اختتام فعاليات المؤتمر الاقليمي حول تحديات الانتقال للديمقراطية
نشر بتاريخ: 05/12/2012 ( آخر تحديث: 05/12/2012 الساعة: 17:24 )
القدس- معا - دعا الشباب العرب المشاركون في المؤتمر الإقليمي حول تحديات الانتقال للديمقراطية، والذي انعقد في القاهرة، نظراءهم في سورية من مختلف الفئات والطوائف والفصائل والعرقيات إلى الوحدة الوطنية وتغليب المصلحة الوطنية العليا والعمل الجاد لأخذ مكانهم ودورهم المناسب في عملية التغيير والبناء.
وفي رسالة وجهها الشباب المشاركون إلى نظرائهم في سورية، وجهوا التحية إلى شهداء الربيع العربي في كل مكان وإلى كل من ضحى بروحه في سبيل حرية وكرامة شعبه، كما وجهوا التحية للشباب في سورية، وقالت الرسالة "نوجه التحية لجيل يحاول بكل ما يملك من إمكانيات بسيطة الانتقال للديمقراطية عبر تحرير المواطن من كل أشكال الضغوط والاستبداد السياسي والاجتماعي".
وخلال أعمال المؤتمر الذي انعقد خلال الفترة من 1-4 كانون الأول الحالي بتنظيم من مركز القدس للدراسات السياسية، طرح الشباب المشاركون عدة تساؤلات تتعلق بمفاهيم عديدة واكبت ثورات الربيع العربي، وتركزت التساؤلات حول مفاهيم الديمقراطية والمواطنة وحكم الأكثرية وموقع الأقلية في عملية صنع القرار.
وشارك في أعمال المؤتمر تسعون شاباً وشابة من تسع دول عربية هي؛ الأردن وسورية والمغرب وتونس وفلسطين وليبيا واليمن ومصر والبحرين، وانتقد المشاركون تهميش الأنظمة الحاكمة الجديدة في الدول العربية للشباب رغم أنهم كانوا السبب الأساسي في التغيير الذي شهدته دولهم.
.واستحوذت الأوضاع في كل من سورية ومصر واليمن والبحرين وفلسطين على جزء هام من نقاشات المؤتمرين الذين أكدوا على تضامنهم الكامل مع الشعب العربي في هذه الدول لتحقيق مطالبهم العادلة في الديمقراطية والحرية.
وشهدت الجلسة الأولى من أعمال المؤتمر انتقادات حادة وجهها المشاركون لأداء السياسيين العرب على اختلاف توجهاتهم السياسية والفكرية، متسائلين في الوقت ذاته عن دور المفكرين العرب خلال المرحلة الانتقالية التي يعيشها عدد من الدول العربية في مساعدة الشباب لتحقيق رؤية الشباب العربي في إحداث تغيير حقيقي.
وخلال أعمال الجلسة الأولى، تحدث مجموعة من السياسيين والمفكرين العرب من دول الربيع العربي، حول الأوضاع التي تعيشها بلدانهم بعد سقوط أنظمة الحكم التي كانت قائمة فيها، حيث أكد الباحث والمفكر المصري الدكتور حسن نافعة في كلمة له على أن مصر تعيش حالياً على مفترق طرق على أثر الأزمة السياسية التي اندلعت في البلاد على خلفية الإعلان الدستوري الأخير للرئيسي محمد مرسي وإقرار مسودة الدستور الجديد من قبل الجمعية التأسيسية.
واعتبر نافعة أن الأزمة الراهنة التي تعيشها مصر هي نتيجة منطقية لسوء إدارة المرحلة الانتقالية من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تسلم السلطة في أعقاب سقوط النظام السابق، وفي هذا الصدد أوضح نافعة ان المجلس العسكري بدأ يتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها الأكثر تنظيما وارتباطا بالجماهير، ومن هنا بدأت المشاكل مع الثوار الذين بدأوا بالتوحد فيما استمر الشباب وهم الفتيل الرئيسي الذي أشعل الثورة بالانقسام ولم يتمكنوا من تشكيل إطار تنظيمي يقود الحوار مع القوات المسلحة كبقية القوى الأخرى.
وأكد نافعة أن الجدل حول الدستور الجديد والأزمة التي تبعت إقراره هي نتاج سوء إدارة المرحلة الانتقالية في مصر بعد الثورة، واستعرض نافعة في كلمته موقف جماعة الإخوان المسلمين من موضوع الدستور متهماً الجماعة بالرغبة في السيطرة على "تأسيسية" وضع الدستور.
