئلة مختلفة وعديدة، تتعلق بوجود ما سماه "غياب مخطط للذاكرة الجمعية" إذ رأى أن كل ثورة تعود بالضرورة التاريخية إلى مراجعة الماضي البعيد لصياغة الواقع الجديد بناء على محدثاته، بينما ما يحصل الآن فهو الاستناد إلى ماض قريب زمنيًا من اندلاع الثورة. وقام بتوصيف الموت على أنه إجراء، وليس غريبًا أو خارجًا عن السياق الاجتماعي ، فهو أهم ما يميز الإنسان على مر النصوص الدينية والأساطير والخرافات حتى العصر الحديث، ويجب ألا يُنظر إليه على أنه دراما أكبر من الحياة.
وأضاف الناشف "نحن بحاجة إلى خطوة خارج الخطاب الديمقراطي الذي انتهى " مشيرًا إلى الحلول التكنولوجية للصراعات الاجتماعية، التي نقلت التواجد الحسي المباشر لمجموعة من الناس في الميدان إلى الحضور في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ ينتقل حينها الصراع من مرحلة إلى أخرى أعلى، وكل مرحلة تكنولوجية هي حلول تناقضات لمرحلة سابقة.
بين المرأة والثورة..تحرر
في الجلسة الثانية، التي يمكن وصفها بأنها "نسوية بامتياز" أدارت النقاش المحاضرة في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية سونيا نمر. وفي هذه الجلسة قدمت بالبروفيسورة في معهد السياسة المقارنة والنظرية السياسية والدراسات الدولية في جامعة دلهي نيفيدتا منون ورقة بعنوان "ما بعد الحجاب: نقد نسوي لعملية الضبط الثقافي" . وقبل أن تبدأ منون عرض ورقتها قالت باللغة الهندية "عاشت فلسطين حرة" وعرفت عن نفسها بأنها عضوة في حركة مقاطعة البضائع الإسرائيلية في الهند.
ثم بدأت منون تعرض للنماذج الثورية النسوية في الهند، وهي إحدى الناشطات في مجالات حقوق المرأة. وذكرت في ورقتها تفصيلات ثلاث حركات نسوية أولاها، تجمع السحاقيات الذين كنّ منبوذات من قبل المجتمع ومرفوضات بتاتا ويعتقلن أينما ضبطن، ومثلهن المثليين من الذكور. لكن بعد كفاح دام أكثر من 20 عامًا تمكنوا من أخذ حقهم بالاعتراف بهم وتقبل وجودهم في المجتمع الهندي كأقلية يجب احترام حقوقها. وأشارت منون، بأنه قبل ذلك كانت الفتيات السحاقيات ينتحرن ويخلفن وراءهن رسائل تدلل على سبب الانتحار وهو خوفهن مع كتمان سر هذه الغريزة لديهن.
والحركة الأخرى هي حركة النساء اللاتي يعملن في "الدعارة" لكنهن طورن المفهوم ليكون "العمل في الجنس" بحيث شكلن تجمعا ويعقدن المؤتمرات التي يتواجدن بها في الآلاف، معتبرات أن العمل في هذا المجال كغيره من الأعمال الأخرى التي يجب احترامها وتقبلها في المجتمع، ونسبة الذين يقمن به عن رغبة واختيار كبير بالنسبة للواتي تفرض عليهن ظروف الفقر اللجوء إليه. وما يشير إلى ذلك حديث النساء في آخر مؤتمر عقدنه واجتمعت به نحو 3000 امرأة، أن العديد منهن وجدن فرص عمل أخرى لكنهن فضل الاستمرار بعملهن الحالي لأنه أفضل اقتصاديًا.
أما الحركة الثالثة، فكانت حول حق النساء اللاتي يلعبن الريشة في الهند، ووضحت منون أن هذه اللعبة شهيرة وهناك عدد كبير من النساء يمارسها. حيث فرض الاتحاد الرياضي في الهند لباسًا على تلك اللاعبات ولم يتواءم معهن إذ لم يكن محتشما كما رأين وعبرن عن احتجاجهن ضد هذا اللباس، ثم ألغي القرار وتم تفسير إلغاؤه بأنه بعد إعادة النظر توضح بأنه عنصري يمس بحرية المرأة المسلمة التي لا تستطيع ارتداء ذلك اللباس.
