الخميس: 07/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

شاليط ... البالون الذي نفخه العرب

نشر بتاريخ: 09/10/2012 ( آخر تحديث: 09/10/2012 الساعة: 14:25 )
بقلم: محمد زهران

كثيرون هم من يستعدون لعمل الكثير وربما حتى للتخلي عن الكثير من المبادئ من أجل الحصول على بعض من الشهرة ولو على مستوى المنطقة التي يعيشون فيها.

الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وبالرغم من وجهه الطفولي وجسده الهزيل ، أصبح وبأدنى مجهود من أكثر الشخصيات شهرة في الفترة الأخيرة. فربما أصبح عدد من يعرفون هذا الإسم في العالم العربي أضعاف عدد من يعرفون اسم الرئيس الإسرائيلي أو حتى رئيس الوزراء. فشاليط الذي لم يكن له أي تاريخ عسكري مبهر أصبح من أكثر الشخصيات الإسرائيلية شهرة بعد أسره من قبل المقاومة في غزة.

وفي الوقت الذي شعر فيه الناس بأن هذا الاسم بدأ يتبدد، عاد شاليط بقوة – ربما حتى دون وعيه بذلك – ليتصدر عناوين المواضيع المتداولة بين الناس وفي وسائل الإعلام العربية بشكل عام.

الزوبعة التي أثيرت والبالون الذي انتفخ في الهواء كان أكبر بكثير مما هو الأمر في الواقع. فشاليط بكل بساطة أراد حضور الكلاسيكو الإسباني بين برشلونة وريال مدريد كونه يشجع برشلونة وكون مؤسسة ما تريد أن تصور فيلماً وثائقياً حوله. وقد وافق نادي برشلونة على طلبه حضور المباراة ولكنه رفض أن يقوم شاليط بالجلوس في المقصورة الرئيسية كون الشخصيات التي تجلس في هذه المقصورة أهم بكثير من هذا "الشاليط" بالنسبة لهذا النادي العالمي.

ولكن كوننا نحن العرب نثار بسهولة ونتصرف بناءاً على ردات فعل في أغلب الأحيان، وكوننا نتجه مباشرة إلى إطلاق الأحكام وإلى تضخيم الأمور بسهولة وبمنطلق عاطفي بحت ، فقد ظهر المشهد كما لو كان نادي برشلونة يحابي اسرائيل أو أنه مع الإحتلال ضد النضال الفلسطيني. فانطلقت حناجر الجماهير العربية في كل الأقطار وانطلقت كتابات الاعلاميين العرب لتندد بنادي برشلونة وذهب بعضهم إلى وصفه بالنادي الصهيوني وبعضهم الآخر الى اعلانه ترك تشجيع الفريق واستحقاره له لهذا الموقف، وانطلق مشجعي ريال مدريد للشماتة بمشجعي برشلونة وتعنيفهم شفوياً بسبب تشجيعهم لهذا الفريق دون معرفة صحيحة وحقيقية لصحة الأخبار ودون حتى تفكير ولو بسيط كان يمكن أن يقودهم لإدراك أن نادي برشلونة هو نادي رياضي عالمي ليس مع أحد ضد أحد ولا يجامل طرف ضد الآخر وأن الرياضة أصلاً بالنسبة لهذه الأندية هي رسالة للسلام بين الشعوب والأطياف المختلفة وليست وسيلة للتجاذبات السياسية.

الأمر المثير للاستغراب أن من يهاجمون برشلونة بسبب قبوله حضور شاليط للكلاسيكو في أغلبهم يشجعون ريال مدريد وهو ما يجعلنا نعتقد أن الدافع في هذه الحالة هو رياضي وليس وطني وهذا بحد ذاته أمر مثير لأننا بهذا نكون قد استغلينا قضايانا التاريخية الهامة لتعزيز ميولنا الرياضي لنادي أصلاً لا هو عربي ولا اسلامي.

برشلونة كنادي عالمي مثله مثل باقي الأندية العالمية الكبيرة يحتوي الأبيض والأسود والعربي والمسلم واليهودي والبوذي والصيني والأمريكي والأفريقي واللاتيني وهذا هو سر نجاح مثل هذه الأندية.

وإذا كان من أحد ما يعتقد أن هذا النادي أو ذاك هو مناصر لقضيته أو متعاطف مع ميولاته فانه يجب أن يستيقظ بسرعة حتى لا ينصدم في يوم من الإيام بحقيقة مختلفة تماماً. فلو أرادت الشعوب والفرق الرياضية رفض الأخر بسبب السياسة، لما لعب منتخب انجلترا ضد المانيا ولما لعبت الولايات المتحدة ضد اليابان ولترك مشجعي ريال مدريد فريقهم بسبب استضافته لشمعون بيريس ولترك مشجعي تشلسي وتوتنهام العرب فرقهم بسبب رؤوساء هذه الأندية اليهود ولترك مشجعي مانشيستر يونايتد في اليابان تشجيع فريقهم بسبب امتلاكه من قبل مستثمرين أمريكان ولترك اليهود تشجيع مانشيستر سيتي أو باريس سان جيرمان بسبب ملاكهم العرب.

انتهى الكلاسيكو العالمي بين برشلونة وريال مدريد بأبهى المظاهر، فقد شهدنا 90 دقيقة فائقة في الجمال بين أفضل فريقين يلعبان كرة قدم في العالم حالياً ورأينا على الهواء مباشرة مبارزة مثيرة بين اسطورتين كرويتين هما ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، وتقلبت مشاعر المشجعين بين فرح وحزن وغضب واثارة خلال هذه الدقائق التسعين واحتضن ملعب الكامب نو اكثر من ستة وتسعين الف مشجع قاموا برفع مئات الأعلام من كافة أقطار العالم ، من بين كل هؤلاء كان يجلس شاليط يتابع المباراة بهدوء ربما دون أن يدري أنه أثار عواصف من النعرات الرياضية الفارغة بين المشجعين العرب سببها الرئيسي شخصية وثقافة الإنسان العربي.

انتهى الكلاسيكو ولم يكرم شاليط ولم ينزل الى الملعب ليسلم على اللاعبين كما ذهب اليه البعض في مهاجمتهم لبرشلونة، ولم يجلس في المقصورة الرئيسية للنادي ولم يستطع حتى مقابلة رئيس نادي برشلونة الذي استضاف رئيس اتحاد الكرة الفلسطيني جبريل الرجوب . فهذا الشاليط ليس الا مشجع من بين مئات الملايين من المشجعين لبرشلونة وما هو الا بالون قام العرب بنفخه وتضخيمه دون أي داع. عسى أن يدفعنا ما حدث لفهم أن الرياضة للجميع وأن تشجعينا للفرق الرياضية لا يجب أن ينقلنا إلى حالة من التعصب الأعمى الذي يخرج الرياضة من فحواها. فكرة القدم وجدت للاستمتاع ولا يجب أن تكون أكثر من ذلك.