السفير الفلسطيني لدى السعودية جمال الشوبكي يكشف خفايا ما دار في قاعات قصر الصفا في مكة المكرمة
نشر بتاريخ: 23/02/2007 ( آخر تحديث: 23/02/2007 الساعة: 19:38 )
القاهرة-الرياض-فراس برس-أكد جمال عبد اللطيف الشوبكي سفير دولة فلسطين وممثل السلطة الوطنية الفلسطينية في المملكة العربية السعودية أن المبادرة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد ، للقادة الفلسطينيين للقاء عاجل في مكة المكرمة لبحث حل يوقف الاقتتال فيما بينهم.. جاءت منطلقة من شعور خادم الحرمين بالمسؤولية تجاه الأمة العربية والإسلامية، وحملت في طياتها رسالة للشعب الفلسطيني بأن قضية فلسطين والقدس والأقصى هي قضية عربية وفي أولويات القيادة السعودية.
وقال السفير جمال الشوبكي في حوار خص به صحيفة (الجزيرة) السعودية: إن جميع القوى السياسية الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني قد رحب بهذه الدعوة الكريمة؛ لأنها جاءت في توقيت مناسب، خصوصاً أن القضية الفلسطينية لها مكانة خاصة عند العرب والمسلمين، وهي قضية وطنية يدفع ثمنها الفلسطينيون إزاء الممارسات الإسرائيلية العدوانية والمتمثلة في تهويد القدس والجدار العازل واستمرار مصادرة الأراضي في ظل الاقتتال الداخلي.
وكشف السفير الشوبكي أن الاتصالات بين القيادتين السعودية والفلسطينية تمت بوساطته وعبر السفارة الفلسطينية في الرياض وعبر وزارة الخارجية السعودية، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل مؤكداً في الوقت نفسه بأن الدعوة السعودية غير مشروطة، وهي موجهة إلى حركتي فتح وحماس، وهما أحرار في تشكيل الوفد المناسب.
وقال السفير الشوبكي إن كلمة خادم الحرمين الشريفين إلى القيادة الفلسطينية كلمة أخوية وتوجيهية، وكان لديه قلب كبير يوجه نصحه لأبنائه بأنه لا يجوز الاقتتال؛ لأن القضية الفلسطينية هي قضية مقدسة وليست قضية الفلسطينيين وحدهم، ولا يجوز العبث بها في هذه الظروف الصعبة.
وحول اتفاق مكة المكرمة لوقف الاقتتال بين الإخوة قال الشوبكي: إن الاحتضان السعودي ومكانة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وكلماته الطيبة النابعة من القلب كمسئول بانتمائه العربي الأصيل قد حقق المعجزة والحصول على تعهد من الطرفين بألا يخرجوا إلا متفقين ولا يتراجعوا أبداً.
وأكد الشوبكي أن جلسات المكاشفة والمصارحة بين وفدي فتح وحماس تخللها بعض القسوة في الكلام، وأن عدداً من الأمور بنيت على سوء فهم كبير جداً، وبناء على أحكام مسبقة، وأن المصارحة وضعت أرضية لنجاح العمل في اللجان التي تشكلت.
وعن التدخل السعودي في الحوار أكد الشوبكي أن الحوار قد تخللته صعوبات شديدة، وأن هيبته واحتضان المملكة للوفدين، ووجود وفد سعودي رفيع المستوى تابع جلسات الحوار لحظة بلحظة.. أدت إلى اتفاق مكة المكرمة الذي رحب به الجميع.
وأكد الشوبكي أن الوفود الفلسطينية لم تتعرض لأي ضغط فعلي من قبل القيادة السعودية لإتمام الاتفاق، بل كان هناك ضغط المسؤولية؛ لأن العودة إلى غزة دون اتفاق يعني وصول الاقتتال الداخلي إلى حدود سيئة، حيث تتحمل القيادة هذه المسؤولية، مؤكداً في الوقت نفسه عدم الغرق والانسياب في تفسيرات الاتفاق، فالمبادئ التي تم الاتفاق عليها هي تحريم الدم الفلسطيني، وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية وفق اتفاق معتمد بين الطرفين، والشروع العاجل في اتخاذ الإجراءات الدستورية الدقيقة.