ومن الثورات الجنسية في الهند، إلى استغلال الجنس الأنثوي في الثورة المصرية، حيث تنقلنا المحاضرة في قسم التاريخ في الجامعة الأمريكية بالقاهرة شيرين صيقلي إلى بدايات الثورة بين مصر وتونس، معبرة من خلال الصور للوجوه الشابة التي أثرت في سياق الثورة في البلاد العربية، ومن خلال الكاريكاتيور والنكتة السياسية والجرافيتي، وكيف تعرض كل من جسد خالد سعيد ومحمد بوعزيزي للتشويه، وكيف ضحت الجموع بأجسادها حين وقفت مقابل المياه الساخنة وطلقات الرصاص لتصنع الحرية. وعن المرأة الثائرة، أخذت نموذج الثائرة سميرة إبراهيم التي تعرضت للاغتصاب في معتقل النظام، ومرورها بتمني الموت قبل الخروج من المعتقل، لكنها برغم كل التعاسة التي بدت عليها حين خروجها، نهضت وحدثت كل العالم عن قصتها بمساندة عائلتها، ضمن كل السياق الاجتماعي الذي يغرس الرعب من العار والفضيحة، وذلك ما اعتبرته صقيلي "حرية" المرأة في زمن الثورة، مشيرة بأن هناك عشرات القصص التي رويت في هذا المجال ومئات أخرى لم ترو بسبب ذلك الرعب الاجتماعي.
ليبيا.. أمرٌ مختلف
بين مصر وسوريا وليبيا، تنقل الميكروفون بين متحدثين وشاهدين على الأحداث ومتابعين لها عن قرب، وتكون بذلك الجلسة الثالثة والختامية خلال يومي المؤتمر، حيث أدارها المحاضر في دائرة علم الاجتماع بجامعة بيرزيت مجدي المالكي.
بدأ المحاضر في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية وبرنامج الماجستير في الدراسات العربية المعاصرة في جامعة بيرزيت منير فخر الدين، بسرد قصصي مشوق لما يحدث في سوريا، ليعبر عن أهمية الرواية التاريخية والبحث عن الحقيقة في ورقته "التضحية للجمهورية" التي عرض فيها مراحل تاريخية مأزومة في سوريا ومقاربتها ومقارنتها بما يجري فيها الآن، من قتل وتدمير واعتقال.
وأكد فخر الدين على ضرورة خلق توازن بين الرواية الوطنية الجمهورية والرواية الوطنية الأهلية، على أن تكون الأولى شاملة للبعد الطبقي والتحرري داخل وبين الطوائف، بالإضافة إلى اتباع خطوات مترابطة ومكملة لبعضها البعض: أولها، الاعتراف بجميع الروايات الأهلية على الأقل على الصعيد الأكاديمي الثقافي، وثانيها، الاعتراف بعلاقات السلطة والسيطرة والهيمنة الأهلية والطبقية، وثالثها، الاعتراف بإخفاقات التجربة الجمهورية وأن هذا الإخفاق حصل بسبب إفساد الجيش وأجهزة الأمن والبيروقراطية الإدارية ونظام التمثيل السياسي من قبل حزب واحد.
فمن مصر، جاء المحاضر في قسم القانون في الجامعة الأمريكية بالقاهرة عمروشلقاني، ليقدم عرضًا تاريخيًا ل 60 عامًا مضت في ورقة اختار ان يسميها "الشعب يريد إعدام المحامين" على سبيل الحديث عن القانون والثورة في مصر، وأسمى النظام الذي ساد في مصر خلالها بنظام "يوليو" الذي رأى بأنه النظام الذي يجب إسقاطه، فهذه الحقبة الطويلة من الحكم العسكري وقوانين الطوارئ. وعرض أكثر من كاريكاتيور يدلل على سياسة تلك المرحلة التي تتغير منذ عام 1954.
