السبت: 30/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

"البوسطة"- رحلة المعاناة خلال نقل المعتقلين من مكان لآخر

نشر بتاريخ: 13/10/2012 ( آخر تحديث: 13/10/2012 الساعة: 19:18 )
رام الله- معا - سلطت وزارة الأسرى الضوء على إحدى فصول المعاناة التي يتكبدها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهي رحلة التنقل عبر ما يسمى" البوسطة" من سجن الى آخر أو من السجون الى المستشفيات والمحاكم الاسرائيلية.

إنها ساعات شاقة وتعذيب تنتظر الأسير الفلسطيني خلال نقله من السجن، داخل سيارة حديدية مغلقة أطلق عليها الأسرى مصطلح"بوسطة"، تتولى فرقة القمع الخاصة بالسجون والتي تدعى"نحشون" عملية الإشراف على نقل المعتقلين.

تمتاز فرقة "نحشون" بإتقان أسوأ الإذلال كالتفتيش أثناء عملية النقل، حيث تفتش الأسير عاريا حتى من جواربه عدة مرات في اليوم الواحد، ويصاحب هذه العملية المذلة سيل من الشتائم يتطور أحيانا ليصل الى الضرب المبرح، ولا يتم التفريق بين المرضى والأصحاء وكبار السن والأطفال من الأسرى خلال هذه الممارسات الضيقة.

الأسير الفلسطيني يجلس في حافلة ذات مقاعد حديدية بالغة البرودة تلتصق هذه المقاعد ببعضها البعض لدرجة إيلام الركبة والمفاصل والظهر، ولا يستطيع الأسير الجلوس في أي وضعية مريحة بسبب القيود والكلبشات التي توضع في اليدين والقدمين.

لا يقدم الطعام ولا الماء ولا يسمح للأسير بقضاء الحاجة خلال نقله في هذه الحافلة التي تستغرق العملية فيها حوالي ما معدله 6 ساعات متواصلة، يشعر الأسير داخله بالاختناق بسبب قلة الهواء، وبالخوف والرعب بسبب نقل أسرى جنائيين خطرين في نفس الحافلة، إضافة الى عدم الراحة بسبب الاهتزاز الدائم لهذه السيارة خلال سيرها.

الطريق الى المحكمة تستغرق 3 أيام:

الأسير جمال سليم زايد سكان رام الله والذي اعتقل بتاريخ 7/6/2010 يقول أن عملية نقله من سجن مجدو الى محكمة عوفر استغرقت 3 أيام عندما تم نقله في البوسطة ذات الكراسي الحديدية وبقي جالسا فيها حتى الساعة الخامسة مساء، وقال أنه خلال هذه الساعات كانت البوسطة تنقل أسرى من جميع السجون، حتى تصل الى ما يسمى معبار الرملة الساعة الخامسة مساءا، فيقض الأسرى هناك ليلة واحدة، وفي الساعة الخامسة صباحا يتم نقلهم مجددا في سيارة البوسطة ليتوجهوا الى المحكمة فيصلوا الساعة التاسعة صباحا، وليقولوا هناك حتى السابعة مساءا، ويتم إعادتهم الى معبار الرملة فينام الأسرى ليلية أخرى فيه، في الصباح الباكر تبدأ عودة الأسرى مجددا الى سجن مجدو ليصلوا الساعة السادسة مساءا الى بعد حوالي 12 ساعة في البوسطة الى درجة أن الأسرى يقضون عدم الخروج الى المحكمة.

معبار الرملة... مكان لا يصلح للبشر:

يصف الأسرى معبار الرملة، وهي محطة انتظار ينزل فيها الأسرى لحين نقلهم في اليوم الثاني الى المحكمة أو المستشفى ،وهي غرفة انتظار مؤقتة تقع في سجن الرملة، يقضي فيها الأسير يومين أو ثلاثة قبل نقله.

ويمتاز هذا المعبار بأنه لا يصلح للإقامة البشرية وهي تشبه علبة السردين، فالغرفة التي لا تكاد تتسع لأربعة أشخاص يوضع فيها خمسة عشر أو عشرين شخصا.

وإذا كان الأسير قادما من سجون الجنوب ومحكمته في سالم أقصى الشمال أو في عوفر في الوسط يضطر لقضاء ثمانية الى عشر أيام هذه المعبار.

