الجمعة: 27/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

سبل تحسين الميزة التنافسية للصناعة الوطنية

نشر بتاريخ: 11/10/2012 ( آخر تحديث: 11/10/2012 الساعة: 13:06 )
بقلم: د.حازم الشنار

تتعرض الصناعة المحلية بمختلف فروعها لظروف تنافسية صعبة سواء في السوق المحلي أو الإقليمي أو الدولي. وتستدعي هذه الظروف تطوير سياسة صناعية تتجاوب مع هذه التحديات، والبحث عن سبل يمكن إتباعها من القطاعين العام و الخاص لتعزيز القدرة التنافسية للصناعة الوطنية في مواجهة تلك الظروف ، دون المساس ما أمكن بشروط التجارة الدولية الحرة.

وتعزيز قدرة الصناعة المحلية على المنافسة لا يأتي من تخفيض كلفة الوحدات الإنتاجية فحسب بل يأتي أيضا من خلال العمل على رفع مستوى جودة السلع الصناعية المنتجة محليا. ومع أن إمكانية تخفيض تكلفة عناصر الإنتاج الرئيسية تبقى محدودة حاليا بسبب ضعف القدرة على التحكم بعواملها، فانه يجب استمرار استغلال أي فرصة لذلك، ومحاولة الحصول على مدخلات الإنتاج بأسعار مقبولة و بنوعية أفضل. وبالتوازي مع ذلك لابد من العمل على رفع القدرة التنافسية من خلال زيادة الإنتاجية ورفع مستوى جودة الإنتاج. ففي الوقت الذي تسعى فيه الكثير من السلع الأجنبية لمزاحمة المنتج الوطني في السوقين المحلي والعالمي من خلال أسعار مخفضة، لابد من توجيه الصناعة المحلية لرفع مستواها النوعي من خلال تحسين مستواها التكنولوجي ومهارات العاملين فيها ولو أدى ذلك إلى تكاليف إضافية يتم تعويضها بسعر أفضل لبضاعة أفضل يتم تصديرها أو إحلالها في السوق المحلي. ولكن في نفس الوقت الذي يتم فيه تحسين النوعية وزيادة الإنتاجية وكمية المنتج لا بد من إيجاد سوق يستوعب الزيادة في الإنتاج والأنواع المحسنة منه.

ويأتي على رأس العوامل في تدني مستوى جودة كثير من المنتجات المحلية تدني كفاءة استخدام عنصر العمل في الصناعة الفلسطينية بشكل عام، مما يؤكد بأن أية سياسة هادفة لتحسين القدرة التنافسية لها لا بد أن تركز على تحسين إنتاجية العاملين ومستواهم التقني والفني. و زيادة الإنتاجية للعاملين من خلال رفع كفاءتهم الإنتاجية، يتم من خلال طرق عدة منها تطوير أنظمة الإنتاج والإدارة، والاستفادة من الآثار الناشئة عن منحنى الخبرة، والتكامل الرأسي. وكذلك لابد من الاستفادة من وفرة الحجم عموما فهي تبقى الطريق الوحيد الممكن لخفض تكلفة المنتج الصناعي الفلسطيني.

ولعل تحليل هيكل التكاليف الصناعية وعلاقته بمؤشرات الأجور والقيمة المضافة وكميات الإنتاج، هو الطريق الأنجع لفحص تلك الإمكانية وتحديد ضرورة التوسع أو الاندماج للمشاريع الصناعية وفقا لوفرة الحجم من عدمه، مع مراعاة السمات العامة والخاصة لمختلف فروع الصناعة، وكسياسة عامة قد يكون تشجيع دمج المشاريع الصغيرة والمتوسطة في شركات مساهمة كبيرة، أو إقامة السلاسل الإنتاجية التي تتيح تكامل الإمكانيات والموارد وكفاءة استخدامها وكنتيجة تخفيض الكلفة وزيادة الإنتاجية مداخل عملية لزيادة الإنتاجية وتحسين نوعية الإنتاج.

