الأحد: 17/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأسير محمد صبحة القائد

نشر بتاريخ: 09/10/2012 ( آخر تحديث: 09/10/2012 الساعة: 10:23 )
بقلم: فؤاد الخفش

تأسرني تلك العيون التي تُخفي خلفها حباً وعطاءً وتضحيةً دون أي مقابل ... تأسرني تلك القلوب التي تعطي دون انتظار لأيّ مقابل سوى إدخال السرور على قلوب الآخرين .. تأسرني تلك الابتسامة التي تُزيّن مُحيَّاه والتي يبثُّها في وجه الجميع سواء من يُحب أو من لا يُحب ، و لمن أحسن ولمن أساء .

أحد نظريات تفسير القيادة تُسمَّى نظرية السِّمات ، وتتحدث هذه النظرية على اعتبار أنَّ القيادة تُورَّث ولها علاقة بالجينات ، وتنشئ مع الإنسان من صغره ، بمعنى أنّه يُولد قائداً ، مع محمد صبحه هذه النظرية صحيحة بكل ما تعني الكلمة من معنى، فهو قائدٌ من الصغر، تعرف ذلك من عيونه ومن حركات يده بل ومن نبرة صوته .

فهو شابٌ لا يعرِفُ الاستكانة ...يكره الجلوس إلا للكتابة التي أعطاها وقتاً كبيراً من حياته بالأَسْر متنوع الاهتمامات ، محمد المهندس الذي لم يستطع البقاء في تخصصه نظراً لعمله النقابي يوم أن كان رئيساً لمجلس الطلبة في جامعة النجاح ورئيساً لجميع مجالس طلبة جامعات فلسطين وانتقل لكلية التجارة ، و أتقن قراءة القرآن بعدة قراءات ونمَّى قدراته في هذا الجانب .

محمد الأسير الشاب الذي لا يَهرَم ولا يَشيب ، أتقن اللغة العبرية قراءة وكتابة ومحادثة في فترة قياسية ، وبات يُعطي الشباب الصغير دورات لتعلّم اللغة العبرية ، فهو لا يترك دقيقه دون فائدة أو معرفة .

محمد باختصار قصّة شاب فلسطيني تفتَّحَتْ عيونُه ومداركه على بلادٍ مُحتلة ، وكان قدَرُه أن يكون من شباب الانتفاضة الفلسطينية الأولى ، يرشُق الحجارة ، ويضعُ السدود ويُشعلُ الإطارات ويُعلّق الأَعْلام على أعمدةِ الكهرباء ، ويرشُقُ الدوريات بالحجارة ، ويختفي خلف أي متراس ويضعُ اللثام على وجهه .

اعتُقِلَ وهو في أوَّل عمره حيث لم يتجاوز الخامسة عشر عاماً ، فصبر و تحمّل ، وكان الطفل الذي لا يستكين أو يلين ، وبدأت من وقتها حكاية الحب مع فلسطين تأخذ شكلاً آخر .

السجن والمحنة والاعتقال ، وأبيه وبيته وتربيته ، كلها عوامل ساعدت بشكل كبير في تنمية حب الوطن في قلب هذا الشاب الذي لا يشيب ، فدخل الجامعة بعد أن حصل على معدّل عالٍ يؤهله لدراسة الهندسة وبدأت رحلته في قيادة الكتلة الإسلامية فكان الخطيب المميز، و أصبح فارس الكتلة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ...

لم يكتفِ بذلك فانخرط بالعمل العسكري ، واعتُقِل من قلب الميدان ، وحُكِمَ عليه بالسجن لمدّة 15 عاماً بعد رحلة تحقيق قاسية استمرَّت 100 يوم و بشكلٍ متواصلٍ ومُهين ، ولكنه صبر واحتسب .

محمد الآن الشاب الصغير الذي ينبض حبا تبوّأ أعلى المناصب في كل شيء بِمُجرّد دخوله أي مكان ومع أي انتخابات تتمّ في المكان الذي يتواجد فيه فإنّه يتولى المنصب رقم واحد؛ لأنّه يحظى بحب جميع الشباب .. كنت أمازحه وأقول كيف تستطيع أن تبني كلّ هذه الجسور مع الصغير والكبير و مع المُتعلم والغير متعلم فكان يبتسم ويقول لي هكذا يجب أن نكون ...

السّرْ في كتابة مقالي هذا بصدقٍ وأمانة هي رسالة وصلتني من أختٍ درَسَتْ مع الأسير محمد صبحه تقول فيها : أنها لا تنسى هذا الأسير من الدعاء لموقفٍ له معها يوم أن كانت بالجامعة موقفُ صِدْقٍ أعاد فيه هذا الأسير حقاً لهذه الأخت .. وتقول في رسالتها منذ سنوات طويلة وأنا أدعو لهذا الأسير قد لا يعلم من أنا ، ولكنّي لا أستطيع أن أنسى موقفه معي .. فرَّج الله كربه وفكَّ أسره.

والله يشهد أنّ مثل هذه الكلمات سمعتها مرّات ومرّات من طلابٍ وطالبات عن محمد صبحه الأسير الشاب صاحب الوجه البشوش المعتقلُ الآن في سجون الاحتلال.

وقبل أن أُنهي مقالي هذا أُريد أن أقول أنّ محمداً يحلمُ بعد خروجه من السجن بالحياة في بيت يأوي إليه دون أن يكون هناك شيك و أشياك ، يحلم بزوجة طيبة حنونة .. فمحمّد القائد كتلة كبيرة من المشاعر والحب والحنان ... ومن الآن والله إنها لأسعد نساء الأرض تلك التي سترتبط بهذا الرجل ..

في الختام أبو مؤمن هنيئا لك حب كل هذه الجموع وتأكّد أنَّ من عرفك لم ولن ينساك ، ومن عاش معك أحبك ، ومن سمع عن صولاتك وجولاتك يتمنَّى أن يكون أطفاله بصفاتك ورجولتك وما نحن إلا كتلةٍ من مشاعر ومواقف وقصص وأحداث يُحرِّكُها بداخلنا الحبَّ ، وما أجمل هذا الشعور.