الأحد: 29/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

وما زال فنجان القهوة يبعث أملا وصبرا وحرية

نشر بتاريخ: 01/11/2012 ( آخر تحديث: 01/11/2012 الساعة: 09:31 )
بقلم: نشأت الوحيدي
كنت قد كتبت في حزيران الحزين من العام الماضي 2011 حول والد أسير عظيم في صبره وأمله وعزته وشموخه وكرمه الفلسطيني وسموه فوق الجراح النازفات ولم أجد بدا من العودة للكتابة عنه وبعد مضي عام على المقال السابق احتراما وتقديرا له ولذوي الأسرى وإجلالا لأسرانا البواسل الذين يقفون في الخندق الأول دفاعا عن الحرية والكرامة وعن حقوق الإنسان .

نغادر بيوتنا جميعا بعد طلوع النهار باتجاه مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر بغزة فمنا من يصل أولا ويسلم على صور الأسرى القدامى والمرضى والأطفال والشيوخ إلى جانب صور الأسيرات الماجدات ومنا من يصل في زحمة الإعتصام الأسبوعي الذي ينظمه أهالي الأسرى والمعتقلين في سجون الإحتلال الإسرائيلي ممتشقا عبق الأمل وروح العائلة الواحدة التي يجمعها الهم والوطن والعلم الواحد واللغة الواحدة وإن تعددت اللهجات الفلسطينية .

كان لا بد من العودة لتسليط الضوء على السيد نايف أحمد عواد أبو عاذرة " أبو دفاع " من مواليد 12 أغسطس 1960م ويحمل مؤهلا علميا " دبلوم صناعة – معهد النزهة – عمان " وله 12 ولد وبنت وهو من سكان مدينة بيت حانون في شمال قطاع غزة وهو والد الأسير الفلسطيني دفاع أحمد عواد أبو عاذرة وبلدته الأصلية " بئر السبع " وابنه الأسير دفاع من مواليد 29 أغسطس 1985م وكان قد اعتقل على يد قوات الإحتلال الإسرائيلي في تاريخ 2 أبريل 2008م وحكم عليه بالسجن لمدة 28 عاما " ومعتقل الآن في سجن نفحة الصحراوي

هناك صور إنسانية وفلسطينية أصيلة يجب أن نقف أمامها جميعا وأن لا نتجاوزها أو نمر عنها مرور الكرام وإنما يجب السعي من أجل توثيقها وتعزيز مفاهيمها لأنها تحمل دلالات كبيرة وتعبر عن عزة وإرادة الشعب الفلسطيني في الصبر والأمل والحرية والعودة والإستقلال حيث أن والد الأسير دفاع أبو عاذرة صاحب مبادرة إنسانية واجتماعية تستحق الإحترام والتقدير والإكبار فهو الوالد والأخ والإنسان الذي يحمل مبكرا وعاءا كبيرا من القهوة " تيرموس " من البيت إلى أن يصل لمقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر فيتخذ له مكانا ويقوم من بعدها بانتظار الأهالي والمتضامنين ليصب لهم القهوة الساخنة في فناجين " بلاستيك " ويستمر هذا الحال لحين فراغ الصباب من القهوة وشتان بين فنجان القهوة الذي يقدمه السيد أبو دفاع وذاك الفنجان من القهوة والمسموم الذي قدمته إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية الحاقدة عبر عملائها للأسير هيثم عزات عبد الله صالحية في محاولة لإغتيال الأسير بتاريخ 9 يناير 2011م .

في اللحظات الأولى للإعتصام الأسبوعي التضامني مع الأسرى يجلس الفاضل أبو دفاع بين عدد من آباء الأسرى من كبار السن ويتناول معهم حديث الصباح المطعم برائحة القهوة البدوية الأصيلة في حوار فلسطيني أصيل يعبر عن وحدة الألم والأمل وعمق العلاقة والمحبة بين أهالي الأسرى والمعتقلين بمختلف ألوانهم وانتماءاتهم الوطنية والسياسية ورغما عن أنف الإحتلال الإسرائيلي من جانب وعن أنف الإنقسام الفلسطيني البغيض من جانب آخر .

سألت والد الأسير دفاع أبو عاذرة : ألا تشعر بالتعب من حمل التيرموس الكبير في صباح كل إثنين فرد علي : يا أخ نشأت إن التعب يكمن في الإحساس بعدم تحمل البعض الكثير لمسؤولياتهم تجاه الأسرى وأنا أشعر بسعادة غامرة وأنا أصب القهوة لأهالي الأسرى والمتضامنين وأشعر بأن فنجان القهوة يوحدنا ويجمعنا ولو للحظات حيث نستعيد الذاكرة نحو الأسرة والعائلة الواحدة التي لن تستطيع خناجر وسكاكين ورصاصات ومدافع وصواريخ وقرارات ومحاكم ومؤبدات وقوانين وسجون وقيود الإحتلال الإسرائيلي أن تفرقها أبدا .

كانت إجابة أبو دفاع عبارة عن رسالة وصرخة للمسؤولين ولكافة فصائل العمل الوطني والإسلامي والمؤسسات للنهوض بواجباتهم ومسؤولياتهم والمشاركة في وحدة الألم والأمل والصبر التي يحملها ذوي الأسرى على كاهلهم حيث أن الأسرى الفلسطينيين يشكلون مجتمعا فلسطينيا صغيرا في قبضة السجان الإسرائيلي ويواجهون الموت والتعذيب والمرض والعزل والعقوبات والإبعاد وسطوة الجلاد والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية التي كفلتها كافة الأعراف والمواثيق والإتفاقيات الدولية .

إنها مسافة ليست بالقصيرة أن تمتشق صباب القهوة من أقصى شمال غزة وبشكل دؤوب ومتواصل منذ 4 سنوات وعلى التوالي ولكنها مسافة الدم من الوريد والأب والإبن وهي مسافة يحبوها الأمل والحب والوفاء مقارنة بتلك المسافات التي يغرسها الإحتلال في الجسد الفلسطيني .

وذكر نشأت الوحيدي أن الإحتلال الإسرائيلي رفض إستئنافا للأسير دفاع نايف أبو عاذرة كان والده قدمه عن طريق مركز الميزان لحقوق الإنسان يوم الأربعاء الماضي 24 أكتوبر 2012 احتجاجا على الحكم حيث تم تثبيت الحكم لمدة 28 عاما .