و عليه ففي سبيل رفع القدرة التنافسية للمنتجات الصناعية الفلسطينية لا بد من اعتماد رزمة من السياسات التفصيلية، تتضمن الأنشطة والإجراءات التطبيقية المناسبة، وفيما يلي استعراض لأبرز السياسات والأنشطة والإجراءات المقترحة لتحقيقها:
السياسات المساعدة لتخفيض كلفة المنتجات الوطنية
- العمل على تأمين مصادر طاقة وطنية للصناعة وبأسعار تشجيعية.
_ السعي لتخفيض كلفة ورفع نوعية المواد الخام: تشجيع التعاون بين المنتجين أو قيام شركات متخصصة باستيراد المواد الخام؛
- العمل على توفير إمكانية الاستيراد المباشر للمواد الخام وعبر الموانئ والمطارات الإسرائيلية والأردنية إن كان ذلك أكثر جدوى، أو عبر غزة في حال إنهاء الانقسام وفك الحصار وتوفر ممر امن بين الضفة والقطاع؛
- تقديم دعم لبعض المواد الخام والمدخلات الصناعية خصوصا من المصادر المحلية؛
- فرض رقابة على مواصفات المواد الخام المستوردة والمتوفرة في الأسواق؛
- العمل على تخفيض كلفة النقل والتخزين والشحن والتسويق من خلال إنشاء شركات ومرافق وطنية يستفيد منها المنتجين عموما؛
- العمل على تقليص الرسوم و الإجراءات على المعابر؛
- محاولة تقليص الفاقد وإعادة استخدام الفضلات حيثما أمكن.

السياسات لرفع الإنتاجية وتحسين كفاءة استخدام الموارد:
بينت نتائج بعض المسوحات الميدانية التي أجريت أن نقطة الانطلاق لتنمية المشاريع الفلسطينية الصغيرة ومتوسطة الحجم بما فيها الصناعية، هي تمكينها من رفع إنتاجيتها. هذه هي المهمة الأصعب لمواجهة البيئة التي توجد فيها تلك المشاريع. إنها تتطلب إطارا سياساتيا يعالج العوامل المؤثرة على أداء المشاريع على المستويات الجزئية والكلية. وتشير النتائج إلى أن ذلك الإطار لا بد أن يراعي مفهوم الصعود من الأدنى إلى الأعلى في التنمية، حيث تنصب الجهود على المستويات المختلفة لمعالجة نقاط الضعف الهيكلي على المستوى الجزئي أكثر منه على المستوى الكلي لانعدام التوازن الاقتصادي الفلسطيني والذي يلعب من خلاله القطاع الخاص دوراً أساسيا.

أ‌-السياسات لرفع الإنتاجية على المستوى الجزئي
وهي تقع بالدرجة الأولى على عاتق القطاع الخاص. ووفقا لنتائج تلك المسوحات لا بد من أن تنصب جهود رفع الإنتاجيه على مستوى المشروع إلى ما هو أبعد من تشجيع إدارة الأعمال ونقل التكنولوجيا. فالتدريب في مجالات التسويق والإنتاج، ليس من الضروري أن يمكن أصحاب المشاريع من اتخاذ قرارات صحيحة في عملياتها الإنتاجية. وزيادة على ذلك فإن اقتناء التكنولوجيا الأجنبية سواء الماكينات أو المعرفة لا يعني الوصول إلى الكمال. ببساطة فإن الوصول إلى إتقان تشغيل التكنولوجيا الحديثة يتطلب مهارات تكنولوجية وقدرات على تكييفها مع البيئة المحلية:
المجال الأول: قرار الاستثمار يجب أن يضمن تنمية قدرات أصحاب المشاريع على تحديد وامتلاك التكنولوجيا المطلوبة والمعدات والموارد البشرية تحدد هذه المصاريف الرأسمالية للمشروع، مدى ملائمة الحجم، مجموع المنتج: التكنولوجيا والمعدات والفهم المستفاد من تشغيل الشركات.
المجال الثاني: يهتم بالعمليات الإنتاجية والمعدلات من المهارات الأساسية كضبط الجودة، التشغيل والصيانة، وأخرى مثل التكيف، تطوير أو توسيع عمل الأجهزة، ومن ثمة للمهام الأكثر طلباً مثل البحث والتصميم والتحديث.

المجال الثالث: يتضمن قدرة المشروع على نقل المهارات والتكنولوجيا واستقبالها من المؤسسات الرديفة أو ذات الصلة مثل موردي المواد الخام، والمتعاقدين الجزئيين وشركات الخدمات ومؤسسات التكنولوجيا.

