الأحد: 06/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

ندوة بعنوان "قراءة في الأبعاد الثقافية والسياسية لروسيا ودورها الراهن"

نشر بتاريخ: 12/11/2012 ( آخر تحديث: 12/11/2012 الساعة: 14:27 )
بيت لحم- معا- بمبادرة من مركز المعلومات البديلة انعقدت يوم السبت الماضي في مقر المركز الروسي للعلوم والثقافة في بيت لحم ندوة تحت عنوان "قراءة في الأبعاد الثقافية والسياسية لروسيا ودورها الراهن"، حضرها لفيف من أكاديميين ومهتمين ونشطاء سياسيين فلسطينيين من بيت لحم وعكا كما حضرها ضيوف من روسيا.

واستهلت الندوة بكلمة قصيرة لمدير المركز الروسي سيرغي شابوفالوف، أشار فيها لعمق الأبعاد التاريخية والثقافية والروحية التي تربط روسيا بفلسطين والعالم العربي، وما ترتب عن ذلك من علاقات في صعد عدة بين الجانبين، منوها إلى أنها المرة الأولى التي تعقد فيها مثل هذه الندوة في المركز.

أما د. محمد أسعد العويوي الذي تولى إدارة الندوة، فتحدث عن دور إيجابي عميق لروسيا في فلسطين كان سابقا على نشوء القضية الفلسطينية بزمن بعيد وتفاقم بعدها، واستعرض مستويات واثأر هذا الدور في السياسة والأدب والتعليم والروابط الروحية والحضارية التي جمعت فلسطين وعموم المنطقة العربية.

بدوره قدم الكاتب وأستاذ علم الاجتماع محمد نعيم فرحات ورقة في الندوة، تناولت أبعاد ثقافية وسياسية بعينها للأمة الروسية. وقال إن روسيا لم تكن يوما إلا إمبراطورية عميقة ،سواء: بالمكونات أو المساحة أو المسار أو الإرادة أو الخيال أو الخيارات.

وتوقف فرحات عند مسألتين أساسيتين تلعبان دورا جوهريا لفهم روسيا وتفسير دورها، الأولى تتمثل في عبقرية المكان، حيث تقوم روسيا في أعلى الأرض، تمتد شرقا بالمعنى الجغرافي والثقافي والحضاري كما تمتد غربا كذلك، وفي مكان ما تشكل شرق الغرب المفقود وغرب الشرق المطلوب أيضا، وبينما تحمل بعض أفضل ما في الشرق والغرب إلا أنها ظلت روسيا التي تعادل نفسها فقط، بما فيها من أبعاد ثرية ومتنوعة في كل صعيد.

أما العنصر الثاني حسب الكاتب نعيم فرحات فيتمثل في عبقرية الثقافة التي عبرت عن نفسها في أشكال حياة الروس وخبرتهم الوجودية ، وفي الأدب والخيال والذائقة ، وفي المعرفة والتطور وفي التنمية، وفي الحرب والسلام، وفي الزراعة والصناعة وشتى صنوف القدرة على الأرض وحتى الفضاء. كما تجلت هذه العبقرية حتى في العيش مع الثلج وجبروته وقسوته وتحويل سيبيريا لمناجم ومغانم ومنافٍ أيضا.

وحسبما يرى محمد نعيم فرحات فإن هذه المعطيات والعناصر وباقي خصوصيات روسيا، هي التي تمكننا من فهم الخيارات الروسية.

وبين في هذا الصدد كيف أن روسيا كانت دولة قوية ومقتدرة وطموحة ولكنها لم تكن إمبريالية، حتى عندما قدم التاريخ إغراءاته حتى تكون كذلك، مشيرا إلى أن توسع خارج نطاقها قد ارتبط بمعطى الجغرافيا السياسية في ظروف معينة ولم يكن تعبيرا عن استعمار. كما روسيا أيضا صاحبة تجربة في مقاومة وحشية السوق الرأسمالية التي أنتجت أبشع التجارب الاستعمارية عبر التاريخ وناهضت أخلاقياته وثقافة النهب التي قام عليها، بل غنها بلورت بالضد من النموذج الرأسمالي، النموذج الاشتراكي كتجربة وكمقاومة له، ترتبت عنه مكاسب كريمة في مرحلة ما من التاريخ، سواءً: لروسيا وشعوب الاتحاد السوفيتي السابق أو شعوب مقهورة على امتداد العالم الثالث، وكانت تجربتها في هذا الصدد فريدة ومميزة لها الكثير وعليها كثير .

وأشار فرحات إلى أن روسيا ومعها الصين أيضا هما الدولتان الأهم في العالم المعاصر، اللتان حولتا التضامن لقيمة حاكمة في سلوكهما السياسي وهذا أمر قليل الحصول إلا في بعض الثقافات والنادر من التجارب الإنسانية ، ولم تبحثا عن تحقيق مصالحها بصورة بشعة واستغلالية وكانت هذه القيمة مناهضة تماما لقيمة الافتراس والاستغلال والقهر التي قام عليهما الغرب الرأسمالي وممارساته وموروثاته.

