الجمعة: 04/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاسير عمر البرغوثي فلسطيني من الزمن القديم

نشر بتاريخ: 03/10/2012 ( آخر تحديث: 03/10/2012 الساعة: 08:41 )
بقلم: فؤاد الخفش كاتب وباح مختص في شؤون الأسرى الفلسطينيين

أشعرُ وأنا واقفٌ بين يديه أنّني أقف في حضرةِ فلسطينَ العظيمة الكبيرة التي شرَّفها الله بمكانةٍ عظيمة فهي مهبط الديانات السماوية الثلاث وفيها مسرى الرسول – صلى الله عليه وسلّم - أولى القبلتين وثالث المساجد التي لا تُشدّ الرِّحالُ إلاّ إليها ، فأشعرُ على الدوام بالهيبة والخجل وأنا أنظرُ إليه وأرقبُ قامته السامقة .

نور ووقار وهيبة وعزة تخرج من وجه هذا الرجل المجاهد الذي ما لانت له هامة، وما طأطأ رأسه في يوم من الأيام أمام أي ريحٍ عاصفةٍ كانت أم هادئة ، فكان هو "أبو عاصف" الرجل الثائر المقاتل العنيد المحب لفلسطين .

عمر البرغوثي أبو عاصف عشق العاصفة لأنَّها تريد أن تعيدَ للأرض كرامتها ولفلسطين عزّتها فلبِسَ لَأْمَةَ المُقاتل وسار يدافع عنها في كل الميادين ، فكان نصيبه الأسر منذ عام 1978 .

لم يكن أبو عاصف بالرجل العادي فلقد كان المحتل يحسب له ألف حساب ، فقام بنقله من سجن لآخر وأصدر بحقه الحكم تلو الآخر، ومع كل هذا وذاك رفض الاستكانة ولم تلن له قناة .

أكثر من ربع قرن هي المدة التي أمضاها الثائر الفلسطيني أبو عاصف يتنقل من سجن لسجن ومن معتقل لآخر، خرج بعدها في صفقة التبادل الشهيرة عام 1985 وأعيد اعتقاله مرات عدّة وما زال حتى الساعة رهن الاعتقال الإداري .

أبو عاصف "عمر" هو سليل عائلة مجاهدة شهد لها القاصي والداني بالبطولة والفداء والتضحية وحب الوطن فكان شقيقة نائل (أبو النور) عميد الأسرى الفلسطينيين و الذي أمضى 34 عاما بالسجون .

أبو عاصف الحبيب الصديق الغالي ، صاحب الهيبة والمكانة رجل اجتماعي بكل ما تحمل الكلمة من معنى لا يترك مناسبة دون أن يشارك بها، ولا يترك إنساناً دون السؤال عنه ، له في وجهه علامة نور أحسبه على خيرٍ ولا أزكي على الله أحداً .

أبو عاصف اعتقل جميع أطفاله وأُصدِرَت بحقهم الأحكام الجائرة ، وعلى الرغم من ذلك لم يجزع أو يقنط من رحمة الله فهو نوع من القيادات الذي لا يفصل أولاده عن شعبه وهو نموذج للفلسطيني الصنديد .

أبو عاصف في الأوقات القليلة التي يخرجها من السجن وقبل أن يُعاد اعتقاله وتحويله للاعتقال الإداري كان يذهب للأرض التي يعشقْ ، يزرع ويقلع ويفلح فهو من ابتدع قصة شجرة زيتون عن كل عام أمضاه شقيقة نائل داخل الأسر .

أبو عاصف هو ابن الحاجة (فرحة) ومن لا يعرف الحاجة فرحة لا يعرف معنى الأمومة والفداء، فالحاجة فرحة هي صرخة فلسطين أمام أبواب الصليب الأحمر،و كانت دائماً ما تُغنّي لفلسطين وللأسرى والوطن ... دهرا أمضته على أبواب المقرات الأممية وهي تطالب بالإفراج عن الأسرى ، انتقلت لجوار ربها دون أن يقف أولادها أمام قبرها وقبل ذلك أمام قبر أبيهم .

على صعيدي الشخصي، وفي وقت إتمام صفقة الوفاء للأحرار وخروج عميد الأسرى أبو النور وفي ظل غياب الشقيق الأكبر أبو عاصف شعرت بضيق شديد وتمنيت وجود أبو عاصف ليضم إلى صدره طفله وشقيقة الأصغر نائل الذي شاب هو الآخر ، ولكن هذه اللحظة لم تأتِ بعد .

أبو عاصف صاحب المواقف الرّاسخة في القضايا الحسّاسّة كان له موقفاً معروفاً من الانقسام الفلسطيني ، وكان لا يألو جهدا ولا وقتا إلا وذهب من أجل إنهاء مشكلةٍ في معتقل هنا أوهناك .

أبو عاصف كما عرفته نوعاً نادراً من الرجال لا يكلّ ولا يملّ ، يعشق الوطن يحب فلسطين لا يفرِّق بين هذا وذاك ، حسه الوطني عالٍ وانتمائه للوطن كبير .

بصدق وأمانة أنني لم أعرف في حياتي شخصاً بمواصفات هذا الرجل ، من حيث الرجولة وقوة القلب والجرأة ، فهو قلب الأسد بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى .

لك يا سيد الرجال هذه الكلمات من ابنك الذي يحبك ويحب طريقة حبك للوطن أرسلها لك في سجنك ، عرينك الذي أمضيت داخله أكثر من نصف عمرك لم تنحنِ خلاله هامتك ولم تلن لك عزيمة فلك منّي ألف تحيّةٍ وسلام .