كما هو واضح من نتائج المسوح المشار إليها أن انطلاق القدرات التكنولوجية تفتح المجال لعملية طويلة من التواصل واكتساب الخبرة في كل مرحلة من التنمية. تمتد هذه العملية من المهام البسيطة حيث يمر صاحب المشروع من تكييف التكنولوجيا الجديدة مع الاحتياجات المحلية إلى مهام أكثر تعقيداً وتقنية والتي يمكن أن تشمل التطوير الدائم والمستمر للجودة والتصميم واستقطاب التكنولوجيات الحديثة في الاقتصاد وتصديرها عبر اتفاقيات ترخيص ومشاريع تبديل، حيث تشير نتائج المسح إلى أن الاقتصاد الفلسطيني موجود في بدايات المرحلة الأولى، ومشاريعه منضوية في إطار أنشطة روتينية بسيطة، مبنية على قواعد أولية غير قائمة على البحث والمعرفة العلمية. من هنا فالسياسة الصناعية لا بد أن تسعى لنقل المشاريع إلى مراحل أعلى من القدرة التكنولوجية.

ب- السياسات لرفع الإنتاجية على المستوى الكلي
إن قدرة العرض لدى الاقتصاد لا تقاس ببساطة بمجموع الآلاف من القدرات على مستوى الشركات الخاصة التي نمت بصورة مستقلة. لان النجاح الذي وصلته شركة ما يعتمد ليس فقط على المهارات والجهد والاستثمار بل على الحوافز الممنوحة له من الاقتصاد. فهذه تؤثر على تواتر التراكم في رأس المال والخبرة، ونوعية رأس المال الذي تم اقتناؤه، أشكال رأس المال المستثمر وأنواع المهارة المكتسبة وإلى أي مدى يتم استغلال الأموال المستخدمة في الإنتاج.
تقف الآثار المدمرة للاحتلال على المشاريع الصناعية بالإضافة إلى محدودية قدرة الاقتصاد على خلق حوافز تشجيعية وراء تدني استثمار تلك المشاريع في التكنولوجيا وفي وجود حاجة لسياسات مناسبة تسعى لخلق حوافز لزيادة الإنتاج والاستثمار.
ووفقا لبعض الدراسات تتأثر القدرة على إضافة أو توسيع التكنولوجيا بثلاث مجموعات من الحوافز التي تشكل محور السياسات الصناعية والتجارية:
1-الحوافز الاقتصادية الكلية والتي تتعلق بالنمو الاقتصادي، مستويات الأسعار، مستويات الفائدة، معدلات التبادل، توفر الإقراض والتبادل بالنقد الأجنبي بالإضافة إلى الاستقرار السياسي ومرجعيات التجارة.
2-حوافز من المنافسة، وهي التي تحد من حجم القطاع الصناعي، مستوى التنمية و التنوع، الإجراءات التنظيمية لدخول الشركة، التصفية والتوسع والمنافسة الدولية من الواردات.
3-حوافز من عامل السوق وخصوصاً تلك التي توفر التمويل طويل الأمد للمشاريع ذات المخاطرة بانخراطها بتكنولوجيات حديثة وبتوفير المهارات المطلوبة لها ومعلومات السوق، وإمكانيات الفحص والبحث الأساسي.
وهذه الحوافز يجب أن توضع ليس في عموميات بل أن كل إستراتيجية تنمية تقوم على أساس قطاعي يجب أن تحدد أولويات وأهداف كل صناعة على حدة. وحيث أن طبيعة الجهد التكنولوجي ومدى الاكتمال المتحقق مختلف حسب الصناعة فإن من الضروري وضع رزم معدة خصيصاً وموجهة لمعالجة خصوصيات وديناميكات نمو القطاعات ذات الأولوية. زيادة على ذلك، فإن مثل هذا التركيز يولد تأثيراً ملموساً لكونه يساعد في توجيه الجهود حول الكتل المهمة من المشاريع المترابطة، وتستطيع المشاريع التي في الخارج اللحاق بها.

كيفية الاستفادة من وفورات الحجم
وإذا كان رفع الإنتاجية يعني زيادة حجم الإنتاج في وحدة الزمن، كطريقة لزيادة القدرة التنافسية للصناعة، فان هناك أهمية خاصة لطريقة الاستفادة من وفورات حجم المنشآت واستخدام الموارد بفعالية اكبر لزيادة كميات الإنتاج بتكلفة اقل. وقد يقتضي ذلك توسيع أو تقليص أو دمج أو شطب بعض المنشآت.
يخلص بعض الباحثين في بحوثهم المبنية على دراسة ميدانية حول هيكل التكاليف الصناعية في المناطق الفلسطينية إلى أن وجود وفورات الحجم في بعض الفروع وتبذيرات في فروع أخرى، يشير إلى أن بعض المنشآت الفلسطينية لا تعمل بكفاءة إنتاجية، أي أن حجم هذه المنشآت لم يصل إلى حجم المثل أو تجاوزه. فوجود توفيرات الحجم يدل على صغر حجم المنشآت العاملة، وهناك حافز لزيادة حجمها من استغلال هذه الوفورات.