ونفى السفير الفلسطيني ما تردد في وسائل الإعلام عن أن المملكة وعدت بتقديم مبلغ مليار دولار للحكومة الفلسطينية الموحدة بعد إعادة تشكيلها، وقال إنه لم يتم التطرق لهذا الموضوع؛ لأن المملكة كانت ولا زالت داعمة للشعب العربي؛ وفي مقدمتهم الفلسطينيون.
* كيف تلقى الفلسطينيون (القيادة والفصائل والشعب) مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز بدعوة القادة الفلسطينيين إلى لقاء عاجل في مكة المكرمة لبحث حل يوقف الاقتتال فيما بينهم؟
- في حقيقة الأمر أنه ومنذ اللحظة الأولى التي قام فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بالدعوة للأطراف الفلسطينية، جاءت الدعوة برسالة لغتها منتقاة بشكل خاص فيها الوضوح والصراحة ومنطلقة من شعوره بالمسؤولية تجاه الأمة العربية والإسلامية أيضاً حملت في طياتها رسالة للشعب الفلسطيني بأن هذه القضية؛ (قضية فلسطين) قضية المقدسات والقدس والأقصى وفي الوقت نفسه هي قضية عربية وجميع الأطراف الفلسطينية التي سمعت بهذا النداء بادرت بتلبية النداء والموافقة فوراً.
فالرئيس أبو مازن وافق فوراً وقال: (نحن جاهزون في أي لحظة يرغب فيها إخواننا استقبالنا في المملكة)، وكان هناك أيضاً تجاوب من حركة حماس على لسان السيد خالد مشعل، وعلى لسان رئيس الوزراء الأخ إسماعيل هنية وأطراف أخرى. حتى رئيس الوزراء الفلسطيني السابق السيد أحمد قريع كان له تعليق سريع بالترحيب، وعدها أصدق المبادرات وأصدق الدعوات. وجميع القوى السياسية - بلا استثناء - رحبت بالدعوة، وأيضاً المجتمع الفلسطيني وجميع الأطراف الفلسطينية؛ لأنها جاءت في توقيت مناسب، خصوصاً أن القضية الفلسطينية لها مكانة خاصة عند العرب والمسلمين، وهي قضية وطنية يدفع ثمنها الفلسطينيون إلى جانب الممارسات الإسرائيلية العدوانية بالنسبة إلى تهويد القدس واستكمال بناء الجدار، واستمرار مصادرة الأراضي في ظل الاقتتال الداخلي.. كل هذه العوامل تجمعت لتعطي المبادرة أهمية قصوى، وبذلك كان التجاوب بحجم هذه الدعوة الصادقة من قبل المملكة العربية السعودية.
* كيف تم التنسيق والاتصالات بين القيادتين السعودية والفلسطينية للحضور إلى مكة المكرمة؟ وما دوركم كسفير لفلسطين في المملكة في هذه الاتصالات؟
- تمت الاتصالات بوساطتي، وعبر سفارة دولة فلسطين بالرياض، وعبر وزارة الخارجية، وسمو الأمير سعود الفيصل الذي اتصل بي ووجه الدعوة باعتبارها موجهة للإخوة في حركتي فتح وحماس، والأخ الرئيس محمود عباس والأخ إسماعيل هنية، ومن يرغب. قمت بالاتصال مع الرئيس الذي كان في أثنائها يحضر مؤتمر الدول الإفريقية في أثيوبيا في أديس أبابا، وكان قد رحب ووافق وقال إنه على استعداد للحضور في أي وقت. ورحب أيضاً بالفكرة السيد خالد مشعل.