كما استعرض نافعة الوضع الراهن في مصر، وتساءل ما لذي سيحدث في حال أصر الرئيس مرسي على عملية إقرار الدستور وإجراء الاستفتاء عليه، وقال إن مصر تقف اليوم على مفترق طرق، فإما نظام ديمقراطي حقيقي وإما استفراد جماعات الإسلام السياسي بالسلطة.
وشدد نافعة على أن القاعدة الأساسية لبناء النظام السياسي الجديد لدول الربيع العربي، يجب أن يقوم على قاعدة أن النظام السياسي يحتوي الجميع، وعلى قاعدة الحرص على وحدة الدولة أولاً وسلامة المجتمع.
وكان المدير العام لمركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي، قد افتتح أعمال المؤتمر بكلمة تحدث فيها عن فكرة انعقاد المؤتمر، حيث أشار أنها جاءت نتيجة إحساس عميق أن عملية الانتقال للديمقراطية في دول الربيع العربي تمر في عنق زجاجة، وتجابه حالة استعصاء في العديد من الدول العربية سواء من أنجز تغييراً ذا مغزى، إذ ما زالت مراحل ما بعد إسقاط النظم تواجه الكثير من التحديات، أو سواء الدول التي مازالت في طريقها للحرية والسيادة والاستقلال.
وتابع بالقول إن الحاجة إلى البحث والتشاور مع النشطاء في الشارع كانت السبب الرئيسي وراء انعقاد هذا المؤتمر، خاصة أن الشباب الذين كانوا في الساحات لم يكونوا حاضرين في مؤسسات ما بعد الثورة، حيث يسود الإحساس بالتهميش والإقصاء، وأضاف بأن مرحلة ما بعد الثورات قد شهدت انتعاشاً للهويات الفرعية وخطاباً طائفياً وعرقياً، ومجتمعات تتفكك أو سائرة إلى حرب.
وفي كلمته أمام المؤتمر، شدد العضو القيادي في المنبر الديمقراطي السوري سمير عيطة على أن المشكلة التي تواجه المجتمعات العربية لا تتمثل في إسقاط الطاغية بل فيما سيحدث بعد ذلك، مؤكداً أن أهم عنصر في لحظة التحول التاريخية التي تعيشها دول المنطقة أنها ستغير العقد الاجتماعي القائم بين الناس، مشيراً إلى أنه يفضل دول المساواة التامة في الحريات والمواطنة، وأن السؤال هو كيف يمكن إيجاد قاسم مشترك بين مكونات المجتمع لتحقيق المساواة.
واعتبر عيطة أن الإسلام السياسي يتناقض مع مبدأ المساواة في المواطنة، موضحاً أن العقد الاجتماعي لا يتحدث فقط عن الحريات بل عن المساواة أيضاً بين كل مكونات المجتمع في المنطقة العربية سواء كانوا رجالاً أم نساء، عرباً أم كرداً، مسلمين أم مسيحيين... إلخ.
ووصف الثورات التي قادها الشباب العربي بأنها "تسونامي"، غير أنه قال إن مشكلة هذا التسونامي أنه جاء في ظل لحظة عجز النظريات، وكان شعاره الرئيسي "نريد إسقاط النظام ولا نريد أن نتحدث في السياسة ".
وشدد على أن الانتقال الديمقراطي في المنطقة العربية سيكون صعباً وسيواجه تحديات كبيرة. وقال إنه لا عدالة انتقالية دون مصالحة انتقالية، الأمر الذي يتطلب وقف المهاترات.
كما تحدث الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري عبد الباسط سيدا الذي وصف ثورات الربيع العربي بأنها ثورات شباب، وقال إن الشباب العربي أثبت أنه فاعل وقادر على تقديم أبجدية جديدة تمثلت في الشجاعة بأرفع مقاييسها، مشيراً إلى أن الثورة قامت نتيجة انسداد الأفاق أمام الشباب العربي.
وتحدث سيدا عن تجربة المجلس الوطني السوري والإرهاصات التي رافقت تشكيله والمهام التي اضطلع بها المجلس منذ تأسيسه، مؤكداً أن الشعب السوري يتعامل مع المجلس الوطني على أساس أنه الدولة.