ويصف الأسرى غرف المعبار بأنها قاتمة ومظلمة، شديدة البرودة شتاء، عالية الحرارة صيفا، الطعام فيها سيء الى درجة أن الدواب لا تكاد تسيغه، ويجبر الأسرى على تناوله بأسوأ حالة من القذارة وتراكم للأوساخ في ظروف مهنية، وكثيرا ما تفيض المجاري في غرف المعبار فتتحول الحياة الى هناك الى شبه مستحيلة.

غرف انتظار في المحكمة تشبه القبر:

عندما يصل الأسير الى المحكمة ، يوضع في غرفة انتظار يطلق عليه بالعبرية " الامتناه"، ليمكث فيها ساعات طويلة مقيد اليدين والقدمين، هذه الغرفة ما تكون الى القبر، حيث لا تتجاوز مساحتها مترين في متر ونص المتر، يوضع فيها ما يقارب عشرين الى خمسة وعشرين أسيرا، يضطرون للوقوف على مدى ساعات دوام المحكمة، أي منذ الصباح الباكر حتى الساعة الثالثة مساءا.

يقوم على حراسة غرفة الانتظار في المحكمة وحدة نحشون ويمنعون الأسرى من الذهاب الى الحمام أو حتى الى الصلاة، ويمنعون من الحديث الى ذويهم أو حتى مجرد الإشارة إليهم.

غرفة الانتظار خانقة جدا، يوجد فيها شباك صغير، إذا ما اقتربت منه تشم روائح كريهة جدا، وإذا حاول الأسير الحديث مع ذويه، يتم الاعتداء عليه من قوات نحشون وإغلاق هذه " الطاقة الصغيرة".

رحلة العلاج طريق الى جهنم:

يصف الأسير محمد مصطفى أبو جلالة من غزة المحكوم أربع سنوات والذي يعاني من نزيف داخلي مرحلة السفر من السجن الى مستشفى الرملة خلال البوسطة بأنها رحلة ليست للشتاء، بل لمزيد من الأمراض، رحلة تعذيب، وطريق طويل الى جهنم.

يقول أنه نقل من سجن نفحة الصحراوي من اجل السفر الى مستشفى الرملة للعلاج الساعة التاسعة صباحا، وقد تم وضعه بداية في غرفة انتظار داخل السجن حتى الساعة الواحدة ظهرا، ومكث في هذه الغرفة بلا ماء وبلا طعام ويقول: إن البوسطة تحركت من نفحة باتجاه سجن النقب، حوالي سبعين كيلومترا بين نفحة والنقب وتم تحميل أسرى سيتم إخلاء سبيلهم من النقب، ثم توقفت البوسطة عند سجن بئر السبع حيث حملت أسرى لنقلهم للعلاج الى مستشفى، ثم توقفت عن سجن الظاهرية سابقا لإنزال أسرى تم إخلاء سبيلهم، وبعد ذلك توجهت نحو سجن عسقلان " مائة كيلومتر" وضمت أسرى آخرون لنقلهم الى سجون أخرى.

على ذلك والأسير المريض ما زال سيارة البوسطة ذات الكراسي الحديدية، وتم الوصول الى مستشفى الرملة الساعة 11 ليلا، ويبقى الأسير أربع ساعات حتى يتم إدخاله الساعة الثالثة فجرا الى قسم المعبار في المستشفى.

ويقول السير أبو جلاله أن العودة ليست أفضل حالا، فالخروج من الرملة الساعة السابعة ليلا الى المعبار، تتحرك البوسطة الساعة الواحدة ليلا والقيود بالأرجل والأيدي، تصل الى عسقلان فالسبع السعة الخامسة فجرا، مرورا بحاجز ترقوميا، وتصل البوسطة الى سجن نفحة الساعة الواحدة ظهرا، فيمكث الأسير أربع ساعات في غرفة انتظار داخل السجن الى أن يتم إدخاله الى غرفة بالسجن.

اعتداءات ورعب داخل البوسطة:

الطفل الأسير حمودة أبو سمرة ، 16 عاما سكان بيت عور التحتا، قضاء رام الله، يقول أنه تم نقله مع عدد آخر من الأسرى الأشبال من سجن ريمونيم الى محكمة عوفر في سيارة البوسطة التي تمر بها قوات نحشون، وكان في البوسطة سجناء جنائيين بالغين، وفي الطريق قام احد الجنائيين بإخراج شفرة من فمه واعتدى على الأسير أبو سمرة وأصابه بجروح في يده.

ويصف البوسطة بأنها خزان حديدي مخيف ومرعب، لا ماء فيه ولا طعام، ويبقى الأسرى فيها مرعوبين بسبب وجود جنائيين من ذوي السوابق الإجرامية معهم في نفس البوسطة.