عن تفاصيل الدعوة قال الأمير سعود الفيصل بأن أنقل باسم خادم الحرمين (أن الدعوة غير مشروطة وهي موجهة إلى الحركتين، وهم أحرار في تشكيل الوفد المناسب، وما هو مطلوب منا سوف نقدمه، وسوف نكون على مسافة متساوية من الجميع).
الدعوة واضحة وأنا نقلت هذه الرسائل إلى الطرفين. وعندما تحدثنا مع الأخ خالد مشعل والسيد رئيس الوزراء الأخ إسماعيل هنية بدأنا في تشكيل الوفد وتحديد الموعد.
أرسل الرئيس أبومازن قائمة بأسماء وفده، وبعد ذلك أرسل الأخ خالد مشعل قائمة أسماء وفده الذي تأخر فيها بعض الوقت. وكان هناك حديث مطول مع رئيس الوزراء إسماعيل هنية حول التصورات بشأن الدعوة التي كانت غير مشروطة، حيث استفسر عن الدعوة، وهل هي موجهة لحركة فتح وحماس وللحكومة؟ فكان وفد حماس يرغب بإحضار وفد باسم حركة حماس ووفد للحكومة، لكني أبلغتهم بأن الدعوة موجهة لحركتي فتح وحماس، ولا داعي لوجود أكثر من وفدين؛ حركة فتح برئاسة الرئيس، وحركة حماس أرسلوا قائمتهم؛ منها 14 شخصاً هم أعضاء الوفد المفاوض. أما قائمة حركة فتح فكانت 7 أفراد إلى جانب الرئيس. أرسلت بدوري الأسماء إلى الجانب السعودي، وكانت هناك موافقة فورية، حيث طلب الإخوة في غزة طائرة خاصة، ووفر الجانب السعودي الطائرة.
حاولت الاستفسار من الجانب السعودي عن جدول أعمال أو أية تفاصيل أخرى، حيث أصروا على عدم التدخل، وقال سمو الأمير سعود الفيصل: إن جدول الأعمال مسؤول عنه الفلسطينيون أنفسهم، وما علينا إلا توفير الجو المناسب لهم، هذا ما تم نقله، ثم بحثنا مع الرئيس أبومازن والأخ خالد مشعل عن جدول الأعمال، وتم الاتفاق بعد الاتصال مع الجانب السعودي. وبناءً على رغبة خادم الحرمين بأن تصل الوفود وتتوجه لمقابلته بعد ذلك.
أستطيع أن أقول إن المملكة العربية السعودية قامت بالاتصالات مع الطرفين من السفارة، وأنا بدوري قمت بالاتصالات المكثفة مع الرئيس أبو مازن، ورئيس المكتب السياسي الأخ خالد مشعل، إذ كانت المكالمات كثيرة وساعات الاتصالات طويلة جداً إلى جانب أن الاتصالات مع سمو الأمير كانت مكثفة أيضاً.
أثناء ذلك دُعيت الجالية لعقد اجتماع في السفارة، وأوضحنا لهم وجهة النظر، وخرجوا من الاجتماع ببرقية شكر لخادم الحرمين الشريفين شكرناه على الدعوة للوفد، وناشدناه أن يحاول ألا يخرج الوفدان إلا متفقين. ووجهنا رسالة للشعب الفلسطيني للتهدئة ووقف الاقتتال الداخلي، وكانت المفاجأة السارة لنا أن رئيس الديوان الملكي اتصل بنا قائلاً: إن خادم الحرمين اطلع على الرسالة، ووجه لنا رداً عبر الإذاعة، وكانت بمثابة رسالة شرف نعتز بها.
بالنسبة إلى دوري كسفير، فأنا راضٍ عما قمت به في فتح الحوار وتقريب وجهات النظر، إذ كانت اتصالاتي مع سيادة الرئيس أبومازن ومع الأخ خالد مشعل شبه مستمرة لتلبية الدعوة.