وفيما يتعلق بتطورات الأوضاع في سورية، أكد سيدا أنه ليس هناك خوف على عروبة سورية وإسلاميتها، ولكن لا بد من الاعتراف بوجود قوميات أخرى تشكل المجتمع السوري، وقال إنه لا بد أن تُؤخذ هذه الخصوصية السورية بعين الاعتبار حتى تستقيم الأمور. وأضاف بأن الطوائف في سورية هي جزء من النسيج الوطني، محذراً من خطورة فرض نزعة طائفية على مجتمع متعدد الطوائف.
ودعا سيدا القوى السورية المختلفة لمراعاة قضايا رئيسية حرصاً على مصلحة سورية، تتمثل بضرورة التوافق على إزالة الهواجس والمخاوف بعقود مكتوبة تضمن حقوق الجميع، وتعزيز الثقة المتبادلة من خلال التواصل المشترك والاتفاق على آلية لحل الخلافات بعقلية حوارية توافقية.
وخلال أعمال اليوم الثاني من المؤتمر، شدد الناشط المصري وعضو حزب الدستور وأحد مؤسسي حركة "كفاية" جورج إسحاق على إصرار الشعب المصري على بقاء ثورته سلمية، ودعا إلى حوار وطني حقيقي للخروج من الأزمة الراهنة التي تعيشها مصر بسبب الإعلان الدستوري، واصفاً الحوار الذي جرى في السابق بأنه حوار طرشان، وأوضح أن جهة واحدة تريد أن تنفرد بحكم مصر، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة الذي يمثلها، لافتاً إلى أن الإعلان الدستوري جاء نتيجة الاستبداد بالحكم وأنه يكرس الدكتاتورية، ودعا للوصول إلى حالة توافقية حول الدستور.
وقال إن الدستور لابد أن يحافظ على الحريات العامة وحقوق المواطنين كافة ويحقق المساواة، مشدداً على أن أي شيء يناقض هذه الأمور مرفوض.
وقال عضوالمكتب التنفيذي في هيئة التنسيق الوطني والخبير الاقتصادي السوري عارف دليلة، إن الدول العربية التي عانت من الفساد وقمع الحريات والاستبداد، وصلت الآن إلى النقطة التي لم يعد فيها الاستمرار بهذا الوضع ممكناً، محذراً من ضياع مستقبل الشعوب العربية كما ضاع ماضيها وهذا ما لا يجب السماح به.
وأضاف دليلة بأن الأنظمة التي استفردت بكل مفاتيح الحياة خلال نصف قرن، أزالت الإنسان والشعب والدولة، ولم يبق غير المتحكمين بالسلطة الذين حكموا على هواهم دون سند لمبادىء أو أخلاق.
وقال إن المسالة الأساسية التي تحتاجها الشعوب العربية، هي إعادة إحياء الإنسان من جديد ليمارس دوره في إدارة مقدراته الوطنية والحكم على قدم المساواة بقوانين وأنظمة توحد بين الناس وتزيل أية خلافات بينهم.
وحذر دليلة من الانتقال من عنف السلطة إلى العنف المضاد لقوى المعارضة التي تتحكم بها نزعة من الاستفراد ومحاولة إلغاء الآخر، موضحاً أن هذا خطر يجب أن يكون واضحاً للجميع وبالأخص لدى الشباب.
وأكد الناشط السوري الدكتور رياض ضرار على أن هناك فرقاً كبيراً بين الإسلام وبين الأحزاب التي تريد الإسلام مصدراً سياسياً، موضحاً أن الإسلام دين والسياسة دولة، وهناك من يريد للدولة أن تصطبغ بالدين، وبالتالي وضع الناس في صيغة واحدة، وهذا مخالف لما خلقه الله.
وقال إن الإسلام لم ينشىء دولة لإنه نظام إنساني شامل ومشروع ديمقراطيات متعددة على تعدد المجتمعات. وأوضح ضرار أنه في الدول الديمقراطية التي تكون على أساس إسلامي يقوم البناء الوطني على عقد اجتماعي تتلاقى فيه العلمانية مع الإسلام، لإن ذلك يشكل مرجعية مشتركة للجميع على أرضية المواطنة التي تحترم التعدد الديني والتضامن الوطني.
وأوضح أن أي مقاربة علمانية إسلامية تبين أن النظام الإسلامي هو نظام متجدد على أصوله، ويتمتع بالقدرة على التعدد واستيعاب الديمقراطية.
وقال ضرار إن الإسلام لم يقدم شكلاً محدداً للدولة، لذلك لا ضير إذا ما اتخذت الديمقراطية وسيلة لتعبير المجتمع عن خياراته في الدولة.