وأكد شلقاني تغييب القضاء بل واختراقه منذ 60 عامًا، نافيًا وجود قضاء مستقل في مصر، حتى أن قيمة مهنة المحاماة انحدرت كثيرًا في مصر، واكتظت كليات الحقوق بالطلبة الذين اختاروا هذه الدراسة لا لشيء، فقط لأنه أكثر ما يناسب مستواهم الأكاديمي، ففي جامعة القاهرة لوحدها ،كما يشير شلقاني، هناك 38 ألف طالبًا وطالبة في كلية الحقوق! هذا عوضًا عن تصريحات أحد القضاة البارزين في مصر عبر التلفزيون بأنه من الطبيعي أن يكون ابن القاضي قاضٍ نتيجة نشأته في بيئة قانونية واطلاعه على مكتبة والده المكدسة بالحقوق والقوانين!
وأضاف "منذ 60 عامًا هناك فقط التزام ظاهري بسيادة القانون" من السلفيين والقوميين والليبراليين والإخوان المسلمين أما قلب هذه الأنظمة عسكري فقط، مشيرًا إلى مصطلح "المواءمة السياسية" الذي بات دارجًا لتبرير ذلك.
ومن مصر إلى ليبيا، حيث جاء المتخصص في شؤون الديمقراطية والانتخابات مجدي أبو زيد من ليبيا، لينقل للحاضرين الوضع في ليبيا، توصيفاته، وانطباعاته، ما أراده الشعب، وما تحقق منه، وما لن يسمح بحدوثه.
فوصف الأحداث في ليبيا بالمتسارعة والمفاجئة، وما يحدث فيها الآن هو إدارة للأزمة دون حلٍ لها. وفي وضع ليبيا المختلف عن حالة كمصر أو تونس أو سوريا، إذ لا جيش لها، بل ما يقارب الألف ميليشية عشرات منها تحت سيطرة النظام الجديد والكثير خارج عن سيطرته.
وبسبب الاختلاف والخلاف على اصطلاح "الثورة" في ليبيا، يرى أبو زيد أن الثورة هي التحول الكامل في أي مجتمع اختمرت فيه أسباب اندلاعها مجتمعة بين الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والوطنية وصولًا إلى توفر شروط ثلاثة حتى تتصف بكونها ثورة أي تحوّل وليس تغيير، وهذه الشروط : مشاركة معظم أفراد الشعب من كل الطبقات والمناطق قاطبة فيها، وتواصل الحراك رغم كل عوامل القمع والإرهاب والتخويف دون ان يكون موسميًا، واكتشف المطالب وتصعيدها تدريجيًا إلى أن تتبلور ويصبح لها شعارات يتم التعبير عنها في الاعتصامات والمجابهات والإعلام والأدبيات.
وأشار أبو زيد إلى أن الثورة الهائلة من الأموال المجمدة وعائدات النفط ما زالت في أيدي الناتو ضمن غياب كامل للقضاء والأمن الوطني. ومستشرفًا مستقبلًا زاهرًا لليبيا إذا ما استقر النظام، فهي تملك ثروات طبيعية كبيرة وأماكن سياحية رائعة يجب استغلالها تجعل منها دولة متقدمة بعد أن تجمد التطور فيها منذ استلام القذافي الحكم، ليقارن بين تلك الفترة وقبلها حين كان أفضل مطار في العالم هو مطار ليبيا.
التساؤلات عناوين مؤتمرات قادمة
بدوره، عبرّ مدير مؤسسة "مواطن" الدكتور جورج جقمان عن الإيجابية في الطرح للقضايا من جوانب مختلفة خلال اليومين الفائتين، حيث ساد النهج التحليل والنقدي على الأوراق، ووجهات نظر متنوعة تتعلق بمستقبل هذه الثورات، التي اتفق الجميع على أنها في صيرورة ولا يمكن إطلاق حكم عليها الآن، وفي سعي المؤتمر للإجابة عن أسئلة الثورات، برزت العديد من الأسئلة الأخرى في النقاشات بين المتحدثين والجمهور التي أجيب عن بعضها وبعضها الآخر لا تتوفر له إجابة الآن، وربما تصبح هذه الأسئلة والنقاشات عناوين لمؤتمرات قادمة تعقدها "مواطن" مستقبلًا، لدراسة تبعات المرحلة على فلسطين.