* كيف وجدتم استقبال القيادة السعودية للقيادة الفلسطينية في مكة المكرمة؟
- كانت كلمة خادم الحرمين كلمة أخوية وتوجيهية، وأنه كأب لديه قلب كبير يوجه نصحه لأبنائه، ولا يجوز الاقتتال، وأن القضية الفلسطينية هي قضية مقدسة وليست قضية الفلسطينيين وحدهم، ولا يجوز العبث بها.. وهل ممكن أن تحللوا دماء بعضكم بعضاً في هذه الظروف الصعبة. وكانت استجابة الرئيس أبو مازن واضحة، إذ قال لخادم الحرمين: (إننا جئنا للاتفاق، وأنا مستعد للتوقيع على بياض على أي اتفاق، وليس لديَّ شروط.. فلا نريد وزارات أو أي شيء آخر، كل ما نريده هو حقاً الوصول إلى اتفاق تستطيعون أنتم بحضوركم وعلاقاتكم الدولية كمملكة عربية سعودية تسويق الاتفاق، فكل ما أريده هو فك الحصار وإنهاء الحالة الصعبة التي وصل إليها الشعب الفلسطيني والعنف في قطاع غزة).
وكان هناك احتضان من الملك لأعضاء الوفد، وكان هناك ود وتأثير من الملك. وبعد ذلك بساعتين وصل الوفد القادم من غزة. ثم وصل وفد الأخ خالد مشعل من دمشق عن طريق المدينة، ونحن توجهنا مباشرة إلى خادم الحرمين، حيث قام بالتوجيهات نفسها، وكان واضحاً وصريحاً بأننا حريصون على القضية الفلسطينية، ولا نسمح لكم بتضييعها.. فكيف لكم أن تصدروا فتاوى بقتل بعضكم بعضاًً..؟ هذا أمر غير مقبول. فقال الأخ خالد مشعل: (إننا نعاهد الله ثم نعاهدك يا خادم الحرمين بأننا لن نخرج إلا متفقين).. وأستطيع أن أجزم هنا بأن الاحتضان السعودي ومكانة الملك وهيبته وكلماته الطيبة النابعة من القلب كمسؤول بانتمائه العربي الأصيل - برأيي - حققوا المعجزة، وحصل على تعهد من الطرفين بألا يخرجوا إلا متفقين ولا يتراجعوا أبداً.
الحقيقة أن المملكة العربية السعودية بذلت كل جهد ممكن، فكانت هناك ضيافة عربية أصيلة، وهناك احتضان وتأثير إيجابي والتعامل باحترام كافٍ وبالتساوي، والحرص على القضية الفلسطينية دون تدخل.. برأيي هذا أعطى نتائج إيجابية، وجعل الفلسطينيين يشعرون بمسؤولية في هذا المكان.
* كيف جرى الحوار الفلسطيني في مكة الذي أفضى إلى توقيع الاتفاق؟ وهل كانت المفاوضات صعبة بين حركتي فتح وحماس؟ وهل تعرض هذا الحوار إلى مصاعب أدت إلى تدخل الجانب السعودي؟
- كان الحديث عن تشكيل الوفود، وربما كانت هناك موافقة على أن يترأس الرئيس أبومازن الجلسة ويفتتحها. وبدأت الجلسة من الرئيس أبو مازن.. بُثت وسُجلت ومعروفة للجميع، حيث طُرِحَ فيها جدول الأعمال، وطُرِحَ تشكيل أربع لجان:
1 - لجنة لمناقشة خطاب التكليف، تشكيل الحكومة وموضوع وزير الداخلية.
2 - لجنة منظمة التحرير الفلسطينية.
3 - لجنة أسس الشراكة.
4 - لجنة يترأسها الرئيس أبو مازن والأخ خالد مشعل لمتابعة اللجان الأخرى.