وفي حالة وجود تبذيرات في الحجم، فهذا يدل على أن حجم المنشآت يزيد عن حجم المثل وبالتالي لا بد من العمل على تخفيض أحجام هذه المنشآت من خلال منح تراخيص لمنتجين جدد في هذه الفروع.كما أن تحسين الإنتاجية هو المصدر الأساسي لتحسين القدرة التنافسية للصناعات الفلسطينية. لا بد من حفز المشاريع التي تتمتع بوفورات الحجم على التوسع الذاتي، أو الاندماج. وعليه لا بد من وضع برامج حكومية تبين أهمية التوسع والاندماج بين المشاريع الصغيرة كمخرج من ضعف قدرتها التنافسية. وينبه الباحثان إلى انه لابد من إعادة النظر في سياسة ترخيص المنشآت الصناعية المطبقة حالياً، والتي لا تعطي الاعتبار الكافي لدرجة اقتصادات الحجم وعوائده، وذلك عند منح الترخيص.

السياسات لرفع مستوى الجودة: لابد من المباشرة ببرنامج وطني لرفع جودة المنتجات الصناعية الفلسطينية تكون ابرز محاوره:
•العمل على رفع المستوى التكنولوجي للصناعة المحلية وخصوصاً في مجالي المكننة والمعرفة التقنية؛
•العمل على رفع المستوى التقني والإداري لطواقم العمل من خلال التدريب المتخصص على أعمال محددة مثل تشغيل الماكينات وصيانتها؛ تصميم السلع؛ مواصفات المنتج وسبل رفع الجودة؛ الإدارة الفعالة وفن التسويق.........الخ.
•التركيز على تطوير المواصفات والمقاييس الفلسطينية وتحقيق شموليتها وتوفير البنية التحتية المناسبة للفحص والمطابقة وتوسيع التحاق المصانع الفلسطينية ببرنامج شهادات الجودة والإشراف للصناعة المحلية والمتوائمة مع المواصفات العالمية والاهتمام بموضوع التشطيب والتعبئة لترسيخ ثقة الزبون الأجنبي والمحلي بالمنتوج الوطني، كما لابد من تفعيل الرقابة على مواصفات السلع المباعة في السوق المحلي وتطبيق التعليمات الالزامية بالنسبة للسلع المتعلقة بالصحة والسلامة العامة؛
•تشجيع التخصص في إنتاج سلع معينة وأصناف معينة من السلع.

السياسات التجارية
وأخيرا ففي نفس الوقت الذي نسعى فيه لزيادة الإنتاجية ورفع القدرة التنافسية بخفض التكلفة وتحسين الجودة لابد من السعي لتعزيز مستويات الطلب على السلع الفلسطينية خصوصا في الأسواق الخارجية وعليه لابد من القيام بجملة من الأنشطة والخطوات العملية لتحقيق أوسع تفاعل مع السوق العالمية أبرزها:
-القيام بدراسة تفصيلية لتركيب الواردات والصادرات الفلسطينية وسبل تحقيق زيادة التنافسية للمنتجات الفلسطينية في كل بند من الميزان التجاري ؛
-القيام بدراسات للميزة النسبية والتنافسية للسلع الفلسطينية في الأسواق الإقليمية والدولية لتحديد نقاط الضعف والقوة في السلع الفلسطينية وسبل الوصول إلى الميزة التنافسية في إنتاجها والنفاذ فيها إلى تلك الأسواق؛
-بناء شبكة معلومات شاملة ومتاحة للجميع وبشفافية عالية بحيث تلبي احتياجات الصناعيين من المعلومات حول تطورات التكنولوجيا العالمية ومستويات أسواق العمل والسلع والعملة والاستثمار وتسويق المنتجات ومصادر التمويل وبناء القدرات وتعميم التجارب والممارسات الناجحة؛
-الاستفادة من الاتفاقيات المعقودة وتفعيل العلاقات التجارية مع الدول العربية والإسلامية وباقي دول العالم و تعزيز الدور التجاري للممثليات الفلسطينية في الخارج من خلال رفدها بملحقين تجاريين أكفاء؛
-مضاعفة نشاط مركز التجارة الفلسطيني "بالتريد" والغرف التجارية الصناعية في الخارج بإقامة المزيد من الفعاليات التعريفية بالصناعة الفلسطينية في الخارج: معارض، ندوات ومؤتمرات، زيارات، توزيع نشرات ومطبوعات؛
-تطوير استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتجارة الالكترونية للترويج للصناعة الفلسطينية.