ولاحظ الكاتب نعيم فرحات إلى أن قيمة التضامن تتحول عند كلا الدولتين حاليا لقيمة مسؤولية تحفظ للعالم المعاصر بعض توازنه إلى حّد بعيد، وهو ما يمكن لحظه من خلال تعاطيهما مع الملفات الملتهبة في سوريا ولبنان وإيران وفلسطين، ولنا أن نتخيل ماذا سيكون عليه وضع العالم لو أن القوى النافذة فيه تتصرف بدون كوابح روسيا والصين، وما يعنيه ذلك من إعادة الرشد على نحو مهم لوضع عالمي مجنون والمحافظة على توازنه وتنوعه وتعدد أقطابه وتعديل أوضاع المؤسسات الحاكمة فيه على غرار دور مجلس الأمن، وسعيهما للبحث عن صيغ جديدة مبنية على العدل والتوازن وكف الأذى والخراب وعواقب الفجور ، ووضع حّد لوهم نهاية التاريخ وطيش مقولات واعتقادات موحشة انتابت قوى غربية بعينها وأفصحت عن نفسها على نحو فاجر طوال العقديين المنصرمين.

ولاحظ فرحات كيف أن عبقرية الثقافة والوعي الجمعي الروسي قد تجلت(أيضا) في قيامها بمنع استمرار التدهور في روسيا كما عرفته في عقد التسعينيات من القرن الماضي ، وقال إن الأمة الروسية تلقي درسا وموعظة كبرى في قدرة الأمم الحية على استعادة الوعي والروح والقوام والمعنى على نحو يليق بما تراه لنفسها ، وهذا ما يشكل مدعاة لتأمل أمم وشعوب كثيرة من بينها الفلسطينيون.

وختم محمد نعيم فرحات بالقول إن روسيا ودورها مهم للسلام الكوني ليس لان ونستون تشرشل قال ذلك ذات يوم وهو محق ،بل لأن سيرتها وخياراتها وأدوارها تقول ذلك ،إن في روسيا " أمة تؤمن بحس المهمة وبحس إنجازها" كما يقول ذلك مأثور روسي عتيد.

أما الكاتب والباحث نصار إبراهيم فقدم ورقة أشار فيها لأهمية مقاربة روسيا ودورها السياسي والثقافي في المرحلة الراهنة وإدراكه كضرورة أساسية في مجريات العالم الراهن وقضاياه المختلفة وتحولاته المتوقعة وما سيترتب عنها من تحديد لهوية العالم لعقود قادمة قد تطول.

ويرى نصار إبراهيم بأن الفلسطينيين خصوصا والعرب عموما معنيون أكثر من غيرهم بهذا الأمر نظرا لأنها جار استراتيجي حميم لا يحمل عداء للمنطقة على غرار ما هو الحال عند الغرب ، ونظرا لما لروسيا من دور أساسي في تحديد خيارات العالم ووجهاته وتوازنات الشرق الأوسط كبؤرة مركزية فيه.

وحسب نصار فإن دور روسيا المركب يتطلب من المعنيين بناء مقاربة مركبة أيضا تشمل الحقول الكبرى الأساسية له: الثقافية والتاريخية والاقتصادية والروحية، منتقدا القصور الفادح عن العرب أولا وعند الروس تاليا في استثمار إرث العلاقة الخصب والتكيف البناء مع ما تمليه الضرورات أيضا.

وأشار نصار إبراهيم لمزايا واثأر لعبتها الثقافة الروسية -عوضا عن الدور السياسي والاقتصادي- ومساهمتها في تشكيل الوعي العربي المعاصر من خلال الأدب والفن وأصالة الاستشراق الذي قدم صورة موضوعية عميقة للثقافة العربية الإسلامية، والتي تشير لسلامة في بصر الروس وبصيرتهم عند قراءتهم للعرب، وهو أمر ممتد في السياسة وباقي أشكال الروابط والعلاقات التي تقوم بين الأمم.

وتطرق نصار لما يشهده العالم العربي من تحولات والمسارات المنبتة التي تأخذها عن لحظتها الأولى والرهانات التي رافقتها، وقال إن الموقف الروسي وكما يتجلى من خلال المشهد السوري، يشكل مفتاحا مركزيا لجهة تحديد اتجاهات التغير في العالم العربي وما سيتمخض عن ذلك من أوضاع ومعطيات ومعادلات.

وقد توقف نصار عند الأهمية الجوهرية التي ينطوي عليها الدور الروسي وما يمثله من ثقل وازن إقليميا وكونيا ،وأهمية وجود مركزية عربية قادرة على التقاط بناء لهذه اللحظة وتثميرها في معادلات ومكتسبات تستفيد منها المنطقة وشعوبها في معاركها المتعددة لتقرير المصير على نحو لائق.

جدير بالإشارة إلى أن الأوراق التي عُرضت في الندوة قد أثارت نقاشا مستفيضا حول المسائل والقضايا والتساؤلات التي تناولتها .