كان هناك كلام للسيد خالد مشعل، وكلمة للأخ إسماعيل هنية.. كلمات مليئة بالوعود والتفاؤل والأمل بالخروج متفقين، ثم أغلقت الجلسة الأولى، ومعظم المتحدثين في الجلسة الأولى كانوا من حركة حماس والرئيس كان يدير الجلسة. وفي الجلسة الثانية كانت جلسة مكاشفة ومصارحة تخللها بعض القسوة في الكلام، ولكن كمستمع شعرت أن عدداً من الأمور بُنيت على سوء فهم كبير جداً، وبناءً على أحكام مسبقة.
المصارحة برأيي وضعت أرضية لنجاح العمل في اللجان التي تشكلت ثم توجهت اللجان للعمل.
بالنسبة للجان فإن اللجنة التي كانت عليها الأنظار هي لجنة تشكيل الحكومة حيث تم طرح صيغة كتاب التكليف، وجميع اللجان قامت بعملها على أكمل وجه.
في واقع الأمر هنا يبرز دور الدبلوماسية السعودية حيث إنه في يوم الخميس بعد الظهر كان هناك اقتراب من الاتفاقات لكن اللجان كانت بحاجة إلى وقت، وهنا لعبت الدبلوماسية السعودية دوراً مهماً في استخدام عامل الوقت للوصول إلى اتفاق سريع وهذا ما تم.
وكان هناك برنامج معدّ مسبقاً وهو:
أولاً: أن يتم إعلان استقالة الأخ إسماعيل هنية وأن يتم تكليفه من قبل الرئيس أبو مازن وأن يعلن قبوله بناءً على نص التكليف ولكن عندما أخبرت الرئيس بالبرنامج بأننا سنذهب وبالتالي أنت ستلقي كلمة والأخ خالد مشعل كلمة ورئيس الوزراء الأخ إسماعيل هنية كلمة ثم سيعلن استقالته ثم تكلفه. فقال الرئيس: إن هذا دستورياً لا يجوز، نحن نقرأ كتاب التكليف لكن حتى تستكمل الشروط الدستورية تتم الاستقالة والقبول عندما نعود إلى الوطن.
ثم عدت إلى الإخوة السعوديين وقلنا بأن يقرأ كتاب التكليف على أساس أن هذا هو الخطاب المتفق عليه. بالفعل تم قراءة الخطاب في بث حي ومباشر ثم ذهبنا إلى العشاء على مائدة خادم الحرمين احتفالاً بهذه المناسبة.
بالنسبة للتدخل السعودي، نعم حيث كان هناك صعوبات شديدة وأستطيع القول إن هناك عوامل أنجحت المفاوضات.
أولاً: هيبة واحتضان المملكة للوفدين.
ثانياً: وجود وفد سعودي رفيع المستوى تابع معنا كل لحظة بلحظة.
ثالثاً: كان موقف الرئيس أبو مازن الحقيقة رائعاً لدرجة أنه كان أكثر شخص متسامح ويريد الاتفاق في مكة وأن يقبل السعوديين في حل هذا الاتفاق وتسويقه دولياً. لم يعترض وكان إيجابياً إلى درجة أنه ضغط على وفد حركة فتح. في المقابل اعتقد بأن هذا الموقف الإيجابي وجد تجاوباً شديداً من الأخ خالد مشعل الذي ثمن موقف الرئيس وتجاوب معه. وهذه المواقف الثلاثة جميعها أدت إلى اتفاق مكة الذي رحب به الجميع.
* هل تعرضت القيادات الفلسطينية لأي ضغط سعودي أو خارجي لإتمام الاتفاق؟
أعتقد أنه لم يكن هناك ضغط بمعنى الضغط الفعلي. فكان هناك ضغط المسؤولية لأن العودة إلى غزة دون اتفاق يعني وصول الاقتتال الداخلي إلى حدود سيئة حيث تتحمل القيادة هذه المسؤولية ولذلك الجميع كان يرفض ولا يتصور الخروج دون اتفاق. هذا الأمر كان ضاغطاً على الطرفين. العامل الآخر هو أن المملكة العربية السعودية أثناء وجودها كانت تقوم باتصالات مكثفة مع الدول العربية تحديداً مصر والأردن بالإضافة إلى اتصالات دولية أخرى مع سولانا وكونداليزا رايس ومع أطراف دولية حتى يتم تهيئة المجتمع الدولي وأخذ موافقته المسبقة أو على الأقل كما حصل مع الموقف الأمريكي ألا يعترض على هذا الاتفاق من أجل إعطاء فرصة للحكومة القادمة أن تنجح.
