السبت: 28/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاسير جمعة آدم.. الأسمر الذي تقدح عيناه بشمس أريحا الدافئة

نشر بتاريخ: 29/10/2012 ( آخر تحديث: 29/10/2012 الساعة: 20:06 )
رام الله -معا- سلطت وزارة شؤون الأسرى والمحررين الضوء على حياة ومسيرة الاسير المناضل جمعة آدم بمناسبة دخوله العام الـ 25 خلف قضبان سجون الاحتلال.

وجاء في تقرير الوزارة ان هذا الأسير العملاق... المصقول بشمس مدينة أريحا حيث ولد وعاش وجرى بين نخيلها وينابيعها العذبة،المشدود روحا وإرادة صلبة كجبالها وصخورها وتاريخها الضارب عميقا في الأرض ، لا زال يؤرخ لعمره سجلا حافلا بالبطولات داخل أقبية السجون ، الأسمر الحر المتمرد على عبودية الاحتلال، المندفع بكل ما يملك من قوة وعزيمة على مواصلة طريق الحرية دون تعب أو يأس، كأنه يرى من بعيد فجرا يطل على المعذبين في الأرض، ويسمع زخات مطر دافئة تبشر أرض النبوءات بعودة الروح الى سكانها الصامدين المرابطين.

الأسير جمعة إبراهيم آدم، مواليد عام 1969 في مدينة أريحا، جرّب السجن أكثر من مرة، وخاض غمار الكفاح بين أعوام 1986 – 1988، ثم اعتقل يوم 31/10/1988 وحكم عليه بالسجن المؤبد مع زملائه الأبطال أحمد التكروري ومحمود خرابيش.

كانت الانتفاضة الأولى في ذروتها عندما قام جمعة ورفاقه بالتصدي لجنود الاحتلال وإلقاء زجاجات المولوتوف الحارقة على سياراتهم العسكرية المارة وسط مدينة أريحا ، ولأول مرة تجتمع الكنيست الإسرائيلي وتصاب دولة اسرائيل بالهوس والإرباك أمام هذه الجرأة الفلسطينية لمجموعة من الشبان قرروا أن يتحرروا من قيود الاحتلال ويعلنوا أن أريحا لن يدخلها يوشع بن نون الإسرائيلي مرة أخرى وأن أسوارها منيعة بأهلها وسكانها.

لقد استنفر جيش الاحتلال، وأغلق كافة مناطق الضفة الغربية، وعزز قواته في مدينة أريحا، حيث جرى تفتيش كافة المنازل واعتقالات واسعة وجماعية ، بحثا عن ثلاثة فدائيين اختفوا وسط النخيل وبين حجارتها الدافئة.

يتحدث جمعة عن مرحلة اعتقاله والتي لا تنسى، حيث جرى تعذيبه مع زملائه بطريقة سادية ووحشية منذ لحظة إلقاء القبض عليهم، وكانوا مهددين للتصفية والقتل المباشر على يد الجنود والمحققين.

ولم يكتف جنود الاحتلال بنسف منزلهم وتشريد عائلاتهم واعتقالهم وتعذيبهم، وإنما بممارسة شتى صنوف التعذيب خلال رحلة قاسية امتدت 70 يوما في معتقل المسكوبية التي يطلق عليه الأسرى بالمسلخ.

جمعة آدم، الشاب الأسمر لم يستوعب ما كان يراه من ممارسات وأعمال وحشية لجنود الاحتلال خلال الانتفاضة الأولى ، تكسير العظام ، اعتقالات جماعية، أبعاد الى خارج الوطن، نسف المنازل، وكان يشده النشيد الوطني الفلسطيني وعلم فلسطين فوق الأسطح والبنايات، وآلاف النساء الفلسطينيات وهن يقاومن الاحتلال ويرجمنه بالحجارة وإعلان العصيان على قيود المحتلين.

رحلة أخرى من سجن الى آخر، وجهه الأسمر يقدح بالنار، وعيناه لازالتا تقدح بشمس الحرية نورا وضياءا، يواصل مسيرته مع آلاف الأسرى في مواجهة السجانين والجلادين ، ينتظر كغيره أن يعود الجنود الى بلدهم وعائلاتهم، وأن ينتهي هذا الاشتباك الدموي بسلام الحرية على شعبه وحق تقرير مصيره ليعيش في دولته سيدا وحرا كغيره من سائر شعوب الأرض.

أنهى جمعة التوجيهي داخل السجن رغم معاناته من عدة أمراض قاسية بسبب ما تعرض له من تعذيب خلال اعتقاله على يد المحققين، يشارك زملائه الأسرى في كافة أنشطتهم، وكان قد خاض مع الأسرى كافة الإضرابات المفتوحة عن الطعام في مواجهة الإجراءات التعسفية بحق الأسرى ومن أجل تحسين شروط الحياة الإنسانية في السجون.

يقول في رسالة وصلت منه لوزارة شؤون الاسرى أن أكثر المواقف صعوبة وألما التي مرت عليه خلال وجوده بالسجن هو وفاة أمه ، كانت لحظة قاسية وصعبة عليه، والدته التي لم تنقطع عن زيارته منذ اعتقاله، تركته بلا وداع، ولم يعد صوتها يسمع بين زيارة وأخرى ، لم تعد تحضر له ملابسه وأخبار البلد والأصدقاء.

ويقول أن أكثر ما يؤلم الأسير هو وفاة الأم، لا شيء يؤثر على الأسير سوى غياب والدته، فالأم هي الرابط السحري والحبل السري الذي يعزز في الأسير كل أسباب القوة والأمل والحياة .

مدينة أريحا لازالت ناقصة، هناك فراغ... أسرارها وجنودها لا زالوا خلف القضبان ، شاب أسمر يطل من بين الظلام يروي قصته ليقول لهم أنا أحد أضلاع المدينة التاريخية ، أنا حدودها وجبالها وبحرها، أنا اسمها وهويتها وينابيعها الصافية ولا حرية لأحد دون حريتي مهما طغت قوة الاحتلال وغطرسته المتجبرة.