ولان المؤتمر يهدف أساساً لرفع مستوى وعي الشباب لتحديات مرحلة الانتقال للديمقراطية وللإسهام في بناء قدراتهم على العمل الجماعي وبناء التحالفات والشبكات والتعامل مع قضايا العدالة الانتقالية، قدم مدير مركز القدس للمشاركين شرحاً عن مفهوم الشبكات وأهدافها والمعايير التي ينبغي أن تنشأ هذه الشبكات بموجبها لتكون قادرة على العمل والتأثير.
كما قدم الناشط السوري الدكتور باسل حتاحت شرحاً للمشاركين عن مجموعة من المفاهيم المرتبطة بآليات التحول للديمقراطية والمجتمع المدني وأهمية منظومة المؤسسات المدنية والأهلية لتطوير وتنظيم هذا التحول ومأسسته.
كما عرض حتاحت لمفهوم التحول الديمقراطي ووصفه بأنه الحاضنة الاجتماعية والعقد الاجتماعي الحامي لنهضة الأوطان للارتقاء وتطوير الإنسان فيها.
وجرى تقسيم الشباب المشاركين إلى ست مجموعات، عملت على مدار يوم كامل على وضع واقتراح أفكار عملية ومبادرات يمكن أن يطبقوها كناشطين في مجتمعاتهم، لا سيما تلك التي تشهد صراعات داخلية بحيث تسهم هذه المبادرات بردم الفجوة بين المواطنين من مختلف الفئات في تلك المجتمعات. وتركزت معظم المبادرات التي طرحت على استخدام وسائل الاتصال الحديثة كوسيلة لتعميم المبادرات المحلية.
وعرض الشباب المشاركون في المؤتمر قصص نجاح في مجتمعاتهم كانوا هم المبادرين لتنفيذها بهدف خدمة المجتمع وتطلعه إلى التغيير، حيث ارتكزت هذه القصص بالأساس على مبدأي المبادرة والعمل الجماعي.
وخاض الشباب العربي المشاركون في المؤتمر والذين ينتمون إلى مختلف التيارات السياسية والفكرية في بلدانهم، نقاشات معمقة حول أساليب التغيير نحو الديمقراطية في بلدانهم، ووازنوا بين نقاط الاختلاف والتوافق، وتباحثوا في مفاهيم عديدة مثل الديمقراطية والتعددية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وأكدوا أن لا تغيير حقيقياً دون مشاركة من كل فئات المجتمع لا سيما الشباب. كما ناقشوا مفهوم الدولة الدينية والدولة المدنية، ودور الأحزاب السياسية في العمل الوطني.
وأكد الشباب المشاركون على ضرورة عدم الخوف من أي تيار سياسي يصل للحكم خاصة تيار الإسلام السياسي طالما يتم احترام مبدأ الديمقراطية وتداول السلطة. كما أكدوا على ضرورة احترام التعددية الطائفية والعرقية في المجتمعات العربية، لافتين إلى أن ذلك لا يتم إلا بوجود أنظمة حكم ديمقراطية تقوم على تحقيق مبدأ المساواة، وشددوا على ضرورة العمل على التنسيق والتنظيم والتعاون بين الشباب العربي في كل كل مكان لتفعيل دورهم في بناء أسس الديمقراطية والعمل المدني. كما أكدوا على ضرورة تفعيل مفهوم العدالة الانتقالية والدفع باتجاهها.
واعتبر المشاركون أن قضية الانتقال للديمقراطية والتغيير في المجتمعات العربية هي قضية كل الفئات والمواطنين، لذلك ينبغي على الجميع الالتزام بتحقيقها لتكريس قيم التغيير والإنسانية السامية وصولاً إلى بناء دول مدنية ديمقراطية.
وأعلن الشباب المشاركون خلال أعمال الجلسة الأخيرة من جلسات المؤتمر، الاتفاق على إبقاء المؤتمر في حالة انعقاد مستمر إلكترونياً. كما اتفقوا على تنفيذ عدة مبادرات تتمثل بـنشر الوعي بمفهوم العدالة الانتقالية، ونشر الوعي بالقضية الكردية باعتبار أن الأكراد يمثلون جزءاً من النسيج المجتمعي السوري. ومن المبادرات الأخرى التي تم اقتراحها، تأسيس موقع إلكتروني وإذاعة محلية تحمل اسم "شمس" لتعميم مبادىء المواطنة والحقوق الاجتماعية واستهداف قادة الرأي والإعلاميين بهذه المبادرات لتعميمها على أوسع نطاق.