* كيف تقيّم الدور السعودي في نجاح الحوار الفلسطيني للوصول إلى اتفاق مكة؟
- الموقف السعودي كان إيجابياً من حيث توقيت ومكان وزمان المبادرة. فشرف التواجد في مكان مثل مكة المكرمة - أقدس بقعة على هذه الأرض - وارتباطها بالأقصى وبالمقدسات الإسلامية في القدس وأيضاً حرمة الشهر الحرام الذي يحرم قتال الإخوة المسلمين بعضهم بعضا... فما هو الحال إذا لأبناء القضية الواحدة! أيضاً حضور الملك وطاقم الأمراء ومتابعتهم عن كثب على مدار الساعة خلال الثلاثة أيام كل هذه العوامل ساعدت على إنجاح هذا المؤتمر.
* ما هي الأسس التي أوصلت الحوار الفلسطيني - الفلسطيني في مكة المكرمة إلى توقيع الاتفاق؟
أولاً: شعور الجميع بالمسؤولية أمام ما جرى ويجري في قطاع غزة.
ثانياً: نحن إخوة ولا نريد أن يخرج أحد مكسورا حيث دار الحوار تحت عنوان (لا غالب ولا مغلوب) وهذا بالفعل ما تم حتى بالصياغات وتوزيع المناصب وسلوك الآخرين إنه لم يكن لأحد المصلحة في أن ينقص هذا الاتفاق من حقه.
ثالثاً: ما كان مقلقاً بالنسبة لي هو وجود الأطراف الذين كان لهم علاقة فيما حدث في غزة من الطرفين والذين أدوا إلى تعقيد المفاوضات. لكن كان هناك في المفاوضات توتر ومكاشفة ومصارحة فيها قسوة بالإضافة إلى وجودهم في هذا المكان المقدس وقربهم من بعضهم طيلة ثلاثة أيام واحتضان الإخوة السعوديين للجميع.. كل هذه العوامل أدت إلى الوصول إلى الاتفاق.
* أرجو أن توضح للقارئ النص السياسي ومقومات نجاح اتفاق مكة؟
- اتفاق مكة نشر في الصحافة وأصدر الرئيس أبو مازن تعميم وأصدر الأخ خالد مشعل تعميم مشابه وطلبوا عدم الغرق والانسياب في تفسيرات الاتفاق. فالمبادئ التي تم عليها الاتفاق هي التأكيد على تحريم الدم الفلسطيني وهذا أمر لا خلاف عليه. النقطة الثانية هي الاتفاق على النقاط النهائية على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية وفق اتفاق معتمد بين الطرفين والشروع العاجل في اتخاذ الإجراءات الدستورية الدقيقة وهذا ما تم الاتفاق عليه.
هذا هو إجمالي الاتفاق، النصوص أنا برأيي كانت واضحة والنقاط التالية هي التي كانت موضوع نقاش.
أولاً: الموقف يقول إن حكومة وحدة وطنية من أهدافها فك الحصار والتعاون مع المجتمع الدولي.
ثانياً: يتولى رئاسة الحكومة شخص مقبول دولياً.
ثالثاً: أن يكون نائب رئيس الحكومة معين من قبل الرئيس.
رابعاً: تم الاتفاق في السابق على توزيع الحقائب على النحو التالي:
تسع وزارات برئاسة حماس وست وزارات برئاسة فتح، أربعة للتنظيمات وخمسة لمستقلين.
خامساً: الأجندة السياسة شبه المقبولة دولياً هي الالتزام بالشرعية الفلسطينية والعربية والدولية.
سادساً: الحزب التنظيمي الذي يشارك الحكومة لا يلتزم بما تلتزم به الحكومة في حالة التوافق على المبادئ أي لا بد أن يستقيل رئيس الحكومة ويعاد تكليفه.
سابعاً: توجيه الحقائب على تنظيم يتم فيما بعد في الوطن.
ثامناً: وزارة الداخلية والخارجية والمالية يسمى عنهم وزراء مستقلين واتفق على وزير المالية والخارجية وبقي وزير الداخلية.
التفسير برأيي هنا وأحب أن أؤكد أن الحكومة ملتزمة بالقرارات شرعياً وفلسطينياً وعربياً ودولياً. الأحزاب والقوى السياسية حتى ممثلات الحكومة ليس بالضرورة أن تلتزم بنفس قرارات الحكومة أو فيما يخص اعترافها بإسرائيل لكن الحكومة عليها أن تعترف بقرارات الشرعية الدولية ليتسنى للسيد الرئيس التحرك سياسياً واستثمار المناخ الدولي الذي ربما يتيح الفرصة للعودة إلى مسارات سياسية ووقف العدوان الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية وهذا ما نأمله إن شاء الله.
* هل يتضمن اتفاق مكة آلية للتعامل مع أحداث العنف فيما لو حصلت لا قدر الله بين الفلسطينيين مستقبلاً؟
أحداث العنف لن تعود برأيي إذا كان هناك اتفاق سياسي للحكومة الوطنية، فحكومة الائتلاف الوطنية هي الحكومة المخولة لوقف الاقتتال الأمني باحترام القانون وتطبيقه ووقف كل التجاوزات. ومن يخالف برأيي القانون سيحاكمه ولا حماية لمن يقوم بتجاوز القانون سواء كان من أي تنظيم أو عائلة أو غيرها والجميع تعهد بذلك.
* متى ستبدأ اللجنة الخاصة بمنظمة التحرير الفلسطينية؟
- أجملت لجنة منظمة التحرير الفلسطينية اجتماعها بمايلي:
أولاً: التأكيد على اتفاق القاهرة ووثيقة الوفاق الوطني التي تم التوافق عليها وحث جميع الأطراف على الإسراع في تفعيلها.
ثانياً: استئناف الجهود الرامية إلى تطوير وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية والتي تضمنها إعلان القاهرة ومفاهمات دمشق وضرورة تسريع عمل اللجنة التحضيرية التي تم الاتفاق عليها في دمشق للإعداد لمؤتمر القاهرة فيما يتعلق بعضوية المستقلين وبجدول أعمال القاهرة.
ثالثاً: تسمية مندوبين عن فتح وحماس لمتابعة وإنجاز ما تم الاتفاق عليه والتنسيق بينهما.
* كيف ترى مستقبل العلاقة بين حركتي فتح وحماس؟
- إذا نجحت حكومة الوحدة الوطنية أنا برأيي ستؤسس شراكة قوية بين التنظيمين الأكبر في الساحة الفلسطينية، حيث لا تستطيع فتح أن تقول بأن حماس غير موجودة وكذلك الأمر بالنسبة لحماس؛ حيث إنها لن تستطيع الخروج من الحالة الصعبة التي مرت بها وبرأيي لا بد من التعاون. وبنفس الوقت تعتبر هذه العلاقة ترسيخاً للديمقراطية الفلسطينية والتعددية السياسية.
* هناك تفاوت في مواقف المجتمع الدولي تجاه الاتفاق. هل ترى إمكانية لأن يصمد هذا الاتفاق لاسيما وأن الإشكالية التي واجهت الحكومة الحالية هي الحصار السياسي والمالي لها؟
نعم هناك تفاوت. فعلى الأقل رحب الأوروبيون واليابانيون والدول العربية جميعها بالاتفاق. وأنا برأيي إن جميع الدول رحبت باستثناء بعض الدول القريبة من أمريكا حيث أعلنوا بأنهم بحاجة لدراسة الاتفاق أولاً وإسرائيل عارضت بقوة وقوة شديدة لأنها لا تريد إلا استمرار الحصار على الشعب الفلسطيني السياسي والمالي وستسعى إلى ذلك. وأنا برأيي أنه يجب ألا نعطيها فرصة، ومن هنا جاءت قصة أن هناك استفسارات عدة بخصوص الاتفاق وعدم وجود تصريحات مترابطة مع الاتفاق وهنا التعهد قاطع أن تلتزم الحكومة، أفرادها، ورئيس وزراءها بعدم التصريح بأي شيء يتعارض مع الاتفاق ويتعارض مع الرئيس.
* ما هي الإجراءات العملية لتشكيل الحكومة الفلسطينية؟
- الأمر بسيط جداً، فحسب الدستور الفلسطيني يستقيل رئيس الحكومة ثم يكلف خلال ثلاثة أسابيع ويقدم الحكومة الجديدة إلى المجلس التشريعي لكي تحظى بثقة المجلس التشريعي بعد قبول خطاب التكليف المنصوص عليه بالاتفاق.
* حركة حماس قالت إن اتفاق مكة لا يعني اعترافها بإسرائيل. فهل سيؤثر ذلك على تشكيل ومن ثم استمرار حكومة الوحدة؟
أعتقد وكما قلت إن الموضوع هو ليس موضوع حركة حماس وإنما موضوع الحكومة القادمة فالحكومة القادمة يجب أن تحترم الاتفاقات وقرارات الشرعية الدولية حتى تستطيع أن تتعامل سياسياً وتساعد الرئيس في مهمته في المرحلة القادمة. الفصائل والتنظيمات وما يخص التعددية السياسية من حقهم أن يختلفوا أو يتفقوا مع الحكومة فهذا الأمر لا يعيق.
* ما هو دور المجتمع الدولي في المساعدة على تكريس الاتفاق وتسهيله؟
- المجتمع الدولي له دور كبير جداً في تكريس الاتفاق الدولي وتسهيله لأنه دون تعاون المجتمع الدولي لن ينتهي الحصار لذا نأمل تعاونهم ان شاء الله.
* ما تأثير اتفاق مكة على قضية الجندي الإسرائيلي الأسير؟ وما صحة ما يتردد عن إطلاق سراح أمين سر حركة (فتح) الأسير مروان البرغوثي في إطار صفقة الأسرى؟
- نحن نأمل أن يتم التجاوب من الجانب الإسرائيلي بالإفراج عن عدد مقبول من المعتقلين الفلسطينيين مقابل الجندي الإسرائيلي وهناك موافقة مبدئية عليه من قبل الأطراف. أما بالنسبة لإطلاق سراح أمين سر حركة فتح الأسير مروان البرغوثي فالأخ مروان يعتبر عضو مجلس تشريعي والاتفاقات السابقة في شروط الإفراج عن الجندي هي أن يتم الإفراج عن جميع أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الوزارات. وثانياً سمعت من الأخ أبو مازن أنه طالب الأمريكان بضرورة الإفراج عن مروان البرغوثي واستمعت أيضاً من الأخ خالد مشعل والأخ اسماعيل هنية تعهد أنه سيكون الإفراج عنه وأثناء التوقيع على الاتفاق تعرض الأخ هنية إلى مروان بالاسم عندما تعرض لقضية الأسرى كقائد في هذه المعتقلات وهذا دليل اهتمام واضح.
* ما صحة ما تردد أن المملكة قد وعدت بتقديم مساعدات بمبلغ مليار دولار للحكومة الفلسطينية الموحدة بعد إعلان تشكيلها؟
لم يتم التطرق لهذا الموضوع لأن المملكة هي الداعمة للشعب العربي وأوله الفلسطينيون. وكل ما قيل عن هذا الأمر هو محض افتراء لا أساس له من الصحة.